مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

عندما يُدرك المجتمع المدني حقيقة الوضع في الأراضي الفلسطينية..

أطفال فلسطينيون من عائلات فقيرة يلعبون وسط نفايات المزابل في قطاع غزة يوم 14 نوفمبر 2008، بعد يومين من فرض إسرائيل حصارا مشددا على القطاع أدى إلى توقف توزيع المعونات الغذائية الدولية على المحتاجين. Keystone

يثير الوضع المتردي في قطاع غزة وفي المخيمات الفلسطينية المنتشرة في البلدان المجاورة حفيظة المنظمات الإنسانية والعديد من الفاعلين في صفوف المجتمع المدني في سويسرا الذي لا يكاد يفهم سبب الصمت الدولي تجاه هذه المأساة.

ولئن ظل الموقف السويسري الرسمي يبحث عن التوازن في ظل الحياد ووسط ضغوط تمارسها جهات عدة، فإن المتابعين يلاحظون تغيرا ملموسا في اتجاه الرأي العام السويسري تجاه ما يحدث في الشرق الأوسط.

وتقول الصحفية كارين فينغر التي عملت مراسلة لصحف سويسرية من غزة والضفة الغربية لعدة أعوام: “انقلب اتجاه الرأي العام السويسري رأسا على عقب، مقارنة بموقفه خلال حرب 1967، فغالبية السويسريين اليوم لا يجدون سببا مُقنعا لتفسير العنف الذي يعامل به الإسرائيليون جيرانهم الفلسطينيين”.

ويتجلى هذا الموقف الداعم والمناصر من خلال أشكال مختلفة، بعضها رسمي، وأكثرها، شعبي وتطوعي، وتفرد العديد من الجمعيات والمنظمات الأهلية الموزعة عبر التراب السويسري جهودها لهذا الدعم، كالترويج للمنتجات الزراعية الفلسطينية (زيت الزيتون) أو الملابس الفلسطينية (الكوفية)، وتختص منظمات أخرى بتقديم المعونات الإجتماعية، والقيام بحملات تحسيس وتوعية، وتنظم رحلات إلى الأراضي المحتلة من أجل الإطلاع على الأوضاع وتقديم المساعدات ميدانيا.

وقد تتخذ هذه الجهود أحيانا شكل المبادرات الفردية، إذ تقول ميراي كلافيا، وهي ناشطة دولية داعمة للقضية الفلسطينية، منعتها السلطات الإسرائيلية من دخول الأراضي المحتلة، منذ سنة 2002 بدعوى “الأوضاع الأمنية”: “أنشأت موقعا إلكترونيا خصصته لنشر أخبار الحصار المفروض على الغزاويين، وأخصص جزءا من وقتي لأنشطة ضمن جمعية “مناصرة فلسطين”، كما أشرف على مشروع لإنشاء مركز ثقافي في مخيم البريج للاجئين بغزة”.

المجتمع المدني يتفاعل

تتعدد الجمعيات السويسرية والمنظمات المدنية المساندة والداعمة للشعب الفلسطيني، وتعمل منظمة “حقوق للجميع” التي تأسست سنة 2000 للمطالبة بتطبيق القرارات الدولية بشأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وذلك “من أجل إبطال الإدعاءات الإسرائيلية لتبرير إضطهادها للشعب الفلسطيني، وحشد الدعم الجماهيري في سويسرا لدعم الحقوق المشروعة للفلسطينيين”، مثلما يقول أنور الغربي، رئيس الجمعية.

ويضيف أنه، من خلال العمل الدؤوب والمتواصل، “إلتف حولنا العديد من المناصرين للحق والعدالة وتبين لنا أن هناك ضرورة وحاجة لإيجاد تواصل إعلامي مركّز ومباشر مع الشارع السويسري وفي جنيف على وجه الخصوص”.

ولتجسيد هذه الأهداف، تقوم هذه الجمعية بنصب جناح إعلامي في أحد شوارع المدينة عند بداية كل شهر، توزّع منشورات وتدخل في حوارات مع المارة، وتشرح معاناة الشعب الفلسطيني وحقه في استرجاع حقوقه التي سلبت منه.

ومن آخر مبادرات جمعية “حقوق للجميع” إشرافها على تنظيم وتنسيق “الحملة الأوروبية لرفع الحصار”، وهي الرحلة التي شارك فيها العديد من البرلمانيين السويسريين والأوروبيين، ويتلخص هدفها في “إطلاع المسؤولين الأوروبيين على معاناة مليون ونصف إنسان فلسطيني محاصرين في أوضاع مأساوية”، كما يقول أنور الغربي.

ويأمل رئيس الجمعية أن تؤدي هذه الحملة إلى تمكين سكان قطاع غزة من الحصول على شحنات أدوية من مؤسسات صحية بكانتون فو، وإلى التفكير بجدية في وضع برنامج لتدريب قوات الشرطة الفلسطينية العاملة في القطاع، وإلى إرساء توأمة بين مؤسسات تعليمية سويسرية وأخرى في غزّة.

مساعدات صحية واجتماعية

أما على المستوى الإجتماعي، تتكفّل جمعية “أطفال فلسطين المعوزين”، والتي يوجد مقرها بزيورخ بالتوسط لدى العائلات السويسرية وحثها على كفالة الأطفال الفلسطينيين المحتاجين في المخيمات وفي الأراضي المحتلة. وبرغم تواضع المساعدة المادية التي تقدمها هذه الجمعية للأطفال، يقول إدوارد بدين الرئيس المباشر لها: “يستقبل المستفيدون بسعادة كبيرة المساعدات، فهم يحسون بأن شخصا ما، في الضفة الأخرى من العالم يشاركهم الإهتمام بوضعهم الصعب”.

كذلك تدعم هذه الجمعية العاملات الاجتماعيات في مؤسسة “بيت أطفال الصمود” في لبنان، وذلك “لكي تتمكن من القيام بواجبها في روضات الأطفال”. ويبلغ عدد المستفيدين من جهود هذه الجمعية 250 طفلا.

من جهتها، تشرف جمعية “المساعدة الصحية السويسرية للفلسطينيين” على تسيير العديد من المشروعات الموجهة خاصة للأطفال المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة.

وعن طبيعة العمل الذي تقوم به هذه الجمعية، يقول جاك فيتوري، رئيس الجمعية: “خلال السنوات الأخيرة، ونتيجة تدهور الوضع الصحي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، تفاقم وضع المرضى ذوي الاحتياجات الخاصة، ونقوم ضمن البرنامج الذي نشرف عليه، بتقديم أجهزة طبية للخواص وللقطاع العام، كالمقاعد المتحركة، والعصي البيضاء، والأسرّة الطبية وغيرها..”. كما يقوم العاملون في هذه الجمعية بتنظيم زيارات علاجية للمنازل، وتسيير وسائل نقل معدة لنقل الأطفال المعوقين من المدارس وإليها.

إضافة إلى ذلك، تشرف هذه الجمعية، في إطار شراكة مع معهد فورال التابع لجامعة جنيف، على مشروع يرمي إلى توفير المياه الصالحة للشرب للعائلات اللاجئة والمشردة، لكن تأخر إنجازه بسبب الأوضاع الأمنية المتدهورة حاليا، وتعمل جمعية “المساعدة الصحية السويسرية للفلسطينيين” حاليا على “انطلاق الأشغال بمجرد سماح الظروف بذلك”، مثلما يشدد جاك فيتوري.

جهود الدعم الرسمية

إلى جانب منظمات المجتمع المدني، يموّل القطاع الحكومي في سويسرا جهود الإغاثة الطارئة والمستدامة في الأراضي الفلسطينية، وتذهب هذه التمويلات إلى وكالة الغوث الدولية (أونروا) بمعدل 6 مليون فرنك سويسري سنويا، وتقوم هذه الوكالة بتقديم الخدمات التعليمية والصحية الأساسية للاجئين المسجلين والذين يمثلون 40 % من سكان الأراضي المحتلة، ويستفيد من جهودها 1.5 مليون ساكن في قطاع غزّة.

وكذلك تشارك سويسرا في تمويل برنامج الغذاء العالمي بمبلغ قدره مليون فرنك يستخدم في شراء المنتجات الزراعية الفلسطينية مما يعطي دفعا للاقتصاد الفلسطيني الراكد بسبب الحصار.

من جهة أخرى، تساهم الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون بشكل فعال في دعم مشروعات اللجنة الدولية للصليب الأحمر في الأراضي المحتلة والبلدان التي تؤوي اللاجئين الفلسطينيين. وتتراوح نشاطات اللجنة الدولية ما بين زيارة المعتقلين في السجون الإسرائيلية، وحملات التحسيس بضرورة احترام حقوق الإنسان وبنود القانون الدولي الإنساني، ويبلغ حجم الدعم السويسري لهذه الجهود ثلاثة ملايين فرنك سويسري.

استياء من دور وسائل الإعلام

في مقابل هذه الجهود الرسمية والاهلية، ترى الناشطة السويسرية ميراي كلافيا أن الإعلام في بلادها لا يقوم بواجبه في التحسيس بالأوضاع الصعبة التي يعيشها أبناء الشعب الفلسطيني، وتضيف أن “الإعلام يبحث في الغالب عن الإثارة، ويفتقد إلى التناول الجاد للقضايا، ويكتفي بإعادة نشر ما توزعه وكالات الأنباء”.

وتتساءل هذه الناشطة الإنسانية بشيء من الحدة: “ماذا تنتظر وسائل إعلامنا حتى تجهر بصوتها حول ما يحدث في غزة، هل تنتظر موت الفلسطينيين جوعا، لتعلن أن الخطأ يقع على أتباع حماس!”.

وهذا الرأي يشاطرها فيه السيد جاك فيتوري، رئيس “جمعية المساعدة الصحية السويسرية للفلسطينيين” الذي يرى أن “الإعلام يكتفي بنقل الأحداث دون النظر إليها في سياقاتها الحقيقية، فتصبح المقاومة إرهابا ويصبح الدفاع عن النفس اعتداء سافرا”.

ومع كل ذلك، يؤكد الدكتور إدوارد بدين بأن المناخ السياسي في سويسرا تجاه القضية الفلسطينية قد تغيّر نسبيا، ويقول في ختام كلامه: “لم يعد الرأي العام يقبل بسهولة بما تنقله وسائل الإعلام، ولم تعد تنطلي عليه الحملات الدعائية كما كان الأمر في الستينات أو السبعينات”.

سويس إنفو – عبد الحفيظ العبدلي – برن

تكاد لا تخلو مدينة من المدن السويسرية من جمعية او منظمة تنشط في مجال تقديم الدعم للفلسطينيين، صغر هذا الدعم او كبر. ومن الصعب الإحاطة بها جميعا، إذ يفضّل الكثير من هذه الجمعيات العمل بصمت وبعيدا عن الأضواء، لكن هناك جمعيات أخرى باتت معروفة وذات إشعاع إعلامي على الساحة السويسرية، ومن أبرزها على سبيل الذكر لا الحصر:

جمعية المساعدة الصحية السويسرية للفلسطينيين: هذه الأخيرة منظمة إنسانية غير حكومية تأسست سنة 1989، جعلت هدفها الرئيسي تيسير وصول الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية وفي المخيمات إلى العلاجات الصحية النفسية والبدنية. ولتحقيق ذلك تنفذ هذه الجمعية منذ إنشائها برامج إغاثية مختلفة، يستفيد منها الأفلراد والمؤسسات في كل من الخليل وقطاع غزة وبيت ساحور. ولجمع التبرعات وحشد الدعم السويسري،تقوم هذه الجمعية بحملات غعلامية لجمع التوقيعاتن وتتعاون مع المؤسسات الأكاديمية والجامعات في القيام بدراسات جدوى قبل الشروع في إنجاز اي مشروع.

جمعية “حقوق للجميع“:هي الأخرى منظمة غير حكومية مستقلة عن جميع الأحزاب والدول، وتنشط في الإطار الذي يسمح به القانون السويسري. هدف هذه الجمعية على المدى البعيد كما تقول: “مكافحة كل اشكال الظلم في أي منطقة من العالم، والعمل على تنفيذ القرارات الدولية المتعلقة بجميع القضايا”. ومن أهدافها كذلك مكافحة كل أشكال التمييز العنصري وكل مظاهر معاداة السامية.

“الحركة السويسرية من أجل سلام عادل“: بادر بإنشاء هذه الحركة مجموعة من العرب واليهود المقيمين في سويسرا، ثم سرعان ما فتح باب العضوية لجميع الأجناسن وقد وقّع على البيان التأسيسي لهذه الحركة حوالي 1000 عضو غلى حد اليوم. البيان التأسيس يؤكد على الحل السلمي للصراع في الشرق الأوسط، ويدين الإستيطان، وإجراءات العقاب الجماعي كهدم المنازل وتحطيم البنى التحتيةن كما يرفض إستهداف المدنيينن ويطالب بقيام دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادةداخل حدود آمنة ومعترفا بها.

“جمعية دعم الأطفال الفلسطينيين المحتاجين“:تاسست هذه الأخيرة سنة 2001، لدعم الأطفال الفلسطينيين في مخيمات اللاجئين وفي الأراضي المحتلة. وهذه المنظمة مستقلة عن أي جهة سياسية أو دينية، هدفها الأساسي تقديم الدعم إلى اطفال شعب لم يعرف منذ عقود سوى الحروب وعدم الإستقرار، وتنصب أغلب هذه الجهود في مجال كفالة المحتاجين وتقديم التسهيلات في مجال التعليم والتدريب المهني.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية