مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“قطعُ البث عن خطابي في قمة المعلومات فجّر أزمة بين تونس وبرن في عهد بن علي”

في المؤتمر الإقتصادي الدولي "تونس 2020" الذي انعقد في العاصمة التونسية يومي 29 و30 نوفمبر 2016، ترأس الرئيس السويسري الأسبق سامويل شميد وفد بلاده وأعلن في خطابه أمام المشاركين عن تعهد سويسرا بتقديم تمويلات تصل إلى 250 مليون دينار تونسي في السنوات الثلاث المقبلة (2017 - 2020) Keystone

لعب الرئيس الأسبق للكنفدرالية سامويل شميد دورا محوريا من حيث لا يُريد في القمة العالمية لمجتمع المعلومات التي استضافتها تونس في منتصف نوفمبر 2005. تكلم شميد في خطابه لدى افتتاح القمة عن ضرورة إشاعة الحريات ليس فقط داخل حرم القمة وإنما خارجها أيضا، فكانت تلك الجملة كافية لقطع بث خطابه الذي كان يُنقل على الهواء.

بعد ثورة 2011، زار شميد تونس سائحا عدة مرات، لأنه أحب البلد وأهله. وعاد إليها في موفى شهر نوفمبر الماضي ليقود الوفد السويسري إلى مؤتمر الإستثمار الدولي “تونس 2020″، حيث التقته swissinfo.ch وأجرت معه حوارا كشف فيه النقاب عن علاقته الحميمة بتونس وعن خلفيات الأزمة الديبلوماسية التي اندلعت بين تونس وبرن في موفى 2005 بعد الشطر الثاني من القمة العالمية لمجتمع المعلومات.

swissinfo.ch: بصفتك رئيسا لمجموعة الصداقة السويسرية التونسية كيف تنظر إلى مستوى العلاقات الثنائية في المرحلة الراهنة؟

سامويل شميد: أنا فخور وسعيد بأن تونس ظلت دوما بلدا مهما وصديقا لسويسرا التي تحرص على دعمها من أجل تعزيز الشراكة التي تربط بيننا. وخلال العام الجاري ساهمنا إسهاما كبيرا من الجانبين في تدعيم علاقاتنا الثنائية، إذ بادر الرئيس التونسي بزيارة سويسرا، ثم زار عضو الحكومة الفدرالية ووزير الشؤون الخارجية تونس منذ بضعة أسابيع. وأعلم أيضا أن خبراء في مختلف الوزارات هنا وهناك يعكفون على متابعة ملفات التعاون الثنائي. كما أن البرلمان السويسري يناقش حاليا تجديد برنامج التعاون مع تونس. ونحن نُخطط لاستثمار 250 مليون دينار تونسي في بلدكم خلال الفترة من 2017 إلى 2020.

أما مجموعة الصداقة السويسرية التونسية فهي مبادرة خاصة في صيغة جمعية أهلية، ونحن نحاول من خلالها أن نُنجز أعمالا في مجال المؤسسات الصغيرة، بالعمل على تحسين مستوى التكوين المهني لدى الشبان التونسيين. ونُفضل أن يكون ذلك بالتعاون مع شركات سويسرية خاصة تعمل في تونس. وهدفنا من وراء ذلك – وهو أيضا الغاية من خطة التعاون السويسرية مع تونس – هو المساهمة في تحقيق الإستقرار للبلد، لأن البطالة هي الآفة الأكبر التي تنخر الشباب. الشبان فقدوا الأمل وعندما يفقد المرء الأمل ماذا يفعل؟ عادة يُغادر الناس موطنهم بحثا عن مصدر عيش في بلدان أخرى، وأنا أتفهمهم. غير أن هذا النوع من البدائل يمنح السعادة ربما للبعض لكنه خسارة لتونس التي تحتاج لجميع طاقاتها. لذا ينبغي إحياء الأمل في عيون هؤلاء الشباب هنا في موطنهم. وفي هذا الإطار تسعى سويسرا إلى تقديم مساهمتها من أجل تحسين فرص تشغيل الشباب.

swissinfo.ch: عشية الذكرى السادسة للثورة كيف يُنظر في سويسرا إلى التجربة الإنتقالية التونسية؟

سامويل شميد: أعتقد أن تونس احترمت مراحل الإنتقال على الأقل حتى الآن، فقد جرت انتخابات برلمانية حرة وشفافة، وأقول هذا بكامل الإحترام. والآن لديكم برلمان منتخب انتخابا صحيحا. وأجريتم انتخابات رئاسية لا غبار عليها. كما كان لديكم ما يكفي من الحكمة لاستجلاء أغلبية برلمانية كانت قاعدة لتشكيل حكومة مُنبثقة من الصندوق. وهذا ليس بالأمر الهيّن. وبالطبع مازال أمامكم الكثير. ومن المهم أن تستمر الإصلاحات، فهذا قدرُ كل بلد يمُرُ بمرحلة انتقالية. واليوم تونس تحتاج خاصة إلى الإستقرار والسلم الاجتماعية. كما تحتاج أيضا إلى أن يبقى هؤلاء الشبان الأذكياء والمجتهدون هنا من أجل بناء الديمقراطية التونسية. أنتم تسيرون على الطريق القويم لكن لستم في نهاية الطريق بعدُ. مازال هناك عمل… وسيكون قاسيا.

swissinfo.ch: كيف يُمكن لتونس أن تعود إلى استقطاب الإستثمارات الأجنبية الكبرى بما فيها الإستثمارات السويسرية؟

سامويل شميد: أعتقد أن المنهجية المُتبعة هي نفسها لدى جميع المستثمرين، فهم يبدأون بتحليل السوق من أجل تقدير المخاطر والربحية. وفي المرحلة الثانية يُحللون الأوضاع السياسية لمعرفة ما إذا كان الإستقرار مضمونا أم لا، وما إذا كان المستقبل واضحا أم غائما. وبعد ذلك يبحثون عادة عن الكفاءات أي عن عناصر مُدرّبة يمكن الوثوق فيها ومستعدة للعمل. لهذا السبب فإن التكوين المهني أمرٌ أساسيٌ. وهناك بلا شك عناصر مشجعة أخرى، لكن التي ذكرتها هي الأهم.

يوم 16 نوفمبر 2005، ألقى سامويل شميد (على يمين الصورة) بوصفة رئيسا لوفد سويسرا التي استضافت في عام 2003 الشطر الأول من قمة مجتمع المعلومات في جنيف كلمة افتتاحية أمام المشاركين في الشطر الثاني من القمة في تونس بحضور الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي. Keystone

swissinfo.ch: كنت رئيسا مشاركا في قمة المعلومات التي استضافتها تونس في نوفمبر 2005..

سامويل شميد: (مُقاطعا) لا لم أكن رئيسا مشاركا في تلك القمة…

swissinfo.ch: ألقيت خطابا في الجلسة الإفتتاحية دعوت فيه السلطات التونسية آنذاك إلى احترام الحريات وخاصة منها حرية التعبير…

سامويل شميد: بالفعل ألقيت خطابا. فبما أن سويسرا استضافت القمة السابقة في 2003 بجنيف اقتضت الأعراف أن تتم دعوتنا إلى تسليم الرئاسة إلى تونس في الجلسة الإفتتاحية للقمة الموالية، لكن اتضح أن هذه العملية كانت محفوفة بالمخاطر بالنسبة لنظيري التونسي…

swissinfo.ch: ما هي الذكرى التي مازالت عالقة في ذهنك من أحداث ذلك اليوم؟

سامويل شميد: (بعد برهة من التفكير) ذكريات كثيرة. كان موقفا فريدا. تحدث أولا (أمين عام الأمم المتحدة آنذاك) كوفي أنان. أما الثاني الذي تناول الكلمة فكان الرئيس التونسي بن علي، وكان مهذبا وأريحيا. قال كل ما يجب أن يُقال في مثل ذلك المحفل. بل شكر سويسرا على استضافة القمة السابقة. وعندما عاد إلى مقعده على المنصة حييتُه بل وهنأته لأنه كان أريحيا. بعد ذلك أتى دوري في الكلام وقُلت الجملة التي تعرفُها (إن الحرية لا يجب أن تقتصر على حرم القمة وإنما خارجها أيضا- المُحرِر). وعندما عُدتُ إلى مكاني هنأني الرئيس بن علي لأنه لم يسمع ما قلته على الأرجح، فقد انقطع بث الخطاب باللغة العربية وكان يُنقل على الهواء مباشرة. ومن سخرية القدر أنه كان هو نفسه ضحية للرقابة. أما أنا فلم أنتبه إلى قطع بث خطابي إلا عندما توجّهت لي بالسؤال، في المؤتمر الصحفي الذي أعقب الجلسة الافتتاحية، عن تعليقي على قطع بث خطابي. وقد استغربت من كثافة الحضور الاعلامي في اللقاء الصحفي الذي كان من المقرر حسب البرنامج أن يكون محدودا. فنحن السويسريين لا نستهوي عادة الصحفيين، بينما كانت القاعة مكتظة بهم في ذلك اليوم. بعد اللقاء الصحفي قمتُ بزيارة أسرة تونسية تقليدية وقد كانت مضيافة وتلقائية، ثم توجهتُ إلى المطار عائدا إلى بلدي. وفي اليوم التالي وصل زميل إلى تونس حيث خلفني في رئاسة الوفد السويسري…

swissinfo.ch: هل هو السيد موريتس لوينبرغر؟

سامويل شميد: بلى هو، وقد شرح لي انه شعر لدى وصوله إلى تونس بان سويسرا لم تعد محل تقدير في تونس، لكن لم يكن هناك ما يدعو للشكوى. وبالتأكيد كانت هناك ارتدادات على العلاقات الثنائية لفترة من الزمن، لكن في الأخير لم يكن الأمر على درجة كبيرة من الخطورة بالنسبة لسويسرا. في الحقيقة عاودتُ الإشتغال على خطابي عشية القمة مع السفير السويسري لدى تونس، وكان قد أخبرني بان كامل شبكة الإنترنت في البلد بما فيها خطوط السفارة أصبحت خاضعة للتنصُت من السلطات التونسية. اعتبرتُ أن من المهم أن يكون خطابي حازما في الدفاع عن حرية التعبير. وكان السفير يُشاطرني الرأي، فقلت له “أنا سأسافر أما أنت فستبقى هنا…”

swissinfo.ch: تُعتبر الجالية المغاربية في سويسرا من أهم الجاليات سواء من حيث العدد أم من حيث الكفاءات التي تعدّها، فكيف يمكن أن تشكل جسرا في شراكة ثنائية أو إقليمية مع سويسرا؟

سامويل شميد: أودُ أن أبدي فكرتين في هذا الصدد، فتلك الكفاءات يحتاجها أهلها هنا في الدرجة الأولى، وقد دعتني الجالية التونسية في جنيف لحضور حفل بمناسبة الذكرى الثانية للثورة (14 جانفي) فقلت للسيدات والسادة الحضور “أنا سعيد بهذه الجالية ولكن عليكم أن تدركوا بأن بلدكم في حاجة إليكم”. وإذا ما سألتني كيف يمكن أن نقوم بإدماج تلك الجالية (في المجتمع السويسري) سأجيبك بأني طبعا لست ضد الإدماج، لكن ما هو الخيار الذي تجني منه تونس فائدة أكبر؟ طبعا أتفهم أن قسما منهم يبقى في سويسرا، بيد أني آمل أيضا أن يعود القسم الأكبر، وخاصة الشباب، إلى وطنهم لأن عليهم أن يبنوا تونس. وإذا كانوا قد تحصلوا على خبرات فعليهم أن يُفيدوا بها بلدهم. مثلما ترى قلبي مُقسَمٌ بين أمرين. وكلما استأجرتُ سيارة تاكسي في جنيف إلا وسألتُ سائقها “هل أنت تونسي؟” ويأتيني الجواب في معظم الأحيان بالإيجاب. إنهم يعرفونني وهم طيبون ولذيذون. لكني لا أتردد في طرح السؤال الثاني عليهم: “متى ستعود للوطن؟”. لا أعرف كيف سيكون حالي من دونهم، بيد أن تونس أيضا في حاجة لهم.

swissinfo.ch: هل من رسالة إلى التونسيين في ختام هذه الزيارة؟

سامويل شميد : الإحترام والتهنئة على كل ما صنعتموه. سيطول المسار أكثر مما تتوقعون، ولكن في النهاية ستكسبون حريتكم.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية