مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

فصول جديدة من التوتّر تلقي بظلالها على العلاقات الليبية السويسرية

صورة للملصقات التي صممتها "حركة مواطني جنيف" اليمينية الشعبوية في إطار حملتها الإنتخابية من أجل طرد المجرمين الأجانب بعد أن أزيلت منها صورة الزعيم الليبي معمّر القذافي (بياض في الزاوية السفلي من الصورة) Keystone

رغم توقيع برن وطرابلس في يونيو 2010 اتفاقا يمهد لتطبيع العلاقات، وتشكيلهما هيئة للتحكيم الدولي لحل خلافهما الثنائي "بسرعة وبروح بناءة"، مازالت فصول الأزمة التي عصفت بتلك العلاقات تتواتر تباعا: حجز لأموال ليبية في جنيف، وملصق انتخابي لحزب شعبوي يشهّر بالزعيم الليبي، واتهامات متبادلة بين الساسة السويسريين بشأن المسؤولية عما ينظر إليه "خللا في إدارة الأزمة" مع طرابلس.

ففي غضون هذا الأسبوع فقط، أقرت المحكمة العليا بجنيف حكما ابتدائيا سابقا يفرض حجزا على أصول مالية ليبية مودعة في مصارف سويسرية، ومثل السياسي إيريك شتوفّر، زعيم “حركة مواطني جنيف” أمام المدعي العام الفدرالي بتهمة “الإساءة إلى بلد أجنبي (ليبيا)”، وقررت لجنة التصرّف في مجلس الشيوخ (المكلفة بمراقبة أداء الحكومة الفدرالية)، التخلّي عن رفع دعوى قضائية ضد مجهول بشان تسريبات محتملة على علاقة بإدارة الأزمة مع ليبيا.

الحجز على أموال ليبية

في عددها ليوم الأربعاء 22 ديسمبر 2010، أشارت صحيفة “لوتون” الصادرة بالفرنسية في جنيف إلى أن المحكمة العليا بجنيف رفضت الإعتراض الذي تقدم به “صندوق ليبيا إفريقيا للإستثمار بورتفوليو”، ضد الحكم المبدئي القاضي بفرض الحجز على أرصدة مالية تبلغ قيمتها 7.5 مليون فرنك تابعة لهذا الصندوق، ومودعة في ثلاثة فروع لمصارف أجنبية في جنيف.

وكانت هذه الأموال قد تم الحجز عليها من طرف شركة سويسرية صغيرة متخصصة في التكنولوجيا العالية(فضلت عدم الكشف عن إسمها)، كتعويض عن الخسائر التي لحقت بها بسبب القرار الليبي الذي قضى بطرد الشركات السويسرية العاملة هناك، والتي منحت مهلة 45 يوما لتختتم أعمالها وتغادر البلاد مباشرة عقب اندلاع الأزمة بين البلديْن إثر اعتقال هانبيال القذافي من طرف شرطة جنيف في 15 يوليو 2008.

وفي الواقع، يعتبر قرار المحكمة العليا بجنيف صفعة قوية لهذه المؤسسة الليبية التي لم تدخر جهدا للإفراج عن هذه الأرصدة المجمدة. ورغم استعانتها بخدمات أحد كبار القضاة بالمحكمة الليبية العليا، لإثبات أن “صندوق ليبيا إفريقيا للاستثمار بورتفوليو”، جهة مستقلة ولا علاقة لها بالحكومة الليبية، وإدعاء فريق دفاع ثاني أن تلك الأرصدة تتمتع بالحصانة بوصفها مؤسسة عامة، فقد قررت المحكمة العليا بجنيف إبقاء الحجز على تلك الأرصدة.

وفي مورد تبريرها لقرارها، أكدت المحكمة من جهة على العلاقة الوثيقة القائمة بين “صندوق ليبيا إفريقيا للإستثمار بورتفوليو” وبين الحكومة الليبية، حيث أن الشخص الذي يرأس هذا الصندوق ليس سوى بشير صالح بشير، رئيس مكتب الزعيم الليبي معمّر القذافي، وعلى أن هذه المؤسسة لا تحظى بالحصانة المزعومة، لأن أنشطتها أقتصادية بحتة، وليس لها طابع دولي عام، من جهة ثانية.

ملصقات انتخابية تشهّر بالزعيم الليبي

دائما على الجبهة القضائية، مَثُل يوم الإثنيْن 13 ديسمبر 2010 إريك شتوفّر، زعيم “حركة مواطني جنيف” (يمين شعبوي) أمام المدعي العام الفدرالي بتهمة “الإساءة إلى بلد أجنبي”، وفي هذه الحالة ليبيا، بسبب استخدامه لصور للزعيم الليبي معمّر القذافي في ملصقاته الإشهارية ضمن الحملة الانتخابية التي سبقت تنظيم إستفتاء طرد المجرمين الأجانب في سويسرا يوم 28 نوفمبر الماضي.

يأتي ذلك على إثر تقدّم الحكومة الليبية في شهر نوفمبر 2010 بدعوى مكتوبة حول هذا الامر لدى وزارة الخارجية السويسرية، تدعوها فيها إلى متابعة المسؤولين عن تلك الملصقات، وهو ما دفع في النهاية سلطات جنيف بالتشاور هذه المرة مع الحكومة الفدرالية في برن إلى اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لمقاضاة المسؤولين عن الملصق الذي أمرت بتعديله قبل نشره في الساحات العامة.

لكن “حركة مواطني جنيف” اتهمت الحكومة السويسرية “بالرضوخ للضغوط الليبية”، ولم تتردد في اعتبار المادة 296، من القانون الجنائي المتعلق بالإساءة إلى البلدان الأجنبية “انتهاكا خطيرا للحق في حرية التعبير”.

وكان شتوفّر قد أوضح في حديث سابق أدلى به إلى ممثلين عن وسائل الإعلام أن “المادة 296 تمنع توجيه أي انتقاد، حتى لو كان صحيحا، إلى زعماء البلدان الأجنبية، وتمنحهم مزايا لا يتمتع بها حتى أعضاء الحكومة السويسرية”.

تسريبات بشأن إدارة الأزمة مع ليبيا

على صعيد آخر، وإثر نشر بعض وسائل الإعلام السويسرية لمعلومات سرية متضمنة في تقرير برلماني بشأن إدارة الأزمة مع ليبيا أعدته لجنة التصرّف التابعة لمجلس الشيوخ السويسري، وسلمت نسخة خاصة منه إلى وزارة الخارجية، هددت اللجنة البرلمانية بفتح تحقيق قضائي ضد مجهول بتهمة الإخلال بالسر الوظيفي. وقد اتهم أليكس كوبراخ، أحد أعضاء اللجنة ميشلين كالمي- ري صراحة بوقوفها شخصيا وراء عملية التسريب لأغراض سياسية وانتخابية.

وبالنظر إلى انعدام حظوظ نجاح ذلك التحقيق، أفاد كلود جانياك، رئيس اللجنة البرلمانية في تصريحات نقلتها عنه صحيفة “لوتون” ليوم 22 ديسمبر 2010 أن “اللجنة تخلت نهائيا عن فكرة رفع دعوى ضد مجهول”.

يأتي هذا القرار بعد أن أوضح المدعي العام الفدرالي لأعضاء اللجنة البرلمانية أنه “إلى حد هذا اليوم، لم يصل أي تحقيق من هذا القبيل إلى نتيجة تذكر”. ومن أجل تجنب أي تسريبات في المستقبل، قال رئيس لجنة التصرّف: “سوف نعمل في المستقبل على التدقيق في من يحق له تسلّم نسخة من تقاريرنا”.

وكرد على هذا التطوّر قررت الحكومة الفدرالية يوم الإربعاء، وخلال اجتماعها الأسبوعي الاخير لهذا العام، تمسكها بمتابعة المسؤولين عن تسريبات إعلامية نشرتها وسائل الإعلام السويسرية قبل بضعة أسابيع بشأن ما يزعم أنه خطط حكومية إستثنائية لتهريب الرهينتيْن السويسريتين اللذيْن كانا محتجزيْن في ليبيا. وفي هذا السياق أعلم الناطق الرسمي بإسم الحكومة ممثلين عن وسائل الإعلام بأن “الحكومة ماضية قدما في متابعة المسؤولين عن تلك التسريبات”.

بعد مرور عامين ونصف تقريبا على إيقاف هانيبال القذافي وزوجته في جنيف، لا زالت عملية تطبيع العلاقات بين البلدين متعثِّـرة ولم تُـحسَـم بعدُ كل القضايا العالقة.

 بعد اتفاق 13 يونيو 2010، الذي وقعت عليه وزيرة الخارجية السويسرية في طرابلس مع نظيرها الليبي وعودة ماكس غولدي إلى سويسرا، بدأ البلدان في تطبيق بنود الاتفاق، ولكن بشيء من البـطء.

في مرحلة أولى،ٍ جدّد الطرفان اختيار كل من القاضية البريطانية إليزابيت ويلمشروست (نائبة عن سويسرا) والقاضي الهندي سرينيفازا باماراجو راو (ممثلا لليبيا) لعضوية هيئة التحكيم، لكن القاضيين لم يتفقا في الموعد المحدد (أي بعد مرور 30 يوما على تاريخ 13 يونيو)، على اختيار قاضٍ ثالث لرئاسة الهيئة.

الياباني هيساشي اووادا، رئيس محكمة العدل الدولية (مقرها لاهاي)، هو الذي أوكلت له مهمة اختيار القاضي الثالث، لكن الإتفاق المبرم بين برن وطرابلس، لا يضبط أجلا محددا للقيام بهذه العملية.

على المستوى الاقتصادي، استمر تراجع الصادرات السويسرية إلى ليبيا على مدى عام 2010، حيث تقلصت في شهر مايو الماضي مثلا بنسبة 83،3% (مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي)، لتستقر عند حدود مليوني فرنك. في المقابل، تراجعت الواردات السويسرية من ليبيا (النفط الخام أساسا) بنسبة 99،6% (مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي).

منذ بداية السنة الجارية، بلغ متوسط انخفاض الصادرات السويسرية إلى ليبيا 59،6% فيما ارتفع متوسط الواردات بنسبة 34،8% (مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي). 

تشير آخر معطيات وزارة الخارجية إلى أن الحضور السويسري في ليبيا لا زال ضعيفا جدا. فبالإضافة إلى 32 شخصا من أصحاب الجنسيات المزدوجة، لا يزيد عدد السويسريين المقيمين حاليا في ليبيا عن 5، يعمل اثنان منهم في السفارة السويسرية.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية