مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

إقبال كبير من الأندية الأجنبية على اللاّعبين السويسريين

أصبح اللاعبان السويسريان البهرامي وإنلر من نجوم تشكيلة نادي إف سي نابولي الإيطالي Keystone

شهد هذا الموسم انتداب أعداد أكبر من أي وقت مضى من اللاعبين السويسريين للإلتحاق بأندية أوروبية كبيرة. وباتت سويسرا واحدة من البلدان الرئيسية المصدّرة للمواهب الرياضية. swissinfo.ch أجرت حوارا حول الظاهرة مع رافايلّي بولي، المسؤول بمرصد كرة القدم التابع للمركز الدولي للدراسات الرياضية بنوشاتيل.

أصبح اللاعبون السويسريون في السنوات الأخيرة يحظون باهتمام خاص لدى الأندية الكبيرة كنابولي، وبايرن ميونيخ، وجوفونتيس تورينو،…وليس فقط لدى الأندية الصغيرة. ويؤكّد رافيالّي بولي أن من أهم أسباب هذا النجاح، المراهنة على التدريب والتعاون الممتاز بين الأندية والجامعة والإتحاد السويسري لكرة القدم.

swissinfo.ch: كم من لاعب سويسري هو الآن مشارك في أهمّ البطولات الأوروبية؟

رافيالّي بولي: يوجد هذا العام 41 لاعبا، وهذا رقم قياسي! وهنا لا نأخذ في الإعتبار سوى الأندية الكبرى في البطولات الخمسة الأكثر أهمية. وفي العام الماضي، كان هناك 36 سويسريا يلعبون خارج البلاد. وفي العشر سنوات الأخيرة، تضاعف هذا العدد مرتيْن.

بعد الفوز الثمين الذي حققه المنتخب الوطني السويسري يوم الجمعة 11 أكتوبر 2013 في تيرانا ضد الفريق الألباني بهدفين مقابل هدف واحد، جاء الإنتصار بهدف يتيم على المنتخب السلوفيني مساء الثلاثاء 15 أكتوبر في بازل ليؤكد أن الحلم إلى حقيقة واقعة.

الإنتصاران الأخيران مثلا أكثر من تذكرة عبور للمشاركة في التصفيات النهائية لمنافسات كأس العالم التي ستنظم بالبرازيل سنة 2014 حيث تأكد الآن أن سويسرا ستكون على رأس إحدى المجموعات خلال الدور الأول للنهائيات في البرازيل. 

للمرّة الرابعة في غضون العشرين سنة الأخيرة، ترشّح المنتخب الوطني السويسري للتصفيات النهائية لكأس العالم وبإقتدار هذه المرّة. وبإمكان المدرّب الوطني أوتمار هيتسفيلد، الألماني الجنسية، أن يكون فخورا بذلك. خاصة وأن فريق سويسرا، هذا البلد الصغير مساحة وسكانا، قد نجح في إلحاق الهزيمة تلو الأخرى بمنتخبات كبيرة مثل المنتخب الألماني، والمنتخب البرازيلي، خلال مقابلات ودية أثناء المرحلة التحضيرية.

في تصريح أدلى به إلى swissinfo.ch، أعلن بيتر كنايبل، المدير الفني بالجامعة السويسرية لكرة القدم، أنه “بالإمكان الإرتقاء أكثر بالأداء، ولكن إذا ما نظرنا إلى النوادي التي يلعب فيها حاليا أعضاء المنتخب الوطني، فأنا على يقين أن المتانة الذهنية والصلابة والنفسية التي تغرسها تلك النوادي في لاعبيها سيكون لها أثرها الإيجابي على عقلية ونفسية المنتخب الوطني السويسري”.

swissinfo.ch: هل يعتبر هذا العدد قليلا أم كثيرا؟

رافيالّو بولي: تحتلّ سويسرا المرتبة الخامسة إجمالا. وأما البلدُ المُصدّر لأكبر عدد من اللاّعبين فيظل البرازيل، يليه الأرجنتين وفرنسا بالتناوب، وسويسرا الآن ضمن المجموعة التي تأتي مباشرة بعد هذه البلدان الثلاث جنبا إلى جنب مع البرتغال وهولندا والأوروغواي. ومقارنة بعدد السكان، تعتبر سويسرا أكثر البلدان تصديرا للاعبين بعد الأوروغواي.

swissinfo.ch: كيف توصلت سويسرا لتحقيق هذا النجاح؟

رافيالّي بولي: تمكّن بعض اللاعبين، بغض النظر عن النتائج الجيّدة التي حققتها الفرق الوطنية، من اكتساب تجربة ممتازة من خلال لعبهم ضمن خمس بطولات أجنبية. وهذا ما شجّع بوضوح أندية مختلفة على مواصلة انتداب لاعبين سويسريين في صفوفها. الأمر أصبح بمثابة الموضة.

swissinfo.ch: ما الذي تغيّر مقارنة بالسنوات السابقة؟

رافيالّي بولي: أصبحت الأندية السويسرية تميل إلى توفير فرص أكبر للناشئين. وعلى عكس ما كانت عليه في الماضي، حينما كانت تفضّل انتداب لاعبين من إفريقيا أو أمريكا اللاتينية، باتت الآن المواهب المحلية تحظى باحترام وتقدير أكبر. 

والإستراتيجية الوحيدة الممكنة والمثمرة هو توفّر قطاع شبابي يتطوّر بشكل جيّد. وهذا ما يميّز الفرق السويسرية. فأندية مثل مانشستر يونايتد وتشيسلي، هي أندية عالمية بمعنى الكلمة، لا يربطها أي رابط ببلدها الأصلي. في المقابل، تحتفظ النوادي السويسرية بقيمتها عندما تكون صلتها قوية مع محيطها، أي مع النسيج الإقتصادي ومع الجمهور المحلي. وأفضل طريقة لتحقيق ذلك هو تشجيع اللاّعبين المحليين.

swissinfo.ch: لكن هذا الخيار مكلف أيضا….

رافيالّي بولي: بطبيعة الحال، لا يمكن أن ندَّعي أن لدينا لاعبين من ذوي المواهب الكبيرة من دون أن يكون لدينا مُدرّبين أكفاء. وحتى لدى الناشئين، أصبح المدرّبون أكثر مهنيّة واحترافا. أعتقد أن التعاون المُمتاز بين الأندية والجامعة والإتحاد السويسري لكرة القدم من أهمّ أسرار نجاح تكوين الرياضيين في سويسرا.

لنأخذ مثالا على ذلك: الموارد التي تأتي نتيجة تأهّل المنتخبات الوطنية سواء للبطولات الدولية أو الأوروبية يدفع الجزء الأكبر منها إلى النوادي. ويحدث ذلك ولكن بعد تعهّد تلك النوادي بتخصيص تلك الموارد لإنتداب مدرّبين محترفين لفئة الناشئين. الأمر في النهاية بمثابة الحلقة الحميدة.

غالبا ما يشغل بال الأندية هو تحقيق نتائج جيّدة على المدى القصير، والإعتماد على نتائج الفريق الأوّل، لكن عندما تجبرها الرابطة أو الإتحاد السويسري لكرة القدم على استخدام تلك الموارد لأغراض محددة، لا يترك إليها خيار. إنها لا تستطيع مثلا استخدام تلك الموارد في اشتراء لاعب أجنبي إضافي.

cies.ch

swissinfo.ch: بعد فشل المنتخب الوطني السويسري في التأهّل لبطولة كأس الأمم الأوروبية الماضية، هل يعوّض عن ذلك نجاحه في السباق إلى تصفيات كأس العالم بالبرازيل العام القادم؟

رافيالّي بولي: بكل تأكيد، وذلك لأن الحفاظ على التمويل في المستوى الحالي، يوجب على سويسرا التأهّل مرة على الأقل كل منافستيْن عالميتيْن.

swissinfo.ch: هل هذا التعاون بين الأندية والجامعة والاتحاد السويسري لكرة القدم قائم في مجالات أخرى؟

 رافيالّي بولي: نعم، خاصة على مستوى المراكز الوطنية للتدريب. فخلال الأسبوع، يتدرّب الرياضيون الشبان من أصحاب المواهب في هذه المرافق، ثم يلعبون في نواديهم في نهاية الأسبوع. وفي النهاية، الكل يستفيد من الفرص المتوفّرة.

إذا نجح شاب كليونال ميسي، على سبيل الذكر، في الإنضمام إلى الفريق الأوّل في عمر يناهز 18 عاما، فهذا جيّد. مع ذلك، أثبتت بحوثنا أن أي شاب يختار طريق الإحتراف مبكرا، يغامر بمستقبله. وفي أغلب الاحيان، يضحي هؤلاء الناشئون بمستقبلهم الرياضي، لأنهم يجدون أنفسهم في مواجهة بيئة تنافسية حادة. وتوصلنا من خلال تحليل تجارب اللاعبين الذين حققوا نجاحا باهرا في عالم الإحتراف خارج بلدانهم، إلى أنه من المهمّ لهؤلاء خوض غمار عدد كبير من المنافسات والمقابلات ما بين الثامنة عشر والواحد والعشرين ضمن أنديتهم الوطنية. والذين اختاروا الاحتراف مبكرا لم يحققوا النجاح الذين كانوا يرغبون فيه.

لم يبق إلا التحذير من ذلك إذن. ولكن ليس من السهل مواجهة الضغوط القوية من الوكلاء ومن العائلة، خاصة وأن التعاقد مع فريق أو ناد أجنبي كبير هو مما يحلم به الكثير من الرياضيين الشبان.

swissinfo.ch: هل ترون أن هناك أي فرص لتحسين الأداء في مجال التدريب والتكوين؟

 رافيالّي بولي: أظهرت دراساتنا الإحصائية أنه في الغالب يحصل أخذ وعطاء بالنسبة للاعبين الذين ولدوا في المنتصف الاوّل من العام. وهذا الأمر لا يوجد في سويسرا فقط، كما لا يقتصر على ميدان كرة القدم. لكنه مع ذلك هو اكثر جلاء في هذا المجال.

يعود هذا الأمر إلى كون اختيار اللاعبين يرتكز في الأساس على السنة الدراسية، وعادة الشبان الذين يكونون قد ولدوا في الأشهر الاولى من السنة هم اكثر نموا ونضجا من اقرانهم الذين ولدوا في الأشهر الأخيرة من نفس السنة. وتميل الاندية والفرق الوطنية بذلك إلى تفضيل النتائج على المدى القصير وتمنح الأولوية للياقة البدنية، هذا على الرغم من معرفتها المسبقة بأن اللاعب قد لا تتاح له فرصة إنجاح مسيرته الإحترافية.

ولذلك، ينبغي إيلاء أهمية اكبر لهؤلاء اللاعبين الذين لا يأتون إلى العالم مبكّرا، ولكن قد تكون لديهم مؤهلات كبيرة للنجاح في المستقبل.

swissinfo.ch: عدد كبير من اللاعبين من أصول اجنبية يشكلون فرق الاندية وفريق المنتخب الوطني. كيف تفسّرون ذلك؟

 يقوم العامل الأجتماعي بالتأكيد بدور مهم في هذا المستوى. وكرة القدم تظل من أهم الرياضات الشعبية، حتى وإن كان جمهورها يشتمل على جميع الفئات. وقطاع الناشئين يضمّ أعدادا كبيرة من اليافعين من أصول اجنبية، وهذا سيكون له بالتأكيد تأثير مستقبلي على فرق الأندية وتشكيلة المنتخب الوطني.

  

هذه أيضا علامة جيّدة، وتثبت أنه لا يوجد تمييز ضد الأجانب، وأن كرة القدم هي وسيلة جيّدة لتحقيق الإندماج حيث تتاح فرص متكافئة للجميع، وربما ان فرص الشبان من أصول اجنبية للنجاح هي اكبر نظرا لأن أباءهم غالبا ما يكونون موجودين إلى جانبهم يشدون أزرهم. وقد يكون هؤلاء الأولياء غير قادرين على متابعة المسار الدراسي لأبنائهم لأنهم لا يتقنون اللغة، ولكنهم في المقابل يكونون قادرين على متابعة مسيرتهم الرياضية كلاعبي كرة قدم. ويكفي للتأكد من ذلك زيارة احد الملاعب، وهذه ميزة أساسية. فاللاعب الناشئ يحتاج إلى مدرّب محترف، ولكن وبنفس القدر يحتاج أيضا إلى الدعم النفسي وإلى التوجيه من طرف والديْه.

 سويسرا ليست بالتأكيد الدولة الوحيدة التي تركّز الجهود على تدريب الشبان.

في فرنسا أيضا، يوجد نظام مركزي يفرض على الأندية تكوين وتدريب اللاعبين. وفي ألمانيا توجد مراكز محلية تموّلها النوادي والجامعة والإتحاد الألماني لكرة القدم.

 وأوضح رافايلّي قائلا: “النماذج السويسرية والفرنسية والألمانية متشابهة إلى حد كبير، على الرغم بالطبع أن لكل بلد بعض النقاط تميّزه عن غيره”.

 أما في اسبانيا، فيستند النموذج أساسا على تجربة نادي برشلونة.

وفي أنجلترا وفي إيطاليا، فإن الوضع اكثر تعقيدا: “في إيطاليا، يوجد صراع مستمر بين الأندية داخل جامعة كرة القدم، وبين الجامعة والإتحاد الإيطالي لكرة القدم، وحتى داخل الإتحاد نفسه. وكل طرف يحاول تحقيق مصالحه الخاصة، وبات من المستحيل الأتفاق على مشروعات مشتركة.

 وهكذا بعد الإقصاء المبكّر لفريق إيطاليا من تصفيات كأس العالم في عام 2010، تم تعيين روبارتو باجيو رئيسا للقسم الفني للإتحاد الإيطالي لكرة القدم. وبقي مشروع الإصلاح الذي اقترحه لقطاع الناشئين مجرد حبرا على ورق. وفي نهاية المطاف أجبر على الإستقالة من منصبه”.

 الدوري الإنجليزي من جانبه، هو الذي نجد فيه أكبر عدد من اللاعبين الاجانب “وعندما يتوفّر المال، قليلا ما نفكّر في منح فرص للاعبين الناشئين”. وفي العام الماضي فقط، تم فتح اوّل مركز وطني للتدريب والتكوين، وهو ما يعدّ متأخرا جدا عما فرفته العديد من البلدان الأخرى.

(نقله من الفرنسية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية