مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

برن وبروكسل بحاجة إلى “حلول خلاقة” لتجاوز العراقيل القائمة بينهما

أول ضحية لقبول مبادرة الحد من الهجرة المكثفة، برنامج إيراسموس لتبادل الطلبة Keystone

لم يسبق أن عرفت علاقات سويسرا مع الاتحاد الأوروبيرابط خارجي أزمة شراكة بهذا القدر من الحدة. أكيد أن تاريخهما كان دوما مضطربا، لكن مصادقة سويسرا على المبادرة الشعبية "ضد الهجرة المكثفة"رابط خارجي، أشعلت الفتيل، ولم تظهر لحدِّ اليوم اية بوادر تسوية في الأفق، لا بل زاد الامر تعقيدا بعد تعبير أعضاء الإتحاد الأوروبي وبالإجماع عدم استعدادهم للتفاوض من جديد بشأن اتفاقية حرية تنقل الأشخاص، او القبول بإعادة العمل بنظام الحصص الذي تطالب به سويسرا. 

في تعليقه على الوضع، يقول السويسري جون روسوطو، محامي الأوساط الاقتصادية وأحد المراقبين عن كثب لتطور العلاقات بين بلده والاتحاد الأوروبي “إن هذا التأزم لم يسبق له مثيل”. فقد كان الاتحاد الأوروبي حتى بعد رفض السويسريين للمجال الاقتصادي الأوروبيرابط خارجي في عام 1992 قد قبل بشكل أو بآخر المجازفة بالدخول في مفاوضات ثنائية. ولكن بعد قبول السويسريين في 9 فبراير الماضي للمبادرة المناهضة للهجرة المكثفة”، لم يعد لدينا شريك يرغب في اللعب معنا. لقد انكسرت هذه الآلية”، كما يلاحظ المحامي.

بلوغ الحد الأقصى

في الواقع، كان الاتحاد الأوروبي قد وضع حاجزا أوليا في عام 2010، عندما اعتبر بأن نظام الاتفاقيات الثنائيةرابط خارجي الخاصة بكل قطاع، والتي كانت تُقام حسب المقاس بالنسبة لبرن “قد بلغت الحد الأقصى” وأنه إذا لم يتم التوصل إلى حل وسط وِفقا لشروط وقواعد جديدة في النظام المؤسساتي (الأوروبي)، فإن مواصلة مشاركة سويسرا في السوق الداخلية للاتحاد لن يكون ممكنا تطويرها إلى أبعد ما تحقق حتى الآن. ويبدو أن البعض في الحكومة السويسرية في برن لم يقدِّروا حق التقدير إرادة الاتحاد الأوروبي في طرح كل الأوراق على الطاولة، وعلى طريقته.

رفض أوروبي لإعادة التفاوض
لا يرغب الاتحاد الأوربي في إعادة فتح المفاوضات بخصوص اتفاقية حرية تنقل الأشخاص المبرمة مع سويسرا، وهذا بعد تصويت الشعب السويسري لصالح مبادرة تحد من الهجرة الوافدة من دول الاتحاد الأوروبي.

فقد تم اتخاذ هذا القرار يوم الخميس 24 يوليو 2014 في بروكسل، بالإجماع وبدون مناقشة.

إذ أوضح الاتحاد الأوروبي، مثلما أوردت الاذاعة العمومية السويسرية ، في رسالة تم توجيهها للرئيس السويسري ديديي بوركهالتر، بان حرية تنقل الأشخاص هي واحدة من بين المبادئ الأساسية لدى الاتحاد الأوروبي، وأنه لا يمكن التفاوض بشأنها أو التحديد من صلاحيتها بإدخال نظام الحصص.

وكانت الحكومة السويسرية قد طلبت في السابع يوليو بإعادة التفاوض بخصوص الاتفاقية، وهذا بعد أن قبل الشعب السويسري، باغلبية بسيطة، مبادرة شعبية في 9 فبراير، تدعو للحد من الهجرة الوافدة من الدول ال 28 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. فهذه المبادرة ، التي دعمها حزب الشعب السويسري، المعروف ببرنامجه المناهض للاتحاد الأوروبي، تنص على إعادة العمل بنظام الحصص، وعلى تفضيل تشغيل المواطنين السويسريين في حالة شغور مناصب شغل، والحد من الحقوق الاجتماعية للعمال المهاجرين.

وما يبدو خطوة أكثر تشددا، دعوة تلك المبادرة لسويسرا لإعادة فتح المفاوضات بخصوص اتفاقيتها الثنائية مع الاتحاد الأوروبي بخصوص حرية تنقل الأشخاص في غضون فترة ثلاث سنوات، أو إلغاءها. وهذا ما قد يؤدي في المقابل الى تهديد باقي الاتفاقيات الثنائية مع دول الاتحاد الأوروبي.

وتعتبر حرية تنقل الأشخاص داخل حدود الدول الأعضاء، من بين السياسات الأساسية للاتحاد الأوروبي ، في الوقت الذي شاركت فيه الدول غير الأعضاء في الاستفادة من هذه السياسة عبر اتفاقيات ثنائية مع بروكسل. وكانت اتفاقية حرية تنقل الأشخاص قد دخلت حيز التطبيق منذ عام 1992.

ولم تصدر لحد كتابة هذا النص، اية ردود فعل رسمية سويسرية على هذه الأنباء الواردة من بروكسل.        

ومن البديهي أنه ابتداء من الآن، سوف لن تستطيع برن التخلص من هذه “الإملاءات لمسؤولين أجانب” أوروبيين، كانت دوما ترفضها. وعلى برن بالخصوص أن تعترف بسلطة اللجنة الأوروبية في مجال مراقبة حسن تطبيق الاتفاقيات، وإلا فإن عليها دفع الثمن باهضا في حال رفضها تطبيق اتفاق من الاتفاقات، إن هي قرّرت تجاهل أحد قرارات محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي في قضية سوء تنفيذ قانون من قوانين الاتحاد الأوروبي التي عليها تطبيقها بدون تحريف.

خيال فياض

تأمل الحكومة السويسرية في التوصل إلى حلول وسطى ومُرضية حول هذه القضايا الشائكة، قبل أن ينتقل رئيس مفاوضي الاتحاد الأوروبي الحالي الايرلندي دافيد اوسوليفان الى منصبه الجديد في واشنطن في شهر نوفمبر القادم.

ويتطلب الأمر الكثير من الوقت، وبالأخص التمتع بخيال فياض، وهو ما لا يمكن توقعه في الوقت الحالي – من أجل حل العقبة الثانية التي أضافها السويسريون بأنفسهم في 9 فبراير الماضي بانتهاكهم للمبدإ الأكثر قدسية عند الأوروبيين، أي مبدأ حرية تنقل الأشخاص.

فقبول مبادرة الحدّ من الهجرة المكثفة، الذي سيصبح قانونا دستوريا جديدا، والذي من المفروض أن يتم توضيحه وإدماجه في القوانين السويسرية في شهر فبراير 2017 على أقصى حد، لا يهدد فقط تطور العلاقات بين سويسرا والاتحاد الأوروبي، بل يهدد ايضا استمرارية صلاحية العديد من الاتفاقات التي تربط البلدين منذ عام 1999. ولئن لم يقبل الاتحاد الأوروبي هذه المبادرة بالترحاب، فإنه لم يقطع الجسور كلية. 

عبارة عن مقامرة

أكيد أن الاتحاد الأوروبي علق المفاوضات الجارية بخصوص اتفاقات تهدف للسماح للسويسريين بالمشاركة كلية في برامج البحث العلمي الأوروبية الجديدة (آفاق 2020) وبرامج التعليم (إيراسموس +رابط خارجي)، ولكن ما تم الاعتراف به في بروكسل، هو أنه بالنظر إلى أهمية سويسرا في مجال البحث العلمي على المستوى الأوروبي “هناك تفكير في القيام بتعاون ثنائي خارج الإطار المؤسساتي، وهو ما يسمح للسويسريين بالاشتراك في بعض البرامج الخاصة”.

وبهذه الطريقة، يتمكن الاتحاد الأوروبي من الحفاظ على مصالحه الخاصة وتقديم ضمانات حسن نية للشعب السويسري، على أمل، ولو أن الأمل ضئيل، التأثير من أجل إعادة النظر في القانون الدستوري الجديد في نهاية عام 2016، وهذا عن طريق استفتاء شعبي حول مستقبل علاقات الاندماج الأوروبي لسويسرا، وهذا ما أثاره أيضا وزير الخارجية السويسري ورئيس الكنفدرالية الحالي ديديي بوركهالتر. ويبدو أن كل المعطيات متوفرة لمواجهة مباشرة بين الطرفين قد تفضي إلى حل، ولكن ليس بدون مخاطر. وكما يرى جون روسوطو “سيكون الأمر بمثابة مقامرة”.

قانون غير قابل للتفاوض

كان الاتحاد الأوروبي قد قبل مواصلة التفاوض مع سويسرا بخصوص عدد من الملفات (الطاقة الكهربائية، النفاذ لسوق المنتجات الكيميائية، تجارة إصدارات غاز ثاني أكسيد الكربون، المنتجات الفلاحية المحورة، الصحة وحماية المستهلك، الخ..)، ولكن بوضع بعض الشروط، يمكن التوصل إلى تحديد اتفاقات في هذه الميادين، ولكن لن يتم التوقيع عليها قبل أن تتوصل سويسرا إلى إيجاد “حل مقبول” للمشكلة العويصة، أي مشكلة حرية تنقل الأشخاص.

 وبإعلان الاتحاد الأوروبي  عن رفضه قبول إعادة فتح ملف التفاوض  بخصوص اتفاق حرية تنقل الأشخاص، الذي قدمته برن يوم 7 يوليو، يعيد الملف الى نقطة الصفر. ما ترفضه بروكسل، ليس مبدأ التفاوض بل رفض المبادئ الخلفية. فقد كرر الجانب الأوروبي مرارا، وردد على الملإ “بأننا لسنا مستعدين للتفاوض بخصوص إعادة إدخال نظام الحصص للعمالة الأجنبية أو نظام الأفضلية الوطنية”. ولن يعمل تشكيل لجنة أوروبية جديدة في شهر نوفمبر على تغيير شيء على الإطلاق.

فرئيس الوزراء الأسبق لدولة لوكسمبورغ جون – كلود يونكر، الذي سيترأس هذه اللجنة الأوروبية، قد سبق له أن استعرض رأيه بهذا الخصوص أثناء حديثه لمختلف المجموعات السياسية الممثلة في البرلمان الأوروبي قبل اختياره في هذا المنصب في 15 يوليو في ستراسبورغ.

فقد أوضح في الوقت الذي يُثار فيه نقاش حاد في العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بخصوص الهجرة، وبالأخص في المملكة المتحدة، بأن حرية تنقل العمال في أوروبا تمثل “قانونا أساسيا غير قابل للتفاوض”.

ترجمه من الفرنسية وعالجه : محمد شريف

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية