مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“أزمة السودان سببُها غياب الإرادة السياسية لدى طرفي الصراع”

في 28 نوفمبر 2012، تظاهر مئات السودانيين من قبائل المسايرية أمام مقر الإتحاد الإفريقي في الخرطوم للتعبير عن تأييدهم لضم منطقة أبيي الحدودية المتنازع عليها مع دولة الجنوب إلى جمهورية السودان. Keystone

حذرت الخرطوم من احتمال تجدد الصراع في منطقة أبيي المتنازع عليها بين السودان وجنوب السودان إذا ما أحال الإتحاد الإفريقي النزاع إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

وسبق للبلدين أن وقعا في سبتمبر 2012 اتفاقات بوساطة من الإتحاد الإفريقي لسحب قواتهما من الحدود المشتركة واتخاذ خطوات أخرى للحد من التوترات، لكنهما لم يتمكنا من التوصل إلى حل بالنسبة لمشكلة أبيي. وفي أكتوبر 2012، أمهل الاتحاد الافريقي الجانبين ستة أسابيع للتوصل إلى حل وإلا سوف يتبنى فكرة إجراء “استفتاء مُلزم” حول مستقبل المنطقة.

وفي سياق متصل، قال الإتحاد الافريقي أيضا إنه سيسعى إلى الحصول على “موافقة من مجلس الأمن لتسوية النزاع بين السودان وجنوب السودان” الذي انفصل في يوليو 2011 بموجب بنود اتفاق السلام لعام 2005 الذي أنهى حربا أهلية استمرت عشرات السنين بين الجانبين.

في حوار خاص مع مراسل swissinfo.ch في القاهرة، يُسلط الخبير والأكاديمي الدكتور حمدي عبد الرحمن، المتخصص في الشؤون الأفريقية، ومُؤسّس برنامج الدراسات المصرية الإفريقية بجامعة القاهرة الأضواء على آخر التطورات في النزاع القئم بين الخرطوم وجوبا وعلى تداعياته المحتملة داخليا وإقليميا.  

swissinfo.ch: ما هي أهم العقبات التي لا زالت قائمة بوجه تطبيق بنود الإتفاق الأمني والإقتصادي الذي توصل إليه البشير وسيلفا كيير في سبتمبر الماضي بشأن النفط وترسيم الحدود؟

د. حمدي عبد الرحمن: باعتقادي أن العائق الأكبر يتمثل في غياب الإرادة السياسية لدي طرفي الصراع في دولتي السودان، فقد تم هذا الاتفاق الأمني الأخير بعد زيادة الضغوط الدولية على البلدين، وبعد فشل جوبا في تحقيق نصر عسكري في منطقة هيجليج النفطية.

القضية الأساسية التي تعامل معها الإتفاق الأخير هي حل مسألة تصدير النفط، وهي تحقق مصالح الطرفين، أما القضايا الأمنية بالغة الحساسية مثل: ترسيم الحدود، وحسم قضية أبيي، فلا تزال محل خلاف حقيقي.

وإذا كان مجلس السلم والأمن التابع للإتحاد الأفريقي يرى ضرورة إجراء استفتاء أبيي في أكتوبر 2013، فإن قضية مشاركة قبائل المسيرية العربية في هذا الإستفتاء، والذي تصر عليه حكومة الخرطوم، لا تزال محل خلاف كبير بين الطرفين.

ولعل مسألة الإستقواء بالخارج وعمل تحالفات إقليمية ودولية بالنسبة لدولتي السودان وجنوب السودان، يمثل عائقًا آخر أمام تسوية لكافة القضايا العالقة، منذ توقيع اتفاق السلام الشامل في عام 2005.

في ظل استمرار انعدام الثقة بين الطرفين، هل تتجه الأوضاع إلى تجدد المواجهات العسكرية بينهما على الحدود المشتركة؟

د. حمدي عبد الرحمن: لا أظن أن المشكلات الداخلية التي تعاني منها كل من حكومتي جوبا والخرطوم، تمكنهما من خوض غمار أي مغامرة عسكرية على الحدود، ولكن يمكن أن نتصور حالة من الحرب الباردة بين الطرفين، واستمرارا لحالة الحرب بالوكالة، حيث يدعم كل طرف ويُموّل قوى المعارضة المناهضة للطرف الآخر، وهو أمر يمكن أن يقوض دعائم الأمن والإستقرار الإقليمي في منطقة القرن الأفريقي وشرق أفريقيا.

وهل يمكن أن تؤدي الأزمات الحادة التي يعاني منها افقتصاد في البلدين، بسبب نضوب عائدات النفط، إلى نشوب احتجاجات اجتماعية، وتوترات سياسية، تهدد النظامين الحاكمين في الخرطوم وجوبا؟

د. حمدي عبد الرحمن: لقد ظهرت بوادر الربيع السوداني بالفعل، حيث أن إجراءات التقشف التي أعلنتها الحكومة السودانية في شهر يونيو 2012، لمواجهة تدهور افقتصاد قد أثرت بلا شك على زيادة بؤس ومعاناة المواطنين، ولا سيما الشرائح الفقيرة منهم. وعليه فقد كان رد الفعل عفويًا من قبل الجماهير، التي خرجت في الخرطوم وغيرها من المناطق، احتجاجًا علي رفع أسعار السلع والخدمات الأساسية. وعلي غرار حركتي كفاية وشباب 6 أبريل في مصر، دشن مجموعة من النشطاء والشباب في السودان حملة مقاومة شعبية، لإنهاء حكم المؤتمر الوطني، بزعامة الفريق عمر البشير، أطلق عليها اسم (قرفنا). ويشكل طلبة الجامعة ركيزة هذه الحركة، التي ظهرت إلى الوجود في عام 2009، حيث طالبت بمقاطعة الإنتخابات السودانية في ذلك الوقت.

أما في جنوب السودان فإن تأخر الاحتجاجات الشعبية راجع لعوامل ثلاثة: أولها.. القبضة الحديدية لنظام حكم الحركة الشعبية لتحرير السودان، التي لا تزال محتفظة بطابعها العسكري. وثانيًا: استمرار الحماسة الوطنية الناتجة عن الإنفصال، الذي حاز على أغلبية شعبية ساحقة، وثالثًا استمرار الدعم الدولي والإقليمي لجنوب السودان، في مواجهة نظام الخرطوم ذو التوجهات الإسلامية.

الخامس من ديسمبر 2012 كان آخر أجل حدده الإتحاد الإفريقي لتسوية الخلاف بين البلدين، حول منطقة أبيي الحدودية، فهل نتجه إلى تنظيم استفتاء حول هذه المسألة مثلما اقترح الوسيط الإفريقي؟

د. حمدي عبد الرحمن: إذا فشل الطرفان سيُحال الملف إلى مجلس الأمن الدولي. والمشكلة الأساسية التي لم يحدث بها اختراق تتمثل في تحديد من يحق لهم الإقتراع، ولاسيما قبائل “المسيرية” العربية.

حكومة الخرطوم لا تثق في الوساطة الإفريقية، وترى أنها خاضعة لتأثير بعض الدوائر الأجنبية، وعليه فإن خصوصية منطقة أبيي الغنية بالنفط، ووقوعها على خط التماس بين الشمال والجنوب، يجعلها مغنمًا يطمح إليه كل طرف. وأحسب أن الوصول إلى تسوية سلمية شاملة يحتاج إلى إرادة دولية تسعى إلى مساعدة الطرفين في التوصل إلى حلول توافقية، وليس مجرد فرض الضغوط السياسية والدبلوماسية على طرف دون الآخر.

بعد مرور حوالي عام ونصف على استقلال الجنوب، هل لا يزال السودان مُهددًا بانفصال أقاليم أخرى عنه، مثل كردفان أو دارفور؟

د. حمدي عبد الرحمن: ثمة محاولات دؤوبة من القوى الدولية الفاعلة في مرحلة ما بعد الحرب الباردة على إعادة صياغة إفريقيا من الناحية الجيواستراتيجية، في إطار ما أطلق عليه اسم “التكالب الدولي” الجديد على النفط والموارد الطبيعية في أفريقيا. وطبقًا لعملية إعادة الصياغة تلك التي تشمل فك وتركيب بعض الكيانات القائمة تم القبول بانفصال جنوب السودان. وثمة محاولات لتكرار هذا العمل في أقاليم سودانية جديدة، مثل: دارفور، وجنوب كردفان، والنيل الأزرق، وهي المناطق التي حملت السلاح ضد نظام البشير لتشكل جنوبًا جديدًا للسودان. ولعل اقتراحات إقامة مناطق حظر الطيران في دارفور أو كردفان، تمثل لهذا الفعل الدولي في إعادة تشكيل منطقة شرق أفريقيا ككل، ولعل ما حدث في الصومال الذي تحتله قوات خمس دول أفريقية بدعم وتأييد أمريكي ودولي يساعد على فهم طبيعة النظام الإقليمي في المنطقة بعد الحرب الباردة.

اقترح نائب الرئيس السوداني مؤخرًا تكوين كنفدرالية عربية أفريقية، فما هو الهدف من هذا المقترح، وما مدى قابليته للتحقيق؟

د. حمدي عبد الرحمن: تلك أطروحات سياسية للتغطية على فشل النخبة الحاكمة في الخرطوم في المحافظة على وحدة السودان. ولعل ما يقابل هذا الطرح هو مشروع السودان الجديد الذي طرحه الراحل جون جارانج حول سودان واحد ديموقراطي وعلماني. فبعض دوائر النخبة الحاكمة في جوبا اليوم لا تزال تطرح مشروع السودان الجديد، ولكن انطلاقًا من الجنوب وبهوية إفريقية خالصة ـ ولذلك نحن أمام مشروعين متناقضين تمامًا لا يلتقيان، هما: مشروع عروبي إسلامي بقيادة شمالية (وهو الذي أدى ولو جزئيًا إلى انفصال الجنوب)، ومشروع سودان علماني بهوية إفريقية خالصة، وهو الذي تحمله النخبة الحاكمة في الجنوب، وتحظي بدعم إقليمي ودولي في ظل الحملة الدولية التي تقودها الولايات المتحدة للحرب على الإرهاب، بما في ذلك حركات الإسلام السياسي التي تمثل خطرًا على أمن واستقرار كثير من دول المنطقة مثل: كينيا وأوغندا.

الخرطوم (رويترز) – قال مسؤول امريكي يوم الاربعاء 12 ديسمبر 2012 ان اتفاق السلام بشأن اقليم دارفور بالسودان عرقله نقص التمويل والتقاعس عن نزع سلاح الميليشيات وهجمات على قوات حفظ السلام ومشاكل اخرى بعد عام ونصف العام من توقيعه.

وفشلت جهود دولية استمرت سنوات في انهاء نحو عقد من التمرد في دارفور حيث حمل متمردون السلاح في عام 2003 للقتال ضد ما أسموه إهمال الحكومة للاقليم.

وأدت حملة السودان ضد التمرد الى حشد قوات وميليشيات حليفة مما أسفر عن اندلاع موجة من العنف. وتقدر منظمات حقوق الانسان عدد الذين ماتوا في الصراع الذي اعقب ذلك بمئات آلاف الاشخاص.

ورغم ان موجة العنف تراجعت عن ذروتها فان القتال بين متمردين وقوات الحكومة استمر كما استمرت الاشتباكات القبلية في الإقليم.

وفي العام الماضي وقعت الحكومة اتفاق سلام بوساطة قطرية مع حركة التحرير والعدالة وهي مظلة لفصائل متمردين أصغر لكن المتمردين الرئيسيين رفضوا الإنضمام.

وقال المستشار الامريكي الخاص لدارفور دين سميث للصحفيين في الخرطوم اثناء زيارته الاخيرة للمنطقة بصفته تلك “إن تنفيذ الاتفاق الذي يعرف باسم (اتفاقية الدوحة) تعثر”. وقال سميث: “أكبر احساس بالاحباط تولد لديّ بعد عام ونصف العام من توقيع اتفاقية الدوحة كان اننا شاهدنا تنفيذا محدودا للغاية وخاصة لتلك البنود التي تجلب فوائد ملموسة للاشخاص الذين نزحوا في الداخل واللاجئين”.


وأشار إلى نقص الأموال لصندوق اقيم لاعادة الاعمار والتنمية في دارفور وعدم اتخاذ الحكومة اجراء لنزع سلاح الميليشيات مثلما تقضى الاتفاقية.

وقال سميث ان الميليشيات “اصبحت خارج السيطرة بدرجة متزايدة” وخاصة في شمال دارفور وان كانت حوادث “مزعجة” بدرجة أكبر وقعت في نيالا بجنوب دارفور ومستري في غرب دارفور هذا الشهر (ديسمبر 2012).

ومنيت اتفاقية الدوحة بضربة اخرى في الاسبوع الماضي عندما اتهمت حركة العدالة والحرية الحكومة بمهاجمة قواتها ونشر تقارير مزورة بشأن الهجوم. وقالت الحكومة انها ستحقق في الحادث.

وقال سميث انه لم يحدث تقدم يذكر ايضا في التعامل مع افلات اشخاص ارتكبوا جرائم في دارفور من العقاب. ولم يقدم مدع خاص قضايا أسفرت عن القاء القبض على أشخاص أو ادانات ولم تعمل محكمة خاصة تم تشكيلها. واضاف سميث “يجب ان نقول بامانة تامة ان سيادة القانون لا وجود لها في دارفور”.

واصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال ضد الرئيس عمر حسن البشير ومسؤولين سودانيين آخرين كبار في اتهامات بارتكاب جرائم حرب وابادة جماعية في الاقليم وهي اتهامات يرفضها المسؤولون ويقولون انها افتراءات لها دوافع سياسية.

وقال سميث ان الهجمات على قوة حفظ السلام التابعة للاتحاد الافريقي والامم المتحدة في دارفور عرقلت ايضا الجهود لجلب السلام الى المنطقة. واضاف ان الحكومة لم تظهر “اهتماما يذكر” باجراء تحقيق جاد في جرائم وتقديم مرتكبيها للعدالة.

وقال “بالنسبة لبعض العناصر المنفلته من السكان فان هذا يعني ان هناك ادراكا بأن المجال مفتوح لمهاجمة قوات حفظ السلام. وهذا الموقف غير مقبول بالمرة.”

وتابع سميث انه رغم ان التنفيذ الضعيف بدد الحافز لدى آخرين لكي ينضموا الى عملية السلام القطرية فان الولايات المتحدة مازالت تعتبر اتفاق الدوحة “اساسا جيدا للسلام” وشجعت متمردين آخرين على بدء محادثات استنادا الى المعاهدة.

ولا توجد تقديرات تذكر يعتد بها لعدد الاشخاص الذين لقوا حتفهم في صراع دارفور على مر السنين. وفي عام 2008 قالت الامم المتحدة ان نحو 300 الف شخص ربما قتلوا وهو رقم يقول ناشطون انه متدن للغاية ولم تنشر تعديلا منذ ذلك الحين. وتقدر الحكومة عدد القتلى بنحو عشرة الاف شخص.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 12 ديسمبر 2012)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية