مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

بين المغرب وإسبانيا.. أزمـة جـديـدة قـديـمـة

دخل العاهلان المغربي والإسباني على خط الأزمة بين الرباط ومدريد، التي فجرتها تحرّشات الشرطة الإسبانية بمواطنين مغاربة وكشفت عن ملفات متراكمة في العلاقات بين الطرفيْـن، لم يفصح أيّ منهما عنها سابقا.

وأكدت المصادر الرسمية أن الملك محمد السادس والملك خوان كارلوس اتَّـفقا خلال مكالمة هاتفية على “أنه لا يمكن للأحداث التي وقعت خلال الأسابيع الأخيرة أن تضر بأي حال من الأحوال بنوعية العلاقات المغربية الإسبانية”.

الأحداث التي أشير لها في المكالمة، تتعلّـق باعتداءات للحرس المدني الإسباني على مواطنين مغاربة في المركز الحدودي، بني انصار، الفاصل بين مدينة مليلية التي تحتلها إسبانيا وبقية الأراضي المغربية، وأصدرت وزارة الخارجية المغربية خمسة بلاغات بشأنها واستدعى الطيب الفاسي الفهري، وزير الخارجية المغربي السفير لويس بلاناس بوتشاديس، سفير إسبانيا في الرباط، وأبلغه احتجاجا شديدا على هذه الاعتداءات التي بدأت منتصف شهر يوليو الماضي، حين أوقف الحرس المدني الإسباني خمسة شبّـان مغاربة يحملون الجنسية البلجيكية، كانوا يرفعون عَـلم المغرب على متْـن سيارتهم.

إضافة لاعتداءات الحرس المدني الإسباني على المواطنين المغاربة، وكان آخرها يوم الأربعاء 11 أغسطس الجاري، ووصفتها بلاغات وزارة الخارجية المغربية بـ “الانزلاقات العنصرية”، احتجّ المغرب على تخلي الحرس الإسباني عن مهاجرين سريِّـين أفارقة من دول جنوب الصحراء (أربعة من الكامرون وسنغالي وتشادي وغاني وغابوني) وتركهم مقابل السواحل المغربية، وهم في حالة صحية سيِّـئة.

احتجاجات مغربية وصمت إسباني

وقال بلاغ لوزارة الخارجية إن الحكومة المغربية سجّـلت “بكل أسف واستغراب هذا التصرف اللاإنساني، الذي يتنافى واحترام كرامة وحقوق الإنسان والإتفاقيات الثنائية المُـبرمة بين البلدين في ميْـدان تدبير الهجرة، والذي يعكِـس في الواقع النّـزعة العنصرية التي تطبع تدخّـلات الحرس المدني الإسباني، وإنها تندِّد بشدة بهذه التصرفات اللاإنسانية واللامسؤولة وتدعو نظيرتها الإسبانية إلى اتِّـخاذ كافة التدابير من أجل تفادي هذه التصرّفات، التي لا تخدم مصلحة البلديْـن الجاريْـن”.

الإحتجاجات المغربية لم تقتصِـر على بلاغات وزارة الخارجية والصحف، بل ترافقت مع تظاهرات نظّـمتها منظمات وهيئات المجتمع المدني أمام المركز الحدودي منعت دخول الخُـضار والفواكه إلى مدينة مليلية، كما أصدرت أحزاب ومنظمات حقوقية مغربية بيانات تنديد بالسُّـلوك الإسباني.

المراقبون توقّـفوا مُـطوّلا أمام الموقف المغربي تجاه هذه الأحداث وأيضا الصمت الإسباني بعدم الردّ رسميا على الموقف المغربي، واكتفاء مدريد بمقالات صحفية تُـهاجم المغرب وتُـبدي استغرابها من ردّ فعله على حوادث “تقع دائما”.

توتر متعدد العناوين

وإذا كانت المصادر الرسمية اكتفت ببلاغاتها (بالنسبة للمغرب) وحصرت الأزمة في الاعتداءات والتخلّـي عن المهاجرين الأفارقة أو التزمت الصّـمت (بالنسبة لمدريد)، فإن توجه رئيس الحكومة الإسبانية خوسي لويس رودريغيث ثباتيرو إلى القصر الملكي في مدريد يوم الأربعاء 11 أغسطس والطلب من العاهل الإسباني الملك خوان كارلوس الأول (الذي لا يتدخّـل بتدبير الشأن السياسي اليومي للبلاد إلا بإذن أو بطلب من الحكومة)، التدخّـل لوقف تداعيات هذه الأحداث وردود الفعل عليها، كشف توتُّـرا في العلاقات بين الحكومة الإسبانية ونظيرتها المغربية، حال دون الإتِّـصال المباشر بينهما وفرض اللّـجوء إلى الملكيْـن للتهدئة وتلمس حلول لأسباب هذا التوتر المتعدّد العناوِين.

اتفاقية الصيد البحري

الأوساط الصحفية الإسبانية (التي لا تشتهر بحبها للمغرب أو التعاطف معه)، قرأت في موقف الرباط ممّـا جرى “ضغوطات تمارس على حكومة مدريد لفتح مفاوضات حول ثغري سبتة ومليلية” المغربييْـن الواقعيْـن على الضفة الجنوبية لبحر المتوسط وتحتلهما إسبانيا منذ أكثر من خمسة قرون وترفض وضعهما على جدول أية مفاوضات أو مباحثات بين البلديْـن، باعتبارهما أراض إسبانية.

وباستثناء إشارات مرموزة، لم تتحدّث مدريد والرباط عن وجود ملفات تشكل قلقا للطرفيْـن ولم تُـطرح رسميا على جدول لقاءات المسؤولين هنا أو هناك. فصحيفة “العَـلم”، لسان حال حزب الاستقلال، الحزب الرئيسي في الحكومة المغربية، قالت إن إسبانيا تمارس ضغوطا على المغرب لتجديد اتفاقية الصيد البحري التي تنتهي في مارس 2011 وأشارت إلى أن لوبيات الضغط الإسبانية توحي باستخدام أوراق عديدة ضدّ المغرب، ومن بينها ورقة نزاع الصحراء الغربية.

وفي الواقع، شكّل تجديد اتِّـفاق الصيد البحري أزمة دائمة بين المغرب وإسبانيا منذ 1983، رغم انتقال هذه الإتفاقية إلى صلوحيات الإتحاد الأوروبي منذ أن التحقت إسبانيا به عام 1986، بحكم أن الصيد البحري قِـطاع أوروبي مشترك، إلا أنه بالنسبة للمغرب، تبقى إسبانيا الطرف المعني لأن أسطول الصيد الإسباني، هو المستفيد الأول وشِـبه الوحيد من هذه الإتفاقية.

ومنذ عدة سنوات، أعلن المغرب بوضوح أنه لا يريد تجديد هذه الإتفاقية، وحصلت أزمات متعددة بسببها وصلت في عام 1994 إلى حدّ إقدام الصيّـادين الإسبان على منع عبور السلع المغربية المصدرة لأوروبا لأراضي بلادهم. وعلى مدى الأعوام الماضية، استمر المغرب في تجديد الإتفاقية ولكن “بصفة استثنائية”.

الصحراء الغربية قضية القضايا

كما هو معلوم، تبقى قضية الصحراء الغربية “أم القضايا” بالنسبة للمغرب وعلاقاته الدولية، لكنها تمثل محورا أساسيا في علاقاته مع إسبانيا، المستعمر السابق للمنطقة المتنازَع عليها، والتي تعتبر مدنها ساحة لنشاط المنظمات المناهضة لمغربية الصحراء ودعم جبهة البوليساريو لإقامة دولة مستقلة عليها.

وإذا كانت الحكومة الإشتراكية الإسبانية بقيادة ثباتيرو (وفي ظل وجود ميغيل مارتينوس، وهو صديق حميم للمغرب، على رأس دبلوماسيتها)، أعطت إشارات إيجابية لدعم المبادرة المغربية بمنح الصحراويين حُـكما ذاتيا تحت السيادة المغربية، فإن مدريد بقيت متمسِّـكة بإجراء استفتاء للصحراويين للقبول بذلك وتقريره، كما أنها سجّـلت انزعاجا “لتوريطات” مغربية لها، كان يمكن أن لا تقع، مثل إبعاد أمينتو حيدر، الناشطة الصحراوية المؤيِّـدة لجبهة البوليساريو في شهر نوفمبر 2009 من مطار العيون إلى مطار لانثروتي في لاس بالماس الإسبانية، حيث اعتصمت وشنّـت إضرابا عن الطعام.

ودفعت الحملة التي تعرّض لها المغرب من طرف الصحف ومنظمات المجتمع المدني الإسباني بسبب أزمة أمينتو حيدر، الرباط إلى تعيين ولد سويلم، أحد المسؤولين السابقين في جبهة البوليساريو والذي عاد إلى المغرب نهاية العام الماضي، سفيرا في مدريد، وهو ما اعتبرته مدريد إحراجا، إن كان بسبب مستوى التمثيل لرئيس البعثة الدبلوماسية المغربية واعتبار أن ما يربط الرباط ومدريد من علاقات وما بينهما من ملفات على مختلف الأصعدة وفي مختلف الميادين، لا يقتصر على قضية الصحراء أو قلق إسبانيا من أن تتحول مدنها (تعيين قناصل مغاربة ينحدرون من مدن صحراوية في عدد من المدن الإسبانية) إلى ساحات مواجهة بين المغرب وجبهة البوليساريو.

“لوبي صحراوي إسباني”

في سياق متصل، تتفرع عن ملف الصحراء الغربية، تحركات إسبانية تُـدرك الرباط مخاطرها، وهي تتمثل في حديث أوساط إسبانية بين الفينة والأخرى عن “رعايا إسبان سابقين”، في إشارة للصحراويين، وتسهيل الإجراءات لاستعادة هؤلاء للجنسية الإسبانية وظهور أفكار لدى بعضهم بضرورة تشكيل “لوبي صحراوي إسباني”، تكون له كلمة في مستقبل المنطقة المتنازَع عليها.

في الكثير من الأحيان، يصِـف المغرب إسبانيا بأنها “بوابته لأوروبا”، وتصف إسبانيا المغرب بأنه “بوابته لإفريقيا”، ويُدرك الطرفان تماما أن إسبانيا تُـحاذي المغرب من الشمال والغرب وأن المغرب لعب دورا هاما في الحدّ من الهجرة السرية، وقد تعاون البلدان تعاونا وثيقا في محاربة هذه الظاهرة، إلى جانب التنسيق الأمني لمحاربة ظاهرة الإرهاب. في مقابل ذلك، لم يتوصل البلدان الجاران حتى الآن – ربما بسبب علاقات التاريخ والجغرافيا المعقدة – إلى صيغة تؤطر التعاون وترسِّـخه، دون أن يتأثر يوما ما بحادِثة تقع هنا أو تجاوز يحدث هناك.

محمود معروف – الرباط – swissinfo.ch

الرباط (رويترز) – تفاقمت التوترات بين المغرب وإسبانيا بشأن الهجرة والأراضي المتنازع عليها وتحوّلت إلى نزاع أصاب علاقات حيوية لجهود أوروبا للتصدّي للإرهاب والهجرة غير الشرعية.

ومنذ منتصف يوليو، أصدرت حكومة المغرب خمسة بيانات، هاجمت ما تقول إنه إساءة معاملة للمغاربة في جيب إسباني واتهام مدريد بالتخلي عن المهاجرين الأفارقة في البحر المتوسط. وتمثل القضيتان نقاطا شائكة، لكن لهجة التصريحات المتبادلة وصلت إلى مستوى جديد من التصعيد. ويتّـهم أحدث بيان مغربي، الشرطة الإسبانية بالعنصرية ويقول إن الرباط دهشت لأن مدريد لم ترد على شكاواها.

وقال توفيق بو عشرين، رئيس تحرير صحيفة أخبار اليوم المغربية، التي تصدر باللغة العربية، إنه “عندما تصل الأمور بين جارين تربطهما معاهدة صداقة، هذا يعني أن الحالة تقترب من مستوى أزمة جديدة”.

وقالت مصادر رسمية ومحلِّـلون، إن السبب في غضب المغرب قد يكون مشاعر الاستياء من سلسلة خدع من جانب إسبانيا بشأن قضايا أخرى وإحساس بأن مدريد لا تظهِـر احتراما كافيا لوجهة نظر المغرب.

وكانت العلاقات قد تدنّـت في السابق في عام 2002 بشأن جزيرة ليلى (برخيل) بالبحر المتوسط، التي يطالب كل من المغرب وإسبانيا بالسيادة عليها.

ومنذ ذلك الحين، تحسنت العلاقات مع إسبانيا ودول أوروبية أخرى، أشادت بالرباط لجهودها في مكافحة التشدد الإسلامي وشن حملة على مهرِّبي المخدرات وتعزيز المراقبة بشدة، لإجراء خفض كبير في وصول مهاجرين غير شرعيين إلى إسبانيا. وتسبب حادثان فيما يبدو في غضب المغرب.

الحادث الأول، هو مزاعم بأن 17 مغربيا تعرّضوا للضرب على مدى ثلاثة أسابيع من جانب الشرطة الإسبانية في جيب مليلية، وهو أحد جيبيْـن إسبانيين تُـحيط بهما أراض مغربية وتطالب الرباط بالسيادة عليهما.

وجاء الحادث الثاني، عندما زعم المغرب أن الشرطة الإسبانية تخلّـت عن ثمانية مهاجرين مرضى من جنوب الصحراء قُـبالة ساحل المغرب، بعد اعتراضهم وهم يحاولون دخول إسبانيا.

وقالت وزارة الخارجية في بيان إن المملكة المغربية دهشت لأن السلطات الإسبانية لم تقدِّم ردّا رسميا حتى الآن بشأن حالات نزعة عنصرية من جانب الشرطة الإسبانية. وتركت تصريحات المغرب العديد من المحلِّـلين في حالة دهشة، لأن هذه الأنواع من المزاعم لم تُـثر في السابق مثل هذا الردّ الغاضب.

وقال مسؤولون مغاربة في تصريحات غير رسمية ان الرباط غضبت بشأن ما قالوا إنه توسع إسبانيا في أنشطة التجسس في شمال البلاد وافتقاد الحماس من جانب مدريد نحو السفير الذي عيّـنه المغرب في الآونة الأخيرة لدى إسبانيا، وأشاروا أيضا إلى تحليق طائرات هليكوبتر عسكرية إسبانية فوق مناطق بالساحل الشمالي أثناء زيارات هناك في يونيو ويوليو، قام بها العاهل المغربي الملك محمد.

وقالت وكالة الأنباء الإسبانية، إن رئيس الوزراء الإسباني خوسيه لويس رودريغيز ثاباتيرو وعد يوم الثلاثاء “بإيضاح” وحوار ومعلومات “بشأن أفعال الشرطة الإسبانية”.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 11 أغسطس 2010)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية