مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هل يرفض الكونغرس الإتفاق النووي؟

في تصريحاته التي تلت إبرام الإتفاق، تعهّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (الصورة) ببذل كل الجهود المُمكنة لإقناع أغلبية الأعضاء في الكونغرس الأمريكي برفض الإتفاق النووي الذي توصلت إليه القوى الست مع إيران في منتصف يوليو 2015. Keystone

يواصل الكونغرس الأمريكي جلسات الإستماع التي تعقدها داخل اللِّجان التابعة لمجلسيْ الشيوخ والنواب، لمناقشة تفاصيل بنود الإتفاق النووي مع إيران، حيث تتردّد في قاعات الكونغرس نفس عبارات الرّفض له والتنديد به، التي يرددها رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو.

لذلك، لم يكن غريبا أن يتعمّد وزراء الخارجية والدفاع والخزانة، بل ورئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، دغدغة عواطف الإسرائيليين و”إيباك”، اللّوبي المناصر لإسرائيل، والذي يضخّ ملايين الدولارات في حملة شرِسة ضد الإتفاق بعبارات طمأنة، منها المعهود مثل “الْتزام أمريكا بأمن إسرائيل وبضمان تفوّقها النوعي” على دول المنطقة مجتمعة، ومنها التفاخُر بأن إسرائيل ستكون “الدولة الصديقة الوحيدة التي ستحصُل خلال شهور على أحدث الطائرات المقاتلة من طراز إف – 35″، وأن واشنطن ستُساعد في إضافة شبكتيْن إضافيتيْن للدفاع ضد الصواريخ، وصولا إلى التعهد بـ “استخدام كافة الإمكانيات العسكرية الأمريكية ضد إيران إذا ما انتهكت الإتفاق”.

مراسل swissinfo.ch التقى الدكتور أنتوني كوردسمان، الخبير العسكري والإستراتيجي بمركز الدراسات الدولية والإستراتيجية في العاصمة الأمريكية وأجرى معه الحوار التالي حول هذا الموضوع.

swissinfo.ch: برأيك، هل سيتمكّن الرئيس أوباما من تأمين الأصوات الكافية لعدم عرقلة الفيتو الذي لوّح باستخدامه إذا ما رفض الكونغرس التصديق على الإتفاق، أم سيُواصل الكونغرس الأمريكي تفضيل أجَندة إسرائيل واللّوبي المناصر لها على هيبة البيت الأبيض والمصالح القومية الأمريكية؟

أنتوني كوردسمان: من المؤكّد أن اللّوبي المُوالي لإسرائيل سيُركِّز جهوده خلال فترة الستِّين يوما المُتاحة أمام الكونغرس لاتِّخاذ القرار إزاء ما يجِب عمله بالنسبة للإتفاق، ليس فقط على حشْد معارضة الجمهوريِّين في الكونغرس للإتفاق ولضمان أن يتحوّل إلى مساندة المعارضة الشَّرسة التي يقودها نتنياهو، وإنما سيسعى اللّوبي الموالي لإسرائيل بكل وسائل الضّغط التي يملكها، لضمان رفض عددٍ كافٍ من الأعضاء الديمقراطيِّين للإتفاق مع إيران، بحيث يتمكّن اللوبي الإسرائيلي في نهاية المطاف من تشكيل ائتلاف معارض قوي من كلٍّ من الجمهوريين والديمقراطيين للوصول إلى عدد الستِّين صوتا في مجلس الشيوخ، لكي يتسنى تحقيق معارضة الكونغرس للإتفاق، ثم محاولة تأمين معارضة 67% من أعضائه للتغلُّب على أي فيتو قد يستخدِمه الرئيس أوباما إذا ما صوّت الكونغرس بعدم التصديق.

swissinfo.ch: وكيف سيكون دوْر التنافُس الحِزبي بين الجمهوريين والديمقراطيين في حسْم الموقف من الإتفاق؟

أنتوني كوردسمان: سيكون من السَّذاجة أن نفترِض أن فترة الستِّين يوما من استعراض الكونغرس للإتفاق ستكون خالية من التنافس الحزبي، خاصة وأن البلاد ستشهَد في عام 2016 انتخابات تشريعية وأخرى رئاسية. ولذلك، سيسعى أعضاء الكونغرس من الحزبيْن، وخاصة الجمهوريين منهم، للحصول على أصوات الناخبين الأمريكيين المسانِدين لمواقف نتانياهو المعارِضة للإتفاق. ولكن هناك عقبتان رئيسيتان تحُولان دون مواصلة الجمهوريين قطْع مِشوار الرّفض حتى النهاية. أولا، صعوبة حشْد نسبة 67% من أعضاء الكونغرس اللازمة للتغلّب على فيتو الرئيس، لو صوّت الكونغرس بعدم الموافقة على الاتفاق النووي. ثانيا، لو واصل الجمهوريون معارضتهم للإتفاق ولم يتمكّنوا من التغلّب على فيتو الرئيس، فلن يكون بمقدورهم – لضمان انتخابهم أو إعادة انتخابهم – إلا سَنّ تشريعات عملية تضمَن الْـتزام إيران ببنود الإتفاق.

swissinfo.ch: وماذا ستكون عواقِب عرْقلة التصديق على الإتفاق في الكونغرس بسبب ضغوط اللوبي الإسرائيلي والتنافُس الحِزبي على صورة ومكانة الولايات المتحدة في العالم؟

أنتوني كوردسمان: لو أفلَح الجمهوريون والضغوط التي يُمارسها اللّوبي الإسرائيلي في عرقلة التصديق على الإتفاق في الكونغرس، فإن ذلك سيُثير تساؤلات جِدية حول قدرة الرئيس الأمريكي على القِيام بدوْرٍ قيادي للدول الديمقراطية، بل وحول دور الولايات المتحدة في السياسة الدولية. كما أن دولا مثل روسيا والصين ستُحاول الإستفادة من الإنقسامات الحِزبية الأمريكية في دعْم مكانتهما في المجتمع الدولي، فيما ستنظر دول الإتحاد الأوروبي لتلك النتيجة على أنها انعِكاس واضح لِما تُعانيه الولايات المتحدة من ضُعف وانقِسام في الداخل وعدم القُدرة على الإضطلاع بدورها القِيادي في العالم. أما الدول العربية الصديقة، فستجِد نفسها أمام نفوذ إيراني لا رادع له وصديق لا يمكنها الإعتماد عليه بقَدر مأمون من الثِّقة واليَقين.

يجب أن يسعى الكونغرس إلى سَنّ تشريع يفرض على المسؤولين في الإدارة الأمريكية عدَم تجاهُـل أي انتهاكات إيرانية د. أنتوني كوردسمان، خبير عسكري واستراتيجي أمريكي

swissinfo.ch: إذن، ما هي أفضل السيناريوهات المُتاحة أمام الكونغرس عِوَضا عن رفْض التصديق على الإتفاق وتعريض الولايات المتحدة لمزيد من الإنحِسار على صعيد قيادة العالم؟

أنتوني كوردسمان: هناك أكثر من خِيار مُتاح أمام الكونغرس إذا أراد توفير أقصى قدْر من النجاح في إجبار إيران على التخلّي عن طموحاتها النووية:

أولا، ضمان توفير كلّ الموارد اللّازمة للتفتيش والتحقّق، بما في ذلك استخدام التكنولوجيا والمعلومات الإستخباراتية وتقديمها للوكالة الدولية للطاقة الذرية.

ثانيا، أن يحشد الكونغرس جهوده للإرتِقاء بأداء أجهزة المخابرات الأمريكية، بحيث تكون قادرة تماما على متابعة الْـتزام إيران ببنود الإتفاق.

ثالثا، أن يطلب الكونغرس من الرئيس أوباما تقديم شهادة دورية تُفيد بمدى الْـتزام إيران والتأكّد من تواجد آلية جاهزة لإعادة فرْض العقوبات إذا انتهكت إيران الإتفاق.

رابعا، التركيز على ضمان أمْن الدول العربية الصديقة والدول المجاورة لإيران وتعزيز قدراتها على التعامل مع قوة إيران الصاروخية وتزويدها بوسائل الرّدع المناسبة.

خامسا، إقناع إيران بفوائد تغيير مسْلَكها ونشاطاتها المُزعزعة لاستقرار المنطقة، بتقديم حوافز مُشجعة.

swissinfo.ch: الرئيس أوباما قال إن الاتفاق مع إيران ليس قائما على الثقة، وإنما على التحقق. فما الذي بوُسْع الكونغرس الأمريكي عمله لضمان آليات محكمة للتحقّق؟

أنتوني كوردسمان: لو أدرَكت إيران وجود آلية مستمرة لإطلاع العالم أولا بأول على أيّ محاولة منها للمراوغة أو الغشّ أو التمويه، فلن تجِد حافزا للإقدام على ذلك، خاصة وأن الإتفاق يوفّر آلية لإعادة فرض العقوبات الدولية عليها. ولذلك، يجب أن يسعى الكونغرس إلى سَنّ تشريع يفرض على المسؤولين في الإدارة الأمريكية عدَم تجاهُـل أي انتهاكات إيرانية وتقديم شهادات علَـنية حول مدى التزام إيران بالإتفاق، دون المساس بسِرية المعلومات وتقديم مضمون تلك الشهادات لكلٍّ من الوكالة الدولية للطاقة الذرية والدول الموقِّعة على الإتفاق، بل والدول الحليفة في المنطقة.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية