مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تحديات الأمن الإقليمي قد تُمهّـد لتفعيل الإتحاد المغاربي

وزير الخارجية الجزائري مراد مدلسي، يتوجه بالخطاب إلى نظراءه في دول الإتحاد المغاربي في الإجتماع الذي عقد يوم 9 يوليو 2012 بالجزائر العاصمة. Reuters

تُسارِع الدول المغاربية خطواتها نحو قمة لقادتها، تحتضنها تونس في شهر أكتوبر القادم. في الأثناء، اعتبر مراقبون أن الإجتماع الذي عقده وزراء خارجيتها يوم 9 يوليو الجاري هو الأهم منذ أن انطلقت مسيرة عودة الروح لاتحادها، الذي ولِـد عام 1989 ودخل غرفة الإنعاش منذ 1994.

وقد اكتسى اجتماع الجزائر أهميته بسبب تمحوره – للمرة الأولى في تاريخ المنظمة الإقليمية – حول التنسيق الأمني بين الدول الخمس، ووضعه لخارطة طريق تضمن الوصول بهذا التنسيق إلى الأهداف التي وضعها الوزراء لاجتماعهم التي تشمل “مواجهة الإرهاب وتهريب المخِّدرات والإتجار بالبشر والهجرة السرية”.

أول تنسيق أمني رسمي

واتّفق وزراء خارجية كل من ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا، بصفتهم المجلس السياسي للإتحاد المغاربي، على عقد اجتماع وزراء الداخلية بالرباط ووزراء الشؤون القانونية والقضائية بليبيا والشباب والرياضة بتونس والشؤون الدِّينية بموريتانيا، وهي القطاعات التي تُـعنى مباشرة بالملفات المطروحة والتي تشكل تهديدا لأمن واستقرار دول المنطقة، مجتمعة ومنفردة، والمطلوب من الوزراء المكلفين بها، إعداد مشاريعهم لعرضها على المجلس السياسي للاتحاد لإقرارها ورفعها للقمة.

وتوقَّـف المراقبون أمام اجتماع الجزائر وما أنتجه من قرارات، باعتباره الحاضن لأول تنسيق أمني رسمي بين المغرب والجزائر، التي لا تزال العلاقات بينهما (مثلما كانت على مدى العقود الخمس الماضية) تتأرجح بين المواجهات المسلحة والفتور وما بينها من توتُّــر سياسي وحملات إعلامية، تتخللها أحيانا فترات من التعاون والحميمية، وإن كانت قصيرة المدى. كما أن هذا القرار يأتي بعد رفض الجزائر طوال السنوات الماضية إشراك المغرب في التنسيق الأمني القائم بين الدول المحيطة بالصحراء الكبرى.

تهديدات ومخاطر بالجملة

وحسب المصادر الرسمية، فإن اجتماع وزراء الداخلية بالبلدان المغاربية، سيخصص لـ “دعم وتعزيز الهياكل والآليات القائمة، المختصة بالتعاون الأمني والاعتماد عليها كإطار ذي صلاحية في بلْورة استراتيجيات التعاون الأمني وخططه العملية، داخل الفضاء المغاربي وبين هذا التكتُّل ومحيطه الإقليمي”.

وجاء في بيان الجزائر أيضا أن “المجلس تناول بالبحث والنقاش، التهديدات والمخاطر التي من شأنها أن تخلّ بالأمن في المنطقة المغاربية٬ وتمّ الاتفاق على أن الإرهاب والجريمة المنظمة، بما فيها الاتجار بالمخدرات والأسلحة والبشر والهجرة غير الشرعية والجماعات المسلحة الإجرامية وتمويل الإرهاب بكل أشكاله٬ وما بينها من علاقات وثيقة متلازمة٬ فضلا عن ظاهرة غسيل الأموال٬ تُـشكِّل جميعها أخطارا تُهدّد الأمن المغاربي ومحيطه الإفريقي والمتوسطي”.

الأوضاع في مالي.. حافز أساسي

بيان الجزائر ترك فقراته الأخيرة لما يجري في مالي والسلاح المتنوّع والمكثف، الذي تسرّب من مستودعات نظام العقيد معمر القذافي، وبات بأيدي أطراف وجماعات تُناهض الأنظمة السياسية القائمة وتتحرّك بحرية في منطقة الصحراء الكبرى، وتحديدا تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.

وقال البيان “ولدى تطرّقه إلى الوضع السائد في مالي، أكد المجلس على ضرورة إيجاد حلٍّ سياسي للأزمة في هذا البلد، بما يضمن وِحدته التُّـرابية ويجنِّـبه التدخل العسكري، مشدِّدا على أهمية توظيف كل فضاءات الحوار والتفاوض المُـتاحة. كما دعا أيضا إلى تكاثف الجهود لمُعالجة الوضع الإنساني للنّازحين واللاجئين، جرّاء الأزمة في شمال هذا البلد”.

الباحث والاستاذ الجامعي المغربي علي كريمي، قال لـ swissinfo.ch: “إن ما يجري في دولة مالي واستيلاء الأزواد ومعهم حركة أنصار الدّين على شمال مالي ودعوتهم للإنفصال وإقامة دولة الأزواد والسلاح اللِّيبي المُنتشر، حتى لو لم يُـعلن رسميا عن ذلك، شكل الحافز الأساسي لاجتماع وزراء خارجية اتحاد المغرب العربي وإيلاء هذا الاهتمام للتنّسيق الأمني، فيما بين الدول المغاربية”.

ويؤكِّد كريمي أن ما يجري في مالي، مهدِّد لكل دول المنطقة. فإضافة لتـأثير ودَوْر تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، فان ذهاب الأزواد بعيدا في مخطّطهم بالإنفصال عن مالي وإقامة دولة مستقلة، سيكون بذرة انفصالات تشهدها كل دول المغرب العربي، لأن انفصال الأزواد سيشجِّع الزنوج في موريتانيا على الإنفصال، ويعطي ورقة قوية لجبهة البوليساريو لتأكيد مشروعها بانفصال الصحراء عن المغرب، وسيحفِّـز القبائل والطوارق في الجزائر على رفع مطالِبهم، وكذلك الأمازيغ في تونس وليبيا ومعهم في ليبيا، الطوارق أيضا.

التنسيق الأمني.. لحماية الأنظمة؟

لِـكل هذه العوامل مجتمعة، بات التنسيق الأمني ضرورة ملحّة للدول المغاربية الخمس، لكن الإعتبارات والحساسيات الجزائرية – المغربية قد تُـبقيه منحصرا في حدوده الأمنية. وفي هذا السياق، يُذكّـر الباحث الجزائري مصطفى نويصر، عضو الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي، أن “هذا التنسيق بين الرباط والجزائر، لم يتوقف في أي يوم من الأيام، حتى في أكثر الفترات توتُّـرا”.

ويؤكِّد نويصر لـ swissinfo.ch أن “الجزائر والرباط تتّخذان الآن مما يجري في مالي والصحراء الكبرى من تحركات للجماعات الإسلامية المتشددة، حجّـة لتعميق التنسيق الأمني وتأطيره رسميا، لأنه ليس إلا سبيلا لحماية الأنظمة القمعية في البلديْـن، من التحوّلات المجتمعية التي هبّت على المنطقة وتحاول إبعادها عنها”، على حد قوله.

في الوقت نفسه، يرى نويصر أن التنسيق الأمني “لا يكون لمصلحة الشعوب إلا إذا امتزج بالتنسيق والتعاون الإقتصادي والإجتماعي والثقافي، وفي ذلك يتعمّق التعاون أكثر ويتوسع، ليشمل كل مجالات التعاون بما يخدِم مصلحة شعوب المنطقة وأمنها وإعادة الرّوح لاتحاد المغرب العربي”، بما يعنيه من عملة موحدة واقتصاد متكامل وحدود مفتوحة.

وأضاف نويصر أنه توجد هناك “أكثر من 40 اتفاقية على مستوى اتحاد المغرب العربي، لكن لم يُطبّق منها إلا اتفاقيتين أو ثلاث، لأن الأنظمة تشغل الناس وتشغل نفسها عن القضايا الأساسية، بقضايا سياسية يمكن التوافق بشأنها إذا حسُنت النوايا”، حسب رأيه.

مخاوف من توتر جديد

على العكس من ذلك، يعتقد علي كريمي أن ما يجري في المنطقة، لا يؤشر على الذهاب نحو إعادة الروح للإتحاد المغاربي، ويخشى أن تكون المنطقة على أبواب توتر ومواجهات جديدة بين الرباط والجزائر، مشيرا إلى التوتر الذي عرفته العلاقات بين البلدين صيف 1994 بعد الهجمات التي تعرّض لها فندق في مراكش، واتّهمت السلطات المغربية الأجهزة الأمنية الجزائرية بتدبير تلك الهجمات وما أسفرت عنه بعد ذلك من إغلاق للحدود البرية حتى اليوم ووقف حرية التنقل بين البلدين وحملات إعلامية ساخنة.

في السياق نفسه، يتوقف كريمي عند لعبة شدّ الحبل بين الرباط والجزائر في موضوع النزاع الصحراوي والموقِف من المبعوث الدولي كريستوفر روس، كما يحذر من سباق التسلّح بين البلدين، الذي وصفه بـ “الرهيب”. فالرباط تشتري من واشنطن صواريخ ودبّابات وآلات عسكرية دقيقة جدا، فيما تقتني الجزائر من موسكو طائرات وأسلحة بمليارات الدولارات، وهو ما يعبِّر بالنسبة له عن “توتُّر خَفيّ لا يُعلن عنه، لكنه توتّر يُستعدّ له بالتسلح وكأن الحرب واقعة غدا”. 

تحولات داخلية.. وحساسيات إقليمية

بالنسبة للمغرب، تظل مسألة فتح الحدود البرية، الضمان الأمني نحو علاقات تعاون وانفتاح مع الجزائر، حيث قال مراد مدلسي، وزير الخارجية الجزائري بعد اجتماع 9 يوليو 2012 “إن فتح الحدود غيْر مطروح في الوقت الرّاهن، رغم محاولات الدبلوماسية المغربية لتقريب وجهات النظر مع الجانب الجزائري”، وأشار إلى أن بلاده “لن تستعجل” فتح الحدود، بالنظر إلى “الأضرار” التي قد تنجُـم عن ذلك. وقال إن “قضية إعادة فتح الحدود البرية هي قضية مهمّة للغاية بدون شك، لكنها غير حاضرة الآن، وهي مُرتبطة بتطوّر العلاقات، التي قد تنتهي يوما بالتفاهم بشأن فتح الحدود البرية”.

لذلك، يعتقد علي كريمي أن قمة المغرب العربي، إذا ما عُقدت في شهر أكتوبر القادم في طبرقة شمالي تونس، فإنها ستكون “قمّة شكلية” ولن تتجاوز القِمم المغاربية السابقة، نظرا للعقبات التي لا زالت تحُول دُون بِناءٍ مغاربي سليم، ومن بينها عقبة النزاع الصحراوي والتحوّلات الداخلية، التي تعرفها كل دولة، خاصة العنصر الأمازيغي، الذي ظهر في كل من المغرب والجزائر وتونس وليبيا، مطالبا بالإبتعاد عن كل ما هو عربي، وهي من الآثار التي تركها الربيع العربي بالمنطقة.

تُضاف إلى ذلك الحساسيات التي ظهرت في العلاقات الجزائرية – الليبية والعلاقات الجزائرية – التونسية، ومحاولة الجزائر أن تكون الدولة الإقليمية الأولى بالمنطقة، على غِرار السعودية في منطقة الخليج، دون ملاحظة أن الدور السعودي لا مُنافس له، وبغضِّ النظر عن حساسية بعض دول الخليج منه، إلا أنه دور مقبول ومعترف به، حتى وإن كان على مضض. في حين، أن الدور الجزائري في شمال افريقيا له منافس، وهو المغرب، وأنه غير مقبول خصوصا وأن زمن الإستقطابات الإقليمية والمحلية قد ولّى لتحٌـلّ محلّه الإستقطابات ذات الطابع الدولي الأشمل والأوسع.

التعاون الإقتصادي.. ركن أساسي

وبالنسبة لكريمي، فإن العائق الأساسي، أولا بوجه علاقات تعاون جزائرية – مغربية متطوّرة، وثانيا، أمام قيام مغرب عربي موحد وقوي، يتمثل في الضعف الذي يطبع التعاون الإقتصادي الذي لا يمكن أن يتقوّى إلا بفتح الحدود وتسهيل الحركة أمام السلع واليد العاملة وتنمية المناطق الحدودية بين مختلف بلدان المنطقة بمشاريع تنموية مشتركة.

وأشار كريمي إلى أن العقد الثاني من الألفية الثالثة، يختلف تماما عن العقد السادس بالألفية الثانية، حين عقد مؤتمر طنجة المغاربي (1958)، التي وإن جمدت توصياته بعد استقلالات دول المنطقة، إلا أنها عادت للحياة عام 1989، حين أعلِـن عن تأسيس اتحاد المغرب العربي. كما أوضح كريمي أن تلك المرحلة اتّسمت بالطغيان السياسي والفشل السياسي، وأنه آن الأوان للإستماع إلى نداءات التكنوقراط والإقتصاديين المغاربيين (التي بدأت تتسلل شيئا فشيئا إلى مطابخ صناعة القرار) بإيلاء الاهتمام الأول للتعاون الإقتصادي، وهي الزاوية الأساسية والقوية لأي بناء مغاربي. 

رغم اقتران تشاؤم الباحثين، مغاربة وجزائريين، بالأماني بتجاوز هذه المرحلة، كما قال مصطفى نويصر، إلا أن (الأمل/ الحلم) لا زال قائما بأن تتحول الكوارث التي يشهدها الإقليم إلى “ناقوس خطر يقنع الجميع بضرورة الذهاب نحو المستقبل بروح التعاون”.  

شدد وزراء خارجية المغرب العربي الاثنين 9 يوليو على ضرورة العمل على سياسية امنية مشتركة، وذلك اثر اجتماع مخصص لمسألة الامن في المنطقة.

وقال الوزير الجزائري المنتدب للشؤون الافريقية والمغاربية عبد القادر مساهل لفرانس برس ان “المهم هو انه للمرة الاولى، يجتمع وزراء خارجية لتصور استراتيجية مشتركة في مسألة الامن”.

واضاف “نحن معنيون بالاحداث التي تجري في دول المغرب. لقد حصلت تقلبات كان لها بضعة مفاعيل على الصعيد الامني”، داعيا الى تحسين التنسيق بين دول المغرب لمواجهة التحديات الامنية.

وعند افتتاح الاجتماع، ذكر وزير الخارجية الجزائري مراد مدلسي بـ “التحديات الحالية” التي تتطلب “المزيد من الجهود لصالح تعزيز التعاون الثنائي والاقليمي”.

وقال مدلسي في افتتاح الاجتماع، الذي شارك فيه وزراء خارجية المغرب وتونس وليبيا وموريتانيا “سنعمل على تشخيص المخاطر التي تهدد الأمن بمنطقة المغرب العربي والخروج بمفهوم موحد للتهديدات التي تشكل مصدر الخطر والعمل على بلورة رؤية متكاملة ومتجانسة لتعاون مغاربي يقوم على أسس جدية وفعالة”.

واضاف ان “النشاط الارهابي في منطقة المغرب العربي يمثل تهديدا كبيرا على الامن والاستقرار” الاقليميين. وتحتل مسألة الامن موقعا اساسيا من ضمن هذه التحديات.

ويبدو ان المسألة الامنية في منطقة المغرب والوضع في منطقة الساحل، خصوصا في مالي، اعادت اطلاق اتحاد المغرب العربي، حيث من المزمع عقد عدد من الاجتماعات الوزارية خلال العام الجاري.

ومن المقرر ان يلتقي وزراء داخلية هذه المنطقة في المغرب، ورزاء العدل في ليبيا ووزراء الشباب والرياضة في تونس، كما سيعقد اجتماع لوزراء الشؤون الاسلامية في موريتانيا لابراز قيم الاسلام السني بحسب البيان الختامي.

وتسبق هذه الاجتماعات الوزارية المغاربية قمة لرؤساء المغرب العربي في تونس قبل نهاية العام.

وتأسس اتحاد المغرب العربي في 1989 وهو يضم الجزائر والمغرب وتونس وليبيا وموريتانيا، لكنه ظل معطلا بسبب الخلافات الجزائرية المغربية حول النزاع في الصحراء الغربية.

(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ. ف. ب بتاريخ 10 يوليو 2012)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية