مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

شمال إفريقيا في مهرجان “باليو – نيون”.. أصالة وأناقة

أدهشت الدورة 32 لمهرجان "باليو - نيون" زوارها بافتتاح قرية ذات خصائص معمارية وثقافية شمال إفريقية swissinfo.ch

عززت الدورة الثانية والثلاثين لمهرجان " باليو - نيون" مكانته ضمن أكبر المهرجانات السويسرية والأوروبية الصيفية ببرمجة اشتملت على أكثر من 100 عرض لموسيقى الروك والبلوز والأغنية الفرنسية والعالمية.

في الوقت نفسه، عزز المهرجان استمرار انفتاحه على موسيقى وثقافة العالم باستضافة قرية شمال إفريقية بكل ما تملكه بلدان المغرب العربي من موسيقى وتراث وتقاليد.

محق من قال أن مهرجان باليو في مدينة نيون السويسرية يتميز هذه السنة بأنه “ثري، وجميل، ومتنوع الألوان”.

فهو ثري من خلال برمجته في دورته الثانية والثلاثين لأكثر من ألف فنان وموسيقي، منهم من ذاع صيته في عالم فن الروك والبلوز والهيب هوب والموسيقى العالمية من أمثال بجورغ، بينك، موز، لاوران فولزي، ليندا ليماي، ويدان، فاكس تايلور، تسوكيرو وغيرهم.

ومنهم من يجد في مهرجان نيون بوابة للشهرة أو العودة للشهرة سواء من النجوم الصاعدين أو غير المتعودين على التردد على المهرجانات الأوروبية من أمثال المجموعة الكندية “أركاد فاير”، أو المجموعة الأمريكية من مقاطعة تكساس “ميدليك” أو مجموعة الشباب البريطاني من شيفيلد “آركتيك مونكي”.

طرب وطبيعة وثقافة ومسؤولية

أما جمال مهرجان باليو بنيون فيكمن في أنه اختار منذ البداية أن يكون متكاملا لا يراعي فقط الجانب الموسيقي بل ايضا الجانب المعيشي والبيئي حيث أنه يشجع زواره على المشاركة في حماية البيئة من خلال تصرفاتهم اليومية، ويحثهم على احترام النظام الذي عادة ما يتحول في مثل هذه المناسبات الى مصدر شجار واضطرابات.

فقد تم هذه السنة وللمرة الثالثة إشراك أكثر من 150 من طلاب المدرسة العليا المتخصصة في جنيف في تمرين عملي مفيد لهؤلاء الطلبة وللمهرجان في نفس الوقت ويتمثل في البحث عن حلول لظواهر قد تعيق السير الحسن للمهرجان. وقد تركز اهتمام طلبة الفن المعماري على تصميم المباني والفضاءات العامة وأماكن الراحة لزوتر المهرجان في وسط غابة بعيدا عن الأنظار وفي جو حميمي.

في المقابل، اهتم طلبة الطب الى جانب باقي الطلبة بتصور طرق لتجنيب الشباب الإفراط في تعاطي المشروبات الكحولية من خلال تقديم مشروبات مبتكرة تحمل أسماء الأغاني التي ستعرض في المهرجان. والجميل أن الأرباح المتأتية عن عملية بيع هذه “الكوكتيلات” المبتكرة ستصرف لحساب جمعيات خيرية.

انعكاس فعلي للتنوع المغاربي

أما عن تنوع الألوان، فقد عود مهرجان نيون مرتاديه على الإنفتاح على موسيقى العالم وعلى التفاتة من حين لآخر إلى موسيقى وتراث المنطقة العربية وبالأخص منطقة شمال إفريقيا.

لكن المجهود الذي بُذل من طرف المنظمين في دورة هذا الصيف عكس بحق – وبشكل مشرف جدا – ما تشتمل عليه بلدان شمال القارة الإفريقية بمفهوم واسع يمتد من أقصى الأراضي الموريتانية غربا حتى مصر، أرض الكنانة شرقا، من تراث ثقافي وحضاري وموسيقي.

أسواق عربية بمعنى الكلمة

فقد تم تخصيص قرية ” شمال إفريقية” استحوذت على أكبر مساحة من ارض المهرجان بأسواقها وأسوارها وخيامها وساحاتها ومطاعمها المختلفة.

ولوضع الزائر في أجواء المنطقة منذ دخوله القرية، يستقبل في المدخل الشمالي بتماثيل تذكر بالحضارة الفرعونية، بينما تستقبله في المدخل الجنوبي أقواس توحي بالفن المعماري المغاربي.

وقد اشتملت القرية على عدة أسواق تعرض أصنافا متنوعة من التوابل والحلي والحرف التقليدية. كما تواجد في الجناح المغربي عدة حرفيين يمارسون مهنة النقش على الخشب او صنع أدوات خشبية بطرق تقليدية.

وقد أتحف الخطاط التونسي عبد الرزاق حمودة زوار المهرجان بفرصة اكتشاف رقة الخط العربي من خلال كتابة أسماء الزوار غير العرب باللغة العربية، وبتحميل لوحاته المعروضة على جدار الخيمة الكبرى، عبارات تحث على المساواة بين بني البشر واحترام الحريات.

ولم يغب عن مصممي القرية تخصيص الساحة التي تتوسط القرية لكي تكون لب كل النشاطات الفنية بالقرية على غرار ساحة “جامع الفنا” بمراكش بحيث نصبت فيها وعلى مستوى الآرض منصة خشبية لعرض أحلى الرقصات الصعيدية وأعذب الأهازيج التارقية والقبائلية والأطلسية.

ولتعميق الإحساس بالانغماس الفعلي في جو شمال إفريقي، حرص مصممو المحيط على تزيين خلفية المنصة الخشبية بأشكال على غرار كثبان رملية توحي للزائر بأنه يوجد في قلب الصحراء.

طرب وأصالة

في السنوات الأخيرة، أصبح الفن المغاربي بكل اطيافه جزءا لا يتجزأ من مهرجان باليو – نيون، ولكن برنامج هذه السنة جمع بين الأصالة والترفيه حيث تضمن البرنامج فنانين معروفين من امثال رشيد طه في فن الراي او إيدير في الفن القبائلي او ناتاشا أطلس في الموسيقى الشرقية، إضافة الى مشاركة الكوميدي الفرنسي من أصل مغاربي جاد المالح وحرص أيضا على استضافة فرق تمثل بحق الأصالة والبساطة بعيدا عن تعقيدات الشبكات المحترفة للتسويق والترويج الموسيقي.

في مقدمة هذه الفرق هناك فرقة “الزايلة” التارقية المغربية (التي سبق لسويس إنفو (إذاعة سويسرا العالمية) أن تحدثت عنها وعن مستقبلها الواعد حين ظهورها قبل أكثر من أربعة أعوام) أو الفرقة التارقية المالية “تيناريون” التي واصل موسيقيوها رفع مشعل تحرر الشعب التارقي (الطوارق) والمطالبة بحقوقه عبر الآلات الموسيقية بعد ان تخلى عن استعمال السلاح لذلك.

وقد تجاوب جمهور المهرجان بشكل كبير مع الفرق المختلفة التي نشطت الساحات المتنوعة، مثل راقصات فرقة نادية مخلوف، او مجموعة قناوة حسان بوسو من المغرب، أو فرقة دياب توري من موريتانيا، ومجموعات “تارتيت” و “تيناريون” من مالي، والفنانين مرزوق وآكلي من الجزائر، إضافة الى مجموعة فناني النيل من مصر ومجموعة تومسات من النيجر.

ولم يكتف الجمهور في اغلب الأحيان بالاستماع والاستمتاع بل شارك الراقصين والراقصات حركاتهم وإن وجد في ذلك بعض الصعوبة في كثير من الأحيان.

متعة الذوق أيضا

إلى جانب متعة الأذن والعين، اشتملت القرية الشمال افريقية على عدد من المطاعم والمقاهي التى لا ينقصها شيء عما هو موجود في المدن العربية من زخارف وأثاث وبالأخص أطباق شهية أقبل عليها الزوار بشغف كبير.

فقد أبدع كل من السيد مصطفى جمالي صاحب مطعم “جربة العذبة” في مدينة لوزان والسيد عبد الإله الرايس الذي قدم من المغرب، في إقامة جناحين يعتبران بحق تعبيرا عن الأصالة والآناقة في آن واحد مما يختلف عما عودنا عليه الحضور العربي في المهرجانات السابقة.

مطاعم فاخرة بأثاثها وغنية بأطباقها ومتنوعه في أذواقها زاد في رقتها تخلل جلساتها من حين لآخر بنماذج موسيقية اختار مطعم “جربة” ان تكون شرقية برقصها وموسيقاها، واختار الجناح المغربي ان تكون اندلسية أصيلة وهادئة.

وحتى مجموعة “الزايلة” التارقية التي يتحول اعضاؤها من مطربين الى طباخين لإعداد وجبة الكسكسي على الطريقة التقليدية للرحل الطوارق ولتقديم أكواب الشاي التارقي مجانا للزوار، في دهشة واستغراب لجمهور غير متعود على “المجاني”، أجمع العديد على القول انهم يعدون أجمل وجبة كسكي في المهرجان.

وقد اعرب كل من السيد مصطفى جمالي والسيد عبد الإله الرايس عن الارتياح الكبير لما وقع من تجاوب سواء من طرف الجمهور الزائر او من قبل المنظمين. ولا يخفي أي منهما الرغبة من معاودة التجربة مستقبلا وهو ما يتمناه كثيرون، لأن الصورة التي قدمت بها الثقافة والتقاليد العربية والأمازيغية والإفريقية فاقت كل التوقعات حتى من قبل المنظمين الذين كثيرا ما كانوا يصطحبون ضيوفهم لتناول الوجبات في القرية المغاربية.

وما يستحق التقدير هو أن هؤلاء الأشخاص استطاعوا بمجهودهم الشخصي وفي غياب أي اهتمام رسمي من المؤسسات السياحية العربية تحقيق ما لم تستطع تحقيقه تلك المؤسسسات الرسمية سواء على مستوى احتفالات “أعياد جنيف” أو غيرها من المهرجانات التي تعج بها سويسرا.

محمد شريف – سويس إنفو – نيون

زادت ميزانية الدورة الثانية والثلاثين عن 19 مليون فرنك سويسري.
أكثر من 100 عرض موسيقي بمعدل 20 عرضا في اليوم على الساحات الست
بمشاركة أكثر من الف فنان وموسيقي
وأكثر من 500 جناح عرض
من المتوقع أن يفوق عدد الزوار 225 ألف شخص
أظهرت إحصائيات دورة عام 2006 بأن 17% يقدمون من منطقة نيون، و 49% من جنيف ولوزان، و18% من باقي انحاء سويسرا الروماندية، و 6% من سويسرا الناطقة بالألمانية، و 10% من الخارج.
تبلغ مساحة المهرجان (بما في ذلك قاعات العرض والأسواق ومواقف السيارات) 80 هكتارا.
يعتمد المهرجان في معظمه على المتطوعين، حيث يوجد أكثر من 3700 متطوع مقابل 55 موظفا.
تتم تغطية المهرجان إعلاميا من قبل أكثر من 500 صحفي محلي ودولي.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية