مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“على الإمام أن يكون مطلعا على تاريخ وقوانين الكانتون الذي يقيم فيه”

يلعب الإمام دورا كبيرا في عملية اندماج الأقليات المسلمة في بلدان الهجرة، لكن هذا يتوقّف على مدى إلمامه بحقائق البيئة التي يعيش فيها. Keystone

لتسليط الضوء على أهمية دور الإئمّة في عملية الإندماج ومكافحة التشدّد والغلو،أجرت swissinfo.ch هذا الحوار مع نور الدين الفرجاني، إمام الجمعة بمسجد لاشو- دو- فون بكانتون نيوشاتيل سابقا، والإمام المنتدب بشكل رسمي منذ أمس الإثنيْن، 27 فبراير 2017 بالمؤسسة الإسلامية بجنيف، والذي يحدد فيه الشروط الواجب توفّرها في الإمام، إذا أراد أن ينجح في دوره في تيسير اندماج جمهوره، وتحقيق التعايش والسلم الديني في مجتمع متعدد ثقافيا ودينيا.

وأجري هذا الحوار بعد الكشف مؤخرا عن نتائج استطلاع للرأي، عبّر من خلاله ثلثا المستجوبين من السويسريين عن رفضهم الإعتراف بالدين الإسلامي كديانة رسمية مثل المسيحية واليهودية، مما يشير إلى المشكلات التي تعيق اندماج هذه الديانة في الواقع السويسري. وتلقى المسؤولية في معالجة هذا الوضع على العديد من الجهات، في مقدمتها الأئمة والمدرّسين في المساجد. ولكن هؤلاء أنفسهم في حاجة إلى تأطير. وفي ما يلي نص الحوار:

swissinfo.ch: هل تعتقد أن على الإئمّة في سويسرا إلقاء خطبهم وتقديم دروسهم بإحدى اللغات السويسرية؟

نور الدين فرجاني: أجيبك من خلال العودة إلى الآية القرآنية التي يقول فيها الله تعالى “وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه”، بمعنى أن أي رسول عندما يرسل إلى قومه، لابد ان يخاطبهم بلغة تلك الأمّة. اليوم نحن في نوشاتيل، وفي لا شو دي فون، حيث اللغة الرسمية هي اللغة الفرنسية، إذن عليّ أن أتكلّم هذه اللغة مع من يشاركني الديانة والوطن. نفس الشيء الخطاب في المسجد، باللغة الفرنسية. بالطبع، النصوص والمراجع الدينية باللغة العربية، ومن المنطقي أن يكون جزءً من التفسير باللغة العربية، ولكن الجزء الأكبر من الخطاب لرّاد المسجد، لابد أن يكون بالفرنسية، لأن الذين هم من حولنا لا يفهمون اللغة العربية.

المزيد

المزيد

زيارة استطلاعية لصلاة الجمعة في المسجد المجاور

تم نشر هذا المحتوى على ماذا يحدث داخل المسجد؟ وماذا تعرف السلطات المحلية عنه؟ كيف وعمَّ يخطب الإمام؟ وإلى أي مدى هو على اطلاع على القيم المحلية؟ وهل لديه القدرة على أن يُعَرِّف الشباب المسلم على النواحي المتعددة للمجتمع المدني السويسري؟

طالع المزيدزيارة استطلاعية لصلاة الجمعة في المسجد المجاور

swissinfo.ch: لكن ما الذي يحصل عندما يكون الإمام غير ملمّ بالبيئة التي تحيط به (السياق الاجتماعي، والقانوي، والثقافي عموما)، وأيضا عندما لا يتقن أي من اللغات الوطنية في سويسرا. هل يمكن أن يؤدي مهمّته كإمام على أكمل وجه؟

نور الدين فرجاني: أجيبك للمرة الثانية، بالعودة إلى نفس الآية الكريمة، لكن بالتأكيد هنا على أن المقصود بلغة القوم لا تعني فقط اللغة التي ننطقها او نتكلمها، بل النظام الفكري الشامل، بما في ذلك الجوانب الفلسفية والفكرية، و.. وكل الأبعاد الاجتماعية. للاضطلاع بوظيفته على أكمل وجه، على الإمام حسن اتقان اللغة الرسمية للمدينة التي يعيش فيها، والكانتون الذي يأويه. وعليه أن يتعرّف ويساعد اتباع ديانته على التعرّف على جميع ما يدور حولهم. في هذه الحالة فقط، يمكنه أن يكون قادرا على اقتراح حلول لمن يطلبون مساعدته. على الإمام مثلا أن يكون مطلعا على تاريخ الكانتون حيث يقيم، وأن يكون محيطا بالقوانين الجاري العمل بها، … لأن كل ذلك من شانه أن يساعده على تقديم الإرشاد المطلوب ومرافقة اتباع ديانته في تطابق مع الواقع الذي يعيش فيه. صحيح، في كل ديانة توجد مبادئ وقيم ثابتة، ولكن هذه القيم هي مشتركة مع المجتمع ومع الديانات الأخرى إلى حد بعيد. والإسلام لا يمثل استثناءً في هذا المجال، ففيه قيم ثابتة، لكن الفتاوى والأحكام الشرعية تتغيّر بتغيّر الزمان والمكان بفضل ما يسميه العلماء “المسكوت عنه”.

 swissinfo.ch: الحصول على كل هذه المعارف والمؤهلات، هل هو اليوم في متناول الإمام الناشط في سويسرا؟

 نور الدين فرجاني: اليوم هذه المهمّة ليست سهلة بالمرة. بالإمكان أن نطلب من إمام يتلقى راتبا شهريا، ويتمتع بعمل قار ما نريد. ولكن بالنسبة للإمام الذي يؤدي هذه الوظيفة بشكل طوعي، وهذا هو حال ما يناهز عن 90% من الإئمة في سويسرا، فهذا شبه مستحيل. فهؤلاء الإئمة مجبرون على القيام بأعمال أخرى لتحصيل لقمة العيش. اليوم الذي يصبح فيه الإئمة موظفين لهم راتب شهري، عندئذ يمكن أن نتحدّث عن شروط ملزمة. أما اليوم، على الأقل، لابد من اتقان إحدى اللغات الوطنية.

 swissinfo.ch: لو تحدثنا الآن عن مصلحة المجتمع ككل. الجميع اليوم يشدد على حيوية دور الأئمة في عملية مكافحة ظاهرة التشدّد والتعصّب التي نجدها عند بعض الشبان المسلمين. أنتم كأئمّة، هل تتلقون من السلطات ما يكفي من المساعدة لأداء هذه المهمّة، والمساهمة بفعالية في نشر السلم الاجتماعي؟

 نور الدين فرجاني: تجربتي الشخصية وحقيقة الواقع تثبتان أن الأئمة يبذلون جهودا، بل وأن جميع المنظمات الإسلامية تقوم بذلك أيضا. وبالطبع الصحافيون ياتون إلينا ويسألون ماذا تفعلون، ولكن كما هو الحال دائما يسقطون في الأنماط والمقولات الجاهزة، ولا ينظرون إلى الظاهرة في جميع ابعادها، او يعالجون الأمر في شموليته. يسألون مثلا لماذا يصبح الشبان متشددون، لكننا نحن شرح وكررنا: الأغلبية العظمى من الحالات لا علاقة لها بالمساجد من قريب او بعيد. والتشدّد يحصل بنسبة 99% خارج المساجد، لأن هؤلاء الشباب يعلمون عندما يأتون إلى المساجد سيستمعون إلى خطاب يدعو إلى الاعتدال والتسامح والاندماج. الأئمة يقومون بدورهم منذ أعوام، ونفس الشيء أيضا المنظمات الإسلامية، ومع ذلك لم تتوقّف وسائل الإعلام عن انتقادنا واستهدافنا من اجل ظاهرة عجزت سويسرا وعديد البلدان الأخرى عن إيجاد حل لها حتى الآن. نحن نسمع السلطات تتحدث عن مشروعات هنا وهناك، ولكن في الميدان لا نرى أثرا لذلك. وبحسب معرفتي، نحن الوحيدون الذين نبذل جهدا حقيقيا في هذا الباب.

المزيد

swissinfo.ch: ما رأيك في صدور قانون يجبر الإئمّة على تقديم خطبهم ودروسهم في المساجد حصريا في إحدى اللغات الوطنية الرسمية؟

نور الدين فرجاني: أعتقد أنه لا يمكننا معالجة هذا النوع من المشكلات عن طريق الإكراه والإجبار من جهة، ومن جهة أخرى، هل سنحظر على المسلمين ما نبيحه لغيرهم، ما سيجعل من هذا الحظر إجراء تمييزيا، لن يؤدي إلا إلى تعميق الإنقسام داخل المجتمع. هل سنمنع مثلا التحدّث باللاتينية أو اليونانية أو البرتغالية داخل الكنائس؟ أنا أفضّل نهج التوعية بدلا عن الحظر والمنع. هذا دون أن نتحدّث عن النقص في الموارد، خاصة الموارد المالية، لأن تعلّم اللغات واتقانها يتطلّب الكثير من المال.

swissinfo.ch: مؤخرا أسالت العديد من الاحداث على علاقة بالمساجد الكثير من الحبر (جنيف، بازل، فينترتور،…) حيث، لعب الأئمة، بحسب وسائل الإعلام، دورا ما في تبني عدد من الشبان أفكارا متشددة أو في التحاقهم بمناطق النزاعات المسلّحة. ما تعليقك على هذه الحالات؟

 نور الدين الفرجاني: رد فعلي الأوّلي والطبيعي هو التأكّد من مدى صحة ما تناقلته وسائل الإعلام. وثانيا، دور المساجد هو الدعوة إلى التعقّل ، وضمان وحدة المجتمعات وانسجامها، ودعوة اتباع الدين الإسلامي إلى أن يكون النموذج الذي يحتذى به في المجتمعات التي يعيشون فيها. لا يوجد عالم إسلامي يعتدّ به يمكن أن يصدر فتاوى وآراء فقهية تدعو إلى العنف، وإلى الكراهية، او لا يندّد بالإرهاب.  إذن إذا ما ثبت بالفعل أن إمام فينترتور قد دعا المصليّن الذين جاؤوا إلى أداء الصلاة إلى قتل المسلمين المتخلفين عن الصلاة، هذا يعني ان هذا الإمام أساء فهم الدين الذي ينطق بإسمه: الكراهية منبوذة ومرفوضة من دون أي تحفّظ.   

 swissinfo.ch: كل المتخصصين متفقون على ضرورة إطلاق برنامج تكويني خاص بالإئمة في سويسرا. ما هو الحل الممكن بحسب رأيك؟

 نور الدين فرجاني: أعتقد ان هذا الهدف، حتى وإن كان جدير بالثناء، فإن تحقيقه سوف يتطلّب الكثير من الوقت. ذلك أن مجرّد إنشاء المركز الأكاديمي “الإسلام والمجتمع” الملحق بكلية علم اللاهوت بجامعة فريبورغ قد وجد معارضة قوية، خاصة من حزب الشعب (يمين متشدد).

 تكوين الإئمة في سويسرا، فكرة جيّدة، ولكن لابد من برنامج ذي مصداقية، ولابد من مدرّسين اكفاء، ولابد من تمويل صلب، وإرادة حقيقية قبل كل شيء. ومجرّد إنشاء كرسي للدراسات الإسلامية في إحدى الجامعات يمكن أن يمثّل خطوة كبيرة إلى الأمام، ولكن بشرط أن تكون هذه الدراسة علمية وموضوعية، وتشوّه صورة الديانة الإسلامية.  

يتراوح عدد المسلمين الذين يعيشون في سويسرا بحسب آخر الإحصائيات ما بين 400.000  و450.000 نسمة أي ما يعادل 4.5% من مجموع سكان هذا البلد. الغالبية العظمى من المسلمين في سويسرا هم من اصل أوروبي، يتوزعون بين أصول تركية وألبانية ونسبة عالية منهم من جمهورية يوغسلافيا سابقا.

اما المسلمون من أصول عربية فيقدّر عددهم بحوالي 30.000 نسمة، يسكن أغلبهم في المناطق السويسرية الناطقة بالفرنسية على خلاف الأتراك الذين توجد نسبة كبيرة منهم في المناطق الناطقة بالألمانية.

المسلمون من أصول سويسرية محلية يزيد عددهم عن 11% من مجموع المسلمين هنا. وتضاعف عدد المسلمين في سويسرا بشكل سريع إذ بعد ان كان عددهم لا يزيد عن 30.000 سنة 1975، ها هو الآن يناهز 450.000 نسمة، ويحتلّ الإسلام اليوم المرتبة الثالثة في سويسرا بعد الكنيستيْن البروتستانتية والكاثوليكية.

خلال العقديْن الأخيريْن، نما عدد المراكز الإسلامية والجمعيات الإنسانية والمحلات التجارية التي تبيع المأكولات الحلال. وتعددت الانشطة والمؤتمرات. ويزيد اليوم عدد المراكز الإسلامية في البلاد عن 250 مركز، تنظّم داخلها دروس تعليم اللغة العربية والتربية الإسلامية، وأنشطة إجتماعية واحتفالات الأعياد الدينية. لكن هذه المراكز تشكو من قلة الإمكانيات، ونقص التمويل، وتوجد عادة في احياء صناعية، وتحتاج إلى مزيد من العناية.

تتأطّر الجالية المسلمة في سويسرا ضمن جمعيات ومنظمات محليّة تشكل مع بعضها اتحادات على مستوى الكانتونات، وتنفّذ مجتمعة بعض البرامج المشتركة. أما على المستوى الوطني، فتتوحّد تلك الإتحادات الكانتونات ضمن فيدرالية المنظمات الإسلامية بسويسرا، وتنسيقية المنظمات الإسلامية بسويسرا، وبعض الفيدراليات الألبانية والتركية أيضا.

يتوزّع الإشراف على المراكز الإسلامية الموزّعة عبر المدن السويسرية على النحو التالي:

45% تدار من قبل أتراك

40% تُدار من قبل ألبان وكوسوفيين وبوسنيين

15% تُدار من طرف مسلمين من أصول عربية.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية