مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الإنتخابات الرئاسية في الجزائر.. بين مقاطعة المُحتجّين وعزوف الناخبين

رجل وامرأة يرفعان شارة النصر
جزائريان يرفعان شارة النصر وسط العاصمة يوم 11 ديسمبر 2019 فيما تستمر المظاهرات قبل يوم واحد من موعد إجراء الانتخابات الرئاسية التي يرى المعارضون لها أن المرشحين الخمسة لها مرتبطون بـ "النظام السابق". Keystone / Mohamed Messara

"في الجزائر.. الإنتخابات الرئاسية مهددة بالمقاطعة".. "ثورة الجزائر السلمية لم تنته بعدُ".. "بعد الإنتخابات سنعود إلى التظاهر على كل حال"... هذه أبرز عناوين الصحف السويسرية التي تابعت من خلال مراسلين ميدانيين سير الأوضاع في الجزائر عشية موعد 12 ديسمبر، التاريخ الذي حددته السلطات لإجراء الإنتخابات الرئاسية التي تأجّلت في مناسبتين وسط احتجاجات شعبية تُطالب منذ أكثر من تسعة أشهر بـ "رحيل الجميع". 

خرج الآلاف إلى شوارع وسط الجزائر العاصمة يوم الخميس 12 ديسمبر مرددين هتافات “لا للتصويت” فيما تنظم السلطات انتخابات رئاسية تعتبرها الحركة الاحتجاجية مسرحية تهدف إلى إبقاء النخبة الحاكمة في السلطة. وهرع رجال الشرطة لتفريق المحتجين بالعصي لكنهم تراجعوا مع وصول المزيد من المتظاهرين. ويرى الجيش، وهو أقوى عنصر على الساحة السياسية، أن التصويت هو السبيل الوحيد لاستعادة الأمن والنظام بالبلاد عن طريق اختيار خليفة لعبد العزيز بوتفليقة الذي أطاحت به انتفاضة شعبية هذا العام بعد أن أمضى عقدين في المنصب.

واندلعت الاحتجاجات الضخمة التي أطاحت ببوتفليقة قبل حوالي عشرة أشهر وتعهد المحتجون فيها بمقاطعة الانتخابات. والخمسة الذين يتنافسون في الانتخابات جميعهم من المسؤولين الكبار السابقين ومنهم رئيسان سابقان لمجلس الوزراء ولا يعتقد المحتجون أن بإمكان أيّ منهم تحدي هيمنة الجيش على السياسة.

نسبة المشاركة.. التحدي الأبرز!

كما كان متوقعا، اهتمت الصحف السويسرية الناطقة بالفرنسية الصادرة يوم الخميس بالانتخابات الرئاسية الجارية في الجزائر وأجمعت على أن نسبة المشاركة فيها تمثل التحدي الأبرز للسلطات.

في صحيفة “لوتون”رابط خارجي (تصدر بالفرنسية في لوزان)، اعتبر مالك بشير في مراسلة بعث بها من الجزائر العاصمة أن المشاركة في التصويت تمثل “الرهان المركزي” لهذه الانتخابات التي تأجلت في مناسبتين، والتي “طالما حرص على تنظيمها قائد الجيش أحمد قايد صالح، الرجل الذي يُمارس السلطة بحكم الأمر الواقع منذ استقالة بوتفليقة”.

فمن أجل أن يحظى بالمصداقية، يحتاج الاقتراع أولا إلى أن “يذهب 30% على الأقل من الناخبين (وعددهم 24 مليون – التحرير) للتصويت”، وفقا لمصدر مقرب من هيئة أركان الجيش الجزائري. ومع أن نسبة المشاركة ظلت في كل موعد انتخابي رهانا محوريا للنظام الجزائري (أي الجيش والإدارة وأوساط رجال الأعمال) المتعلق بشدة بالانتخابات باعتبارها حلا سياسيا إلا أن “العزوف عن التصويت لن يكون هذه المرة نتيجة لعدم الاهتمام بل في سياق مقاطعة”.

مراسل الصحيفة أشار أيضا إلى أن المسيرات التي شهدتها العاصمة يوم الأربعاء 11 ديسمبر الجاري استمرت في رفع الشعارات الداعية إلى المقاطعة من قبيل “لا انتخابات مع العصابات” ونقل عن يونس، أحد النشطاء في مدينة تيزي وزو، عاصمة منطقة القبائل، تهديدا بإغلاق مكاتب الاقتراع، إذ “لا مجال لأن نؤيّد هذه المهزلة”، على حد قوله. 

في المقابل، وفي محاولة للتصدي لدعوات التحريض على العنف المتداولة على شبكات التواصل الاجتماعي، دعت شخصيات وطنية السلطات إلى المسارعة باتخاذ “إجراءات تهدئة”، ونقل المراسل عن إحدى هذه الشخصيات التي لم يذكر اسمها قوله: “تمرّ الجزائر بفترة دقيقة جدا تُذكّر إلى حد ما بالتسعينيات. إنني أسمع إلى شعارات من قبيل “الجنرالات إلى المزبلة!”. في تلك الفترة أيضا، كان المناضلون الإسلاميون يشعرون بأنهم أقوياء جدا ويُطالبون بنفس الشيء”. وأضاف: “من المعروف جيدا أنه لا الحراك ولا السلطة مستعدان للحوار. مع ذلك، لا بد من أن يعود الهدوء لأننا نجلس فوق بركان”.

في محاولة لتنسيب الأمور، قال مصدر قريب من السلطات لمراسل الصحيفة السويسرية: “معروف أن التحركات ستتواصل بعد الانتخابات لكنها فقدت زخمها منذ 22 فبراير كما أنها بعيدة عن تمثيل الجزائر بأكملها”.

يبقى أن خشية السلطة من عدم إقبال المواطنين على مكاتب الاقتراع تظل ملموسة وخاصة منذ أن تخللت عملية تصويت الجاليات الجزائرية في الخارج بعض الحوادث. وفي الوقت الذي كثفت فيه قنوات التلفزيون السائرة في ركاب السلطات بث صور “حشود” تتزاحم لسحب بطاقاتها الانتخابية، أعلنت الهيئة الوطنية المستقلة للانتخابات على سبيل المثال أنه يُمكن للمواطنين المسجلين على اللوائح الانتخابية والذين ليست لديهم بطاقات انتخابية الإدلاء بأصواتهم “بمجرد تقديم وثيقة تثبت هويتهم”.

الجزائر تقترب من النفق

في نفس العدد، أجرت صحيفة “لوتون” حديثا مع لويس مارتيناز،رابط خارجي الخبير البارز في الشؤون المغاربية ومدير الأبحاث في مركز البحوث الدولية التابع لكلية العلوم السياسية في باريس ذهب فيه إلى أنه “من المستبعد جدا أن يستجيب الجيش الجزائري لمطالب المتظاهرين” وحذر من خطر وصول الأوضاع إلى “انسداد خطير جدا”.

مارتيناز اعتبر أيضا أن المحتجّين “يقومون بمخاطرة كبيرة عندما يرفضون أي حل وسط مع السلطة” ويضيف: “رغم أنني أفهم غضب الحراك (أي الحركة الاحتجاجية المستمرة منذ أكثر من تسعة أشهر)، أظن أنه أساء تقدير الوضع. إذ لا تكفي – كما يقوم بذلك – المطالبة بـ “رحيل” الجيش لكي يستجيب له… فمنذ البداية، برز الحراك كحركة ثورية تُريد “ترحيل” كل شيء، في حين أن من مصلحته العثور على داعمين. وأيا كان الأمر، يجب عليه أن يأخذ في الحسبان أنه إذا ما تسنى له التعبير عن نفسه طيلة هذه الأسابيع فلأنه كانت تُوجد قبالته أيضا جهة فاعلة مستعدة للإنصات إليه”.

هل يعني هذا أن الجيش لم يرتكب أي خطأ؟ يرى لويس مارتيناز أنه “كان بإمكان الجيش منح المزيد من الوقت للعملية عوضا عن الإنغلاق في احترام صارم للدستور.. فقد كان من الممكن تصور تشكيل هيئة تسيير للعملية الإنتقالية وهو ما كان سيمنح الشارع الشعور بأن مطالبه أخذت بعين الإعتبار. أخشى اللحظة التي سنجد فيها أنفسنا والظهور مُسندة إلى الحائط ويرفض فيها كل طرف التراجع”.

ما هي سيناريوهات اليوم الموالي؟

بعد الانتخابات، يرى الخبير الفرنسي – في إجابته على أسئلة لويس ليما – أن الأمور تتجه إلى احتمالين، أولهما “إمكانية “حدوث انزلاق” مع رئيس منتخب بدون مجال للمناورة سيجد نفسه بسرعة هائلة في مواجهة وضعية اقتصادية صعبة جدا. وفي هذه الحالة، من المحتمل جدا أن يشهد البلد انفجارا اجتماعيا أعنف بكثير”.

أما الإحتمال الثاني فهو “سيناريو أكثر تفاؤلا يقترن بإطلاق مؤتمر حوار وطني وعودة الاعتبار للأحزاب السياسية التي قد تتمكن من تأطير مطالب الحراك. ولا يتعلق الأمر هنا بالالتفاف على الاحتجاج ولكن بإنعاش القوى الحية للبلاد التي ظلت حتى الآن في حالة موت سريري على الساحة السياسية”.    

زوال الخوف

في عددها ليوم 11 ديسمبر الجاري، خصصت يومية نويه تسورخر تسايتونغ رابط خارجي الرصينة (تصدر بالألمانية في زيورخ) صفحة كاملة، حللت فيها مراسلتها في الجزائر سوزان كايزر آخر مستجدات الاحتجاجات في البلاد، وتساءلت في بداية تقريرها: “منذ ما يقرب من عام، يخرج الجزائريون إلى الشوارع دون اهتمام كبير من العالم، وبدون إشارة واضحة لتغيير كبير، إذن لماذا يستمرون في العودة مع ذلك؟”

أول إجابة تقدمها الصحفية تأتي على لسان اثنين من المتظاهرين “لم يتركا جمعة لم يتظاهرا فيها”، قالا: “نحن نعرف أنّه لن يتغيّر شيء بهذه السرعة”، فهما يتبعان “خطّة طويلة الأمد” تهدف إلى “تغيير مجتمعهما من الداخل”. هكذا تكمل الصحفية سوزان كايزر عرض أوضاع الجزائر من خلال حديثها عن أشخاص بعينهم، تحدثت معهم في شوارع العاصمة، ومن هذه الأوضاع تأتي الصحفية على ذكر فقر البلاد بالفرص التي يمكن أن تقدمها للشباب، والفساد المنتشر في حكم “كليبتوقراطي” يعطل تقدم البلاد، ويدفع الشباب إلى الهجرة، التي يجدون فيها “الطريق الأسهل”، ولكن من يقود الاحتجاجات اليوم بهدف التغيير هم أولئك الذين قرّروا سلوك الطريق الصعب، على غرار من تحدثت إليهم المراسلة السويسرية.

لقد استطاع من بقي في البلاد وشارك في الاحتجاجات الوصول إلى ديناميكية تهدد “النظام الهرم”، وتحوّل الجمود إلى “حركة”وغياب الفرص في الأفق إلى “أمل”. وبشكل عام، أصبحت الجزائر الجامدة دولة مليئة بالفرص. وتشدد الصحفية في مقالتها على لسان من تحدثت معهم من الشباب على أنّ النتيجة الأولى من الحراك أصبحت جليّة للعيان، وهي زوال الخوف الذي “هيمن على المجتمع الجزائري منذ الحرب الأهلية” في تسعينيات القرن الماضي، ولذلك “لم يصل الربيع العربي إلى الجزائر”. ولكن لم يعد المتظاهرون يخشون الشرطة المدججة بكل أنواع الأسلحة والمتواجدة بكثرة في ساحات الاحتجاج منذ ساعات الصباح الباكر، “كما يظهر مدى المقاومة في الشوارع هناك في كلّ متر من طول المظاهرات، فالجميع هنا: الرجال والنساء والأطفال والكبار في السن ومشجعو كرة القدم والأرامل والسجناء والفلاحات والفلاحين بالأزياء التقليدية والأشرار والإسلاميون والمثليون، وتسير الطبقة العاملة جنبا إلى جنب مع الطليعة الفكرية”.

رفض قاطع للعنف.. وللتدخل الخارجي

تؤكد كايزر على أنّ المتظاهرين في الجزائر على وعي تام بخطورة تحول الحراك إلى حالة من الفوضى والعنف، كما حدث في مصر وليبيا وسوريا، حيث “بمجرد دخول العنف وبدء تدخل جهات خارجية في الحراك، يخرج المشروع عن السيطرة ويبتعد الهدف الفعلي عن الأنظار”، فالمتظاهرون يرفضون ذلك بشكل قاطع ويقولون: “لا نريد التدخل من الخارج، وخاصة من فرنسا”، فلا يمكن للثورة النجاح لو لم تحافظ على سلميّتها، “فالجزائريون قد تعلموا من أخطاء ثورات البلدان المجاورة”، إنهم لا يريدون الوصول إلى التغيير عن طريق العنف ولا الإطاحة السريعة، ولكن بإصرار.

ثم تأتي الصحفية على ذكر بعض الحقائق الديموغرافية في الجزائر، ومنها متوسط العمر في البلاد الذي لا يتجاوز 28 سنة، في حين أنّ متوسط أعمار من يحكمون البلاد يتجاوز 70 سنة. وتؤكد كايزر على وعي الشباب الآن بهذه الحقيقة، وتضيف “أنّ هجرة الشباب إلى الخارج وخصوصاً المثقفين منهم، كانت تمنعهم من تشكيل تهديد للنظام القائم ولكن الأمر يختلف الآن، فهم باقون ويرغبون في التغيير”. وتضيف، يرى الشباب في ساحات الجزائر اليوم أنّ التغيير يبدأ من الحياة اليومية، بحيث يستعين كل شخص باختصاصه لتقديم خدماته لمجتمعه، ويُمكن اختصار قناعة الذين تحدثت معهم مراسلة الصحيفة السويسرية في أنه “قد لا يوجد تطور ولا منافسة ولا معارضة، ولكن إذا قام الجميع بعملهم بشكل صحيح، يمكننا أن نُحدث تغييراً مستداماً”.

عموما، ساهمت الاحتجاجات المستمرة بدون انقطاع منذ 22 فبراير 2019 في دفع الناس إلى التوجّه لممارسة السياسة، وهذه خطوة مهمة لأن الانتخابات الرئاسية تجري اليوم 12 ديسمبر، والتي ستحدد خليفة بوتفليقة، فالتغيير الحقيقي في النظام لم يحدث بعد، ولكن لا يزال بإمكان الجزائريين التعبير عن إرادتهم السياسية، وهو ما لا يُمكن حدوثه إن لم يذهب أحد إلى الانتخابات.

لا مفر من التذكير هنا – بحسب سوزان كايزر – أنّ المحتجين (الحراك) في الجزائر ينظرون إلى المرشحين الخمسة، الذين يجب عليهم الاختيار بينهم على أنهم ممثلون للنظام القديم، فمن بينهم رئيسا حكومة سابقين في عهد بوتفليقة، عبد المجيد تبّون وعلي بن فليس، الذي خاض الانتخابات الرئاسية في عامي 2004 و2014، ومرشح آخر كان وزيرا للثقافة، أما المرشح الإسلامي الوحيد، فقد كان وزيراً للسياحة في التسعينيات، وأمضى آخر حياته المهنية تقريبًا داخل جبهة التحرير الوطني، التي ترأسها بوتفليقة، لكن “استقالة هذا الحرس القديم هو بالضبط ما تطالب به الحركة الاحتجاجية، وبناء على ذلك فهي تعتبر أن الانتخابات القادمة ليست حرة ولا نزيهة، ومن ناحية أخرى، يشدد الحراك على أن الضغط الممارس من طرف الجنرال أحمد قايد صالح قائد الجيش من أجل إجراء الانتخابات بعد أن تم تأجيلها مرتين “يظهر أن الجيش يريد ببساطة وضع شخص جديد على رأس الدولة للحفاظ على سيطرته في خلفية المشهد”، كما تقول الصحيفة.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية