مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تركيا والمشكلة الكردية.. مُحفزات للحل وهواجس

رغم ترحيب البعض، تثير المحادثات الجارية مع الزعيم الكردي عبد الله أوجلان مشاعر العداء لدى العديد من الأتراك. في الصورة، متظاهرون أتراك يرفعون شعارات مناهضة لحزب العمال الكردستاني في مظاهرة نظمت يوم 24 فبراير 2013 في إسطنبول. Keystone

تعيش تركيا مناخات غير مسبوقة من التفاؤل المعطوف على ترقّب وحذر، الذي لا يخلو من ارتباك وغموض، ذلك أن الدفع بقطار المشكلة الكردية فيها، على سكة التسوية في حدِّها الأدنى أو الحلّ في حدّها الأعلى، ليس من الأمور التي يمكن التقدير بشأنها، خصوصا أن محاولات سابقة قد جرت في العقديْن الأخيرين وباءت بالفشل، لأسباب متعدِّدة.

لذلك، فإن الجزم بما يُمكن أن تَـؤول إليه مساعي الحلّ اليوم، هو من باب التكهُّـن لا غير، رغم أن عِلم السياسة لا يفرد مكانا لعِلم الغيْب ويتعامل مع مُعطيات وتوازُنات ووقائع.

لقد فاجأ رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان في مطلع العام الحالي، الرأي العام بأن الدولة التركية ستدخل في مفاوضات مع الأكراد، ممثلين هذه المرة بعبدالله أوجالان، زعيم حزب العمّال الكردستاني شخصيا. وبما أن أوجالان مُعتقَـل منذ عام 1999 في سجن بجزيرة إيمرالي في بحر مرمرة، أطلق على هذه المفاوضات إسم “عملية إيمرالي”.

وكانت مفاجأة أردوغان كبيرة، إذ أنه والدولة التركية، لم يكونوا ينظرون إلى أوجالان، سوى أنه “رأس المنظمة الإرهابية الإنفصالية”. لذلك، فإن إجراء مفاوضات مباشرة معه، هو أولا اعتراف تركي بأن أوجالان هو المخاطِب الكردي الوحيد، وهو ما كانوا يرفضونه بالمُطلَـق في الماضي. والثاني، اعتراف بأن أوجالان هو الآمِر والناهي لدى الأكراد، ولو من سجنه، وأن أيّ اتفاق معه يمكن أن يسري ويُطبَّـق. ولا يعني ذلك إهمال أو تجاهل أدوار القوى الكردية الأخرى، لكن لكلٍّ منها دورها في تسهيل عملية التواصُل اللّوجستي مع أوجالان، كما في ترجمة أي اتفاق يُمكن التوصّل إليه على أرض الواقع وفي قنواته القانونية.

“التركيا الكبرى”

جاء إعلان البدء بمفاوضات مباشرة مع أوجالان، مفاجئا ووسط لحظة داخلية وإقليمية ودولية حسّاسة، في المقابل تتقاطع الآراء بالنسبة للدوافع التي تحذو بأردوغان إلى أن يدخل غمار هذه المغامرة ويركب هذا المركَـب الوعْـر والصّعب.

لا يختلف المسؤولون الأتراك على أن المشكلة الكردية تعيق تطوّر تركيا ونموّها وتأثيرها الإقليمي والدولي. لذلك، فإن أية محاولة تفضي إلى حلّها، سوف تكون موضع قَـبول، لكي تتمكّن تركيا من أخذ دورها كاملا في مسار التطوّرات المتحرِّكة والسّاخنة، التي تمرّ بها منطقة الشرق الأوسط، خصوصا مع تفاقُـم الأزمة في سوريا. ولا يُخفي أردوغان ومَن معه في حزب العدالة والتنمية، هَـوسَهُم بعظمة تركيا، لكن سعْـيهم  لهذه “التركيا الكبيرة”، لا يُمكن أن يتحقّق من دون حلِّ المشكلة الكردية.

هذا من الناحية المبدئية، لكن أردوغان يتخوّف من أن يدخل حزب العدالة والتنمية وتركيا من بعد عام 2014 في ضعف ووهن، عندما يخرج أردوغان من زعامة الحزب ورئاسة الحكومة، حيث لا يمكن له الترشح مجدّدا وِفقا للنظام الداخلي للحزب. ومع أنه يستطيع الترشّح لانتخابات رئاسة الجمهورية، إلا أن الرئيس في النظام السياسي التركي لا يملك صلاحيات مؤثِّـرة لكي تجعل منه صاحب الحلّ والرّبط.

لهذه الأسباب مجتمعة، يرى أردوغان أن هذه “التركيا الكُبرى” ممكِنة فقط، من خلال استمراره رأسا للحزب والسلطة التقريرية. والمَـخرَج لذلك، هو الإنتِقال بتركيا من النظام البرلماني الحالي إلى نظام رئاسي يكون فيه رئيس الجمهورية مرْكز القرار والتأثير والحلّ والرّبط، على غرار الولايات المتحدة مثلا. ولكن اعتماد النظام الرئاسي في الدستور الجديد، يتطلّب حصول المشروع في البرلمان على غالبية ثُلُـثي الأصوات، أي 367 من أصل 550 نائبا. وحزب العدالة والتنمية لا يملك هذا العدد بمُفرده، إذ يبلغ عدد نوابه الآن 324 إضافة إلى رئيس البرلمان، الذي لا يحِق له التصويت. وهذا التعديل لن ينجح في ظِل معارضة جميع أحزاب المعارضة الأخرى، ليكون أردوغان “سلطانا” عثمانيا – سلجوقيا جديدا في  قالب عصري.

إضافة إلى ذلك، يحتاج الدستور الجديد لكي يُحال إلى استفتاء شعبي لـتأييد 330 نائبا في البرلمان، وهذا العدد هو أكثر بستة نواب ممّا يملكه حزب العدالة والتنمية، لذلك تبدو كل الطُّرق مسدودة أمام أي دستور جديد. من هنا تأتي حاجة أردوغان إلى تصويت النواب الأكراد التابعين لحزب السلام والديمقراطية الكردي، البالغ عددهم ثلاثون نائبا، ليس لتمرير الدستور في البرلمان، فعدد الأكراد غير كافٍ لذلك، بل لكي ينال الدستور الجديد على الأقل 330 صوتا بما يسمح بإحالته على استفتاء شعبي. فإذا صوّت هؤلاء إلى جانب الدستور، تنتفي حاجة أردوغان إلى أصوات حزبيْ المعارضة المُتبقّين (حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية). من هنا كان التوجّه الى إجراء مقايضة مع الأكراد: منح تأييدهم للدستور الجديد، مقابل تلبية مطالبهم أو بعضها أو ما يشبهها، سواء في متْن الدستور أو في خطوات على الأرض، وهو ما سيكون في صلب المفاوضات المباشرة مع أوجالان، لتحديد طبيعة الخطوات المُمكِن تحقيقها على صعيد المطالب الكردية.

ما من شك في أن التوصّل إلى تسوية للمشكلة الكردية في تركيا، سيكون له أثره الكبير على الوضع الكردي في المنطقة، ولاسيما في سوريا، التي يرتبط معظم أكرادها بحزب العمّال الكردستاني عبْر حزب الإتحاد الديمقراطي، الذي يرأسه صالح مسلم. وكما هو معلوم، شكّل الوضع في سوريا وظهور واقع كردي جديد، يمكن أن يتطوّر إلى كِيان مُستقِل، قلقا وأرقا لأنقرة التي رأت في سيطرة مُسلّحي حزب الإتحاد الديمقراطي على مناطق سوريا الكردية، تهديدا مباشرا للأمن التركي، لذلك هدّدت تركيا سابقا بأنها ستدخل شمال سوريا عسكريا، إذا سيطر حزب العمّال الكردستاني هناك ونشأ وضع يهدِّد الأمن القومي التركي. لذلك فإن حل المشكلة الكردية في تركيا ومع أوجالان بالذات، سوف يُعطّل أية إمكانية لتحويل شمال سوريا إلى تهديد مباشر لتركيا، بل يُمكن – في حال تقسيم سوريا –  أن يُصبح شمال سوريا جُزءا من فدرالية تركية مع كل مِن أكرادها وأكراد شمال سوريا وربما، ولم لا، مع أكراد شمال العراق. لذلك، يعتبر تعطيل التّهديد الكردي في شمال سوريا، أحد أهداف تركيا من السّعي لحلّ المسألة الكردية في داخلها.

اكد الزعيم الكردي المسجون عبدالله اوجالان الاثنين 18 مارس انه سيدعو يوم الخميس 21 مارس بمناسبة رأس السنة الكردية، قواته في حزب العمال الكردستاني إلى وقف لإطلاق النار، في بادرة مرتقبة تعزِّز الآمال في إرساء السلام ووقف نزاع خلّف 45 ألف قتيل منذ 1984.

وهذه الدعوة المُعلنة منذ أسابيع عدّة، تأكدت يوم الاثنين الماضي عقِب الزيارة الثالثة التي قام بها خلال النهار وفد من نواب حزب السلام والديمقراطية الكردي التركي إلى مؤسس حزب العمال الكردستاني في سجنه في جزيرة إيمرالي، الواقعة في بحر مرمرة على مسافة غير بعيدة من اسطنبول.

وقال أوجالان في رسالة تلاها أحد زواره صلاح الدين دميرطاش، رئيس حزب السلام والديمقراطية “أواصل تحضيراتي لتوجيه نداء في 21 مارس، الذي يصادف الإحتفالات بعيد النوروز (رأس السنة الكردية)، هذا الإعلان سيكون تاريخيا”.

وأضاف اوجالان في الرسالة “سيشمل النِّداء معلومات سارّة، تتعلق بالشقّين، العسكري والسياسي، لحل. أريد تسوية مسألة الأسلحة بسرعة من دون أن يهدر المزيد من الأرواح”. وتابع أن “العملية الحالية تتقدّم على السكّة الصحيحة. هدفنا هو إرساء الديمقراطية في كافة أنحاء تركيا”.

والإعلان عن النداء المُقبل لوقْف إطلاق النار، يتبع بادِرة سِلمِية أخرى لحزب العمّال الكردستاني، وهي الإفراج يوم الأربعاء الماضي (13 مارس 2013) عن ثمانية أسرى أتراك كانت تحتجزهم حركة المتمرِّدين منذ سنتين في معقلها في شمال العراق.

وأفادت مصادر حكومية وكردية أن اوجالان سيُعلن أيضا يوم الخميس 21 مارس أن ناشطيه سيَنسحِبون من الأراضي التركية بحلول 15 أغسطس 2013 في تاريخ ذكرى بداية النِّزاع.

وتوقعت غولتان كيشاناك، التي تشارك أيضا في رئاسة حزب السلام والديمقراطية “يتعلق الأمر بنداء سيقول أمورا أكثر بكثير من مجرّد وقف إطلاق النار، سيتعلّق بتصريح سيعني أن هناك اتفاقا لمسار مفاوضات”.

لكن يبدو أن المناخ تغيّر منذ نهاية عام 2012. فبعد سنة تميّزت بدمَوِيَّـتها على جبهة المعارك بين الجيش التركي والمتمرِّدين، استأنفت سلطات أنقرة الحوار مع عبدالله اوجالان، الذي يُمضي منذ 1999 عقوبة السِّجن المؤبَّد. ومنذ ذلك التاريخ، كثف الطرفان بوادِر حسن النية. وسُمح للزعيم الكردي الذي وُضِع في العُزلة لفترة طويلة، بمقابلة نواب أكراد ثلاث مرات.

كما طرحت الحكومة الإسلامية المحافِظة برئاسة رجب طيب أردوغان أمام البرلمان “حزمة” تشريعية ستوسّع حقوق الأقلية الكردية، التي تعد ما بين 12 و15 مليون شخص من أصل سكان تركيا البالغ عددهم 75 مليون نسمة. وستسمح هذه النصوص أيضا بالإفراج عن مئات الناشطين الأكراد المسجونين لعلاقتهم بحزب العمّال الكردستاني.

وخلصت كيشاناك إلى القول “لقد جرت في الماضي شتّى أنواع المحادثات ووقْف اطلاق النار، لكن المحادثات الحالية تبدو أكثر جدية من سابقاتها”. غير أنه ما زالت هناك عقبات عدّة على طريق التوصّل إلى سلام دائم، تبدأ بالمصير الذي سيلقاه عبدالله أوجالان نفسه. وكان وزير العدل التركي سعدالله ارجين استبعد مرة أخرى فكرة إصدار عفْـو عام، لكن الأكراد ما زالوا يُصرّون على إطلاق سراح زعيم حزب العمّال الكردستاني أو وضعه قيد الإقامة الجبرية.

وتثير المحادثات مع الزعيم الكردي أيضا مشاعر العداء لدى غالبية الأتراك الذين ما زالوا يعتبرونه “قاتل الأطفال”. حتى أن زعيم حزب الحركة الوطنية القومي المتشدّد دولت بهتشيلي، ندد بما اسماه “مُساومات”.

وفي حين تراوح المحادثات حول إعداد دستور جديد مكانها منذ أشهر، تشتبه المعارضة في تحضير صفقة بين السلطة وحزب السلام والديمقراطية، تقوم خصوصا على منح مزيد من الحقوق للأكراد مقابل قانون أساسي يعتمد نظاما رئاسيا مفصّلا على قياس أردوغان، الذي سيُضطر لترك رئاسة الحكومة عام 2015.

(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ.ف.ب، بتاريخ 18 مارس 2013)

مطالِـب الأكراد

أما من الناحية الكردية، فإن المُحفِّزات التي قد تقِف خلْف مُوافقة أوجالان والأكراد على بدء المفاوضات مع الدولة التركية، هو إمكانية حصول الأكراد على ما يُطالبون به، كاملا أو جزئيا، ويمكن أن يروا فيه خُطوة مهمّة على طريق تحقيق هذه المطالب، مُستفيدين من حاجة حزب العدالة والتنمية وأردوغان إلى مثل هذه التسوية في الوقت الحالي.

ومع أنه ليس من خريطة طريق واضحة ومحدّدة ظاهرة حتى الآن، لكن مما يتم تداوُله في وسائل الإعلام ومما رشح على لسان أوجالان بعد اجتماعه مع نواب من حزب السلام والديمقراطية الكردي في سجنه وسُرّبت محاضره عن قصْد إلى صحيفة ميللييت التركية، يمكن اختصار المطالب الكردية التي قد توافِق عليها حكومة أردوغان هي:

–      تضمين الدستور الجديد نصّا واضحا في الاعتراف بالهُوية الكردية كأحد مكوِّنات الجمهورية التركية. وبالتالي، تغيير تعريف مَن هو المواطن التركي ليخرج من حصرية انتِمائه إلى العرق التركي، بل إلى أعراق متعددة. وهناك من يطرح حلاّ “سلبيا” بعدم الإشارة في الدستور إلى أي عرق، بل الاكتفاء بالقول أن المواطن التركي هو ذاك المُنتَمي إلى جمهورية تركيا.

–      حق التعليم باللغة الأم في المدارس في المناطق الكردية.

–      منح الأكراد حُكما ذاتيا أو على الأقل توسيع صلاحيات المجالس المحلية المنتخبة من مجالس محافظات وبلديات، بحيث يشعر الأكراد أنه يديرون أنفسهم بأنفسهم.

–      إطلاق سراح جميع المُعتقلين المؤيِّدين لحزب العمّال الكردستاني، ويبلغ عددهم حوالي عشرة آلاف شخص.

–      إطلاق سراح عبدالله أوجالان، ليتحوّل إلى زعيم سياسي للأكراد.

الشك أكبر المعوِّقات للتوصل إلى تسوية

إن التوصل إلى اتفاق يتضمّن جميع هذه العناصر أو معظمها ممّا يقبله الأكراد والأتراك معا، يقتضي بالضرورة، إعلان حزب العمّال الكردستاني التخلّي عن العُنف وترك السّلاح وسحْب مُقاتليه في الداخل التركي إلى العراق، في انتظار حلّ الحزب لجناحه العسكري وإيجاد صيغة لاستيعاب مقاتليه من أصل تركي في الجيش التركي أو في مهام مُعيَّنة داخل إقليم كردستان تركيا.

لا شكّ أن مثل هذه التسوية بكافة عناصرها، ليست كما يبدو مضمونة سلفا. فالتوصل إلى التسوية يتم على كيفية تطبيقه وتحتاج إلى جهود جبّارة ووقت، وقبل هذا وذاك، إلى عاملي الثقة والاحتضان الوطني والإقليمي والدولي.

إن عامل الشك، هو من أكبر المُعوِّقات التي قد يواجهها التوصّل الى اتفاق ثم إلى تطبيقه، ذلك أن أردوغان نفسه إلى ما قبل أيام قليلة فقط من إعلانه بدء المفاوضات مع اوجالان، كان يطلق الموقِف تِلو الآخر ضد أوجالان، ويقول إنه لو كان في رئاسة الحكومة عام 2001، لكان أعْدَمه وأن عَدَم إعدامه كان خطأً كبيرا.

وأردوغان نفسه كان ينكر وجود قضية كردية في تركيا، ويقول إنه لا يمكن منح حق التعليم باللغة الكردية، بل هو فقط باللغة التركية. كذلك، فإنه كان يقول إنه لا يمكن منح حُكم ذاتي للأكراد. ويُشدِّد على أن تركيا أمّة واحدة ودولة واحدة وعَلَـما واحدا ولُغة واحدة، في إشارة إلى استبعاد أي عنصر غيْر تركي من أيديولوجيا الدولة.

ودائما يصِف نواب حزب السلام والديمقراطية الكردي، بأنهم امتداد للمنظمة الإرهابية، أي حزب العمّال الكردستاني. فهل يمكن بعد كل هذه المواقف أن يغير أردوغان هكذا فجأة مواقِفه من كلّ هذه القضايا الحسّاسة ويُغامِـر في اتِّفاق يُمكِن أن يفضي في النهاية إلى تقسيم تركيا؟

هذا سؤال كبير. وإذا كان أردوغان مستعدّا لتسويةٍ مع الأكراد، فهل يكون التغيير جِذريا بما يتجاوب مع جوْهر المطالب الكردية، أم أنه سيُناور ويُحاول إقناع الأكراد بالقبول بالقليل على صعيد مطالب الهُوية واللغة واللامركزية الواسعة، مقابل تحقيق مطلَب مركزي للأكراد لكنه شخصي، وهو إطلاق سراح أوجالان، لما يُمثِّـله من رمزية كردية؟ فضلا عن إطلاق سراح المُعتقَـلين الأكراد بمُوجب عفْـو عام؟

والسؤال أيضا ينسحب على الأكراد أنفسهم: هل سيقبلون بالقليل، على أساس أنه خيْر من الحِرمان أو على أساس أنها محطّة من محطات النِّضال الكردي، الذي لا يمكن تحقيقه دفْعة واحدة، ولكنه خُطوة إلى الأمام، قياسا إلى السابق؟ أو على أساس أن حرية أوجالان جوهرية ورمزية جدّا ومدخلا إلى بدء مرحلة جديدة من النِّضال؟ أم أن الأكراد لن يقبلوا بالتخلّي عن سِلاحهم، ورقة قوّتهم الكُبرى، مقابِل فتات من المطالب التي يريد أردوغان أن يُغري الأكراد بها؟ وهل يحدُث هنا تبايُن بين أوجالان وقيادة حزب العمّال الكردستاني في جبل قنديل أم لا؟

الشيطان يكمُـن في.. التفاصيل!

إن احدا لا يمكن الجزْم بما ستُسفِر عنه مرحلة المفاوضات من عناوين لاتفاق مُقبل، إذ أن الشيطان يكمُـن في التفاصيل وفي مدى استِعداد كلّ طرف للتنازُل ضمْن حدود حساباته، الداخلية والخارجية.

لكن يبقى أيضا بُعدٌ مهِمّ من المسألة الكردية، وهو أنها لم تعُد فقط داخلية، بل إقليمية ودولية. وعلى حلّها أو عدم حلِّها، تترتّب تداعِيات خارجية. والقوى المعنِية بهذه المسألة كثيرة، من سوريا والعراق وإيران إلى إقليم كردستان العراق وموقِع الإقليم من أية تسوية، خصوصا أنه يدخل في صِراع مُشترك، هو وتركيا مع الحكومة المركزية في بغداد. وهل أي اتفاق داخل تركيا له علاقة بخريطة المنطقة والفدرالية بين تركيا وأكرادها وأكراد العراق وسوريا، وموقع مسعود البرزاني من كل ذلك. ولا يُمكن إهمال موقف الولايات المتحدة وأوروبا من أي اتفاق أو اختلاف، وكذلك الدور الإسرائيلي في عرْقلة أو تأييد أيّ اتِّفاق ومدى ملاءمته لمصالحها ولمصالح القوى الغربية.

إذا نجحت تركيا والأكراد في التوصّل إلى اتفاق يلبّي تطلّعاتهما، فإن تركيا كما المِنطقة، أمام خريطة جديدة إن لم تكن جغرافية، فعلى الأقل سياسية واقتصادية، خريطة سوف يكون لها آثارها الكبير على التوازنات الإقليمية والدولية. فهل يمكن أن يحدُث ذلك أم أن عوامل الشكّ والمناورة والعرقلة، من كل الأطراف الداخلية والخارجية، ستكون في قلْب التطوّرات وتَحُول دُون ذلك؟

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية