مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

في الغوتهارد: أطول نفق حديدي في العالم أصبح حقيقة سويسرية

العاملون بنفق الغوتهارد الأساسي يلوحون بعلم سويسرا والكانتونات التي يخترقها هذا النفق إعلان بانتهاء الاشغال وسقوط آخر جدار صخري. Keystone

انتهت عمليات حفر نفق غوتهارد للسكة الحديدية على الساعة 14 و17 دقيقة من بعد ظهر الجمعة 15 اكتوبر 2010 وتفجرت مشاعر الفرح لدى القائمين على تنفيذ هذا المشروع بعد إتمام عملية الاختراق لآخر السنتيمترات الصخرية، ليتم حفر أطول نفق في العالم، يربط جنوب أوروبا بشمالها.

و منذ الصباح، توافد على المكان المئات من المدعوين والزوار لحضور هذه المناسبة التاريخية الغير المسبوقة، وكان في مقدمة الحضور موريس لوينبرغر، وزير النقل والبيئة والإتصالات بالحكومة الفدرالية، وأدولف أوغي، وزير النقل الأسبق الذي يعود إليه الفضل في إقناع السويسريين بالتصويت في إستفتاء عام سنة 1992 لصالح هذا المشروع العابر لجبال الألب.

وافتتحت مراسم الاحتفال بمهرجان خطابي وباقة من العروض المسرحية والموسيقية والشعرية، تحت توجيه وإشراف فولكر هيس، وبحضور العديد من الفنانين والسياسيين وعدد لا يقل عن 300 مراسل وإعلامي جاءوا لتغطية الحدث.

وقبل تحقيق الاختراق الأخير بلحظات، خاطب لوينبرغر، وزير النقل والبيئة والاتصالات السويسري الحضور قائلا بعد أن حيا الشعب السويسري: “إن الإنجاز الذي تحقق اليوم هو واحد من أهم وأكبر الإنجازات البيئية على مستوى القارة الأوروبية”.

وأضاف الوزير السويسري الذي يغادر منصبه الحكومي نهاية شهر أكتوبر 2010: “يعطي هذا اليوم الدليل على أن ديمقراطيتنا المباشرة مستدامة، ومتناسقة، ومجدية”، ولم يفت الوزير الاشتراكي ان يوجه كلامه إلى معارضيه قائلا: “لن أتوجّه لهم اليوم بأي نقد”، فبفضلهم : “راجعنا حساباتنا، وأعدنا التدقيق في نفقاتنا”. وختم الوزير كلمته بالقول: “معا حققنا إنجازا كبيرا. وجميعنا يعلم أن الجبل كبيرا، ونحن الصّغار”.

أما وزراء النقل الأوربيين فقد تابعوا اختراق آخر السنتيمترات في أوّل نفق حديدي يربط بين شمال أوروبا وجنوبها على الهواء مباشرة من مقر اجتماعهم بلكسمبورغ وعبّر إيتيان شووب، وزير النقل البلجيكي الذي ترأس بلاده الدورة الحالية للإتحاد الأوروبي بإسم بلاده، وبإسم نظرائه الأوروبيين عن إمتنان المواطنين الأوروبيين البالغ عددهم 500 مليون نسمة وعرفانهم لما أنجزه الشعب السويسري.

ووصف سييم كالاس، المستشار الأوروبي لشؤون النقل النفق الأساسي بالغوتهارد بأنه ” انجاز متميّز ومثير للإعجاب”، في حين أعرب كلاوس- ديتر شورل، كاتب الدولة الألماني في حديث إلى وسائل الإعلام بلكسمبورغ عن اعتقاده بأن على أوروبا “أن تكون سعيدة بما تم إنجازه”.

وكانت راحيل بروبست المتحدثة باسم شركة “ألبترانزيت” الجهة المشرفة على المشروع قد صرحت لـ swissinfo.ch قائلة: “نحن مسرورون جدا بعملية الخرق النهائي للقنطرة الأساسية لنفق غوتهارد”. وأضافت بأن “إنجاز هذا الرقم القياسي العالمي هو مفخرة لكل العاملين فيه”.

وقامت آلة الحفر، العملاقة العاملة في القسم الشرقي لنفق غوتهارد، بمهمة استغرقت ربع ساعة تقريبا أسفرت عن اختراق الحاجز الصخري الأخير من ناحية بلدة “فاييدو” Faido إلى ناحية بلدة “سيدرون” Sedron، ثم، قام عمال الحفر في ناحية فاييدو بعبور الحائط إلى الجهة الأخرى ومصافحة زملائهم العاملين في ناحية سيدرون، ورفع أعلام سويسرا وكانتونات أوري وغراوبوندن وتيتشينو، إضافة إلى أعلام بلدان أوروبية ينتمي إليها العاملون في النفق.

تتويج الإنجاز

وبالإضافة إلى وزير النقل السويسري موريتس لوينبرغر، شهد الحدث أيضا كل من مايكل رايترر، سفير الاتحاد الأوروبي لدى سويسرا، وأندرياس ماير، رئيس السكك الحديدية الفدرالية السويسرية.

وعلى الرغم من غياب وزراء النقل الأوروبيين، قام لوينبرغر، ملاطفة منه، بإهداء كل وزير من الوزراء تذكرة استخدام نفق غوتهارد، صالحة ليوم الافتتاح المتوقع في عام 2017، في حين أن لوينبرغر سيغادر الحكومة في نهاية شهر أكتوبر الجاري، إلا أن بصماته ستترك أثرها على هذا المشروع المتألق والذي يبدو وكأنه تتويج لانجازات 15 سنة قضاها على رأس وزارة البيئة والنقل والطاقة والاتصالات.

وفي حديث مع swissinfo.ch اعتبر الوزير بأن النفق ذو أهمية كبرى بالنسبة لسويسرا، ويساهم بشكل فعال في تعزيز البنية التحتية الأوروبية، بيد أنه – على حد قوله – لم يكن بالتعهد السهل بل انضوى على مغامرة محفوفة بالمخاطر.

وأضاف: “خلال الخمسة عشر عاما التي دافعت فيها عن هذا المشروع في البرلمان، كانت هنالك دوما أصوات متشائمة ومتشككة وتتنبأ بفشل المشروع”، وتابع: “وحيث أنه ليس بالإمكان بناء النفق قبل البدء بأعمال الحفر التي غالبا ما تكون مفعمة بالأخطار الجيولوجية، لذلك قمنا بتنبيه الناخبين إلى هذه الحقيقة قبل الاستفتاء، ورغم ذلك بقي الناخبون يقولون نعم”.

الأهمية الأوروبية

ومن حيث الفكرة، سيشكل نفق غوتهارد أهم عنصر في مسار السكة الحديدية العابرة لجبال الألب، والتي ستمتاز بالإنبساط بحيث لا يزيد ارتفاعها على 550 مترا فوق سطح البحر، وهذا من شأنه أن يقلل الزمن الذي تستغرقه رحلة القطار بين مدينتي زيورخ وميلانو بحوالي ساعة ونصف عما هو عليه اليوم.

أما من حيث المضمون، فقد وافق الناخبون عام 1990 على المشروع سواء الفكرة أم التمويل. وسيتم افتتاح النفق أمام حركة المرور فور إتمام تجهيزه والذي من المتوقع أن يكون في عام 2017، إلا أن هيئة “ألبترانزيت” ترى احتمالية أن يكون جاهزا قبل ذلك أي بحلول نهاية عام 2016.

وتشير التقديرات إلى أن حفريات النفق ستنتهي إلى استخراج أكثر من 24 مليون طن من الصخور، وهو ما يعادل خمسة أضعاف حجم الهرم الأكبر في الجيزة (مصر)، وستبلغ التكلفة الإجمالية للمشروع نحو 9,74 مليار فرنك سويسري (حوالي 10,1 مليار دولار).

ومن المتوقّع أن يستخدم هذا الخط الحديدي يوميا 300 قطار لنقل البضائع والمسافرين، وأن تصل سرعة تلك القطارات إلى 250 كلم في الساعة. كما إنه من المنتظر ان تختصر بفضل هذا النفق مدة المسافة الفاصلة بين زيورخ السويسرية وميلانو الإيطالية بساعة كاملة تقريبا لتصبح ساعتيْن و40 دقيقة فقط.

التغلب على المشاكل

يجدر التذكير في هذا السياق بأن أشغال الحفر لم تكن طريقا معبدة، بل إن طبيعة تكوين جبال الألب وجيولوجيتها المتنوعة شكلت تحديا من نوع خاص، ففي إحدى المراحل اعترضت المشروع منطقة ذات صخور جيرية هشة يطلق عليها اسم “جعبة بيورا”، ولم تُستأنَف أشغال الحفر إلا بعد أن تم التأكد الجيد من الطبقات التي تقع أسفل منها.

كما حصل تهديد بانهيار الطبقة الصخرية الواقعة شمال بلدة سيدرون بسبب الضغط الشديد الذي تتعرض له، فاقتضى الأمر الإستعانة ولأول مرة بتكنولوجيا التعدين أو التكنولوجيا الخاصة بالمناجم.

وخلال الفترة التي سبقت الإختراق، كانت هنالك بعض العناوين الصحفية السلبية حول المشروع – كالتقارير التي نشرتها يومية “تاغس أنتسايغر” (تصدر بالألمانية في زيورخ) والتي تطالب بمبلغ 350 مليون فرنك إضافي للمشروع، أو التي تتحدث عن وجود مشاكل بخصوص أنابيب الصرف الصحي المعيبة – فتبين أنها كانت مجرد إثارة مفتعلة.

حضور جماهيري وإعلامي

وكما كان متوقعا حضر مراسيم الاحتفال الكبير نحو 1000 شخص من المدعوين والسكان المحليين ومن الأشخاص المهتمين، ومن ممثلي وسائل الإعلام، وتابعوا عن كثب ومن مواقع مختلفة عملية اختراق الجدار وفتح كامل دهليز نفق غوتهارد، كما أمكن للجمهور في كل مكان متابعة الحدث من خلال البث الحي عبر شاشات التلفزيون، ومن خلال موقعنا swissinfo.ch.

وبالإضافة إلى ذلك، حظى الحدث باحتشاد ومتابعة أكثر من 300 ممثلا إعلاميا محليا ودوليا، وسجّل حضور متميز لمراسلي وصحافيي الإعلام الياباني باعتبار أن نفق غوتهارد سيخطف الرقم القياسي العالمي من نفق شيكان الياباني (53.85 كلم).

وفي حديث له مع التلفزيون السويسري قال رينتزو سيموني رئيس هيئة ألبترانزيت: “لست متوترا”، ولكنه أبدى في المقابل خشيته من أن يتم نسيان وتجاهُل أولئك العمال الذين جهدوا ليلا ونهارا في إنجاز هذا المشروع، واعتبرهم “أبطال المناسبة الحقيقيون”.

من المقرر أن يتم تدشين نفق غوتهارد للسكة الحديدية في عام 2017، بينما سيتم افتتاح نفق تشينيري في عام 2019، بحيث يشكلان محور ما يعرف بـ “السكة الحديدية المنبسطة” التي تصل خط القطارات بين مدينتي زيورخ وميلانو والتي لن يتجاوز أعلى ارتفاع فيها الـ 550 مترا فوق سطح البحر (بينما هي اليوم: 1150 مترا).

ستتيح السكة الحديدية المرتقبة اختصار المسافة بين شمال سويسرا وجنوبها بحوالي 40 كيلومترا، وستكون أكثر استواء وانبساطا وسرعة، بحيث تمكّن قطارات الشحن من مضاعفة سرعتها (إلى 160 كلم / ساعة) وحمولتها (إلى 4 آلاف طن).

سيشكل نفقي كل من غوتهارد وتشينيري بالإضافة إلى نفق لوتشبيرغ (افتتح في 2007) العناصر الرئيسية للخطوط الجديدة للسكة الحديدية العابرة لجبال الألب.

تعتبر الخطوط الجديدة للسكة الحديدية العابرة لجبال الألب واحدة من أكبر مشاريع البناء في العالم، وتتضمن ملحقات خطي السكة الحديدية الواصلين لشمال سويسرا بجنوبها.

1847: كارل إدوارد غرونير- مهندس مدني ومخطط مدن أصله من مدنية بازل – يضع أول تصور لشق نفق في قاعدة جبل غوتهارد.

1962: أول مشروع لنفق يربط بين آمستيغ وجورنيكو.

1971: طلبت الحكومة السويسرية من مصلحة السكك الحديدية الفيدرالية السويسرية القيام بإعداد مشروع النفق، وقد تم تقديمه للحكومة في عام 1975.

1990: قامت الحكومة بوضع المقترح البديل القاضي بإنشاء نفقين أساسيين في كل من لوتشبيرغ وغوتهارد.

1992: تم إجراء الإستفتاء الذي أيد فيه 63,6٪ من الناخبين إنشاء خط وصل جديد خاص بالسكة الحديدية العابرة لجبال الألب، من خلال بناء نفقين أساسيين.

1994: موافقة 52٪ من الناخبين على المبادرتين الخاصتين بجبال الألب، وتم تحويل حركة الشحن إلى السكك الحديدية، كما تم تضمين الدستور السويسري بنود خاصة برعاية وحماية جبال الألب.

1998: الموافقة من قبل الشعب والبرلمان على تمويل المشروع الجديد للسكك الحديدية السويسرية العابرة لجبال الألب، ويعهد بالإشراف عليه إلى “هيئة ألبترانزيت غوتهارد AlpTransit Gotthard AG”.

1999: بعد إتمام الأعمال التحضيرية، بدأت أشغال الحفر في كلا النفقين: غوتهارد ولوتشبيرغ.

2007: افتتاح نفق لوتشبيرغ (34,6 كم).

2010: اختراق الجدار الأخير داخل النفق وانتهاء آخر أشغال الحفر في نفق غوتهارد (57 كلم).

2017: الموعد المتوقع والمرتقب لافتتاح نفق غوتهارد للسكة الحديدية أمام حركة النقل.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية