مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

المنظمات الحقوقية في مصر بين صمت “مُريب” ومستقبل “مجهُول”

جانب من الوفد المصري الذي شارك في بداية شهر نوفمبر 2014 في أشغال مجلس حقوق الإنسان في جنيف بمناسبة قيامه بالمراجعة الدورية الشاملة لملف مصر في مجال حقوق الإنسان للفترة الممتدة من 2010 إلى 2014. null

تباينت رؤى خبراء مصريين متخصصين في حقوق الإنسان، حول مستقبل المنظمات الحقوقية في مصر. البعض يرى أن "مواجهة العنف والإرهاب والتحديات تنعكس على الحالة الحقوقية"، مُعزيًا تراجع أداء منظمات حقوق الإنسان في مصر، وقلة فعاليتها، إلى "انشغالها بالدفاع عن نفسها إزاء حملة التشهير والتحريض المثارة ضدها".

في المقابل، اعتبر آخرون أن “المشهد المرتبك فى مصر يؤثر على الجميع؛ لدرجة أن هناك منظمات حقوقية تكاد تغلق أبوابها، وتُوقف نشاطها للأسباب السابقة”، وذهب أحدهم إلى أن ما كان يُمكن أن نسميه في السابق بـ”المخاوف”، التي تحيط بمستقبل المنظمات الحقوقية بمصر، أصبح من قبيل “الحقائق”، مشيرًا إلى أن “المنظمات الحقوقية فقدت أهم ما يُميّزها وهو إستقلالها”.

الوطن يُواجه موجات عنف وإرهاب!

في البداية؛ أوضح الناشط الحقوقي محمد زراع، المحامي بالنقض، أنه “عندما يُواجه الوطن موجات من العنف والإرهاب والتحديات، فإن هذا ينعكس بشكل مباشر على حالة حقوق الإنسان، ولهذا فإن الوضع الحقوقي يتدهور منذ عام 2010 وحتى اليوم، وذلك نتيجة الثورة الأولى (25 يناير 2011)، ثم الثورة الثانية (30 يونيو 2013)، ثم التحديات الكبيرة وموجات العنف والإرهاب المتتالية، التي تهدد الدولة، إضافة إلى عدم وجود أفق سياسي”، معتبرًا أن “هذا كله يؤثر بشكل سلبي على ملف حقوق الإنسان في البلاد”.

وفي تصريحات خاصة لـ”swissinfo.ch”، قال زراع، الذي يترأس المنظمة العربية للإصلاح الجنائىرابط خارجي: “المنظمات الحقوقية بمصر اليوم تعاني من مشكلات كبيرة جدًا؛ بسبب إطلاق حملة موسعة ضدها، في أعقاب نجاح ثورة يناير في الإطاحة بنظام مبارك، حيث يعتبرها البعض أحد أسباب الثورة، وهو شرف لا تدعيه”، معتبرًا أن “تقييم الدولة لها على أنها خطر على الأمن القومي، هو السبب وراء إحساس البعض بعدم فعاليتها، وأنها في حالة بيات شتوي”.

نص المادة 75 من الدستور المصري

«للمواطنين حق تكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية على أساس ديمقراطى، وتكون لها الشخصية الاعتبارية بمجرد الإخطار، وتمارس نشاطها بحرية، ولا يجوز للجهات الإدارية التدخل فى شئونها، أو حلها أو حل مجالس إداراتها أو مجالس أمنائها إلا بحكم قضائى، ويحظر إنشاء أو استمرار جمعيات أو مؤسسات أهلية يكون نظامها أو نشاطها سرياً أو ذا طابع عسكرى أو شبه عسكرى، وذلك كله على النحو الذى ينظمه القانون».

وأضاف أنها تعاني أيضًا من “وضعها في صورة المتهم، والطعن في شرفها ومصداقيتها ونشاطها، والحديث عن برامجها على أنها أجندات خارجية لها أهداف ضد الدولة”، مشيرًا إلى أن “منظمات المجتمع المدني عمومًا، والجمعيات الحقوقية بصفة خاصة، تتعرض لحملات تشويه وتشهير، كما تعاني من التحريض المجتمعي ضدها”.

أداء المنظمات الحقوقية مراجعٌ!

وأرجع زراع، وهو عضو أيضا في مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسانرابط خارجي، تراجع أداء منظمات حقوق الإنسان في مصر، وقلة فعاليتها، إلى انشغالها بالحملة المُثارة ضدها، فضلاً عن انكبابها على توفيق أوضاعها وفق القانون 84 لسنة 2002، وهو ما شغلها عن دورها الأساسي، ألا وهو الدفاع عن حقوق الإنسان”، مشيرًا إلى أن “إشكالية هذا القانون أنه يتناقض مع المادة 75 من الدستور المصري، الذي استُفتيَّ عليه الشعب”، ومحذرًا في الوقت ذاته من “رمي منظمات المجتمع المدني العاملة في هذا القطاع بالعمالة والخيانة، ووصفها بالخطيرة على الأمن القومي”.

في نفس السياق، كشف الناشط الحقوقي عن أن “المجلس القومي لحقوق الإنسانرابط خارجي، لا يزيد عن كونه مظلة كبرى للمنظمات العاملة في هذا المجال، وهو في النهاية مجلس استشاري، شبه حكومي، ليس له سلطة حقيقية، ويتلخص دوره في رفع شكاوى المواطنين وتوصيات وملاحظات المنظمات الحقوقية إلى الحكومة، ونقل ردود الحكومة عليها، دون أن يكون له دور فاعل في تحسين حالة حقوق الإنسان”.

وأضاف محمد زراع: “حتى لا نذهب بعيدًا في أحلامنا؛ فإنه يكفي المجلس القومي لحقوق الإنسان أن يقوم بدور الناصح للدولة والحكومة، فضلاً عن قيامه بدور الوسيط بين الحكومة والمنظمات الحقوقية”، مشيرًا إلى أن “قطاع حقوق الإنسان بوزارة الداخلية شأنه شأن المجلس القومي، لا يملك سوى نقل شكاوى المواطنين والمنظمات إلى وزير الداخلية، ثم توصيل الرد لصاحب الشكوى..”.

تشريع “الجديد” وتفعيل “الموجود”!!

وأشار إلى أن “معظم الملاحظات التي أوردها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في دورته الأخيرة الملتئمة بجنيف (غرب سويسرا) على الملف المصري لحقوق الإنسان، هي نفس الملاحظات التي رصدتها المنظمات الحقوقية المصرية قبل السفر إلى سويسرا”، مشيرًا إلى أن “هذه الملاحظات تحدثت عن: الحبس الإحتياطي، الذي زاد بشكل غير عادي، ومعاناة منظمات المجتمع المدني، فضلاً عن الحديث عن الإعدام، وحقوق المرأة والطفل، والأوضاع الإقتصادية، والإنتخابات الرئاسية، …. إلخ”.

وقال زراع، عضو وفد المنظمات الحقوقية المصرية الذي شارك فى جلسات مجلس حقوق الإنسان الأخيرة بجنيف: “إن غالبية الملاحظات لها أصل في الدستور، غير أن المشكلة التي تعترضها هي: عدم وجود تشريعات قوانين جاهزة لتطبيقها، فضلاً عن عدم تفعيل بعض القوانين الموجودة؛ وتطبيقها على جميع المواطنين بصورة صحيحة وعادلة، ووفق آلية أخلاقية وإنسانية”.

الناشط الحقوقي شدد أيضا على أن مصر “دولة عضو في منظمة الأمم المتحدة، وعضو في مجلس حقوق الإنسان، وعليها أن تلتزم بتطبيق المبادئ التي تحافظ على حقوق الإنسان، والتي نصت عليها القوانين والمواثيق والأعراف الدولية، حتى تتمكن من تحسين الأداء الحقوقي”.

حملة لتشويه “المجتمع المدني”..

من جهته، أوضح الناشط الحقوقي عصام شعبان، أن التضييق الذي تعانيه المنظمات الحقوقية في مصر “يقع ضمن حالة الحصار الذي يُضرَبُ الآن على النشاط فى المجال العام، سواء كان يتعلق بأنشطة القوى السياسة أو منظمات المجتمع المدني”. وهو يأتي، حسب رأيه “ضمن حملة مستمرة بدأت بعد الثورة مباشرة، بهدف تشوية منظمات المجتمع المدني وكل المدافعين عن حقوق الإنسان؛ بدعوى الحفاظ على الأمن القومي وسيادة الدولة، وهى ذاتها الشعارات التي رُفِعَت فى 2012 و2013 تُرفَعُ الآن مجددًا”.

وفي تصريحات خاصة لـ”swissinfo.ch”، أوضح شعبان، القيادى بالحزب الشيوعي المصري، أن “ازدياد حالات العنف الشرطي، وعدد المعتقلين السياسيين، وحالة التراجع الحادثة فى مجال الحريات، يجعل السلطة أكثر حساسية من أي وقت مضى، خاصة في نقد المنظمات الحقوقية. إضافة إلى أن اقتراب الإنتخابات البرلمانية جعل الدولة حريصة على إبراز أن هناك مُناخ ديمقراطي يُحيط بعملية اختيار برلمان جديد يُقلِق السلطة الحاكمة”.

وردًا على سؤال حول أهم ملاحظاته على ما حدث خلال المراجعة الدورية الشاملة لأوضاع حقوق الإنسان في مصر التي جرت مؤخرا في جنيف، أجاب شعبان، عضو الأمانة العامة للجمعية الوطنية للتغيير، والباحث بمركز آفاق اشتراكيةرابط خارجي، قائلاً: “الدولة لم تجد ما تدافع به عن نفسها، سوى نصوص دستورية أهدرت ولم تُطبَق”، حسب زعمه.

العسكر والإخوان لا يُعجبهم الحقوقيون!

الناشط الحقوقي أبدى اختلافه مع ما يراه البعض من سلبية واضحة من بعض المنظمات الحقوقية التي لطالما تصدت للدفاع عن حقوق الإنسان في الأعوام السابقة، متسائلاً: “وهل معنى أني حقوقى أن أؤيد تيار الإسلام السياسي أم أؤيد الدفاع عن الحقوق والحريات؟”، موضحًا أنه “ليس معنى أن بعض الحقوقيين يأخذون موقفًا سياسيًا لا يروق للبعض أنهم ضد حقوق الإنسان، فهم لا يزالون على مواقفهم، وبياناتهم الرسمية خير دليل، لكن أنصار العسكر والإخوان المسلمين لا يُعجبهم الحقوقيون، لانهم يتناقضون مع الإثنين”، على حد قوله.

في السياق، عزا شعبان عدم فعالية بعض هذه المنظمات على أرض الواقع وغياب دورها الفاعل إلى “التضييق المفروض على تلك المنظمات في عدة أمور؛ منها مسألة التمويل، والتعتيم الإعلامي على الكثير من أنشطتها، وكذا التضييق على حركتها وخاصة في عقد فعالياتها ومؤتمراتها، وحتى في استئجار قاعات وأماكن للتدريب والمؤتمرات، إضافة إلى حملات التخوين والتشويه المتعمد من قبل النظام لتلك المنظمات”.

أخيرا، أشار الناشط الحقوقي عصام شعبان إلى أن “بعض المنظمات الحقوقية في مصر، وهى محدودة، ينعكس المنظور السياسي على عملها الحقوقي في بعض مناحي نشاطها”، مُعترفًا بأن “المشهد المرتبك فى مصر يؤثر على الجميع لدرجة أن هناك منظمات تكاد تغلق أبوابها وتُوقف نشاطها للأسباب السابقة”.

“المخاوف” تحولت إلى “حقائق”!

من جانبه؛ أوضح الناشط الحقوقي هيثم أبو خليل أن ما كان يمكن أن نسميه في السابق بـ “المخاوف”، التي تحيط بمستقبل المنظمات الحقوقية في مصر، أصبح من قبيل “الحقائق”، خاصة بعد تفعيل قانون 84 لعام 2002؛ حيث “فقدت المنظمات الحقوقية أهم ما يُميّزها وهو إستقلالها، وأصبحت هناك قيود على تأسيسها، ورقابة علي جمعيتها العمومية، وتدخل سافر في إدارتها، وتجريم لتمويلها… فماذا تبقي؟”.

وقال أبو خليل، الذي يُدير مركز “ضحايا” لحقوق الانسانرابط خارجي، في تصريحات خاصة لـ”swissinfo.ch”: إن المهلة (90 يومًا- انتهت منذ أيام) التي منحتها وزارة التضامن الإجتماعى للجمعيات الأهلية لتوفيق أوضاعها، وفق القانون 84 لعام 2002م “تأتي في إطار عسكرة مصر، وجعل كل شيء فيها تحت قبضة العسكر … ولا نفس… هكذا يحكم العسكر، فهم مستبدون لا يؤمنون بمنظمات مجتمع مدني، ولا يعرفون إلا السيطرة “، بحسب قوله.

ووصف أبو خليل- ‏‏‏مقدم برنامج “حقنا كلنا”‏ عبر فضائية “الشرق”، مواقف بعض المنظمات الحقوقية من ملف حقوق الإنسان في مصر، بأنه “تواطؤ مجرم وصريح… باعوا أنفسهم للشيطان، وجريمتهم مضاعفة، لأن خيانة من يرعي الحقوق مضاعفة في حق من يرعاهم”. على حد تعبيره.

واعتبر الناشط الحقوقي المعارض أن ملاحظات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة على تقرير مصر خلال المراجعة الدورية الشاملة لملف حقوق الإنسان يعتبر “فضيحة بكل المقاييس، لم يبرزها إعلام العار المُوجه”، مشيرا إلى أنه إذا كانت “مصر قد حققت رقمًا قياسيًا في الملاحظات عليها في عهد المخلوع عام 2010، حيث بلغت 145 ملاحظة، فقد ارتفعت في عهد السيسي إلى 300 ملاحظة (!)، مما يكشف أننا نحيا في ظل عصابة لا ترعي حقوق أو إنسان”، حسب زعمه.

توصيات ومطالب من الحكومة المصرية

في سياق المراجعة الدورية الشاملة لأوضاع حقوق الإنسان في مصر، أعد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة (مقره جنيف) تقريرا اشتمل على 300 توصية تقدمت بها العديد من دول العالم، ويُنتظر أن يتم الرد عليها من جانب مصر فى موعد لا يتجاوز الدورة 28 للمجلس التى تنعقد فى مارس 2015.

طالب التقرير مصر باستكمال خارطة الطريق بالإنتخابات البرلمانية، كما طالب بإجراء تحقيقات شاملة ومستقلة حول «أحداث رابعة»، ودعا القاهرة للإنضمام للمحكمة الجنائية الدولية، وسحب التحفظات على اتفاقية «سيداو».

أوصى التقرير أيضا بتعديل البنية التشريعية فى مصر، من خلال: «مراجعة تشريعات الأحوال الشخصية، وقانون العقوبات من أجل تعديل أو حذف المواد التى تنطوى على تمييز ضد المرأة، ليتوافق مع الدستور وكذلك القانون الدولى، واعتماد التشريعات اللازمة لإعمال الحقوق المنصوص عليها فى العهد الدولى، ومواصلة الجهود لمواءمة التشريعات الوطنية مع المعايير الدولية، ومراجعة القوانين الحالية والتشريعات لتتوافق مع الدستور، واتخاذ الخطوات اللازمة لإنشاء المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان مع الامتثال الكامل لمبادئ باريس، واستكمال خارطة الطريق ووضع مؤشرات لحقوق الإنسان».

أكد التقرير على أهمية احترام الحق فى المحاكمة العادلة، وضمان هذا الحق، ومحاكمة المدنيين فى المحاكم المدنية فى جميع الأوقات، وضمان إجراءات قضائية عادلة ومنصفة ومستقلة وفقاً للمعايير الدولية، والحد من استخدام الحبس الاحتياطى، وإنهاء كافة المحاكمات العسكرية للمدنيين.

أوصى التقرير بمواصلة الجهود لمكافحة الإفلات من العقاب على الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التى ارتُكبت من 2011 إلى 2013، وإجراء تحقيقات شاملة ومستقلة وحيادية فيما وصفه بـ«عمليات القتل الجماعى» فى ميدان رابعة العدوية، وتقديم الجناة للمساءلة، ومواصلة الجهود لضمان نجاح العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، والإفراج الفورى عن الأشخاص المحتجزين أو المسجونين بسبب ممارستهم لحقهم فى حرية التعبير من خلال مشاركتهم فى احتجاجات سلمية، وتقديم التقارير المتأخرة إلى هيئات المعاهدات الخاصة، ولجنة حقوق الإنسان، ولجنة مناهضة التعذيب، وتسريع عملية إنشاء مكتب إقليمى للمفوضية فى القاهرة، ودعوة وتحديد مواعيد لزيارات المقررين المعنيين بالدفاع عن حقوق الإنسان.

احتوى التقرير على توصيات حول احترام حرية الرأى والتعبير، خاصة بالنسبة للصحفيين، وحرية التظاهر السلمى دون اللجوء إلى الاستخدام المفرط للقوة، وإطلاق سراح المسجونين بسبب ممارستهم لحقوقهم فى حرية التعبير أو الانتماء لجماعة سياسية، والإفراج وإسقاط التهم الموجهة إلى جميع الصحفيين والإعلاميين الذين احتُجزوا فى سياق أداء واجباتهم، والتأكد من أن قانون تنظيم المظاهرات فى مصر يتوافق مع التزاماتها بموجب العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية