مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

التغييرات السعودية بين رافض ومؤيد

الملك سلمان بن عبد العزيز وابنه محمد الذي عُيّن مؤخرا في منصب ولي ولي العهد في المملكة العربية السعودية في صورة التقطت لهما يوم 14 مايو 2012 في الرياض. Keystone

أثارت التغييرات الأخيرة في قمّة هَـرم الحكم في السعودية، ردود فعل متباينة داخل الأسْرة الحاكمة، بين رافض بصوْت مرتفِع، أسْوة بالأمير طلال بن عبد العزيز، الأخ غير الشقيق للملك سلمان، ومتحفِّظ بصوْت منخفض، على غِرار الأمير عبد العزيز، نجل الملك الراحل عبد الله، والأمير سعود نجل الملك الأسبق فيصل.

وإذا كانت حيْثِيات مرسُوم نقل ولاية العهْد من مقرن إلى محمد بن نايف أكّدت أن النقل تمّ “بطلب” من الأول، فالثابِت أن الذي حصل فجْر يوم الأربعاء 29 أبريل الماضي، لم يكن سوى عزلا لولي العهد بعدما اعترض على استمرار الحرب في اليمن، التي لم يكن مؤيِّدا لشنِّها أصلا.

واستهدفت المراسيم الخمسة والعشرين التي أصدرت باسم الملك سلمان، أربعة مناصب مفتاحية في الدولة، وهي ولاية العهد وولاية ولاية العهد ووزارة الخارجية والديوان الملكي، الذي يُعتبَر العُلبة السوداء للنظام. 

مع عزل ولي العهد السابق الأمير مقرن (70 عاما)، يكون هذا الأخير آخر من تولّى ولاية العهد من أبناء الملك عبد العزيز، مؤسّس المملكة السعودية، ويكون خلَفه في هذا المنصب الأمير محمد (55 عاما)، نجل وزير الداخليةرابط خارجي السابق نايف، أول مَن يتولّى المنصب من أحفاد عبد العزيز، مُدشِّنا بذلك النّقلة من الجيل الثاني إلى الجيل الثالث.

ومن الواضح أن هذه الحركة مسحت آخر لمَسات الملك الراحل عبد الله، الذي اختار مقرن وليا لولِي العهد (أي نائِبا لسلمان)، إلا أن فرع السديريين لم يكن راضيا عن ذلك. والسديريون هُم أبناء وأحفاد الملك عبد العزيز من زوجته حصّة بنت أحمد السديري، وهُم ليسوا على قلب رجل واحد مع إخوتهم غيْر الأشقّاء في الفرع الآخر. وكان الملك فهد بن عبد العزيز (1982 – 2005) هو أول السديريين الذين تولَّوْا الحُكم في السعودية.

وأتت القرارات الأخيرة المفاجِئة لتحكم قبضة السديريين على الحُكم وتُقصي (نهائيا؟) الجناح المنافِس. ومع شيخوخة الملك سلمان (80 عاما)، الذي يُقال أن فترات إدراكه لا تتجاوز بِضع ساعات في اليوم، انتقلت دائرة القرار إلى ولِي العهد الجديد محمد بن نايف، وخاصّة إلى ولِي ولِي العهد محمد بن سلمان (35 عاما)، الإبن الأشد قُـربا من والده، والذي كان له الرّأي الحاسم في اتِّخاذ قرار شنّ الحرب على الحوثيين في اليمن.

تغييرات الملك سلمان تزيد من صعوبة التنبؤ بالسياسة السعودية

الرياض (رويترز) – ركزت التغييرات التي شهدتها المملكة العربية السعودية على مستوى القيادات السلطة في أيدي دائرة مصغرة من أسرة آل سعود مما يرفع بعض القيود عن الملك ويقلل من القدرة على التنبؤ بالمواقف الاستراتيجية للمملكة.

وتقدر المملكة – أكبر مصدري النفط في العالم – الاستقرار أيما تقدير إذ تعمل على التأني في رسم السياسات ونادرا ما تغيرها وذلك لأسباب منها ضرورة إحداث توازن في المنافسات بين أفراد الأسرة الحاكمة ومصالحهم المتضاربة.

وربما يكون هذا الوضع في طريقه للتغيير الآن. فمنذ ارتقى الملك سلمان العرش بعد وفاة أخيه في يناير كانون الثاني الماضي دخل حربا في اليمن وأعاد هيكلة قطاع النفط وأجرى بعض التعديلات الداخلية كان من بينها تغيير ولي العهد وولي ولي العهد.

ولا يزال من غير الواضح ما إن كان هذا بداية سياسة خارجية أكثر تأكيدا بكثير للدور السعودي الرامي للتصدي لإيران أم أنه يعكس استراتيجية جديدة للطاقة أو نهجا أمنيا أكثر تسلطا كما تكهن محللون.

غير أن ما يتزايد وضوحه أن الحكام الجدد في الرياض يتمتعون بمجال أكبر للقيام بتدخلات مفاجئة غير متوقعة عن سابقيهم.

وقال الاعلامي جمال خاشقجي المدير العام لتلفزيون العرب “إذا أراد الملك على سبيل المثال ارسال قوات أرضية إلى اليمن فهو لم يعد مضطرا لاستدعاء الأسرة كلها لكي يفعل ذلك.”

وقد كان للملك في السعودية على الدوام الكلمة الأخيرة في قرارات السياسة غير أنه كان عليه عادة كسب موافقة مجموعة من الأمراء ذوي النفوذ هم أشقاؤه وأخوته في الغالب لاقرار أي تغييرات كبرى.

ويبدو أن الحال قد اختلف إذ تركز عدد متزايد من المناصب في أيدي ثلاثة أشخاص هم الملك وابن شقيقه ولي العهد الأمير محمد بن نايف وابنه ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

وقال خالد الدخيل أستاذ العلوم السياسية السعودي “إذا نظرت إلى الأميرين تجد أنهما يُسيطران على الدولة تحت إشراف الملك”.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 6 مايو 2015)

قبضة حديدية؟

داخليا، يُرجح أن ينتهِج هذا الثنائي الحاكم سياسة القبْضة القوية، ليس فقط مع تنظيم “القاعدة” ومشتقّاته، وإنما مع المعارضة الليبرالية والمجتمع المدني أيضا، خصوصا طالَما ظلّت ذريعة الحرب في اليمن المجاور والحملة على “القاعدة في جزيرة العرب”، قابلة للتسويق الداخلي.

فالأمير محمد بن نايف، الذي ورث وزارة الداخلية عن والِده، باشر منذ مطلَع الألفِية حرْبا بلا هَـوادة على الجماعات المسلّحة، التي باتت تَعتبِره العدُو رقم واحد، وحاولت اغتياله ثلاث مرّات. كما أنه جمّد أو ألغى بعض الإجراءات التحرُّرية المتّخَذة في عهد الملك السابق عبد الله. وبعدما أصبح الآن رئيسا للَّجنة الوزارية للشؤون السياسية والأمنيةرابط خارجي، يمكن القول أنه جمع بين يديْه سلطات واسعة لا تُضاهيها سِوى السلطات التي مُنِحت لابن عمّه محمد بن سلمان.

فبالإضافة لتقلُّده منصِب وزير الدفاع، يترأس هذا الأخير مجلس الشؤون الإقتصادية والتنمية، وكان لافتا أن رئاسة مجلِس إدارة شركة النفط العِملاقة “أرامكورابط خارجي” أسنِدت له، وهي المؤسسة التي تُؤمّن غالبية موارد الدولة السعودية. ولأول مرّة، ستخضع الشركة لإعادة هيْكلة شامِلة بعد حلّ “المجلس الأعلى لشؤون البترول والمعادن”.

صحيح أن محمد بن سلمان أعفِي من رئاسة الديوان الملكي، لكن المنصِب لم يخرج من دائرة السديريين ومؤيِّديهم في جِهاز الدولة، إذ تمّ تعيين حمَد بن عبد العزيز السويلم في هذا المنصب بمرتبة وزير.

أما وزارة الخارجية التي كان متوقّعا أن يُغادرها الأمير سعود الفيصل (75 عاما) بسبب متاعِبه الصحية المُتفاقِمة، بعدما عمّر في المنصب أربعين عاما، فإن رجّة التغيير فيها كانت قوية، ربما لكونها خرجت للمرة الأولى من أيادي أمراء الأسْرة الحاكمة، ما جعل مساعِد وزير الخارجية الأمير عبد العزيز، نجل الملك الراحل عبد الله، يُسارع بالإستقالة من منصِبه بعد تسمية عادل الجبير، كي لا يعمل تحت إمْرة مَن كان موظّفا عند والده. وكان الجبير حلّ على رأس السفارة السعودية بواشنطن، محل عُضو الأسْرة البارز الأمير تركي بن فيصل (مدير المخابرات طِوال عشرين عاما). ويمكن القول أن التعيينات الجديدة مَحَت آثار الملوك الثلاثة الأخيرين، فيصل وفهد وعبد الله، من المناصب العُليا في الدولة.

قوة ردع اقليمية سعودية مصرية
يعتقد المحلل السياسي الإيطالي المختص في الشؤون الخليجية أنطونيو أمانييرا أن لدى الملك سلمان (أو دائرة القرار من حوله) خطة بعيدة المدى ترمي، بعد تسوية الصراع في اليمن لصالح السعودية، إلى التخلص من بشار الأسد من جهة، ومساعدة سُـنة العراق على إقامة كيان سياسي خاص بهم ومرتبط بالسعودية من جهة ثانية. وقال أمانييرا في تصريح خاص لـ swissinfo.ch إن سلمان وضع قدمه على مزلق قد يدفع بالدولة السعودية في دوامة صراع لن تعرف كيف تنقذ نفسها منه، من دون دفع ثمن باهظ، “لأنه سيضع مصداقيتها وهيبتها في الميزان”، على حد قوله.

الخبير الإيطالي أكد أيضا أن الأمريكيين سيبقون حاضرين بقوة في المنطقة، لكن قوة الردع الإقليمية “ستكون أساسا سعودية مصرية في المستقبل”، بحسب رأيه.

الحليف الأكبر

في المقابل، عزّزت علاقات السعودية مع الحليف الأكبر، الولايات المتحدة. فولِي العهد الجديد، الذي تلقّى دروسه الأساسية في جامعة أمريكية، حيث تخصّص في العلوم السياسية، يحظى بسُمعة جيدة في واشنطن، التي تعتبِره شريكها الإقليمي في الحرب على تنظيم القاعدة وتوابِعه.

كما أن وزير الخارجية الجديد ربط علاقات مَتينة مع الخارجية الأمريكية منذ أن وظّفه السفير السعودي الأسبَق في واشنطن بندر بن سلطان كمُتعاقد محلّي في السفارة عام 2006، بسبب إجادته للُّغة الإنجليزية، قبل أن يرتقي إلى منصب سفير.

والأرجح، أن واشنطن لا تُعارض وقوف السعودية عسكريا في وجْه التمدّد الإيراني في المنطقة، لأنه ينسجِم مع سياستها (أي الإدارة الأمريكية)، الساعية إلى وضْع حدٍّ للورطات المُكلفة في أفغانستان والعراق، والإعتماد مُستقبلا على حلفائها في المنطقة.

وبعدما أسكتت القوات السعودية أصوات الاحتجاج في البحريْن عام 2011 وشنَّت حربا شاملة على المتمرِّدين الحوثيين في اليمن، تبدو الرياض مُصمِّمة أكثر من أي وقت مضى على منْع طهران من أيّ موطِئ قدَم في الجزيرة العربية.

واستطرادا، ستُعزز السعودية زعامتها داخل مجلس التعاون الخليجي، وهو ما بات واضحا من خلال تحوُّل الرياض إلى مركزٍ مِحوري لاجتماعات المجلس ومطبخٍ لقراراته، بل إن الدولة العربية الكبرى الأخرى مصر، أصبحت تتحرّك بوصفها الحليف المُعاضِد للسياسات السعودية في المنطقة، ولا يبدو أنها ستستعيد دوْرها المستقِل في الأمد المنظور، في ظل اهتزاز شرعية حُكم الجنرال عبد الفتاح السيسي.

اليمن في مجلس التعاون؟

بهذا المعنى، ستمضي القيادة السعودية في حربها على الحوثيين إلى آخر شوْط، وستُقنِع الرئيس والحكومة اليمنيين، المعترف بهما دوليا، بالإنضمام إلى مجلس التعاون الخليجيرابط خارجي، لقاء استضافتهما في الرياض وتحمل كلفة الحرب. وأكّد وزير الخارجية اليمني هذا التوجّه، وإن توقّع أن يستغرق مسار الإنضمام عشرة أعوام لتهيِئة البِنية الأساسية وإعداد البلد لهذه النقلة، وهذا ما سيُقوّي الزّعامة السعودية إقليميا، ويجعل من الصعب على أيّ عُضو في مجلس التعاون أن “يشقّ عصا الطاعة”، لأنه في هذه الحالة سيخدِم الغريم الإيراني.

كما يُرجَّح أن تدعَم واشنطن الدَّوْر السعودي في كلٍّ من العراق وسوريا، لموازنة النصر السياسي الذي ستجنيه طهران من التوقيع على الاتفاق النووي مع الدول الغربية، ولحماية العرب السُنّة من طُغيان الحكّام الشيعة والعلَويين، في البلدين اللذيْن تُمزِّقهما الصراعات الأهلية والإقليمية منذ سنوات.

واستطرادا، من المرجح أن تكون السعودية في ظلّ قيادة الجيل الجديد من الأمَراء، مختلِفة تماما عن دولة الملك عبد الله وأسلافه.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية