مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

جائزة سويسرية لباحث أردني ُيـطـوّع المعلوماتية لحماية المدينة الوردية

مبنى الدير الذي شيد في القرن الأول للميلاد في مدينة البتراء (التي تعني الصخر باللغة اليونانية) على واجهة ضخمة بطول 50 مترا وعرض 45 مترا. Keystone

بحصوله على جائزة الساعات السويسرية رولكس للمبادرات الطموحة لعام 2008، يكون د. طلال العكشة، الباحث الأردني أول فائز من منطقة الشرق الأوسط في هذه الجائزة، التي تمنح لعشرة فائزين في كل عام، وهي مستمرّة منذ قرابة ثلاثين عاماً.

طلال العكشة، الذي حظي بالجائزة، وقيمتها مائة ألف دولار، من بين قرابة ألف وخمسمائة متسابق، هو عميد معهد الملكة رانيا للسياحة المستدامة في الجامعة الهاشمية الحكومية الأردنية، وحاصل على دكتوراه في الكيمياء الفيزيائية (تخصّص الكيمياء الضوئية عام 1977).

المشروع الذي فاز بسببه العكشة بالجائزة، ليس وليد سنة أو شهور، وإنّما هو محصّلة تراكم في الجهود والتفرّغ الكبير لمدّة تزيد على ستة وعشرين عاماً أمضاها العكشة في هذا المجال.

تبدأ حكاية العكشة كما يرويها، منذ بداية ثمانينات القرن المنصرم، عندما كان يقوم بزيارات مع وفود سياحية إلى مدينة البتراء الأردنية الأثرية الشهيرة في جنوب العاصمة عمان، إذ يصّرح العكشة: “أصبت بالدّهشة من جمال المكان وشعرت بالخوف على الموقع، نتيجة تأثير العوامل الطبيعية عليه”.

ويوضح أن ما دفعه للقيام بأبحاثه وجمع الدّعم والتمويل، هو ملاحظته للدّمار الذي قد يلحق بالموقع الأثري مع الوقت، الأمر الذي قد يحوّل الصخر إلى رمل.

من هنا، بدأت فكرة العكشة المُـترابطة مع خلفيته الأكاديمية ومشاعِـره الوطنية تتشكّـل بضرورة بناء بنك معلومات مُـتكامل وموثّق لكافة المواقع الأثرية داخل البتراء، من حيث سِـماتها الجيولوجية والطبيعية وتصويرها، وذلك كي لا يضيع هذا الإرث الإنساني العظيم.

مدينة استثنائية.. ومشروع لحمايتها

من الجدير بالذّكر أنّ مدينة البتراء الأردنية، اعتبرت العام الماضي ثاني موقع من ضمن عجائب الدّنيا السبع في المسابقة العالمية التي جرت في مدينة لشبونة، وتمثل المدينة طِـرازاً معمارياً نادراً يعود إلى ألفي عاما، بناها العرب الأنباط وطوّرها البيزنطيون، وتحتوي مواقع أثرية مدهشة، كالخزنة والدّير ومبنى المحكمة، وفيها أسُـس البيزنطيون إحدى أقدم الكنائس وتلقب بـ “المدينة الوردية”، لأنها حُـفرت في صخر ذات لون وردي.

يوضّح د. باسم الطويسي، أحد أبرز المهتمّين بمدينة البتراء والمدير العام لبيت الأنباط، أنّ مدينة البتراء ذات ميزات استثنائية فريدة في التاريخ الإنساني والمعماري، فهي مدينة متكاملة، أغلب مبانيها منحوتة من الصخر.

وتتبدّى أهمية الجائزة التي حصل عليها العكشة، أنّها مخصّصة بالكامل لتنفيذ هذا المشروع وتسهيل مهمّته، وهو مشروع – وِفقاً للعكشة – كلّف إلى الآن عدّة ملايين ولا يزال بحاجة إلى دعم كبير.

ويرى د. باسم الطويسي أن مشروع الدكتور العكشة في غاية الأهمية لمدينة البتراء، إذ أنه سيقدّم توثيقاً وتسجيلاً مِـهنياً وفنياً كاملاً لمدينة البتراء ومواقعها الأثرية المختلفة، التي تُـعدّ بالمئات، من حيث السِّـمات الجيولوجية والمعمارية والأثرية والطبيعية، وذلك بمثابة “الخطوة الأولى” لبناء مشروع حماية وحِـفظ للبتراء وآثارها التاريخية.

وينوه الطويسي إلى أنّ أهمية المشروع تكمن – كذلك – في أنّ “البتراء تُـعدّ، وِفق منظمة اليونسكو، من أكثر المواقع الأثرية في العالم المهدّدة بفعل العوامل الطبيعية والنشاط السكاني والمعماري، إذ أنّ البتراء نفسها مكوّنة من الصّخر الرّملي الهشّ. فهي، وإن بدت مُـتماسكة من الخارج، لكنها ضعيفة بطبيعة تكوينها الصخري”.

مطالبة بصندوق خاص برعاية دولية

في هذا السياق، يشير العكشة إلى أنّ المشروع يحظى برعاية رسمية أردنية على أعلى المستويات وأنه يعتمد، بالإضافة إلى الزيارات الميدانية، إلى ما وثّـقه باحثون زاروا منطقة البتراء سابقاً ودوّنوا ملاحظاتهم حول المواقع الأثرية، “كما حدث عام 1904 عندما قام العالم الألماني براوند، الذي سجّل قرابة ثمان مائة وخمسين موقعاً أثريا”، ويضيف العكشة أنه تمّ تسجيل وتوثيق مواقع جديدة، تصل إلى قُـرابة مائتي وخمسين موقعاً.

وعن مدى أهمية التوثيق، يقول العكشة “إنه من الضّـروري قبل القيام بأي أعمال صِـيانة أو ترميم، أن يتمّ توثيق للمعلم وتصويره فوتوغرافيا وتسجيل معلومات وافية عنه، “في حال تعرّض المعلم الأثري لأي إزالة أو تدمير، يبقى التوثيق هو الأهم وقد صوّرنا حوالي 100 ألف صورة في البتراء لغايات التوثيق”.

وشارك في حملات البحث والدّراسة على مدى عشر سنوات، متطوّعون يابانيون ومهندسون معماريون أردنيون، وتمّ التعاون مع فِـرق أجنبية. وإلى جانب دراسة المواقع الأثرية ومعرفة نسبة الأملاح الموجودة في الصخر التي تشكِّـل تهديدا وتؤدّي إلى حدوث النّحت والتعرية، يقول العكشة “قامت فرق البحث بدراسة الموادّ الصخرية والفخّـار النبطي”.

ويشجّع الطويسي على المُـضي قدماً في مشروع العكشة، لكنه في الوقت نفسه يطالب بمزيد من الاهتمام المحلّي والعالمي بمدينة البتراء لما تستحقه، وللتّهديدات الطبيعية والسكانية المحيطة بها، ويذهب الطويسي إلى المطالبة بإنشاء صندوق خاص برعاية دولية لدعم مشاريع بحثية تقوم على وضع أسُس وخطط متكاملة لحماية مدينة البتراء.

في المقابل، فإنّ الطويسي يشير إلى أهمية التزام الحكومة الأردنية بالمعايير الدولية المعتمدة في تحديد القُـدرة الاستيعابية للمناطق السياحية ويدعو إلى تعزيز هذا المشروع بمشاريع أخرى، في مقدّمتها نشر الوعي البيئي الصديق في تعزيز الثقافة الاجتماعية، التي تحافظ على هذه المواقع من عوامل التآكل والتهديدات البشرية الواضحة لها.

قيمة تاريخية وسياحية

وللتذكير، فإنّ الأردن يتضمّـن مئات المواقع الأثرية والسياحية ذات القيمة التاريخية. فبالإضافة إلى مدينة البتراء، هنالك مدينة جرش الأثرية المعمارية المشهورة في شمال البلاد، وتتضمّن آثاراً فريدة من مدرّجات وأعمدة وساحات فريدة.

وهنالك مدينة أم قَـيس التاريخية والعديد من المواقع الأثرية من مدرّجات وقِـلاع وأضرحة، تعود لقيادات دينية – تاريخية إسلامية معروفة، ومواقع لمعارك تاريخية مشهورة، كمعركة مؤتة واليرموك، وحتى مواقع ذات سِـمات طبيعية استثنائية في العالم، بخاصة منطقة الأغوار الأردنية الممتدّة على طول الحدود الغربية للمملكة، التي تشكِّـل جزءاً رئيسياً من حفرة الانهدام، ففيها البحر الميت، حيث أخفض بقعة على الكرة الأرضية، وفيها شلالات ماعين والمياه المعدنية والدافئة، التي تُـستخدم للعلاج الطبيعي.

محمد أبو رمان – عمّـان

أعلنت “رولكس” عن أسماء الفائزين العشرة بـ “جوائز رولكس للمبادرات الطموحة 2008″، التي دأبت خلال أكثر من 30 عاماً على دعم المشاريع الرائدة في مجالات العلوم والطب، والتقنية والابتكار، والبحث والاستكشاف، والبيئة، والتراث الثقافي.

والفائزون بالمرتبة الأولى في “جوائز رولكس للمبادرات الطموحة 2008″، والذين تم اختيارهم من بين حوالي 1500 مشارك في 127 دولة من قبل لجنة مستقلة تضم نخبة من العلماء والتربويين والاقتصاديين وغيرهم من الخبراء، هم: طلال العكشة من الأردن، وتيم باور من الولايات المتحدة، وأندرو ماكجونيجل من المملكة المتحدة، وأندرو موير من جنوب أفريقيا، وإلسا زالديفار من باراغواي. وانضم الفائزون الجدد إلى شبكة عالمية تتكون من 110 مبدعين يمثلون 40 بلداً، سبق أن نالوا تقدير شركة “رولكس” السويسرية لصناعة الساعات، منذ انطلاق “جوائز رولكس للمبادرات الطموحة” في عام 1976.

استضافت دبي حفل تكريم خاص أقيم مساء 18 نوفمبر 2008 في دبي قدمت فيه “رولكس” 100 ألف دولار أمريكي لكل من الفائزين الخمسة الأوائل، وهو أول حفل توزيع “جوائز رولكس للمبادرات الطموحة” يعقد في منطقة الشرق الأوسط. وحصل الوصفاء الخمسة على جائزة نقدية بقيمة 50 ألف دولار لكل منهم. وبالإضافة إلى ذلك، حصل الفائزون العشرة على ساعة “رولكس” قيّمة لكل منهم.

يعكف طلال العكشة، 61 عاماً، بعد أن كرس 26 سنة من عمره، في توثيق المعالم الأثرية القديمة التي تزخر بها مدينة البتراء، على تطوير وإكمال نظام معلومات من شأنه أن يدعم أنشطة حماية هذه المدينة التاريخية والحفاظ على إرثها مستقبلاً.

طور تيم باور، 31 عاماً، نظاماً مبتكراً لتعديل أداء المحركات ثنائية الأشواط الشائعة الاستخدام في الفيليبين، مما يساهم في الحد من التلوث الذي يهدد البيئة والصحة العامة في جنوب شرق آسيا.

يعمل الباحث في علوم الفيزياء، أندرو ماكجونيجل، 35 عاماً، على تطوير وسيلة جديدة تساعد على التنبؤ بثورات البراكين بطريقة آمنة وموثوقة باستخدام مروحية يتم التحكم بها عن بعد.

ويقوم الناشط في مجال القضايا الإنسانية، أندرو موير، 43 عاماً، بتزويد أبناء ضحايا مرض الإيدز بالمهارات الحياتية الضرورية، كما يوفر لهم التدريب وفرص العمل في قطاع السياحة البيئية، الذي يشهد ازدهاراً كبيراً في جمهورية جنوب إفريقيا.

أما إلسا زالديفار، 48 عاماً، فتعمل على توفير حل صديق بالبيئة يساعد في سد نقص المساكن الذي تعاني منه الباراجواي، وذلك من خلال ابتكار مواد بناء مصنوعة من النفايات النباتية والبلاستيكية، لتشييد منازل رخيصة الثمن.

(المصدر: نقلا عن موقع جوائز رولكس للمبادرات الطموحة، بتصرف)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية