مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حاجيات الجالية المسلمة بين المؤمل والمتاح

يكثر توافد أبناء الجالية المسلمة على المساجد في شهر رمضان (الصورة لمسجد المؤسسة الاسلامية التركية في زيورخ) Keystone

مر شهر رمضان هذه السنة على الجالية المسلمة في سويسرا، مسجلا حاجة بعض المراكز الإسلامية إلى عدد من الأئمة والواعظين للمساهمة في إحياء لياليه.

وفي حين رأى بعض أبناء الجالية أن السلطات هي التي تقف وراء تقليص عدد الأئمة برفضها منحهم التصاريح المطلوبة، ينظر المسؤولون إلى المشكلة من زاوية أخرى.

تعودت الجالية المسلمة في سويسرا، أن تستضيف عددا كبيرا من الأئمة وقارئي القرآن الكريم والوعاظ من مختلف الدول العربية والإسلامية، للمساهمة في إحياء ليالي رمضان. إلا أنه لوحظ هذا العام أن بعض قاعات الصلاة والمساجد كانت تفتقر إلى الأئمة، مما دفع البعض إلى توجيه أصابع الاتهام إلى السلطات، وتحميلها المسؤولة عن تقليص العدد المتعارف عليه سنويا من الشخصيات الدينية الوافدة.

وفي اتصال مع سويس انفو، نفى ماريو توار المتحدث باسم المكتب الفدرالي لشؤون الهجرة والوافدين والأجانب، أن تكون هناك “نوايا مبيتة” لتقليص عدد الأئمة أو الشخصيات ذات الصفة الدينية من الحضور إلى سويسرا، وقال بأن هذا الموضوع له أهميته لدى السلطات، سواء تعلق الأمر بالجالية المسلمة أو غيرها من اتباع الديانات الأخرى، مع حرص وإدراك الكنفدرالية بأن للجاليات الدينية الحق في الحصول على الرعاية الدينية المناسبة لها.

كما رفض المسؤول الفدرالي ما تداولته بعض الأوساط مؤخرا من وجود “قواعد جديدة” لدخول الشخصيات ذات الصبغة الدينية، وقال في حديثه إلى سويس انفو: “يجب علينا أولا، أن ننظر إلى احتياجاتنا من العمالة المطلوبة لدى دول الجوار، وإذا لم نجد الكفاءة المطلوبة، فيمكن أن نبحث عنها في بلدان أخرى غير أوروبية، شريطة أن تكون مؤهلة بشكل جيد ومن جامعات معترف بها، ويسري هذا على جميع التخصصات، بما فيها الأئمة بالطبع”.

أما الجديد والذي أظهر المشكلة إلى العلن بشكل مختلف، فيتمثل في إضافة عامل آخر إلى تلك الشروط السابقة، يرتبط بعملية الاندماج، إذ يجب على الشخصية المدعوة لأداء مهمة ذات طابع ديني أن تجيد إحدى اللغات المستخدمة في سويسرا، مع زيارة دورات متخصصة في عمليات الاندماج، ويؤكد المتحدث باسم المكتب الفدرالي لشؤون الهجرة والوافدين والاندماج أن “هذا ينطبق على جميع الديانات دون استثناء أو تمييز”.

ويرى السيد تاور، أن هذا العامل هام جدا بالنسبة للمشتغلين في المجال الديني، “فمكانتهم بين الجالية التي يتحدثون إليها ويتعاملون معها، تمنحهم وضعية متميزة ذات تأثير خاص على الناس، ولذا فيجب العناية بهم واختيارهم جيدا، وأن يكونوا على دراية بهذا الدور” حسب قوله.

الإندماج … والدعم الديني المعنوي

في نفس السياق، يشير السيد توار إلى عاملين هامين جدا، أولهما: أن زيادة عدد أفراد الجالية يعني بالتأكيد أن عدد الأئمة لم يعد كافيا، وثانيهما: أن الجيلين الثاني والثالث من الأجانب يعرفون اللغات المتداولة في سويسرا، أكثر من لغتهم الأم، ولذا فلابد لمن يتحدث إليهم في الشأن الديني تحديدا، أن يكون ملما باللغة التي يتقنونها بشكل أفضل.

كما أن إلمام الشخصية الدينية باللغة المحلية، يعني أيضا أنه يتعرف على المجتمع الذي يتواجد فيه، ولو لفترة قصيرة، بقضاياه ومشاكله، إضافة إلى أن وظيفة الشخصيات ذات البعد الديني، هامة للغاية ويجب أن تساهم في واقع الأمر في الاندماج في المجتمع السويسري.

في مقابل هذا، تسود آراء أخرى في صفوف الجالية المسلمة. فعلى سبيل المثال، لا يرى بعض المنحدرين من أصول ألبانية وتركية من الذين تحدثت إليهم سويس انفو، فائدة من ضرورة إتقان إمامهم الألمانية أو الفرنسية، فالدروس الدينية تكون بلغتهم الأصلية التي يتقنها أيضا أبناء الجيلين الثاني والثالث بشكل جيد حسب تصريحاتهم.

أما من ناحية الاندماج، فأئمتهم “يزورون المدارس السويسرية ويتحدثون إحدى لغات البلد دون أية مشاكل كما يعرفون القوانين السارية وما لهم وما عليهم”، لذلك يصلون في نهاية المطاف إلى القول بأن تمسك السلطات بهذا الشرط، “دليل واضح على رغبتها في عدم توفير الأعداد المطلوبة” على حد تعبيرهم.

الحلول ممكنة … لكنها بحاجة إلى المال

ولا يختلف الطرفان (الجالية والسلطات) على أن هناك مشكلة واضحة، ولابد من البحث عن حل لها.

بعض الأصوات من الجالية المسلمة ترى بأنه يمكن تحقيق الاكتفاء الذاتي من الأئمة، من أبناء الجيلين الثاني والثالث، الذين لديهم القدرة على القيام بمهام الوعظ وإعطاء الدروس الدينية وأداء الصلوات الراتبة، وأن ذلك يحتاج إلى تنسيق وتكامل بين المراكز الإسلامية أو الجمعيات والمنظمات التي ترعى أبناء الجالية، يعالج المشكلة بشكل جدي.

كما ظهرت أصوات تطالب بالتأهيل الرسمي، على أن يكون ذلك في معاهد موجودة في دول الجوار (فرنسا مثلا)، إلا أن العامل المادي هو الذي يقف حائلا دون تحقيق ذلك بشكل فعال وجيد، حيث لا تكاد إمكانيات المراكز الاسلامية المالية المحدودة للغاية لسد النفقات الأساسية، كما أنه لا يمكن للسلطات الفدرالية تقديم أي دعم مالي في شأن ديني.

ولا يمانع المسؤولون بطبيعة الحال في أن يتولى المسلمون شؤونهم بأنفسهم، طالما أن ذلك يحدث في إطار القانون وبشفافية ووضوح.

ومع أن الخطوة المنطقية الآن تتمثل في دعم تكوين وتأهيل الأئمة في سويسرا وأوروبا برأي عدد من المتابعين للشأن الإسلامي، إلا أنه حل غير متاح على الرغم من أهميته.

فالحكومة الفدرالية لن تدعم ماديا مشروعا من هذا القبيل ، كما أن الجامعات السويسرية التي تضم معاهد مهتمة بالعلوم الاسلامية لا تمثل حلا مناسبا لأنها تتبع سياسات الكانتونات المتواجدة فيها. أما افتتاح معهد خاص يتولى هذا الموضوع، فهو ليس بالأمر السهل في دولة مثل سويسرا، ولكنه ممكن إذا ما توفر التمويل اللازم له.

تخوفـات قائمة

في المقابل، ترى بعض الأوساط المهتمة بشؤون الجالية المسلمة أن تواجد الأئمة والشيوخ من الدول العربية والإسلامية من حين إلى آخر وفي المناسبات الهامة كشهر رمضان مثلا، له مذاق خاص ويضفي أجواء أخرى على المواسم والاحتفالات الدينية.

فهؤلاء العلماء “يأتون من مجتمعات إسلامية، ولديهم الذخيرة الإيمانية التي يحتاجها المسلمون في الغرب، فضلا على أن في التعدد العرقي للأئمة من المغرب أو مصر أو تركيا أو السعودية، إثراء للجالية بصفة عامة، بينما الاعتماد على الأئمة المحليين أو المقيمين قد لا يحمل فيه التجديد المطلوب في الجانب الإيماني” حسب رأيهم.

وتتخوف بعض الأطراف من حدوث رد فعل عكسي من جانب الجالية المسلمة على مسألة عدم توفر العدد اللازم من الأئمة، مثل أن تقوم بعض المجموعات بترتيب أمورها في سرية تامة، إما بدعوة من يتولى مهمة “الإمام” بشكل خاص ودون إعلام السلطات بهويته الدينية أو بما يقوم به، أو أن يتولى بعض “الهواة” هذه المسؤولية في الخفاء، مما قد يؤدي إلى بروز بعض الحزازات أو القلق والتوتر بسبب اختلاف الآراء ووجهات النظر حول قضايا قد تكون بسيطة، لكنها تتعقد وتتضخم جراء سوء الفهم.

إن الإرتفاع المطرد في أعداد أبناء الجالية المسلمة في سويسرا، حقيقة تفرض نفسها وواقع يجب على الجميع التعامل معه بوضوح وموضوعية، ولعله إذا ما حددت الجالية المسلمة مطالبها واحتياجتها بدقة ووضوح، فستكون قد ساهمت إيجابيا في مساعدة السلطات في البحث عن الحل (أو الحلول) المناسبة.

تامر أبوالعينين – سويس انفو

يبلغ عدد المسلمين في سويسرا حوالي 350 ألف شخص أغلبهم من الأتراك وأبناء منطقة البلقان.
يتركز وجودهم في المدن الكبرى والمناطق الصناعية.
رغم هذا العدد الكبير فلا يوجد في سويسرا سوى عدد قليل جدا من الأئمة المتفرغين لهذا العمل، لذا تظهر مشكلة الحاجة إلى المزيد من الأئمة مع المناسبات الدينية مثل شهر رمضان على سبيل المثال.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية