مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

علماء سويسريون يستعدون لتجربة نبات “منيهوت” معدل وراثيا

بائعة لجذور الـ "منيهوت" في سوق لاغوس عاصمة نيجيريا Keystone

بعد إدخال اللّمسات الأخيرة العام الماضي على صنف من نبات الـ "منيهوت" المعدل وراثيا لمقاومة نوعين من الفيروسات المؤثرة على المحاصيل، يستعد بحاثة سويسريون للشروع في التجارب الميدانية، رغم أن المحاربة البيولوجية ضد الفيروسات القاضية على هذا النبات بدأت تؤتي ثمارها.

استخدم فريق البحاثة التابع للمعهد التقني الفدرالي العالي في زيورخ (EPFZ)، تحت رئاسة كل من فيلهيلم غرويسم وهيرفي فاندرشورن، تقنية الهندسة الوراثية من أجل تطوير صنف جديد من نبات الـ”منيهوت” – المعروف بالفرنسة باسم “مانيوك” وبالانجليزية “كاسافا” – بإمكانه مقاومة “فيروس مرض متتالية الكاسافا البني CBSD”.

هذا الفيروس يهدد محاصيل المنيهوت في إفريقيا وباقي أنحاء العالم. وإذا لم يتم العثور على حل، فإن انتشار جائحة هذا المرض قد تؤدي إلى مجاعة في العديد من مناطق القارة السمراء، وفقا لخبراء منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة.

ويقول كلود فوكيه، الخبير العلمي لجمعية “الشراكة من أجل محاصيل المنيهوت للقرن الواحد والعشرين”: “إننا لجد قلقون لأن المرض قد ينتشر إلى غرب إفريقيا، وبالأخص إلى نيجيريا. وحينئذ قد تصبح التأثيرات كارثية”.

وتعتبر نيجيريا أول منتج ومستهلك للمنيهوت في العالم، ولكن هذا النبات يتم زرعه أيضا في معظم دول المناطق الحارة. ويضيف كلود فوكيه: “لدينا تخوف من انتشار المرض إلى بلدان أمريكا الجنوبية، وبلدان مثل تايلند حيث تسهم تجارة المنيهوت في تحصيل 2 مليار دولار سنويا بالنسبة لاقتصاد البلاد”.

وعلى مستوى الأمن الغذائي، يمثل المشروع السويسري آمالا كبرى بما أن المنيهوت يمثل العنصر الغذائي الأساسي لسكان عدة مناطق حارة في العالم.

نقل التكنولوجيا

عاد هيرفي فاندرشورن مؤخرا من زيارة لمركز أبحاث في جنوب نيجيريا، ناقش خلالها إمكانية القيام بالتجارب الميدانية على هذا الصنف من المنيهوت المعدل وراثيا. ويأمل الخبير السويسري في أن يتمكن البحاثة الأفارقة من تطوير الصنف المعدل وراثيا الخاص بهم والملائم للاحتياجات المحلية.

وأضاف:”إننا نحاول اتباع منهج عالمي في مسألة نقل التكنولوجيا، لأن الحل على المدى الطويل، يكمن في إمكانية استخدام هذه التكنولوجيا مباشرة في البلدان الإفريقية”. وقد حصل الفريق السويسري على التمويل الضروري لإجراء التجارب الأولية، ولكن هناك حاجة إلى مزيد من التمويل لكي ينطلق المشروع بشكل فعلي.

ولا يعد التمويل العقبة الوحيدة في وجه هذا المشروع، بل إن المنتجات المعدلة وراثيا تُواجَه في القارة الافريقية بالانتقاد والمقاومة. ولا تسمح سوى أربعة بلدان إفريقية بتجارة المواد المعدلة وراثيا، وهي جنوب إفريقيا، ومصر، وبوركينا فاسو، والسودان.  بينما لا تقبل سوى خمس دول أخرى القيام بتجارب في مناطق محددة.

وفي نيجيريا، وافق البرلمان على مشروع قانون يخفف من القيود المفروضة على المواد المعدلة وراثيا. ولكي يدخل هذا القانون حيز التطبيق، يجب أن يحصل على موافقة الرئيس غودلوك جوناتان.

يعتبرُ منتوج المنيهوت النشوي، عنصر غذاء أساسي بالنسبة لأكثر من 750 مليون شخص في 100 من بلدان العالم، معظمها في القارة الإفريقية.

هو نبات يقاوم التغيرات المناخية وبإمكانه أن ينمو في تربة فقيرة من حيث تركيز الأسمدة.

يُعتبر من إحدى أهم مصادر الطاقة الكربوهيدراتية الغذائية في العالم.

يمثل زراعة حيوية بالنسبة لملايين صغار الفلاحين.

يُعدّ ثاني أكبر مصدر في العالم للنشا المستخدم في الصناعة.

يُستخدم منتوج المنيهوت في مئات المواد المصنعة أساسا من الدقيق، والسيروب، والورق، والغراء، والغذاء، وعلف الحيوانات، والإيتانول.

(المصدر: المعهد الدولي للبحوث الزراعية الاستوائية CIAT)

المطلوب حل وليس معجزة

يُبدي خبراء المعهد التقني الفدرالي في زيورخ وعيا لمدى حجم المقاومة التي يثيرها موضوع المواد المعدلة وراثيا. ويؤكد هيرفي فاندرشورن: “إن كل ما نحاول القيام به هو وضع هذه التكنولوجيا تحت تصرف الأفارقة. ولا نحاول فرض استهلاك المواد المعدلة وراثيا”.

من جهتها، ترى جمعية “الشراكة العالمية من أجل محاصيل المنيهوت للقرن الواحد والعشرين”، بأن التكنولوجيا الحديثة ضرورية لمواجهة الأخطار المحدقة بمنتوج المنيهوت. ويعتقد كلود فوكيه بأن تقنية التعديل الوراثي بإمكانها أن تلعب دورا هاما في إنقاذ زراعة المنيهوت، وأن تقنية البحاثة السويسريين لا تهدف إلى تحقيق الكسب، على خلاف تقنيات أخرى للهندسة الوراثية.

ويدافع كلود فوكيه عن ذلك بقوله: “ما نقوم به في هذه الحالة له دوافع إنسانية، وليس على الإطلاق لكسب الربح  أو لاستغلال الناس. ولكن ليس هناك حل سحري وما هذا إلا عنصر من بين عدة عناصر في هذه المحاولات”. 

ومن بين العناصر المهمة الأخرى في هذا المجال، القيام بمراقبة فعالة وصارمة للسماح بالتدخل بشكل فعال بمجرد ظهور البوادر الأولى لبؤر إصابة جديدة، إذ يقول كلود فوكيه: “عندما تظهر موجة اجتياح جديدة، بالإمكان التغلب بسهولة على المرض ومراقبته”.

ويجري حاليا إحصاء تواجد فيروس مرض متتالية الكاسافا البني CBSD في كل من مالاوي، وتنزانيا، والموزمبيق، وأوغندا. كما أظهرت تقارير جديدة تواجد بؤر إصابة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ثالث أكبر منتج للمنيهوت في العالم، وفي أنغولا التي عرفت ارتفاعا مذهلا في الإنتاج في السنوات الأخيرة.

ويوضح كلود فوكيه أنه “حتى على مستوى البحث العلمي، هناك بعض الأبحاث التي لم يتم القيام بها، مثل دراسة  مسألة مقاومة الذبابة البيضاء، إذ هناك مرض متتالية الكاسافا البني،CBSD، ومرض “الفسيفساء” وهو مرض آخر يصيب محاصيل المنيهوت، ويتم نقلهما بواسطة الذبابة البيضاء المعروفة باسم (بيسيما تاباسي)، وهي عملية يصعب التحكم فيها.

الحل البيولوجي البديل

يُعتبر هانس . ر. هيرن من البحاثة السويسريين المرموقين. وقد سمحت أشغاله حول محاربة بيولوجية لدودة المنيهوت في إفريقيا بإنقاذ ملايين البشر من المجاعة. وهو ما تم تتويجه في عام 1995 بحصوله على جائزة الغذاء العالمية.

هانس . ر. هيرن، مؤسس ورئيس “بيوفيزيون”، المؤسسة السويسرية لتنمية إيكولوجية، يرفض استخدام تقنية الهندسة الوراثية كوسيلة لمحاربة أمراض المميهوت. ويقول ضمن هذا السياق: “لقد أجريتُ دراسات على كلا الفيورسين، وما يتسببان فيه من مضار راجع بالدرجة الأولى لانتهاج طرق زراعة خاطئة، مثل زراعة عينات مصابة”.

وأضاف: “المشكلة في المعالجة بالهندسة الوراثية أنها عادة ما تُعالج الأعراض وليس مسببات المرض. ولا تقدم سوى علاجا مؤقتا، ومكلفا، بدون أن تكون لدينا معرفة واضحة عن مدى تأثير ذلك على الصحة وعلى البيئة. وفي الواقع، إننا لا نحرز أي تقدم، بل نفقد شيئا ما على مستوى التنوع البيولوجي، كما أن النفقات ستواصل الارتفاع سواء بالنسبة للمزارع أو المستهلك”.

ويقترح هانس . ر . هيرن اتخاذ إجراء تكون له تأثيرا آنية: توعية الفلاحين بضرورة انتهاج الطرق السليمة في الزراعة. وفي نفس الوقت، ينصح بمحاربة الذبابة البيضاء بمواد طبيعية مثلما قام بذلك بنجاح في مجال محاربة  دودة المنيهوت. ويذكر بهذا الصدد: “لقد استخدمنا ما توفره الطبيعة مجانيا من أجل القضاء على المشكلة بشكل نهائي، إذ بحثنا عن حشرات نافعة ووجدنا ذلك. وهو ما سمح اليوم بالمراقبة والتحكم في كلا الحشرتين الضارتين”.

(نقله من الفرنسية وعالجه: محمد شريف)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية