مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

المُبادرات المطروحة في مصر لم تنجح بعدُ في حلحلة الأزمة

جندي مصري يعتلي آلية عسكرية قبالة مسجد عمر أكرم المُحاذي لميدان التحرير وسط القاهرة. Keystone

منذ إقدام المؤسسة العسكرية في 3 يوليو 2013 على عزل محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب في تاريخ البلاد، انطلقت العديد من المبادرات من شخصيات عامة أو أحزاب وجماعات، تدعو لإجراء مصالحة وطنية شاملة، للخروج بمصر من المأزق الذي تردّت فيه.

غير أن أغلب هذه المبادرات لم يُكتَبْ لها النجاح، إما لإصرار “الإخوان” والتحالف الإسلامي، على “عودة الأوضاع السياسية إلى ما كانت عليه قبل هذا التاريخ”، وإما لاشتراط العديد من الأحزاب والقوى المدنية الإعتراف بـ “ثورة 30 يونيو” وخارطة المستقبل.

في محاولة لتوضيح الصورة، تعرض swissinfo.ch أبرز البنود التي تضمنتها أهم المبادرات التي قُدِمت حتى الآن، مع رصد لردود فعل مختلف الأحزاب والقوى السياسية عليها، واستطلاع رأي خبيرين مختلفيْن في الرؤى والمقاربات، وإن كانا غير محسُوبيْن على أيّ من المعسكرين.

مبادرات قدمتها شخصيات عامة

في البداية قدم الدكتور محمد البرادعى، النائب السابق للمستشار عدلى منصور الرئيس المؤقت للبلاد، مبادرة تتضمن برنامجا متكاملا للخروج من الأزمة، تضمن: “ضرورة إصلاح مؤسسات الدولة، ووضع خطة واضحة لتحقيق الإزدهار الإقتصادى، وإصلاح الجهاز التنفيذى، وإصلاح القطاع الأمنى، والعمل على إنشاء إدارة مستقلة مدنية لتلقى شكاوى المواطنين، وأن يكون الدستور المقبل محل توافق بين جميع المصريين، ووضع خطة لإصلاح المؤسسات القضائية، وأن يكون البرلمان القادم قادرًا على القيام بدوره التشريعى والرقابى على أكمل وجه”.

إثر ذلك، أطلق الدكتور أحمد كمال أبو المجد، نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان السابق، مبادرة للمصالحة الوطنية بين الإخوان المسلمين والجيش، تشمل “إعلان جماعة الإخوان نبذها للعنف، ووقف التظاهرات في الشوارع والميادين، والتخلي عن المطالبة بعودة الرئيس المعزول محمد مرسي، مقابل الإندماج في الحياة السياسية، وإيقاف حملة الإعتقالات في صفوف الجماعة، والإفراج عن بعض قياداتها”.

كما طرح الدكتور محمد سليم العوا، المرشح السابق في انتخابات الرئاسة، والمستشار ‏طارق البشري رئيس لجنة التعديلات الدستورية فى مارس 2011، مبادرة جديدة للخروج من الأزمة، تضمنت “تفويض رئيس الجمهورية سلطاته الكاملة، لوزارة مؤقتة جديدة يتم التوافق عليها في أول جلسة سياسية، على أن تدعو الوزارة المؤقتة في أول اجتماع لها لانتخابات مجلس النواب خلال 60 يومًا، ثم بعد الإنتخابات تُشكّل وزارة دائمة، على أن يتحدد بعد ذلك إجراءات انتخابات رئاسية وفقًا للدستور، إجراء التعديلات الدستورية المقترحة”.

ومن جهته، عرض الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، مبادرة تتلخص في “مطالبة الجميع بنبذ العنف، وتشكيل لجنة تقصى حقائق محايده تحقق فى جميع الاحداث من بداية ثوره 25 يناير حتى الآن، وإقالة الحكومه الحالية وتشكيل حكومه مستقله تشرف على انتخابات برلمانية ورئاسية، والإفراج عن جميع المعتقلين والنشطاء السياسيين عدا من تلوثت أيديهم بالدماء حتى إعلان نتائج تقصى الحقائق، والسماح للجميع بالمشاركه فى الحياة السياسية، وعدم ترشح المشير عبد الفتاح السيسى فى الإنتخابات القادمة، وأن يستقل بالجيش بعيدًا عن السياسة”.

الكاتب والمفكر جمال سلطان طرح بدوره مبادرة لإنهاء حالة الانقسام الوطني تضمنت “تخلي الرئيس المعزول محمد مرسي عن منصبه، وتفويض المجلس العسكري بإدارة شؤون البلاد خلال المرحلة الإنتقالية الحالية، والإشراف على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة خلال المدة التي حددها الدستور المعدل 2014، والإفراج الفوري عن مرسي، وتأمين إقامته كاملة الحرية بما يليق برئيس جمهورية سابق، والبحث عن صيغة قانونية لتسوية القضايا التي يكون طرفا فيها، والإفراج عن جميع القيادات الحزبية، والنظر في تسوية الوضع القانوني للقضايا المنظورة بخصوصهم، وتعهد المؤسسة العسكرية بالبقاء على مسافة واحدة من جميع القوى السياسية، وألا تكون طرفا في أي معادلة سياسية الآن ومستقبلاً”.

المزيد

المزيد

مواقف القِـوى الثورية من المشهد الرّاهن في مصر.. مُتباينة

تم نشر هذا المحتوى على وفي محاولة لفهْـم تحليل هذه القِوى للمشهد الراهن والبحث في إمكانية اتحاد الثوار لاستعادة الثورة ومعرفة رُؤيتهم، للخروج من المأزق الراهن، واحتمالات دعْمها مرشحا معينا في سباق الرئاسة المُحتمَل انطلاقه قريبا، والشروط الواجب توافرها في هذا المرشح، التقت swissinfo.ch في القاهرة عددا من رموز وممثِّـلي هذه القِوى.. فكان هذا التقرير. الفارق بين “التحالف” و”الثوار” في البداية،…

طالع المزيدمواقف القِـوى الثورية من المشهد الرّاهن في مصر.. مُتباينة

مبادرات قدمتها أحزاب وجماعات

أما من ناحية الأحزاب والجماعات، فقد طرحت الجماعة الإسلامية مبادرة للخروج من الأزمة الراهنة، أسمتها مبادرة (الحفاظ على جميع أبناء الوطن)، تتركز على “استفتاء الشعب المصري حول الإختيار ما بين قبول خارطة الطريق أو بقاء الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي، وأيا كانت نتيجة الإستفتاء تتم المصالحة الشاملة بين أبناء الوطن بما يمنع من اتخاذ أي إجراءات عقابية ضد أي طرف من الأطراف أيا كان موقفه”.

من ناحيته، قدم حزب مصر القوية، برئاسة الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، مبادرة بعنوان “بناء الثقة أولا”، تضمنت “وقف الملاحقات الإستثنائية والقضايا السياسية المرفوعة ضد أنصار الرئيس المعزول، محمد مرسي، والإفراج عنه وكل المحتجزين معه، مع بقاء التحقيقات القانونية، وتبرؤ جماعة الإخوان وأنصار مرسي من أحداث سيناء، وإدانة كل أشكال العنف، والتوقف عن الخطاب التحريضي، وتشكيل لجنة تحقيق مستقلة للتحقيق في مختلف الحوادث التي وقعت، والبدء في إجراءات للعدالة الإنتقالية، مع طرح فكرة الإستفتاء على خارطة الطريق أو إجراء انتخابات رئاسية مبكرة كحل سياسي”.

حزب البناء والتنمية، الذراع السياسية للجماعة الإسلامية، عرض أيضا مبادرة للمصالحة الوطنية، تضمنت “وقف كل صور وأشكال العنف، وإنهاء كل الإجراءات الإستثنائية التي أعقبت 30 يونيو، والإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين، ووقف التحريض على الكراهية والعنف والتشويه ضد أي فصيل أو مؤسسة، ووقف المسيرات والتجمعات والمظاهرات والفعاليات الجماهيرية، وإجراء الإنتخابات الرئاسية والبرلمانية خلال شهرين، وفقاً لإعلان دستوري من الرئيس المؤقت، وتعهد الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية بعدم التقدم بمرشح لرئاسة الجمهورية لفترتين رئاسيتين، كما يُمنع ترشح الشخصيات من ذوى الخلفيات العسكرية لمنصب رئيس الجمهورية، وتخليد ذكرى شهداء الأحداث التي وقعت عقب 30 يونيو واعتبارهم شهداء ثورة، وعودة القوات المسلحة إلى ثكناتها، والإفراج عن الدكتور مرسى ومعاملته كرئيس سابق”.

 

كما طرح حزب البديل الحضارى، أحد الأحزاب المنضوية تحت “التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب”، مبادرة للخروج من الأزمة تتكون من 3 محاور، الأول ذو طابع “سياسى” لتقريب وجهات النظر بين التحالف والدولة، وكي تبدأ الأحزاب الاستعداد للانتخابات الرئاسية. والثانى يتعلق بـ”العدالة الإجتماعية”، عن طريق دفع الديّة لأهالى الضحايا الذين قتلوا فى الأحداث الأخيرة، وتعويض المصابين. والثالث اقتصادي، حيث سيتم طرح حلول تنقذ البلاد من الأزمة الإقتصادية التي تتخبط فيها حاليا.

ردود أفعال مُتباينة

هذه المبادرات قُوبلت بردود فعل متفاوتة ومتباينة. فبينما رحبت حركة شباب 6 إبريل بمبادرة “حسن نافعة”، وأعلنت “الجماعة الإسلامية” تأييدها لمبادرتي “سلطان” و”نافعة”، وأعلن الحزب الإسلامى، الذراع السياسية لتنظيم الجهاد، ترحيبه بالمبادرات المطروحة للصلح، اشترطت بعض القوى السياسية، أن تقوم المبادرات على أساس الإعتراف بشرعية 30 يونيو، وأن لا تشمل من ثبت تورطهم فى أحداث العنف أو التحريض على كراهية المصريين، وأن “يعتذروا عن العنف ويدينونه، ويعودوا إلى الصف واللحمة الوطنية”.

حملة “كمّل جميلك يا شعب” برئاسة موسى مصطفى موسى، أعلنت رفضها التام لكل مبادرات المصالحة مع جماعة الإخوان “الإرهابية”، على حد وصفها. أما مجدى شرابية، الأمين العام لحزب التجمع، فشدد على أن الحزب “يرفض اعتراف جماعة الإخوان بـ “30 يونيو”، وأنه لا مجال لقبول أي مصالحة مع الإرهابيين وتنظيمها، ولابد من محاسبة الجماعة على جرائمها أولا وما ارتكبته فى حق الشعب المصري”.

على الجانب الآخر، قال مجدي قرقر، أمين عام حزب الإستقلال، والقيادي بـ “التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب”، إن “التحالف لم يصدر أيّ مبادرات” وأضاف، عبر الصفحة الرسمية لـ “التحالف” على “فيس بوك”، أن “التحالف ملتزم بالرؤية الإستراتيجية التي أصدرها في نوفمبر الماضي وأن أي مبادرة يجب أن تكون في إطار هذه الرؤية الإستراتيجية لاستعادة ثورة 25 يناير المجيدة وعودة المسار الديمقراطي واحترام حقوق الشهداء والمصابين حتى يمكن الحوار حولها”.

ومن جانبه، قال الدكتور سعد الدين إبراهيم، الناشط الحقوقى ورئيس مركز ابن خلدون، أن المصالحة مع جماعة الإخوان “مقبولة ولا بد منها، آجلا أو عاجلا”، مشيرا إلى أنه “ضد الحرب الأهلية بالأفكار أو بالسلاح”، ومؤكدا على ضرورة “المُصارحة قبل المُصالحة”، بحيث يحمل كل شخص أخطاءه ويعترف بها أمام المجتمع.

أحمد فودة، مدير مركز النخبة للدراسات السياسية بالقاهرة

هذه المبادرات لن يكون لها دور في حل الأزمة السياسية التي تحولت إلى مباراة صفرية، يكسب فيها طرف كل شيء ويخسر الطرف الآخر كل شيء

شروط المبادرة الناجحة

وفي معرض تعليقه على الموضوع، قال الباحث والمحلل السياسي أحمد فودة: “أعتقد أن المبادرات التي يطرحها النظام الإنقلابي، سواء من خلال وسائل إعلامية مؤيدة له، أو من خلال سياسييِّن يقفون إلى جانبه، تدل على عمق الأزمة التي يعيشها النظام، بعد مرور أكثر من سبعة أشهر، واستمرار صمود الثوار في الشوارع، رغم آلة القتل الجبارة التي راح ضحيتها آلاف القتلى والجرحى، فضلا عن عشرات آلاف المعتقلين”، مشيرًا إلى أن “مُؤيّدي الشرعية لم يعُد لديهم شيء يخسرونه، بعد ما قدموه من شهداء وجرحى ومعتقلين، حيث لم يعد لديهم خيار سوى إسقاط الانقلاب”.

وفي تصريح خاص لـ swissinfo.ch، قال فودة، الذي يُدير مركز النخبة للدراسات السياسية بالقاهرة، “هذا الصمود أدى إلى استمرار أزمة الشرعية التي يُعاني منها النظام، فرغم محاولته الحصول على الشرعية، عبر الدعوة لتفويض قائد الإنقلاب، لمواجهة ما يسميه الإرهاب، أو لترشيحه لرئاسة الجمهورية، ورغم تمريره للدستور الإنقلابي، إلا أن الأزمة استمرت ليس فقط على المستوى الداخلي، بل أيضًا على المستوى الخارجي”، معتبرًا أن “هذه المبادرات لن يكون لها دور في حل الأزمة السياسية، التي تحولت إلى مباراة صفرية، يكسب فيها طرف كل شيء ويخسر الطرف الآخر كل شيء”.

في هذا الصدد، أوضح فودة أن المبادرة الناجحة للأزمة لابد أن تتضمن حسب رأيه “عودة الشرعية ممثلة في الرئيس والبرلمان المنتخبيْن، والدستور المُستفتى عليه، والقصاص من القتلة، والتطهير الجذري للمؤسسة العسكرية، وإلغاء جهاز الشرطة وإنشاء آخر جديد يضم من لم تلوث أياديهم، وتطهير القضاء بمحاكمة من شاركوا في محاولة تثبيت أركان الإنقلاب، عبر إصدار أحكام ظالمة ضد الثوار، وإحالة القضاة الذين تلوثت أيديهم بالفساد للصلاحية، والتطهير الجذري للإعلام، وحظر الأحزاب والقوى السياسية التي ساعدت على الإنقلاب أو شاركت في قتل الثوار”.

بعضها لا يمكن تطبيقه!

من جانبه، يرى الخبير الإعلامي الدكتور فتحي حسين، أن “مجمل المبادرات المقدمة منذ 30 يونيو حتى الآن جيّدة، وتحاول تقديم حلول واقعية للخروج من الأزمة الراهنة، لاسيما بعد أحداث 3 يوليو التي عُزِلَ على أثرها الرئيس محمد مرسي من حُكم البلاد”، مشيرًا إلى أن “بعضها ليس له جدوى، ولا يمكن تطبيقه، لاسيما بعد الأحداث الإرهابية الأخيرة التي وقعت”، ومشددًا على أنه “يجب السماح للإخوان بدخول المعترك السياسي مجددًا، وخوض الإنتخابات البرلمانية والرئاسية، وسيكون الحُكم في النهاية للشعب”.

وفي تصريح خاص لـ swissinfo.ch، قال حسين، الذي يرأس تحرير جريدة 30 يونيو: “في المبادرة الناجحة، يجب أن يلتزم الطرفان بوقف العنف وإشاعة روح التسامح والتعايش بين أبناء الوطن الواحد، وكون الإخوان مصرييِّن، لهم حق المشاركة في الإنتخابات، وممارسة العمل السياسي، وإلغاء الإقصاء والتهميش، وتوفير محاكمة عادلة للمتهمين، والتزام ضبط النفس، وغلق صفحة الماضي، وفتح صفحة جديدة للجميع، واحترام حق الجميع في الدعاية والترشح للبرلمان والرئاسة”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية