مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حوادث المرور في مصر “إنعكاسٌ أمين” لمشكلات المجتمع

(صورة من الأرشيف: مواطنون ينظرون من شرفات منازلهم وآخرون يتجمّعون بالقرب من سكّة الحديد إثر حادثة مُروعة لتصادم قطاريْن بالقرب من محطة قليوب شمالي القاهرة يوم 21 أغسطس 2006. وقد أودى هذا الحادث بحياة 51 راكبا على الأقل). Keystone

اتفق خبراء مصريون، متخصصون في الإعلام والرأي العام، وعلم النفس والإجتماع، على أن "حوادث المرور المتكررة، وشبه اليومية، هي انعكاسٌ أمينٌ لهذا الكم الكبير من المشكلات التي تعاني منها المجتمعات العربية، وفي المقدّمة منها مشكلة الفساد"، مشددين على أهمية قيام الدولة بدورها من خلال "تكثيف حملات التوعية، وعقد الدورات التأهيلية للراغبين في استخراج الرخص قبل السماح لهم بقيادة السيارات".

وأشار الخبراء، في تصريحات خاصة لـ”swissinfo.ch”، إلى أن “حوادث الطرق، بما ينجم عنها من خسائر: بشرية، ومادية، ونفسية، واجتماعية، باتت تمثلُ صداعًا يوميًا مزمنًا للحكومات العربية”، وأرجعوا تكرارها إلى أسباب عديدة، منها “نقص التشريعات القانونية، عدم الجدية في تنفيذ وتفعيل مواد القانون، بعض الأخطاء المرورية، عدم صلاحية شبكة الطرق، عدم أهلية وصلاحية الكثير من السائقين للقيادة، … إلخ”.

ووفقًا لإحصائيات منظمة الصحة العالميةرابط خارجي، الصادرة في عام 2013، فقد احتلت مصر المرتبة الأولى عالميًا في حوادث الطرقات، حيث بلغ عدد الوفيات الناجمة عنها (في نهاية عام 2012) 12 ألف قتيل، بمعدل 131 قتيلاً لكل 100 كيلومتر على الطرق، فى حين لا يتجاوز المعدل العالمى 20 قتيلاً، كما بلغ عدد المصابين في العام نفسه 40 ألفًا، فيما قدر الخبراء تكلفة الخسائر التي تتكبدها مصر بسبب حوادث السير، بما يزيد عن 25 مليار جنيه سنويًّا.

ولعل ما يثير علامات الإستفهام والتعجب في مصر، وجود “المركز المصري للقيادة الآمنة”،رابط خارجي التابع لوزارة السياحة، الذى يقع على مشارف “مدينة 15 مايو”، والذي أنشئ بتكلفة بلغت 200 مليون جنيه، وهو أول مركز من نوعه فى الشرق الأوسط، وثانى أكبر مركز فى العالم بعد مركز Teesdorf-TTI فى النمسا.. فما الذي يمنع إدارات المرور بوزارة الداخلية المصرية من الإستفادة من وجود مثل هذا المركز العالمي، في تخصيص برامج تدريب وتأهيل السائقين قبل إصدار رخصة قيادة لهم؟ لا أحد يدري.

غياب الرقابة والترهل الإداري

في السياق، أوضح الخبير الإعلامي الدكتور عادل فهمي بيومي، أنه “لا يُمكن عزل قضايا التنظيم الإجتماعي لأوجه الحياة عن الوضع الثقافي والسياسي والإقتصادي”، وشدد على أنه “لم يعد لدينا مشكلة مرور، ومشكلة خبز، ومشكلة وقود، مستقلة، بل أصبح لدينا مشكلات عدة، ذات جوانب سياسية وثقافية واقتصادية ونفسية وتقنية، معقدة”.

وقال بيومي، أستاذ الإعلام الدولي بكلية الإعلام في جامعة القاهرة، في تصريحات خاصة لـ”swissinfo.ch”: “حين تغيب الرقابة، تحت وطأة الترهل الإداري، ومركزية الأداء، وضعف الأجور، وغلاء الأسعار، ينشأ الفساد في الوظيفة العامة، ويتحول الصالح العام إلى مصلحة خاصة، ويختفى الإهتمام بالواجب، ويزيد السعي لتعظيم الأجر والعائد، حتى لو على حساب الطرق المتقادمة، والحملات المرورية، وتطبيق القوانين بحزم وعدالة”.

الشعوب المُحبَطة لا تعتني بنفسها كثيرًا ولا تهتم بحياتها التي تستوي عند البعض بالموت
د. عادل فهمي بيومي، خبير إعلامي 

وأضاف الخبير الإعلامي أن “الشعوب المُحبَطة لا تعتني بنفسها كثيرًا، ولا تهتم بحياتها التي تستوي عند البعض بالموت، هروبًا من اليأس والمهانة في المجتمع”؛ معتبرًا أن “إصلاح الأمر ليس صعبًا، لكنه ليس بسيطًا ولا سريعًا، إنها رؤية دولة مطلوبة، لتضع الناس على طريق الأمل في حياة اعتيادية، يؤدي فيها كلُ فردٍ وكلُ مؤسسةٍ واجبها أولاً قبل المطالبة بالأجر”.

الفساد بنوعيه السياسي والإداري

متفقًا مع بيومي، يرى الباحث مصطفى خضري؛ أن “مشكلة الطُرق في مصر سببها فسادٌ سياسيٌ وإداريٌ أكثرَ منها أي مشكلة أخرى، فحوادث الطرق تعود إلى عاملين؛ أولهما: العامل البشري، وثانيهما: الطرق؛ ونقصد بالعامل البشري سائقي المركبات ورجال المرور، وهما مشتركان في الجُرم”، معتبرًا أن “سائقي المركبات، خاصة الأجرة، والنقل، يتناول الكثيرُ منهم الموادَ المخدِّرة وهو أمر لا يخفى على ذي عينين، ولا تُجرى لهم تحاليل دورية إلا إذا وقعت المصيبة”.

وفي تصريح خاص لـ”swissinfo.ch”؛ استطرد خضري- رئيس ‏المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العامرابط خارجي “تكامل مصر”، قائلاً‏: “أما عامل الطرق، فيتحكم الفسادُ السياسي والإداري في تنفيذ طرقٍ غير مطابقة للمواصفات، بسبب عمليات الإسناد المباشر لشركات المقاولات غير المتخصصة، التي يمتلكها أعضاءُ نافذون في السلطة”.

ويضيف أن “هذه المنظومة الفاسدة أنتجت طرقًا غير صالحة لسير المركبات، وإذا زاد عليها العامل البشري المُنهك بالمواد المخدرة، تصبح الحوادث شيئًا طبيعيًا في هذه المنظومة الفاسدة”؛ مستشهدًا بالتقرير رابط خارجيالذي صدر مؤخرًا عن منظمة الشفافية الدولية لمكافحة الفساد، والذي جاء فيه أن ترتيب مصر في مؤشر الفساد لعام 2013 هو (114) من بين 175 دولة”.

قدرات عقلية وسمات شخصية

من جانبها، أكدت الدكتورة داليا الشيمي، الخبيرة في علم النفس والاجتماع أن “علم النفس من العلوم التي لها دور فعال في مجال حوادث الطرق والمساهمة في تقليصها، من عدة زوايا، أهمها: فكرة القدرات العقلية والسمات الشخصية لمن يتولى قيادة سيارة، فقيادة السيارة مهمة وأحياناً مهنة، لذلك فإن دأبها كأي مهنة أو مهمة لها قدرات عقلية مطلوبة وسمات شخصية، وذلك ما يتبناه علم النفس الصناعي والتنظيمي، والذي يقوم على مقولة وضع الرجل المناسب في المجال المناسب”.

وفي تصريحات خاصة لـ”swissinfo.ch”؛ أوضحت الشيمي، التي تُدير أيضا مركز “عين على بكرة للمساندة النفسية والتنمية الأسريةرابط خارجي“، أن هذا “إتجاهٌ علمي عالمي، منذ سنوات بعيدة، وفيه يتم قياس القدرات العقلية والسمات الشخصية للفرد لمعرفة مدى مناسبته للعمل، ففي قيادة السيارة مثلاً: لا بد من وجود أمور معينة – تحدثتُ فيها في مؤتمر عُقِدَ في القاهرة العام الماضي- حول حوادث الطرق وما يمكن أن يفيد به علم النفس”.

وأضافت أن “القدرات الضرورية التي يجب قياسها لدى قائد السيارة وسماته، تشمل: السرعة الإدراكية، التناسق البصري الحركي، التآزر بين العينين واليدين والقدمين، نقص الميل إلى المخاطرة، المرونة العقلية، القدرة على إدراك المسافات، الضبط الإنفعالي، القدرة على إدراك الخطر واستشعاره والتعامل معه؛ وغيرها من الأمور التي تقوم الدول الغربية على قياسها لدى قائد المركبة”.

حملات توعوية ودورات تأهيلية

واستطردت الشيمي- الحاصلة على درجة الدكتوراة، بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى، فى سيكولوجية الشخصية المناسبة لإدارة الأزمات، بقولها “أضف إلى ذلك المسؤلية الإجتماعية والشعور بها، وأخيراً الوعي الإجتماعي الذي فيه كل منا موجه للآخر، وليس القانون الرسمي فقط.. حيث يوقف مواطنٌ مواطناً آخر إن خرج عن نسق الطريق أو النهج المُتَّبع في السير عليه”.

وشددت الخبير في علم النفس والاجتماع، على أن “هذه الأمور تحتاج حالة من التوعية، والتي يمكن أن تكون داخل المدرسة، في المنزل، وفي وسائل الإعلام.. كيف نتعامل مع الطريق؟ ومفهوم سلامة النفس وسلامة الآخرين، بالإضافة إلى ضرورة وجود دورت تأهيلية لمن يريد أن يستخرج رخصة قيادة، تشمل خصائصه الشخصية”.

واختتمت بقولها: “لا بد أن يتعلم: كيف يتعامل مع الضغط؟، كيف يتخلص من أنانيته ويحافظ على الآخر؟، كيف يدرك أن هناك وقت محدد سيصل فيه، وبالتالي عليه ألا يكسر القواعد المرورية التي تحافظ على سلامته”؛ مشيرة إلى أن “هناك أساليب نفسية كثيرة لهذا التأهيل، تؤدي إلى تبني معانيه، منها السيكودراما، ومنها لعب الأدوار، ومنها القصص، إلى غير ذلك من الأساليب النفسية المعروفة”.

ضبط 34 ألف مخالفة وعشرات السائقين تحت تأثير المخدرات

فى تصريحات أدلى بها في آخر شهر نوفمبر 2014 إلى وسائل إعلام محلية، أكد اللواء مصطفى درويش مساعد وزير الداخلية ومدير الإدارة العامة للمرور بمصر أن:

الحملات التى تمت بالاشتراك مع إدارات المرور بمختلف مديريات الأمن المصرية أسفرت عن ضبط 34577 مخالفة مرورية متنوعة منها 2941 مخالفة تجاوز السرعة

وأن حملات الإدارة العامة للمرور فى مجال ضبط القيادة تحت تأثير المخدرات أسفرت عن ضبط 95 حالة إيجابية أثبتت التحاليل تعاطيهم للمواد المخدرة.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية