مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

سويسرا تشدّد على مبدإ المسؤولية الشخصية كتدبير وقائي

السويسريون هم من بين الرحالة الكبار في العالم. Keystone

اختطاف سيدة سويسرية في مالي، ومقتل شخصين سويسريين في هجوم إرهابي في بوركينا فاسو، حدثان مأساويان وقعا مؤخرا، ليكشفا عن تزايد المخاطر التي تتهدّد المواطنين السويسريين الذين يجوبون أنحاء العالم، بينما في الوقت الراهن، تركز السياسة الوقائية السويسرية على المسؤولية الشخصية تحديدا.

من الواضح أنه من اليوم فصاعدا، لابد لكل مواطن سويسري مقيم في الخارج أو مسافر في أنحاء العالم أن يتحمل مسؤوليته الشخصية، حيث ينص القانون الفدرالي الجديدرابط خارجي الذي أصبح ساري المفعول منذ الأول من شهر نوفمبر 2015 على ما يلي: “كل مواطن يسافر أو يقيم أو يمارس عملا تجاريا خارج البلاد، يكون هو المسؤول عن نفسه بالدرجة الأولى”.

كما يوضح القانون بأن دور الحكومة السويسرية هو فقط دور مساعد، إذ يمكنها أن تتدخل لحماية مصالح رعاياها في الخارج في حال عدم قدرتهم على القيام بها بأنفسهم أو بمساعدة من الآخرين، وبإمكانها، تحت ظروف معينة، رفض تقديم المساعدة أو الحد من الحماية القنصلية.

   منصّة”ايتينيريس” Itineris”

بالإضافة إلى الخدمات الاستشارية عبر شبكة الانترنت وتوفير خط ساخن لطلب المساعدة، توفّر وزارة الخارجية  “منصة ايتينيريس Itineris” على شبكة الانترنت، يمكن للمواطن المسافر أو المقيم في الخارج أن يسجّل نفسه ويُعبّئ استمارة بياناته الشخصية مباشرة حتى يسهل الاتصال به في الأحوال الطارئة.

وكذلك قامت الوزارة بتوفير تطبيق خاص بالهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، يمكن بواسطته الاطلاع على المعلومات الصادرة عن الوزارة والخاصة بأحوال السفر، كما يمكن للمواطن عن طريق هذا التطبيق الاتصال بالممثليات السويسرية في الخارج والاتصال لطلب المشورة أو المساعدة عبر الخط الساخن، كما يُهيئ للأجهزة المعنية في وزارة الخارجية أن تقوم، في حالة الطوارئ، بالتواصل مع المواطن المتواجد خارج البلاد وموافاته برسائل إخطار أو الاتصال به مباشرة عبر هاتفه الذكي. 

المساعدة الحكومية ليست مجانية

أشار بيتر زيمّرلي مندوبرابط خارجي العلاقة مع السويسريين بالخارج  إلى أن الأحكام التشريعية التي جاء بها القانون الجديد تتطلّب تكاليف مالية كبيرة: “انطلاقا من قاعدة أن لكل خدمة تقدمها الدولة ثمن، فمن حيث المبدأ، كل مَن يطلب الحماية القنصلية أو يتسبب في تفعيلها عليه أن يتحمّل النفقات التي تتكبدها الحكومة”.

كذلك، حتى وإن لم يَطلب المواطن تدخّل الحكومة، “لأنه مطلوب من الحكومة أن تتحرك بموجب الإرادة المفترضة للمواطن وفي مصلحته”، كما يوضح المسؤول، فعلى سبيل المثال، لو حصل وأن اختُطِف مواطن سويسري من قبل مجموعة ارهابية، فإن الحكومة تقوم على الفور بتشكيل وحدة عمل مهمتها القيام بما يلزم من أجل ضمان سلامة المواطن وتأمين الإفراج عنه.

وبناء على لائحة الأسعار أو الرسوم رابط خارجيالمقررة من قبل وزارة الخارجية، تبلغ تكلفة كل نصف ساعة 75 فرنكا، وتزيد بنسبة 50٪ في حال كانت الخدمة خارج ساعات العمل الاعتيادية، كما يضاف إليها أيضا التكاليف المُتَحَمّلة.

 نجاح الخط الساخن

تأسس في عام 2011 ويعمل على مدار الساعة، ومنذ عام 2012، والخط الساخن، الذي تشرف عليه وزارة الخارجية، يمثّل وسيلة الاتصال الرئيسية بشأن استفسارات المواطنين وطلبهم المشورة والمساعدة في كل ما يتعلق بالخدمات القنصلية.

ارتفع عدد المكالمات الواردة إلى الخط الساخن من 15525 في عام 2011 إلى 40632 في عام 2014.

تشرف دائرة الخدمات القنصلية في وزارة الخارجية على مهمة إدارة الخط الساخن، وهي الجهة الرسمية المسؤولة عن تنسيق الخدمات القنصلية بين الممثليات السويسرية في الخارج، وتتبوّأ مهمة رعاية مصالح السويسريين المتواجدين في الخارج، وتعنى بالخدمات الاجتماعية للمغتربين وتشرف على كافة الخدمة الاستشارية للمواطنين السويسريين الراغبين في الهجرة أو العودة إلى أرض الوطن. 

لا إغفال لمبدأ النسبة والتناسب

“يمكن للحكومة أن تمنح المواطن فسحة في السداد أو تتنازل جزئيا أو كليا عن التكاليف، إلا أن القانون الجديد اشترط لحصول ذلك التحقق من أن الشخص المعني لم يرتكب من جانبه خللا أو اهمالا”، كما أشار بيتر تزيمرلي.

ومعنى الإخلال أو الإهمال، كأن يتوجه، على سبيل المثال، إلى منطقة تصنّفها وزارة الخارجية بصفتها مكانا خطرا، وضمنت ذلك ضمن تعليماتها وإرشاداتها للمسافرينرابط خارجي، أو ألا يكون لديه تأمين سفر شامل يغطي كامل الاحتياجات (الانقاذ والرعاية الطبية والإعادة إلى أرض الوطن والحماية قانونية)، أو أن ينتهك قوانين البلد المضيف، وتشمل المسؤولية الشخصية بالنسبة للسويسري الذي يقيم في الخارج أن يضمن القدرة على تحمل تكاليف معيشته على المدى الطويل، وأن يكون لديه تأمين صحي وكفالة للشيخوخة.

على أنه أيضا في حالة وجود إهمال أو إخلال تبقى هناك نسبة وتناسب، حسب قول النائب، فعلى سبيل المثال، إذا كان الشخص المعني عاجزا عن سداد التكاليف فقد يحصل على إعفاء جزئي أو كلي، وكذلك في حالة الاختطاف، ربما اقتضى الأمر تحريك أجهزة وآليات تفوق تكلفتها إمكانيات الضحية، وهذا بالتأكيد، كما يقول النائب بيتر تزيمرلي، تأخذه الدولة بعين الاعتبار عندما تقوم بتحرير فاتورة النفقات. 

 استراتيجية وقائية

يهدف البرلمان من خلال التشديد على مبدأ المسؤولية الشخصية إلى ممارسة نوع من الضغط من أجل تفادي المخاطر، التي تضاعفت مع تزايد حركة المواطنين السويسريين عبر العالم، ويكفي أن نعرف بأن عدد السويسريين المقيمين في الخارج قد بلغ في نهاية عام 2015 أكثر من 762 ألف شخص في مقابل 695 ألف شخص في نهاية عام 2010. 

swissinfo.ch

وبشأن الرحلات التي يقوم بها السويسريون إلى خارج المحيط الأوروبي، كان عددها يقل عن مليون في عام 2010 وقفز هذا العدد إلى 1,2 مليون في عام 2014، أي أن نسبة الزيادة تمثل 20٪، وفقا لتقريررابط خارجي الحكومة الفدرالية: “ومن بين الوجهات البعيدة، هناك العديد من الدول والمناطق التي هي عرضة للاضطرابات السياسية أو تضطرم فيها الصراعات المسلحة أو تكاد تنشب بين لحظة وأخرى”، كما أشار تقرير الحكومة السويسرية إلى زيادة السفرات: “القصيرة والسريعة، والتي تكون أحيانا على حساب التأنّي وأخذ الاحتياطات اللازمة للإعداد”.

وبناء على ما سبق، فإنه وبالرغم من زيادة الاهتمام، في السنوات الأخيرة، من جانب وزارة الخارجية السويسرية، وتعزيزها وتطويرها المستمر لقاعدة البيانات وللمعلومات التي يحتاج إليها المواطنون المتجهون إلى الخارج سواء لمجرد الزيارة أو للإقامة، فإن طلبات المساعدة التي تتلقاها الخدمات القنصلية هي في تزايد مستمر، ومن أجل مواجهة هذا التزايد، يعوّل البرلمان السويسري على قانون يخص السويسريين في الخارج يعتمد على مبدأ تحميل المواطن لمسؤوليته الشخصية، باعتبار ما له من أثر فاعل على مستوى الاستراتيجية الوقائية.

ارهابيون يختطفون سويسرية في مالي

تُعتبر حادثة الاختطاف التي حدثت، في ليلة الثامن من شهر يناير 2016 في تمبكتو شمال مالي، لمبشّرة سويسرية، أول حادثة اختطاف تحصل بعد أن بدأ في نوفمبر 2015 سريان العمل بالقانون الجديد بشأن المواطنين السويسريين في الخارج، وقد تبنى ما يُعرف بـ “تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” في شريط فيديو عملية الاختطاف، وفق ما ذكرت منظمة “سايت SITE” للأعمال الاستخباراتية والتحري يوم 27 يناير 2016.

ومن خلال التسجيل المصوّر، ظهرت السيدة وهي مرتدية للحجاب، وفي مقابل الإفراج عنها، طالبت المجموعة الخاطفة بـ “إطلاق سراح عدد من مقاتلي التنظيم المعتقلين في سجون مالي، بالإضافة إلى أحد قادة التنظيم ويدعى أحمد ولد الفقي المهدي، ويُكنّى بأبي تراب وهو متهم بارتكاب جرائم حرب ومعتقل لدى محكمة العدل الدولية في لاهاي.

وفي العاصمة السويسرية برن، امتنعت وزارة الخارجية عن الإدلاء بأي تصريحات بهذا الخصوص، في حين أنها، ومنذ 8 يناير 2016، شكّلت بالتعاون مع المكتب الفدرالي للشرطة فريق عمل يتولى متابعة القضية.

كانت السيدة، التي تعمل في مجال التبشير، تعيش في مالي منذ عدّة سنوات، وقد سبق وأن اختطفت في عام 2012 من قبل عناصر من التنظيم وأفرج عنها بعد تسعة أيام.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية