مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

شرطة جنيف تحقق في اعتداءات طالت مسجد المؤسسة الثقافية الإسلامية

البوابة الرئيسية للمسجد التابع للمؤسسة الثقافية الإسلامية التي فتحت أبوابها للعموم في ضاحية "بوتي ساكوني" قرب جنيف منذ عام 1978

في سياق الحملة المرافقة لمبادرة حظر بناء المآذن في سويسرا، تعرض المسجد التابع للمؤسسة الثقافية الإسلامية في جنيف لأول مرة منذ افتتاحه قبل أكثر من 30 عاما، إلى هجومين من طرف عناصر متطرفة لازالت الشرطة المحلية تواصل التحقيق فيهما. وفيما أدانت سلطات جنيف هذه العمليات، رفعت أحزاب سياسية شكاوى قضائية بشأنها إلى جانب مسؤولي المؤسسة.

ومع أن الحملة الإنتخابية التي تسبق تصويت السويسريين على المبادرة الداعية إلى حظر بناء مزيد من المآذن في الكنفدرالية قد اتسمت بقدر كبير من الهدوء والنقاشات المفتوحة، إلا أن منطقة جنيف شهدت تصعيدا في الأيام الماضية بعد تعرض المسجد التابع للمؤسسة الثقافية الإسلامية إلى “هجومين”.

وقد تمثل الأول في بث الأذان بصوت مرتفع في السابعة صباحا من يوم السبت 14 نوفمبر 2009 عبر بوق مثبت فوق سيارة مرت قرب المسجد لإيهام السكان أنه منطلق من مئذنته، والثاني بالإعتداء على بناية المسجد وتحطيم زجاج أحد أبوابه الرئيسية.

إعتداء و استفزاز

المعروف أن المساجد وجميع الأماكن المخصصة لإقامة الصلاة في سويسرا، بمن فيها التي لديها مآذن (وعددها أربعة)، تلتزم بموجب اتفاق ضمني مع سكان الحي الذي تتواجد فيه ومع السلطات العمومية بعدم رفع الأذان بمكبرات الصوت أو بدونها، لكن سكان حي Grand-Saconnex الذي تُوجد به المؤسسة الثقافية الإسلامية منذ عام 1978، استيقظوا يوم 7 نوفمبر الجاري على صوت مؤذن ينادي للصلاة، مما أثار حفيظتهم، خصوصا وأن جنيف تعيش على غرار بقية المدن السويسرية على وقع سجالات الحملة التي تسبق التصويت على مبادرة حظر بناء المآذن.

وقد اختارت الجهة المُستفزة يوم السابع من نوفمبر تحديدا نظرا لأنه التاريخ الذي اختارته المنظمات والمراكز الإسلامية في جنيف وعدة مدن سويسرية أخرى لتنظيم تظاهرة “الأبواب المفتوحة” السنوية الرامية لتعريف جيران المساجد والمراكز الإسلامية عموما بواقع المسلمين والإسلام في سويسرا وللتخفيف من وقع الهواجس التي يُثيرها أنصار المبادرة.

ويقول إمام المسجد الشيخ يوسف إبرام في تصريحات لـ swissinfo.ch: “إن سكان الحي الذين استيقظوا مذعورين، ظنوا أن الصوت ينطلق من المسجد واعتبروا أنه بمثابة تحد للجيران وتحد للإتفاق القانوني والضمني الذي كان بيننا وبينهم، واحتجوا على ذلك في سب وشتم”، لكن أحد الجيران هو الذي أوضح للجميع بأن صوت الآذان كان منبعثا من سيارة مرت بجانب المسجد وليس من المسجد نفسه وقدم لمسؤولي المسجد أرقام اللوحة المعدنية للسيارة المعنية.

الحادث الثاني الذي تعرض له مسجد جنيف حدث يوم الإثنين 16 نوفمبر، عندما هاجم مجهولون أحد أبواب المسجد بالحجارة وكسروا بعضا من زجاج نوافذه، ويقول الشيخ يوسف إبرام “وجدت أمام الباب غير الرئيسي للمسجد أكواما هائلة من الحجارة وحطام الزجاج والأعمدة الرخامية والباب الخشبي، اتصلت بالشرطة التي عاينت ما تم ونقلت حوالي 6 كيلو من الحجر ومن زجاج قنينات البيرة، وكأنهم أرادوا بذلك نوعا من الإهانة ونوعا من التدنيس”.

تعمد نشر العملية على الإنترنت

لكن رغم ما حدث، يقول الشيح يوسف إبرام “لم نرغب في تقديم شكوى لتفادي أن تُسَلط الأضواء على المسجد”، خصوصا وأن ذلك يتم ضمن الحملة المناهضة لبناء المآذن، لكن استفزاز أصحاب هذه العملية، وهم من أنصار جمعية يمنية متطرفة تطلق على نفسها إسم “الشبيبة الحاملة أو المدافعة عن هوية جنيف”، وصل إلى حد نشر تسجيل صور فيديو لما قاموا به على شبكة الإنترنت، مثلما اكتشف ذلك صحفي يعمل في إحدى الصحف المحلية.

وفي معرض شرح الرسالة التي تروج لها هذه المجموعة من خلال إقدامها على القيام بهذا العمل، يزعم أصحابها أن “الأمر قد يتحول إلى واقع في حال رفض مبادرة حظر بناء المآذن” ويضيفون بأن المآذن “ستتحول إلى رفع الآذان في تحد لمشاعرنا”، حسب قولهم.

وهنا يقول الشيخ إبرام “لما اكتشفنا أنها ستصبح قضية إعلامية قدمنا شكوى للسلطات ضد هذه الجمعية اليمينية المتطرفة، ووصل ذلك الى أعلى سدة الحكم في جنيف، بحيث انزعجت السلطات وكانت هناك عدة ردود فعل من المواطنين ومن سلطات جنيف تعتذر عما حدث ولنا موعد قريبا مع وزير الداخلية (في حكومة جنيف) السيد لواران موتينو”، كما تقدم فرع الحزب الراديكالي في كانتون جنيف بشكوى قضائية ضد المجموعة التي حاولت تشويه علاقة المسجد بجيرانه.

ومع أن المسؤولين عن المؤسسة الثقافية الإسلامية ومسجد جنيف قد سارعوا إلى طمأنة الجيران عبر توجيه أكثر من 1000 رسالة إلى القاطنين في الأحياء المجاورة والتأكيد على أنهم “لم يُـغيِّـروا من سلوكهم ومن احترامهم لهدوء وراحة الجيران غير المسلمين بعدم رفع الأذان بهذا الشكل، لا في الماضي ولا في الحاضر والمستقبل ويحرصون على احترام الجيران، كما ينص عليه الدين الإسلامي وقوانين المواطنة”، فإن الشيخ يوسف إبرام يرى أن “الجالية المسلمة هي التي في حاجة إلى الطمأنة، نظرا لأن حوالي 900 تلميذ يترددون على المسجد يومي الأربعاء والسبت وأن هناك مخاوف من أن يتعرضوا لأي تصرف من هؤلاء العدوانيين المجانين”.

تحقيقات متواصلة للشرطة

وفي اتصال مع شرطة جنيف، أوضح الناطق باسمها باتريك بوهل لـ swissinfo.ch بأن “شرطة جنيف تأخذ هذين الاعتداءين مأخذ الجد، ولحسن الحظ فإن ذلك يبقى مجرد تصرفات نادرة، مقارنة مع باقي الجرائم”. وأشار المتحدث إلى أن التحريات مستمرة، آخذة بعين الاعتبار شهادات عيان وتحليل الأحجار التي تم جمعها على عين المكان.

وبما أن هناك شكوى مقدمة من قبل مسؤولي المؤسسة الثقافية الإسلامية والحزب الراديكالي فيما يتعلق باعتداء الأذان، ومن طرف حزب الخضر والمؤسسة الإسلامية فيما يتعلق بالهجوم بالحجر، فإن الشرطة سخرت “عددا من موظفيها للقيام بالتحريات، بغرض تقديم ذلك للعدالة في جنيف”، حسب الناطق باسم شرطة جنيف.

وعما إذا كانت المجموعة المتطرفة التي تباهت بكونها المسؤولة عن عملية رفع الأذان معروفة من قبل الشرطة في جنيف، أوضح الناطق باسمها أن “الشرطة لا ترغب في الوقت الحالي في الحديث عن سير التحريات ولا في تفضيل احتمال على حساب الإحتمالات الأخرى لهذه الاعتداءات، خصوصا وأن التحريات (لا زالت) في بدايتها”.

وبالنسبة للتخوفات التي أثارتها هذه العمليات بخصوص انزلاق النقاش الدائر بخصوص مبادرة حظر بناء المآذن وتحوله الى عمليات اعتداء فعلية، ذكّر باتريك بوهل بأنه “لحسن الحظ نعيش في بلد سلام وبلد حوار ونقاش ونحن نرغب في أن يبقى هذا البلد بلد قانون ونظام”، قبل أن يضيف “لذلك، سنقوم بكل ما في وسعنا للكشف عن حقيقة هذه المجموعة والتي نتمنى أن تبقى مجرد حادث عارض وأن يتم وضع حد لنشاطاتها في أقرب وقت”.

محمد شريف – swissinfo.ch – جنيف

ترافقت المبادرة الشعبية الداعية إلى حظر بناء المآذن مع نقاش وطني واسع وحملة انتخابية حامية عرفت في معظم الأحيان خروجا عن إطار المبادرة المحدود لتتحول إلى سجال حول تواجد الإسلام والمسلمين في سويسرا عموما.

وبالنظر إلى أن مسجد جنيف التابع للمؤسسة الثقافية الإسلامية التي تعتبر من أقدم الهيئات الدينية ذات الطابع الإسلامي في سويسرا يتعرض لأول مرة في تاريخه إلى هجومين في إطار هذه الحملة، تطرح تساؤلات عما إذا كان عمل من هذا القبيل يدعو الى التخوف من تفاقم محتمل لظاهرة الكراهية أو العداء للإسلام والمسلمين في هذا البلد؟

عن ذلك يجيب الشيخ يوسف إبرام، إمام مسجد جنيف “يقيننا وإيماننا بأن هذا الشعب الذي استضافنا وقدم لنا كل الخدمات وعشنا شعائرنا وديننا طوال هذه الفترة، مستحيل أن يكون عنصريا أو أن يكون شعبا متطرفا ويكره المسلمين، وإنما قد نجد في العائلة الواحدة فردا أو فردين على غير هدي والديهما. فنحن نعتقد أن هذه مجموعة شاذة من اليمين المتطرف.. ويجب أن لا نحاسب الأغلبية بهذه الجريمة”.

وعن الدروس المستخلصة من هذه الحملة المرافقة لمبادرة حظر بناء المآذن بالنسبة لمسؤولية المسلمين فيما يحدث، يقول الشيخ يوسف إبرام “مهما كانت نتائج هذه المبادرة، فالمسلمون خاسرون في هذه القضية. وحتى لو صوت لصالح هذه المبادرة 5 أو 10% من الشعب السويسري، فهذه نسبة كبيرة جدا، فما بالك لو كان 30 أو 40%؟ لذلك، يُلزمنا ذلك بموقف رسمي من المسؤولين (أو القائمين على أمر المسلمين في سويسرا)، وبموقف على المستوى الفردي لكل مسلم من مسلمي سويسرا. وأول الواجبات، هو حسن المواطنة قبل الإلتزام بأخلاق دينهم، ناهيك لو يتم الجمع بين الإثنين، فهذه المبادرة دليل على أن المسلمين لم يقوموا بواجبهم”.

في بيان تلقت swissinfo.ch نسخة منه، أعربت الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي عن “الأسف والقلق بسبب تعرّض جامع مدينة جنيف ومقر المؤسسة الثقافية الإسلامية لسلسلة من الهجمات العنصرية أدت إلى تحطيم البوابة الرئيسة للجامع وأعمدته وتدنيسه بزجاجات المشروبات الكحولية”.

وفي نص البيان، أهاب معالي الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، الأمين العام للرابطة بالحكومة الفدرالية السويسرية “للعمل على منع الهجمات على مقر المؤسسة الثقافة الإسلامية وعلى الجامع الذي يؤمه المسلمون في كل يوم لأداء صلواتهم”، مشيراً إلى أن “رابطة العالم الإسلامي والمراكز والمؤسسات الإسلامية في أنحاء العالم حريصة كل الحرص على التعاون مع السلطات الرسمية في كل بلد يوجد فيه مركز أو مؤسسة للرابطة”.

وشدد الدكتور التركي على أن الرابطة “تؤكد على أهمية التنسيق والتعاون والحوار بين المسلمين وغيرهم”، مشيراً إلى أن “العديد من المسؤولين في الدول الأوروبية يدركون أهمية الحوار والتعاون وأثرهما على التفاهم والتعايش بين أتباع الأديان المختلفة”.

وذكر الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي التي يُوجد مقرها في جدة بالمملكة العربية السعودية أن الحكومة السويسرية “رحبت بمناشط الرابطة، واستضافت مؤتمر الحوار الذي عقدته الرابطة مؤخراً في مدينة جنيف برعاية فخامة الرئيس هانس ميرتس”، وأكد د. التركي أيضا أن “هجمات العنصريين وتوجهاتهم المعادية للإسلام والمسلمين لن تغير من استراتيجية الرابطة والمؤسسات التابعة لها”.

أخيرا، دعا الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، مسلمي أوروبا “للبعد عن الإنفعال بسبب ما يقوم به العنصريون الذين تتابعهم حكومات بلدانهم وتتعامل معهم وفق القوانين التي تمنع الاعتداءات العنصرية وإثارة الكراهية بين الناس”، مؤكداً أن رابطة العالم الإسلامي “مستمرة في متابعة قضايا المسلمين وشؤون المراكز والمؤسسات التابعة لها في العالم”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية