مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

سويسرا ليس لديها “جدول أعمال خفي”

بعد شهر واحد من تسلمه لمنصبه في جنيف، استقبل فالانتان تزيلفيغر (في الوسط) وزير الخارجية جون كيري يوم 9 سبتمبر 2016 عشية انعقاد اجتماع جديد بينه وبين نظيره الروسي بشأن الأوضاع في سوريا. Keystone

من نافذة مكتبه الجديد في الطابق السادس، يُطل فالانتان تزيلفيغر على منظر أخَّاذ لمملكته الجديدة: جنيف الدولية. الحي الذي يمتد من بحيرة ليمان الزرقاء شمال شرق المركز وحتى مطار جنيف - كوانتران، والذي يشمل مؤسسات مثل المقر الأوربي للأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية.

تولى فالانتان تزيلفيغر مهام منصبه كسفير لسويسرا لدى الأمم المتحدة والمنظمات العالمية في جنيفرابط خارجي بتاريخ 1 أغسطس 2016. وبعد عدة أسابيع من بدء عمله، أيَّد تصريحات سلفه، ألكسندر فاسل بأن هذه الوظيفة في جنيف هي دون أدنى شك أفضل عمل يمكن أن تعرضه عليك وزارة الخارجية السويسرية.

«جنيف أهم بكثير مما كنت أتصور. لقد فوجئت لكثرة التنوع وأهمية العمل الذي يتم إنجازه هنا»، يصرح هذا الأشقر الطويل صاحب النظارات البالغ من العمر 54 سنة والذي عاش حياة مهنية حافلة بالخبرات.

لا بد أنه يبدو بعيداً كل البعد عن منصبه السابق كرئيس لدائرة القانون الدولي في العاصمة برن، حيث كان الخبير القانوني لوزارة الخارجية المشرف على أموال الدكتاتوريين المخبأة في سويسرا.

منذ وصوله إلى جنيف، وجد الدبلوماسي المولود في بازل نفسه في قلب الأحداث بترأسه لاجتماع السفراء السويسريين السنوي في الأمم المتحدة، وبحضوره لأشغال مجلس حقوق الإنسان وبإشرافه على استقبال وزير الخارجية الأمريكية جون كيري، الذي قدِمَ إلى جنيف لإجراء محادثات حول سوريا مع نظيره الروسي سيرغي لافروف.

السفير فالانتان زيلفيغر. DFAE

“إنها الطريقة المثلى للتَّعلّم، أضاف فالانتان تزيلفيغر. فلو كرست وقتاً طويلاً للتَّعلّم، لأصبح الأمر معقداً جداً”.

لقد تغير الروتين الذي اعتاد عليه في وظائفه السابقة بشكل مذهل، بدءاً من تنقلاته اليومية. “لقد أتيت اليوم إلى العمل بالقارب. ولكنه ليس يختي الخاص، أضاف ممازحاً. إنّما بقوارب الأجرة التي تُدعى “النوارس” وهي وسيلة نقل مائية رائعة لقطع البحيرة، ولا تستغرق سوى 15 دقيقة”.

مجلس حقوق الإنسان

في الواقع، تُشبه قائمة أولوياته، كسفير للدولة المُضيفة للمنظمات الدولية وكممثل لسويسرا على الساحة الدولية، دليل الهاتف. لكن أبرزها: نجاح سير مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة (مقره جنيفرابط خارجي)، والذي يهدف إلى حماية حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم. وسويسرا واحدة من 47 دولة عضو في المجلس حالياً.

إلا أن الأمور ليست على ما يُرام داخل هذه الهيئة التابعة للأمم المتحدة. فقبل افتتاح الدورة الثالثة والثلاثين في سبتمبر الماضي، تحدّث رئيس المجلس ـ السفير الكوري تشوي كيونغ ـ ليم عن إحباط بعض الدول من المناخ الفاسد الذي يسود المجلس، في الوقت الذي ترد فيه تقارير عن العقبات والعراقيل حول الأوضاع في كل من اليمن وسوريا.

ويحذّر تزيلفيغر: «أقول بأن مجلس حقوق الإنسان أفضل بكثير من سمعته. هناك مخاوف كثيرة، لكن المجلس هو مرآة لما يحدث في الوقت الراهن. فالعالم من حولنا يزداد تعقيداً وتجزئةً».

في السياق، أثنى الخبير القانوني على عملية الإستعراض الدوري الشامل (UPR)، التي تعتبر أحد المعالم الرئيسية لمجلس حقوق الانسان، وهو آلية تستعرض المراجعة الدورية لوضع حقوق الانسان في كل الدول الأعضاء دون استثناء أو انتقائية. ومن المقرر أن تختتم الجولة الثانية من الإستعراض الدوري الشامل في شهر نوفمبر المقبل، وسوف تليها فترة من التفكير لإجراء التحسينات الممكنة.

فالانتان تزيلفيغر

وُلد في بازل عام 1962. درس الحقوق في جامعتي بازل ونوشاتيل، وحصل على درجة الدكتوراه في القانون الدولي العام.

انضم إلى وزارة الخارجية السويسرية في عام 1991. في عام 1993 التحق بالسلك الدبلوماسي وأكمل تدريبه في الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون وفي البعثة الدبلوماسية السويسرية في نيروبي. كما عمل في وقت لاحق كدبلوماسي في قسم القانون الدولي وفي البعثة السويسرية لدى الأمم المتحدة في نيويورك.

من عام 2003 ولغاية 2007 عمل على رأس مكتب أول رئيس في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. في عام 2007 عاد إلى قسم القانون الدولي في برن وترأس شعبة القانون الدولي بين العامين 2010 و 2016.

منذ 1 أغسطس 2016، أصبح الممثل الدائم لسويسرا لدى الأمم المتحدة والوكالات الأممية والمنظمات الدولية الأخرى في جنيف.

وهو متزوج وله ابنتان. 

طريقة عمل سويسرا

خلال دورة المجلس الحاليةرابط خارجي، تقوم سويسرا بدعم عدد من المبادرات منها: قرار بشأن الروابط بين الأعمال الوحشية الجماعية والعدالة الإنتقالية، وآخر عن الحقوق الثقافية وحماية التراث الثقافي في النزاعات المسلحة. كما أن سويسرا جزء من “مجموعات أصدقاء” في مكافحة التطرف العنيف.

ولكن ما هي طريقة عمل بلد صغير مثل سويسرا في المحافل المتعددة الأطراف مثل مجلس حقوق الإنسان؟

يُجيب السفير الجديد: “نحن نحاول أن نكيّف مساهمتنا حسب القضية المطروحة»، ويضيف «ففي بعض الأحيان من المفيد إعطاء مساهمة منطقية. وفي بعض المجالات الأخرى لحقوق الإنسان، يمكن أن يكون العمل على مستوى القاعدة والإتصال الوثيق بالمجتمع المدني أو بناء جسور بين مختلف المعسكرات. فليس هناك حل واحد يناسب الجميع”.

وكانت قد تمت مناقشة نقاط القوة والضعف في النظام المتعدد الأطراف خلال المؤتمر السنوي للسفراء السويسريين الذي عُقد في شهر سبتمبر الماضي للمرة الأولى في المقر الأوروبي للأمم المتحدة في جنيف. وفي السياق، صرح وزير الخارجية ديديه بوركهالتر أنه بحوزة سويسرا أوراق قوية لتعزيز الجهاز، سواء من خلال الحوار والتوافق والأفكار المبتكرة أو من خلال نهج واقعي للعمل ضمن مجموعات صغيرة.

فالانتان تزيلفيغر يُشاطر هذا الرأي ويشير إلى أن “إحدى نقاط القوة لدى سويسرا هي أننا نُعتَبَر طرفاً صادقاً. فليس لدينا أي جدول أعمال خفي ولا أهداف استراتيجية تستلزم اتخاذ الطرق الملتوية. فالبراغماتية والواقعية تساعد في كثير من الأحيان على إيجاد حلول لردم الهوة بين المواقف المختلفة”.

وأضاف السفير أن كل شيء قابل للتسوية: “يمكن القيام بعمل شيء من خلال الإستماع إلى الآخرين وفهم ما يقولونه، بهدف العثور على نهج مشترك في نهاية المطاف. وهذا النهج هو تقريباً جزء من حمضنا النووي الصبغي (دي إن أي)”.

المجتمع المدني والجامعات والشركات

ثمة أولوية أخرى رئيسية للبعثة السويسرية إإذ أنه سيتم الإشراف على خطط ترميم العديد من مقرات المنظمات الدولية في جنيف، مثل مبنى قصر الأمم التاريخي. وسيتم استثمار أكثر من 2 مليار فرنك سويسري في المباني الجديدة والتجديدات بالإضافة إلى وسائل النقل المحلية. ويأتي جزء كبير من هذا التمويل من قروض ممنوحة بدون فوائد منت طرف الكنفدرالية وعدد من الكانتونات.

ومنذ فترة قريبة، شنت افتتاحية صحيفة “لوتون” اليومية (تصدر بالفرنسية في لوزان) هجوماً على المسؤولين السويسريين وحثتهم على «التخلي عن عقلية المدير الفندقي الخجول والمُحايد» للحصول على المزيد من المشاركة في المناقشات السياسية وعلى عدم الخوف من التأكيد على قيمهم الديمقراطية.

من جهته، تفادى تزيلفيغر التعليق على النقد بشأن «العقلية الفندقية للدبلوماسية السويسرية»، إلا أنه أبدى موافقته على أن النموذج والقيم الديمقراطية السويسرية يمكن أن تكون مفيدة للغاية للدبلوماسيين. فأعلن قائلاً: “أينما تذهب، تجد أن الناس يعتبرون سويسرا ملاذاً للسلام والحوار. وهذا يُعطينا قدراً كبيراً من المصداقية”.

وأشار أيضاً إلى أن لدى السلطات الفدرالية وكانتون جنيف استراتيجية طويلة الأمد لتعزيز جنيف الدوليةرابط خارجي. وأقرَّ بأن هناك حاجة لبذل المزيد من الجهد والعمل خارج الأطر التقليدية.

“في الوقت الراهن، لا يُمكن للحكومات أن تحل المشاكل وحدها. فنحن بحاجة لنهج شامل لا يتضمن المجتمع المدني والأوساط الأكاديمية فحسب، وإنما أيضاً الشركات والأعمال. كيف يمكنك التعامل مع الأزمات الصحية ومعالجتها دون اللجوء إلى الشركات الصناعية المُصنّعة للأدوية والطبية؟ وجنيف لديها إمكانيات كبيرة، ويعود ذلك لتواجد عدد كبير من الشركات العالمية فيها ولانفتاحها على الشمولية. فنحن بارعون في تحقيق التوافق والشمولية”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية