مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تونس تقترب من صناديق الإقتراع وسط ضجيج عال وحيرة ناخبين

بعد مخاض انتقالي استمر حوالي أربعة أعوام تخللته العديد من الإضطرابات والإحتجاجات والعمليات الإرهابية، يستعد التونسيون والتونسيات لانتخاب أعضاء مجلس نواب الشعب يوم 26 أكتوبر 2014 ورئيس الجمهورية يوم 23 نوفمبر 2014. Keystone

على مدى الأسابيع الأولى من شهر سبتمبر، توالت الإعلانات عن اعتزام هذه الشخصية المعروفة أو تلك النكرة الترشّح لخوض الإنتخابات الرئاسية التي ستُـجرى في تونس يوم 23 نوفمبر 2014، حتى بلغ العدد النهائي سبعين مترشحا، قبل أن ينسحب صحفي أعلن أنه لا يريد أن يكون طرفا في هذه "المسرحية"، وقبل أن تُـقرر الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات رابط خارجيإلغاء 29 ملفّا لعدَم توفُّـر الشروط القانونية فيها.

تعدّدت المشارب وتوحّدت الغاية، وهي الرغبة في الإقامة بقصر قرطاج. المترشحون منهم السياسي ورجل الأعمال والتكنوقراط والإعلامي والممثل المسرحي، ومنهم أيضا مَـن يُـعاني من اختلال نفسي أو يرغب في تسجيل إسمه ومجرد الظهور الإعلامي، أو لفت النظر لقضية شخصية.

حتى الذين اشتغلوا مع الرئيس السابق زين العابدين بن علي، لم يتردّد بعضهم في التعبير عن رغبته في أن يضع عصاه مع بقية العِصي، ومنهم مَن له أمل كبير في أن يُرشِّـحه التونسيون، بحُجَّـة أن رجالَ ما بعد الثورة “فشلوا” في إدارة شؤون الدولة. هكذا بدت بعض ملامِح أول تظاهُـرة سياسية من نوعها ستشهدها تونس بعد حين. لقد طغت الرئاسية على الإنتخابات البرلمانية.

خطوة حاسمة 

تمثل الإنتخابات الحالية خُـطوة هامّة وحاسمة في مسار الإنتقال السياسي، في بلد يفتقر للتقاليد الديمقراطية، بعد أن حُـكِـم لمدّة نصف قرن ونيف برئيسين وحزب واحد مُهيْـمن.

كما أن هذه المواعيد مع صناديق الإقتراع ستُساعِد على معرفة ميزان القِوى الفعلي للقِـوى السياسية التي ستتحكّم في الدولة والمجتمع طيلة المرحلة القادمة، وبالتالي، ستكون بمثابة عملية غربلة للمشهد الحزبي الذي لا يزال مُشتَّـتا وخاضعا للإرتجال والأهواء الشخصية والحسابات الضيقة.

فالرّايات الحزبية لا تزال كثيرة ومتشابهة، تُـذكِّـر التونسيين بما حدث خلال انتحابات أعضائء المجلس التأسيسي في 23 أكتوبر 2011، وهو ما زاد في تعميق حِيرتهم، وجعل الكثير منهم غير قادر إلى حدِّ الآن على تحديد اختياره بوضوح وبشكل نهائي.

إضافة إلى ذلك، ستُـحدِّد الإنتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة حجم المشاركة الشعبية، التي ستعتبر مؤشرا هامّا لمعرفة نسبة التونسيين المساندين للنظام السياسي الجديد. فالمسجّلون حاليا (بشكل إرادي) بالقائمات الإنتخابية، قد تجاوز الخمسة ملايين ومائتي ألف ناخب مُفترض، لكن لا أحد قادر اليوم التأكّد من عدد الذين سيتوجّهون إلى صناديق الاقتراع يوم الإنتخابات. إنه لُـغْـز يصعب حاليا تفكيكه، لكنه يبقى هامّا بالنسبة لاستقراء مُستقبل عملية الإنتقال الديمقراطي، خاصة في ضوء ضعف حضور الشباب الذين عبّروا عن رغبتهم في المشاركة، وأيضا في ضوء تصاعُـد وتيرة التّهديدات الأمنية.

الإعلان رسميا عن قبول 27 ملف ترشح للرئاسة في تونس

عقدت الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات في تونس ندوة صحفية بإشراف رئيسها شفيق صرصار تم الإعلان خلالها عن قبول الهيئة رسميا لسبعة وعشرين (27) ملف ترشّح لخوض السباق الرئاسي الذي سينتظم الدور الأول منه يوم الأحد 23 نوفمبر 2014.

وفيما يلي أسماء المرشّحين الذين أعلنت الهيئة قبول ملفاتهم:

محمد المنصف المرزوقي

محمد الهاشمي الحامدي

العربي نصرة

الباجي قايد السبسي

أحمد نجيب الشابي

مصطفى كمال النابلي

حمة الهمامي

سليم الرياحي

مصطفى بن جعفر

نور الدين حشاد

عبد الرؤوف العيادي

علي الشورابي

محمد الحامدي

عبد الرحيم الزواري

عبد القادر اللباوي

كلثوم كنّو

كمال مرجان

محمد فريخة

منذر الزنايدي

عبد الرزاق الكيلاني

سمير العبدلي

ياسين الشنوفي

حمودة بن سلامة

محرز بوصيان

الصافي سعيد

مختار الماجري

سالم شاذلي

مفاجآت غير متوقعة

بدأت الحملة الانتخابية مبكّرا وقبل الموعد القانوني، كما انكشفت مضامين الخِطاب السياسي لجميع الأحزاب تقريبا، لكن مع ذلك، فإن الإنتخابات بنوعيْها، البرلماني والرئاسي، تتميّز بكونها قد تحمل مفاجآت غيْر متوقّعة. ولا يعود ذلك فقط إلى كثرة المرشحين، ولكن أيضا لاتِّساع رُقعة الإحتمالات وتعدّد السيناريوهات. ولهذا، سيكون من الصعب الجزْم بالنتائج قبل الإعلان عنها.

فحتى حركة النهضةرابط خارجي التي تتعامل بثِقة في النفس، لا يشك المراقبون بأنها قد تعرّضت لهزّة قوية بسبب تجربة الحُكم، وإن كانت تبقى تشكِّل قوة رئيسية في المشهد العام.

في مسارٍ موازٍ، فشلت المعارضة العِلمانية في توحيد صفوفها، وذلك سواء في التشريعية أو الرئاسية، وهو ما يفسِّر إعادة المشهد الإنتخابي الذي عرفته البلاد يوم 23 أكتوبر 2011.

صحيح أن “حزب نداء تونسرابط خارجي” قد وُلِـد بعد انتخابات المجلس الوطني التأسيسيرابط خارجي، وهو يُعتبَـر قوةً صاعدةً ومنافسا قويا لحركة النهضة، وقد يتمكّن من تحقيق التوازُن، لكنه تعرّض بدوره لهزّة قوية، بسبب الصِّراعات التي انفجرت بين كوادره الأساسية، خاصة على إثر تصريحات عمر صحابو، أحد المؤسسين للحزب، والتي أعلن فيها أن رئيس الحزب الباجي قايد السبسي غيْر قادِر على إدارة شؤون الدولة، بسبب وضعه الصحي، وهو ما أحدث شرْخا جديدا في بنية هذا الحزب، وهَـزّ صورته على الصعيد الوطني.

ولم يقف الأمر عند هذا الحدّ، بل إن دخول عدد من الكفاءات الإدارية العالية في حلبة السباق نحو الوصول إلى قصر قرطاج، قد زادت من خلط الأوراق وأربكت حسابات قايد السبسي وغيره. ويذهب مراقبون إلى أن ترشّح مصطفى كمال النابلي، محافظ البنك المركزيرابط خارجي السابق، وكذلك منذر الزنايدي، الوزير السابق في عهد الرئيس بن علي، قد أضعفا من حظوظ النجاح الكاسِح الذي كان يتوقّعه أنصار نداء تونس لمرشحهم.

أما اليسار عموما، فقد بقي مُـنقسِما على نفسه وحافظ على إستراتيجية الإحتِجاج ضدّ حركة النهضة بالخصوص، لأنه يعتقِد بأن معركته معها تبقى إستراتيجية، وذلك بالرغم من قَـبول حمة الهمامي (الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية) لتزكية أحد أعضاء الحركة بالمجلس التأسيسي لتمرير ترشّحه، وهو ما أثار ردود فعل قوية في صفوف حُلفائه من الوطنيين الديمقراطيين، بلغت حدّ إقدام النائب مُنجي الرحوي على سحب تزكيته لرفيقه في الجبهة حمة الهمامي. 

كذلك الشأن بالنسبة لما يُعرف بـ “العائلة الدستورية والتجمعية”، التي نزلت الميدان مشتّتة ضِمن صراع واضح على الزّعامة ورغبة قوية في تقاسُم ترِكة النظام السابق.

الجديد في هذا السياق، هو دخول رجال الأعمال بكثافة غيْر مسبوقة في المُعترك السياسي. ولم يتضح ذلك فقط في ترشّح الكثير منهم على رأس قائمات مستقِلة، ولكن أيضا حِزبية، حيث تسابقت الأحزاب الرئيسية على استقطاب هؤلاء. كما لوحظ أيضا أن عددا من رجال الأعمال أو بعض الأثرياء الجُدد قد قرّروا أيضا أن يخوضوا بكثافة معركة الرئاسة، اعتقادا منهم بأنهم الأجْدَر بقيادة البلاد. 

ساحة حزبية بلا ثقافة سياسية 

هناك “شيء ما” قد حصل في عقول هؤلاء وأخذ يقلب حساباتهم بشكلٍ واسع. وهناك أيضا مخاوِف تتصاعد يوما بعد يوم من دخول المال السياسي ليُفسد العملية الديمقراطية الوليدة، وهو ما جعل الرئيس المؤقّت منصف المرزوقيرابط خارجي يُصرِّح مباشرة بعد تقديم ملف ترشّحه، بأن المال السياسي اليوم هو “أخطَر على تونس من الإرهاب”!

في ضوء هذا المشهد الفُسيْفسائي، يتواصل الإستقطاب ليبقى سيّد الموقف. ذلك أن الصِّراع العلماني – الإسلامي لم يتراجع، أما حزب المؤتمر من أجل الجمهوريةرابط خارجي فقد ذهب إلى أن هذه الإنتخابات ستكون بين “18 أكتوبر” و”7 نوفمبر”، في إشارة إلى تحالُف الأحزاب التي قاومت نظام بن علي وبين رموز وبقايا العهد السابق.

مع ذلك، عملت عديد الأحزاب على صِياغة برامج لها مِثل حركة النهضة والجبهة الشعبيةرابط خارجي ونداء تونس والتحالف الديمقراطي و الحزب الجمهوريرابط خارجي وآفاق تونسرابط خارجي، وغيرها من الأحزاب. لكن بالرغم من ذلك، لم يبرز حتى الآن صِراع بين المرشّحين حول البدائل والبرامج. ويعود ذلك إلى سببيْن. أولهما، أن التخوّف من حركة النهضة لا يزال يُخيِّـم على المناخ العام، وهو ما جعل العديد من الأطراف تعمل على جعل الهدف من المعركة الرئيسية، هو الحيلولة دون عودة الإسلاميين إلى السلطة.

وثانيا، لم تتوفّر حاليا ثِقة لدى الناخبين في وعود الأحزاب، خاصة تلك التي حظِـيت من قبل بالدّعم السياسي، مثل مكوّنات الترويكا، لكنها لم تُحقِّق من وعودها العريضة، إلا النزر القليل، حسب اعتقاد خصومها. فالساحة الحزبية التونسية لم تتوفّر لها حتى الآن ثقافة سياسية ناضجة وبديلة، تجعل من صراع البرامج والبدائل هو المِحك الرئيسي لكسب ثقة الرأي العام المحلي والظفر بأصوات الناخبين. 

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية