مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

جهود حثيثة للمجتمع المدني الأردني في جنيف

متظاهرون يلوحون بشعارات وأعلام أردنية في العاصمة عمان
شهدت الساحة الأردنية في الفترة الأخيرة العديد من التحركات الحقوقية والإحتجاجية التي تميّزت بمشاركة فئات شبابية وشعبية متنوعة فيها. (في الصورة: وقفة احتجاجية للصحفيين خارج مجمع النقابات المهنية يوم 6 يونيو 2018 احتجاجا على الضرائب الجديدة التي فرضتها الحكومة). Keystone

في إطار الإستعداد للإستعراض الدوري الشامل لحقوق الانسان المقرر إجراؤه في شهر نوفمبر المُقبل، الذي سيُناقش أوضاع حقوق الإنسان في الأردن أمام مجلس حقوق الإنسان، انطلقت صباح يوم 9 يوليو الجاري بجنيف أولى لقاءات وفد تحالف المنظمات غير الحكومية الأردنية المُمَثِلة لمنظمات المجتمع المدني الأردني مع مسؤولين من مَجلس حقوق الإنسان، وعدد من المنظمات الدولية العاملة في مجال دَعم عملية الإستعراض الدوري الشامل. 

هدفت الزيارة الإستباقية التي قام بها وَفد منظمات المجتمع المدني الأردني مُمَثَّلاً بِتَحالُفَي “إنسان” و”عين الأردن” إلى إبراز أولويات حالة حقوق الانسان في المَملكة، وحَشد الدعم للإفادات والتقارير التي أعدّها المجتمع المدني الأردني بهذا الخصوص. في هذا الإطار إلتقت swissinfo.ch بعدد من المشاركين في الوفد هم: نضال منصور، الرئيس التنفيذي لـ مركز حماية وحرية الصحفيينرابط خارجي ومُنسق تحالف “عين الأردن”؛ أحمد عوض، مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصاديةرابط خارجي؛ سماح مرمش، المديرة التنفيذية للشبكة القانونية للنساء العربياترابط خارجي؛ كمال المشرقي، الخبير الحقوقي في الإستعراض الدوري ومُستشار تحالف “عين الأردن”، وهديل عبد العزيز،  المديرة التنفيذية لمركز العدل للمساعدة القانونيةرابط خارجي، وكان لها معهم هذا الحوار: 

swissinfo.ch: هناك العديد من المنظمات غير الحكومية في الأردن. ما هي الآلية التي أدت إلى اختيار هذه المنظمات بالذات لتشكيل الوفد القادم إلى جنيف؟

نضال منصور: يَضُم هذا الوفد تحالُفَين أساسيين هما “عين الأردن” و”إنسان”، وكلاهُما يَضُمُّ عشرة مؤسسات تقريباً. ويشكل هذان التحالفان أكبر مؤسسات المجتمع المدني الناشطة في الأردن، وتحديداً المؤسسات الحقوقية العاملة في ميدان حقوق الإنسان. وقد عَمِلَت جميع هذه المُنظمات في مجال الإستعراض الدوري الشامل الأخير في عام 2013، ثم إستكملت عملها منذ عودتها للأردن من هذه الدورة وحتى عام 2018، بأن نَظَّمَت مجموعة من الأنشطة المُتتابعة فيما بينها، ومع الحكومة الأردنية أيضاً. كما قامت بإصدار التقارير والإفادات التي أرسِلَت إلى مفوضية حقوق الإنسان، للإحاطة علماً بمضمونها، بإعتبارها تقارير ظِلْ حين تُقَدِّم الدولة الإردنية تقريرها الوطني، بغية أن يكون هناك تصوراً آخر للأمور.

رجلان يجلسان في قاعة فسيحة
السيد نضال منصور، الرئيس التنفيذي لمركز حماية وحرية الصحفيين (على اليمين) وإلى جواره السيد أحمد عوض، مدير مركز الفينيق للدراسات الإقتصادية. جنيف، 9 يوليو 2018. swissinfo.ch

swissinfo.ch: ما هو برنامجكم لِحَشد الدَعم للتقرير الذي أعده المجتمع المدني الأردني في إطار الإستعداد للإستعراض الدوري الشامل لحقوق الانسان في الأردن المُقَرَّر مُناقشته في نوفمبر المقبل؟

هديل عبد العزيز: يهدف برنامجنا أساساً إلى الإلتقاء بالمنظمات الدولية المهتمة بحقوق الإنسان والعاملة في مجال دعم عملية الإستعراض الدولي الشامل، والآليات التعاقدية للأمم المتحدة المُناصِرة لتغيير حالة حقوق الإنسان والمُهتمة بالأردن تحديداً. لقد إجتمعنا مع أكثر من منظمة في جنيف، ومع مجلس حقوق الإنسان بغية فَهم المزيد عن التقرير الذي سوف يُعَدّ للـ”ترويكا” (للعلم يتم استعراض كل دولة بمساعدة من فريق من ثلاث دول، يُعرف باسم “الترويكا” رابط خارجيوستكون هذه المرة أفغانستان وفينيزويلا ودولة ثالثة سيتم اختيارها لاحقا بسبب انسحاب الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان – التحرير) عن الأردن، وماهية تحضيراتهم للإستعراض الدوري الشامل الخاص بالأردن. كما إجتمعنا مع بعثة الاتحاد الأوروبي للأمم المتحدة، والتقينا ِبِمُمَثلي عدد من الدول الأوروبية، مثل سلوفانيا وألمانيا وإيطاليا وفرنسا وإيرلندا ومالطا.

نضال منصور: كان هدفنا من التوجّه إلى بعثة الإتحاد الأوروبي هو نقل أولوياتنا ورسالتنا من خلالهم إلى الدول الأعضاء في الاتحاد. ولحُسن الحَظ، تزامن وجودنا مع إنعقاد إجتماع لمندوبين مُختصين في قضايا المُراجعة الدورية الشاملة وحقوق الإنسان في هذه البعثات، فاجتمعنا مع البعض منهم، وطلَبَ مِنّا إرسال التقارير والأولويات وصحيفة الوقائع (fact sheet) إلى البعثة لتتولى توزيعها على جميع الدول الأعضاء الـ 28.

إن زيارتنا لجنيف ليست منفصلة عن تحركنا داخل الأردن، حيث إلتقينا هناك أيضاً ببعثة الإتحاد الأوروبي، وبجميع الدول المهتمة بموضوع المراجعة الدورية الشاملة، وهي تأتي بالتالي في سياق عمل مُتكامل مُستمر. وقد إلتقينا في جنيف أيضاً بالبعثة الأردنية في الأمم المتحدة، حيث نقلنا رسالة اضحة مفادها أن تحسُن حالة حقوق الإنسان تَصُب في مصلحة الجميع. نحن لسنا في خصومة مع الحكومة، كما أننا لا نترصد الأخطاء، لكننا نهدف إلى تعظيم المُنجَز – مُنجَز حقوق الإنسان – لكي تعم الفائدة على الجميع، الحكومة والمجتمع المدني، والأهم من كل ذلك المواطنين. كما طلبنا خلال هذا اللقاء إشراك منظمات المجتمع المدني في صياغة النسخة النهائية من التقرير الوطني.

نحن لسنا في خصومة مع الحكومة، كما أننا لا نترصد الأخطاء، لكننا نهدف إلى تعظيم المُنجَز لكي تعمّ الفائدة على الجميع
نضال منصور

swissinfo.ch: ما هي طبيعة الدَعم الذي تتوقعون الحصول عليه في جنيف مِن قِبَل الأطراف التي التقيتم بها؟

أحمد عوض: كان الهدف الرئيسي من زيارتنا الإستباقية هو إطلاع الأطراف التي إلتقيناها على أولويات المجتمع المدني الأردني، أو أولويات تحالفي “عين الأردن” و”إنسان” على الأقل. كما طلبنا منهم مراعاة توجيه توصيات محددة وليست عمومية للأردن كما حدث في الدورة الماضية، الأمر الذي جعل عملية رَصد ومُتابعة وقياس مدى إنجاز هذه التوصيات صعباً.

swissinfo.ch: على ماذا ركزت أهم التوصيات التي وَرَدت للأردن خلال الدورة السابقة للإستعراض الدوري الشامل لحقوق الانسان (2013) ؟ وما الذي تم بشأن هذه التوصيات بعد مرور قرابة 5 أعوام؟

كمال المشرقي: رَكَّزَت التوصيات التي وَرَدَت للأردن في الدورة السابقة بالدرجة الأولى على حقوق المرأة، حيث كانت هناك 37 توصية تتعلَّق بالمرأة من أصل التوصيات الـ 126 التي وافقت المملكة عليها. كما وَرَدَت توصيات بشأن قضايا الحقوق المدنية والسياسية، والتَجَمُّع السلمي، والأشخاص من ذوي الإعاقة، ومسألة اللاجئين ومناهضة التعذيب وغيرها.

من أهم الاشياء التي قام بها تحالف “عين الأردن” هو تحليل التوصيات الصادرة، ومدى التزام الحكومة الأردنية بتطبيق التوصيات السابقة بدءأ من عام 2014 ولغاية عام 2018. وهذه من الأشياء التي  نعتبرها إيجابية في تعامل المجتمع المدني مع التوصيات. بدوره، عمل تحالف “إنسان” على بعض التوصيات المتعلقة بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية، وأصدر تقارير دورية بهذا الشأن. ومن اهم القضايا التي عملنا عليها كتحالفات في هذه المرحلة بالذات أيضاً، هي تشجيع الحكومة على قبول أكبر قدر ممكن من التوصيات، والإهتمام حتى بتلك التي لم تحظ بالقبول، وخصوصا المصادقة على البروتوكول الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب، وإلغاء عقوبة الإعدام، وإلغاء المحاكم الخاصة وتوصيات كثيرة أخرى.

swissinfo.ch: مع تركيز أهم التوصيات في الدورة الثانية للإستعراض الدوري الشامل لحقوق الانسان في الأردن على حقوق المرأة، هل طرأ هناك تقدم على أرض الواقع بالنسبة للمشاكل التي تعاني منها المرأة الأردنية؟

سماح مرمش: لقد شَهَدَ هذا المجال تقدماً في الاردن خلال العامين الأخيرين. ففي عام 2017 مثلاً، تم تعديل قانون العقوبات، حيث ألغِيَت المادة التي تنص على عقوبة مُخففة أو مُحِلّة في حالة جرائم الشرف، وهو ما نعَتبره إنتصاراً رائعاً. كذلك أُلغيَت المادة 308 من قانون العقوبات التي تَسمح للمُغتَصِب بالإفلات من العقاب في حال تزوج ضحيته، وهذا تقدم أيضاً. رغم ذلك، لاتزال هناك العديد من المسائل التي يتعيّن حلَّها. وعلى سبيل المثال، وبعد إلغاء المادة 308، يجب أن تتوفر المُغتَصَبة على َحلّين: إما إثبات النَسَب، أو الحَق في الإجهاض خلال فترة مُعينة، وهي مسألة لم يُعالجها القانون حتى الآن. في نفس السياق، يتضمّن قانون العمل مادة تتعلق بالتَحَرُّش، لكنه يعاقب المُتحَرِش فقط في حال كان رئيس الضحية في العمل، ولم يتطرق إلى زميلها في العمل نهائياً. وفي اعتقادنا، يجب أن يكون هناك قانون خاص – وليس مادة في قانون العقوبات – يتناول مسألة التحرش. المثال الآخر هو قانون الضمان الإجتماعي وقانون الخدمة المدنية؛ وهنا أيضاً لا يُراعى مَنح المرأة كافة حقوقها في حالة التقاعد. صحيح أن هناك تحسّن، لكن الطريق أمامنا لا يزال طويلاً.

هديل عبد العزيز: بالإضافة إلى ماسبق، أقرَّت الحكومة الأردنية في عام 2017 تعديل قانون الحماية من العُنف الأسري. مع ذلك، فإن المشكلة التي نواجهها في الأردن أحيانا، هي إشكالية التنفيذ الإيجابي للتشريعات التي تم تعديلها. ففي هذا المجال، لم ينعكس التعديل التشريعي على أرض الواقع بغية مَنح النساء المَزيد من الحماية في حالات العُنف الأسري.

جلسة مشتركة لثلاث سيدات وثلاثة رجال
السيد نضال منصور (بالقميص الرمادي)، وعلى يمينه السيد أحمد عوض (بالقميص الأبيض)، ثم السيدة هديل عبد العزيز، فالسيد كمال المشرقي، فالسيدة سماح مرمش. swissinfo.ch

swissinfo.ch: في الاستعراض الدوري الشامل الأخير (2013)، وُجِّه للأردن انتقاد شديد بشأن لإجراءات الحكومية المُتعلقة بِمِلَف حرية الإعلام والإنترنت وحَجب المواقع الإلكترونية. برأيكم، هل ينسجم مشروع القانون المُعَدل لقانون الجرائم الإلكترونية لسنة 2018 الذي أقره مجلس الوزراء في شهر مايو الماضي مع المعايير الدولية لحرية الإعلام؟

نضال منصور: لقد أُرْسِل هذا التعديل إلى البرلمان في شهر يونيو، ولا يزال بِحَوزة مجلس النواب. وقد طالبنا الحكومة بِسَحب هذا المشروع، وقلنا بأنه خطير بسبب تضمنه تعريفاً جديداً هو “خطاب الكراهية”. هذا التعريف سَيُضرّ بحرية التعبير لانه عائم ومطاط، كما أن العقوبات المُقتَرَحة فيه تتراوح من الحَبس سنة إلى ثلاث سنوات، أو عقوباتٍ ماليةً تتراوح بين 5000 إلى 10000 دينار أردني، وهذه عقوبة مُرهقة.

المشكلة أن المَشهد يتراجع في قضايا حرية الإعلام. والسبب الحقيقي وراء ذلك هو تراجُع الربيع العربي بِرُمَّته، ومعه جميع قضايا الديمقراطية. والأهم من ذلك هو أن كافة الحكومات الديمقراطية، كالاتحاد الأوروبي وأمريكا، إنشغلت عن الإصلاح الديمقراطي والسياسي، وأصبحت تركز على مِلَفين هما الإرهاب واللاجئين. وفي ظل هذين الإستحقاقين، بدأت الحكومات العربية تتخلى عن حديث الإصلاح السياسي والديمقراطي، ما جعل حرية التعبير والإعلام اولى ضحاياها.

المَشهد يتراجع في قضايا حرية الإعلام. والسبب الحقيقي وراء ذلك هو تراجُع الربيع العربي بِرُمَّته، ومعه جميع قضايا الديمقراطية
نضال منصور

swissinfo.ch: ناشدت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ومنظمة “هيومن رايتس واتش” ومجموعة من الناشطين الأردنيين الأردن بفتح حدوده لعشرات الآلاف من السوريين الفارين من القتال في جنوب غرب البلاد، في الوقت الذي أعلنت فيه الحكومة الأردنية غلق حدودها مع سوريا، لاسباب إقتصادية وإعتبارات أمنية. كيف يُمكن للمملكة أن توفق بين إعتباراتها الأمنية والتزاماتها في إحترام حقوق الإنسان؟

أحمد عوض: نحن كمجتمع مدني حقوقي نرى في الكيفية التي تعاملت الحكومة الأردنية بها مع ملف اللاجئين منذ عام 2011 إطاراً نموذجياً يتميّز عن غيره من أساليب التعاون في العديد من دول العالم. وفي الوقت كانت فيه الدول الغربية والغنية تفرض العديد من القيود بوجه اللاجئين سواء السوريين أو غيرهم، فتح الأردن أبوابه لكافة اللاجئين وتَحَمَّل أعباءَهم بِغَض النظر عن حَجم الدَعم الذي قُدِّم له -أو لم يُقَدَّم – لرعايتهم.

في الأردن اليوم 1,3 مليون لاجيء سوري نصفهم تقريباً مُسجّلين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وبرأينا يمثل ذلك قصة نجاح في تعامل الأردن مع هذا الملف. لقد طالب المجتمع المدني الأردن قبل عدة أسابيع بالقيام بواجبه بالنسبة للاجئين السوريين. لكن المملكة أغلقت حدودها في وجههم مُبررة ذلك بتهديد الوضع القومي الأردني. إلّا أنَّ المُجتمع المدني الحقوقي طالب الأردن بِتَحَمُّل مسؤولياته وفق المعايير الدولية، والقيام باستقبال من يحتاجون إلى العلاج وكبار السن وغيرهم، والمساهمة بشكل فعّال مع المنظمات الدولية في توفير ملاذات وطرق آمنة، وتقديم الرعاية والإغاثة للاجئين السوريين على أرضهم وداخل الأراضي الأردنية إن أمكن ذلك. ونُفِذَت حملات شعبية ورسمية في الأردن لجمع التبرعات وتوفير المستلزمات الإغاثية، شاركت فيها الحكومة والمجتمع المدني بمختلف فئاته.

من المؤسف أنَّ ما ساعد الحكومة الأردنية على إتخاذ هذا الموقف المتصلب تجاه اللاجئين، هو موقف الدول الغربية الغنية التي لا تتحمل سوى أعباء متواضعة بهذا الشأن، في الوقت الذي تتحمل فيه دول فقيرة مثل الأردن ولبنان أعباء الغالبية الساحقة من اللاجئين. نحن نرى أن مُجمل ملف اللاجئين على مستوى العالم بحاجة إلى مراجعة، بحيث تتحمل الدول الغنية أعباءَها الحقيقية.

نحن نرى أن مُجمل ملف اللاجئين على مستوى العالم بحاجة إلى مراجعة بحيث تتحمل الدول الغنية أعباءَها الحقيقية
أحمد عوض

swissinfo.ch: نَصَّت إحدى توصيات سويسرا في المراجعة الدورية الشاملة الثانية للأردن، على “التاكد من توفر جميع المُعتَقَلين الإداريين على إمكانية رَفع دعوى قضائية تتحدى قانونية اعتقالهم”، حَظيتَ بموافقة الأردن. ماذا استجد بشأن هذه التوصية؟

احمد عوض: للأسف الشديد، يُعطي قانون مَنع الجرائم في الأردن صلاحيات للحكام الإداريين (المحافظين) بإيقاف أي شخص دون قرار قضائي. حتى أن بعض الحكام الإداريين – والقانون يمنحهم هذه الصلاحية – يقومون بتعطيل قرارات القضاء، واحتجاز العديد من الأشخاص الذين كان قد أطلِق سراحهم بأمر قضائي. إن من أولى اولوياتنا وقف هذه الصلاحيات، لأن هذه المُمارسات تجري على نطاق واسع.

نضال منصور: إن المِفصل الأساسي الذي يتحدث عنه الأستاذ عوض والذي أتفق معه عليه، هو مبدأ سيادة القانون. ونحن حين نتحدث عن هذا المبدأ، فإننا نتحدث بالتزامن وبالترابط مع مبدأ فصل السلطات. لا يجوز للسلطة الإدراية أن تتغول على سلطة القضاء، وبالتالي فإن صلاحيات التوقيف يجب أن تكون صادرة عن المُدَّعين العامين والسلطة القضائية.

لا يُمكننا القول بأن الكثير قد تم بهذا الصدد، والموضوع لا يزال مَثار جدل. كما لا توجد لدينا إحصائيات توضح نسبة ما تم إنجازه من التوصيات، سواء الصادرة عن سويسرا أو غيرها. هذا سوف يَظهَر في التقرير الوطني (تُعده الحكومة، التحرير)، الذي يجب أن يشير بوضوح إلى ما تَمَّ تنفيذه وكَيف.

swissinfo.ch: لنعد إلى منظمات المجتمع المدني في الأردن. ما هي أهم التحديات أو القيود التي تعاني منها هذه المؤسسات؟

أحمد عوض: تعاني منظمات المجتمع المدني في الأردن من تحديات أساسية، أهمها تَضَمُّن القوانين والتشريعات المُنَظِّمة لمنظمات المجتمع المدني للعديد من القيود، بدءاً بتأسيسها، ومروراً بآليات عملها، وقدرتها على بناء الشراكات مع المنظمات الدولية، أو مع الجهات المانحة بِغَضّ النظر عن طبيعة هذه الجهات. بالإضافة إلى ذلك، لا يزال القانون يمنح وزير التنمية الإجتماعية [من خلال منصبه] صلاحية إرسال مَندوبين لحضور إجتماعات هذه المنظمات، كما يعطيه صلاحية حَلّ هذه الجمعيات في إطار آليات معينة. وباعتقادنا، يجب أن تتم الرقابة على الجمعيات من خلال الهيئات العامة اولاً ومن السلطة القضائية ثانياً، كما ينبغي إزالة جميع الإجراءات الإدارية التي تسمح للسلطة التنفيذية بإتخاذ أي إجراءات مقيدة لعمل الجمعيات. وهذا ينطبق أيضاً على قانون العمل، الذي لا يزال يضع الكثير من القيود أمام العاملين من أجل تأسيس نقاباتهم.

إن نموذج التنظيم النقابي في الأردن يحتوي على العديد من التشوهات المخالفة لأبسط قواعد حريات التنظيم النقابي للأسف، على الرغم من مصادقة الأردن على مختلف الإتفاقيات ذات العلاقة. وقد أدّى ذلك إلى حدوث إختلالات في الموازين والقوى الإجتماعية، وأصبحت الحوارات بين الحكومة وأصحاب الأعمال والعمال مُفَرًّغة من مضمونها، لأن مَن يُمثِّل العاملين ذوي المصلحة في شروط عمل لائقة وعادلة إمّا غير موجودين، أو ضُعَفاء لا تتوفر لديهم رؤية للدفاع عن مصالح العاملين. وهذه التحديات بمجملها تُضعف المجتمع المدني.

متظاهرون يحملون قطعا من الخبز
متظاهرون أردنيون يلوحون بقطع من الخبر كتب عليها “الفساد يُساوي الجوع” خلال تجمع احتجاجي نظم يوم 6 يونيو 2018 في العاصمة عمّان. Keystone

swissinfo.ch: هل يمكن القول بأن منظمات المجتمع المدني تتمتع باستقلال حقيقي في الأردن؟

نضال منصور: الأردن هو من دول الهامش الديمقراطي وليس دولة ديمقراطية. المجتمع المدني موجود ولكن حدود حركته مقيّدة دائماً. لا يُمكن مُقارنة الأردن بالسعودية أو سوريا أو بعض الدول الأخرى ذات الأنظمة والدكتاتورية. هناك هوامش، وهذه الهوامش لها حدود؛ وبالتالي فإننا كمؤسسات مجتمع مدني، نعمل بموجب هذا المسار مع محاولة توسيع الهامش. نحن نؤمن تماماً بضرورة وجود شراكة وطنية بين جميع أطراف المعادلة. بمعنى أن المجتمع المدني لا يستطيع أن يَصنَع الُمنجَزات لوحدِه، ولا بُدَّ أن يعمل إلى جانب الحكومة والقضاء والبرلمان وجميع الأطراف بما فيها الإعلام، وبالتالي سوف نكون قادرين على التغيير.

swissinfo.ch: ما هو الدور الذي تلعبه مؤسسات المجتمع المدني في الأردن؟ هل تشارك بفاعلية في الحياة السياسية ورسم السياسات العامة وحماية الحقوق وايصال الخدمات الاجتماعية مثلاً؟

هديل عبد العزيز: أنا أرى أن لديها دور، ولكنه ليس رئيسيا. بمعنى أن مؤسسات المجتمع المدني تقدم خدمات للمجتمع، وتعمل على رَفع القُدرات، وتعزيز الكفاءات، وتأهيل الأفراد والمؤسسات لكي تكون أكثر توافقاً مع حقوق الإنسان، كما تعمل على الرّصد والمناصرة من أجل تطوير حالة حقوق الإنسان، وهي مؤثرة من هذا المنطلق وتلعب دوراً مهما، لكنها في النهاية ليست سوى لاعب واحد فقط. لدينا ضُعف في الأحزاب، وفي دَور النقابات والمُجتمع المدني أيضاً، والكثير من المؤسسات قد تمارس الرقابة الذاتية حتى، وهذا يعود إلى فقرة الديمقراطية الهامشية التي تحدث عنها الاستاذ منصور. لاشك أن الكثير من التطورات التي حصلت في الأردن، كانت بدَفع ودَعم من مؤسسات المُجتمع المدني بشكل من الأشكال، ومن خلال مشاركتها في المراجعة الدورية الشاملة، واستخدامها مختلف القنوات التي يتيحها القانون الدولي والآليات التعاقدية.

مؤسسات المجتمع المدني في الأردن لديها دور، ولكنه ليس رئيسيا
هديل عبد العزيز

swissinfo.ch: بصفتك مدير مركز حماية وحرية الصحفيين، كيف تُقَيِّم حالة الحريات الإعلامية في الأردن اليوم؟

نضال منصور: ما ينطبق على الديمقراطية ينطبق على حالة الحريات أيضاً. لدينا في الأردن مساحة معقولة لحرية الصحافة، وهذه الهوامش تتعزز في الإعلام الألكتروني أكثر من الصحافة الورقية التي ارتبط بعضها بالسلطة التنفيذية. من غير السهل في العالم العربي أن يكون ملف الإعلام حُراً دون تدخل من أحد؛ فهناك العديد من اللاعبين: الحكومة، والأجهزة الأمنية، والبرلمان، ورجال الأعمال… ألخ. لدينا الآن معادلة جديدة نشأت في الأعوام الماضية، هي وسائل الإعلام الإجتماعية. وهذه الوسيلة هي اللاعب الذي لا تستطيع الدولة أن تتحكم فيها مهما كانت قوية أمنياً. لقد أصبح لكل شخص مِنَصّة، وقد يكون لهذه المِنَصة ملايين المُتابعين، ورُبما أكثر من وسيلة إعلام. لم تَكُنْ الحكومات تتوقع انها ستخسر هذه المعركة يوما ما، حيث كان لديها في السابق إذاعة واحدة وتلفزيون واحد، مما مَكَّنَها من التَحَكُّم بالمعلومات.

لقد تقدم الأردن 6 درجات في عام 2017 وفقاً لمؤشر منظمة “مراسلون بلا حدود”رابط خارجي، وكذلك في التقرير السنوي الذي أصدره مركز حماية وحرية الصحفيين. ويعود بعض السبب في ذلك إلى تراجُع الإنتهاكات الجسيمة من المُعَدَّل الكلّي. وهكذا مثلاً لا توجد أي اعتداءات جَسَدية من الأجهزة الأمنية على الصحفيين، لكن الإنتهاكات غير الجَسيمة مثل مَنع التغطية الإعلامية وحَجب المعلومات زادَت.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية