مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

عندما يقـتحمُ الأطفال الجامعات!

"من أين يأتي المال"؟ هو محور سلسلة المحاضرات الأولى التي انطلقت في جامعة سانت غالن يوم 7 يناير 2004 swissinfo.ch

تخوض جامعة سانت غالن مغامرة طريفة هي الأولى من نوعها في سويسرا، حيث تفتح مدارجها هذا العام لمئات الأطفال لمُتابعة محاضرات تتحدث عن "مواضيع الكبار" بأسلوب يجتذب الصغار.

وكان انطلاق المبادرة مشجعا للغاية، حيث تابع المحاضرة الأولى ما لا يقل عن 650 من طلبة المستقبل!

بعد 45 دقيقة، بدت له طويلة وغير عادية، تنفس فرانز ياغر، أستاذ الاقتصاد، الصعداء. لقد رفع التحدي بنجاح وألقى أول محاضرة جامعية مخصصة للأطفال في سويسرا أمام مدرجات اكتظ فيها 650 من الفتيات والصبيان الذين تتراوح أعمارهم بين العاشرة والثانية عشرة.

موجة تصفيق حارة واستثنائية تلت الجزء الأول من سلسلة محاضرات تحمل عنوان “من أين يأتي المال”؟ وكان استحسان الطلبة الصغار مكافأة للبروفيسور ياغر الذي أصيب بالأرق والتوتر طيلة الأسابيع التي استغرقها إعداد المحاضرة.

ويعتقد المرء أن أستاذا جامعيا متعودا على إلقاء المحاضرات أمام مئات الطلبة لن يجد صعوبة في مواجهة جمهور من الأطفال. لكن الأمر ليس بهذه البساطة، لأن تبليغ الرسالة للأطفال يعتمد على مجموعة من الأدوات، لعل أبرزها قدرة المعلم أو الأستاذ على اختيار أفضل قناة لتمرير هذه الرسالة من جهة، وعلى قدرة الأطفال على استيعاب الرسالة الموجهة إليهم من جهة أخرى.

وقد أحدثت هذه المعادلة ارتباكا شديدا لدى الأستاذ ياغر الذي قال: “إنني أزاول مهنتي منذ 30 عاما، ولم أشعر أبدا بمثل هذا التهيـُّب”، ثم من يقوى على الإجابة على أسئلة الأطفال الوجدانية والمفاجئة، وما أكثرها، دون تردد أو تلعثم؟

اهتمام بالغ

لكن هذا التوجس لم يمنع أستاذ الاقتصاد من اختيار الأدوات الملائمة لشد انتباه الأطفال، حيث اعتمد في شرحه للمحاضرة على أسلوب حي، وعلى الصور وطريقة رواية الأساطير.

وللإجابة على سؤال المحاضرة: “من أين يأتي المال”؟ استهل الأستاذ ياغر شرحه بالقول “إن مصروف يدكم ولُعبكم ولباسكم وكل ما تحتاج إليه أسركم يكلفُ المال…إن الدولة تتحمل نفقات المدارس وصالات السباحة والطرقات والشرطة والسياسيين. والمال لا ينبت لا فوق الأشجار ولا في الحسابات المصرفية”. وتحدث الأستاذ أيضا عن الرواتب والضرائب وتكاليف الشركات والمبدأ الذي يقول: “لا يجب أن ننفق أكثر مما نكسب”.

واستند البروفيسور ياغر إلى رسومات وبيانات أعدتها سيدة متخصصة في رسم كتب الأطفال. وقد أبدى معظم الطلبة الصغار الذين تابعوا المحاضرة في هدوء نسبي، اهتماما بالغا بتفاصيل الدرس حيث دونوا ملاحظاتهم وتبادلوا التعليقات بصوت خافت. لكن منهم أيضا من وقع ضحية السهو فملأ كراسه بالرسوم. وبعد انتهاء المحاضرة تشابهت الآراء وأجمع طلبة المستقبل على نعت الدرس بـ”الهائل” و”المفيد”. وقال بعضهم “تعلمت أشياء لم أكن أعرفها”.

كسر الحواجز

وقد سجّـل حوالي 800 طفل من مختلف مناطق سويسرا الشرقية ومختلف الشرائح الإجتماعية أسماءهم لمتابعة هذه المحاضرات المجانية التي ستتواصل يومي 14 و21 يناير الجاري.

ولن تتوقف تجربة جامعة سانت غالن (المتخصصة في الدراسات الاقتصادية والقانونية والإجتماعية) عند هذا الحد، حيث يُفترض أن تُنظم محاضرة على ثلاث حلقات كل ستة أشهر حول موضوع اقتصادي أو قانوني. وستركز السلسلة الثانية من المحاضرات على موضوع الإشهار والإعلانات.

وأوضح بيتر غوميس، رئيس الجامعة أن الهدف من وراء هذه المبادرة لا يتمثل في شرح بعض الظواهر للأطفال فحسب، بل تعويدهم على أجواء الجامعات والمدارس العليا بهدف “كسر الحواجز” على حد تعبيره. ومعلوم أن نسبة الالتحاق بالجامعات في سويسرا ضعيفة جدا مقارنة مع مؤسسات التكوين المهني المتعددة، التي يتوجّـه إليها أغلب الشبان بعد اختتام فترة التعليم الأساسي، وهو ما يسمح لهم بدخول سوق العمل مبكرا وتفادي مصاريف الجامعة وطول مشوارها الدراسي.

وتجدر الإشارة إلى أن “جامعات الأطفال” ليست مخصصة للأطفال الفائقي الذكاء، بل تفتح أبوابها للجميع. وقد برزت الفكرة للوجود في ألمانيا، حيث نشأت أول جامعة للأطفال في توبينغن عام 2002 ولقيت نجاحا باهرا.

وفي ذلك الحين، طُـرحت أسئلة عدة لعل أبرزها: “لماذا تنمو النباتات؟” و”لماذا لا تسقط النجوم من السماء؟” و”لماذا أنا هو أنا؟”، ثم انتقلت التجربة إلى مدن ألمانية أخرى قبل أن تصل إلى فيينا ثم إلى المناطق السويسرية المتحدثة بالألمانية شرق ووسط البلاد.

زيوريخ وبازل تتبنيان الفكرة

وتعتزم جامعات زيوريخ وبازل القيام بنفس التجربة في الدورة الجامعية الصيفية، حيث ستنظم حلقة دراسية من 10 أو 12 محاضرة لفائدة حوالي 450 طفلا تتراوح أعمارهم بين الثامنة والثانية عشرة. وقد أبدى أكثر من 160 أستاذا من مؤرخين وفلاسفة ومتخصصين في القانون الجنائي وعلم النفس وفيزيائيين اهتمامهم بالمبادرة حسبما صرحت به المسؤولة عن المشروع، سابين ساليس غروس.

ويقول البروفيسور دانيس سوس من المدرسة العليا لعلم النفس التطبيقي في زيوريخ، والذي يشارك في هذا المشروع، يجب أن تكون هذه الدروس بمثابة تجربة وأسلوب للتقرب من الجو الجامعي. وسيرفق مشروع زيوريخ بدراسة بيداغوجية تهدف إلى تقييم استفادة الأطفال من التجربة.

أما جامعة بازل فتُـعد 5 محاضرات اعتبارا من شهر أبريل القادم حول مواضيع مختلفة. وسيلقي الأساتذة هذه المحاضرات بالمجان على أن يتحمل ممولو المشروع النفقات الإدراية. ويقر أصحاب المشروع على أن “جامعة الأطفال” هي أيضا أداة لتعزيز العلاقات العامة حيث يقول كريستوف ديفنباشر العضو في مجموعة العمل المشرفة على مشروع بازل “عندما يصطحب الآباء أطفالهم إلى الجامعة فإن خوفهم من الجامعة يقل أيضا”.

وفي سويسرا الروماندية المتحدثة بالفرنسية، لم يصل مشروع “جامعة الأطفال” بعد، لكن توجد منذ عام 1999 في جنيف، على سبيل المثال، بعض المشاريع التي تقرب الأطفال من العلوم وتأخذ أشكال ورش عمل أو حفلات أو لقاءات مع العلماء.

وتبقى الإشارة في الأخير إلى أن بعض المراقبين السويسريين شكّـكوا في الهدف الحقيقي من وراء إطلاق مبادرات “جامعة الأطفال”، وتساءلوا عما إذا كان الأمر مجرد محاولة من طرف الأوساط الجامعية للتقرب من الجمهور، صغارا وكبارا، من أجل إثبات أهمية دورها للسلطات الفدرالية التي قررت اتخاذ إجراءات تقشفية عامة، تشمل أيضا تقليص مساعداتها المالية للمؤسسات الجامعية.

سويس انفو مع الوكالات

أطلقت جامعة توبينغن الألمانية فكرة جامعة الأطفال لأول مرة في عام 2002.
تابع 5000 طفل محاضرات جامعة توبينغن خلال السنة الأولى
انتشرت الفكرة الألمانية في عدد من المدن الاوروبية، مثل فيينا وإنسبروك وروما

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية