مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

ارتفاع تكاليف المعيشة تفاقم مُعاناة اللاجئين السوريين

Olivier Vogelsang

يستمر تدفّق السوريين الفارين من أهوال الحرب على الحدود اللبنانية على الرغم من الظروف المعيشية الصعبة جدا في هذا البلد المتوسّطي الصغير الذي لا تتجاوز مساحته ربع مساحة سويسرا ويقطنه أربعة ملايين ساكن.

تقول نارفال (اسم مستعار معروف لدى التحرير)، وهي تتنفّس الصعداء: “اضطررت إلى الفرار رفقة ابنتيّ وتركت زوجي ورائي، وسوف أضع حملي في أقلّ من شهر، ولا أعلم كيف سوف أتدبّر أمري بمفردي”.

تحدّق المرأة القادمة من حمص والمثقلة بحملها في الفضاء، ثم تميل للجلوس على كرسي بلاستيكي يتوسّط خيمة صغيرة تتقاسمها مع عائلة أخرى قادمة هي الأخرى من سوريا. وتقول أمّ الفتاتيْن التي لم تتجاوز 22 عاما: “كنت في المنزل مع الأطفال عندما بدأ القصف. لم أعرف ماذا أفعل، فهاتفت زوجي الذي كان في العمل. طلب منا المغادرة  فورا، وأضاف أنه سينضمّ إلينا لاحقا”.

قبل عشرة أيّام، وصلت هذه الأسرة على متن سيارة تاكسي إلى هذا المخيّم الواقع على مشارف بر الياس بشرق سهل البقاع اللبناني، وهي لا تصطحب معها سوى الملابس التي يرتديها أفرادها بعد أن دفعت هذه الأم الشابة إلى صاحب التاكسي 12.000 ليرة سورية للعبور القانوني وكان رجل قد وعد زوجها بمساعدتها على العبور بطريقة غير شرعية مقابل ألفيْ دولار أمريكي، لكنها لم تره أو تلتقيه بعد ذلك.

هذه المخيمات ليست ظاهرة جديدة في سهل البقاع. فقبل اندلاع الأزمة السورية، كانت هناك نقاط استيطان متوزّعة في المنطقة يقطنها مهاجرون سوريون جاؤوا إلى هناك للعمل في مجال الزراعة وقطع الثمار والكروم. ومنذ 2011، ظلّ الآلاف من هؤلاء المهاجرين مقيمين في منطقة البقاع، وكانوا يرسلون إلى عائلاتهم ما يسدّ احتياجاتها.

المزيد

المزيد

ظروف قاسية في الصحراء الأردنية

تم نشر هذا المحتوى على المصوّر السويسري أوليفيي فوغلسانغ زار مخيم الزعتري في شهر أبريل 2013، وقام بتوثيق جهود الإغاثة التي تبذلها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، وكذلك المنظمات الإنسانية مثل “كاريتاس” و”أرض البشر”. يقع هذا المخيّم الذي افتتح رسميا في يوليو 2012 على بعد حوالي 70 كيلومترا إلى الشمال من العاصمة الأردنية، عمان، وعلى بعد 30 كيلومترا…

طالع المزيدظروف قاسية في الصحراء الأردنية

تكاثرت كالفطر

في الوقت الحاضر، تستقبل هذه المنطقة ذات الخيارات المحدودة والمُكلفة في المجال السكني ما بين 600 و800 عائلة كل أسبوع. كما أن الذين وصلوا في وقت مبكّر لم يعد بإمكانهم دفع معاليم الإيجار. ونتيجة لذلك، انتشر فيها ما يقارب من 230 تجمّعا لمساكن بدائية ومتخلفة تؤوي حوالي 20% من العدد الجملي الرسمي للاجئين السوريين بمنطقة البقاع. 

في الأثناء، يُحذر مسؤولو الإغاثة من أن المستوطنات والخيام تنمو بسرعة تتجاوز قدراتهم على المواكبة كما يقلقهم أن هذه المستوطنات الضيقة قد بنيت على أراض صالحة للزراعة، وتفتقر في نفس الوقت إلى شبكات الصرف الصحي ومرافق الإستحمام والمراحيض.

من جهتها، تقوم مفوّضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وشركاؤها بتوفير الخشب والأغطية البلاستيكية للملاجئ، ومنح مبالغ مالية للإيجار لأشد الناس فقرا، بالإضافة إلى خدمات أخرى كجلب الماء الصالح للشرب وتهيئة الصرف الصحي والخدمات الصحية المتنقلة وخدمات أساسية اخرى.

ويقول نضال (اسم مستعار معروف لدى التحرير)، الذي يقيم أيضا في بر الياس برفقة ستين عائلة أخرى: “الناس هنا يشتغلون عشرة أيام في الشهر. وقد طلب منا جيراننا تنظيف وإصلاح بعض الأمور الخاصة بهم مقابل مبلغ من المال. من الصعب جدا الحصول على ما تحتاج إليه هنا. لا أنصح الأصدقاء أو عائلاتهم بالقدوم في الوقت الراهن”.

الكفاح من اجل البقاء في المدن

في مدينة طرابلس شمالي لبنان، تُقدر تكلفة المعيشة بنحو نصف تكلفتها في العاصمة بيروت. ولكن بالنسبة للاجئين البالغ تعدادهم  140.000 في المدينة، فهم يكافحون من أجل توفير ما يسد احتياجاتهم، ونفس الشكاوى التي تسمعها في بيروت تسمعها في طرابلس أيضا.

  

هناء، التي غادرت حلب منذ سبعة أشهر مع زوجها وأطفالها الست بعد أن تصاعدت أعمال العنف، توضح قائلة: “نحن لسنا معتادين على هذا الإرتفاع في تكاليف المعيشة. هذا الوضع صعب جدا خاصة في ظل غياب فرص للعمل. الإعانة الوحيدة التي تلقيناها كانت من الأمم المتحدة، ليس هناك أي جهة أخرى”.

“المنزل” الذي يقطنونه هو عبارة عن شقة داخل “المأوى الجماعي” التابع للمفوّضية السامية لشؤون اللاجئين التي رُمّمت حديثا، والمجهّزة بالأجهزة الضرورية مثل الثلاجة والمدفئ، وحوض الغسيل، الذي يشتركون في استخدامه مع أسر أخرى تقطن الطابقيْن الثالث والرابع من هذا المبنى الواقع وسط المدينة.

وتضيف هناء: “كل مدخراتنا في سوريا استنفذت بشكل كامل لأن رجالنا لا يستطيعون الذهاب إلى العمل. وعندما وصلنا إلى هنا، لم يكن بحوزتنا أي شيء”.. “ابني الاكبر عاطل عن العمل، لقد خرج ليتمشى قليلا. هو لا يستطيع البقاء طويلا داخل البيت، فهو مُحبط، ولا يرى أي أفق له بعد الآن”.

كرم الضيافة

رغم أن أعداد الخيام والتجمّعات تزداد بوتيرة متسارعة، تُقيم الغالبية العظمى من اللاجئين لدى الأصدقاء والأقارب والعائلات اللبنانية المستضيفة لهم.

محمد، البالغ من العمر 31 عاما، فــرّ رفقة عائلته الصغيرة المنحدرة من ريف دمشق بسبب القصف العشوائي إلى جنوب شرق سهل البقاع قبل شهر كان محظوظا جدا لأنه حلّ في إحدى الليالي ضيفا على عائلة سالم شرف الدين.

ويقول سالم، الكندي اللبناني الذي يعمل سائق سيارة أجرة: “كنت أقود سيارتي، فجأة رأيتهم يحملون حقائبهم وينتظرون على قارعة الطريق. قالوا إنهم يبحثون عن مكان ينزلون به، فأجبتهم بأن الأمر ليس سهلا، نظرا لوصول أعداد كبيرة من اللاجئين إلى هذه المنطقة، فأخبرتهم بأني أرغب في استضافتهم في منزلي إلى حين عثورهم على مسكن”.

أصبح سالم البالغ من العمر 72 عاما وعائلته يقطنون في غرفة واحدة، فيما يُقيم محمّد وعائلته في الغرفة الثانية، أما الحمام والمطبخ فيستعملانهما بشكل مشترك. ويعترف صاحب البيت بأن هذا الوضع بات صعبا. ويقوم سالم بمساعدة ضيفه في مسعاه للبحث عن شغل كميكانيكي.

أما محمّد، فيؤكّد “إلتقيْت بعدد من الأشخاص، وقد وعدوني بتقديم المساعدة، لازلت أنتظر، لكنني متفائل. الأمر ليس سهلا، فاللبنانيون أنفسهم يُواجهون صعوبات بسبب العدد الكبير للاجئين السوريين. لقد أصبح الأمر بمثابة عبء ثقيل بالنسبة لهم”.

مخاوف وهواجس لبنانية

بالرغم من الأعداد الهائلة القادمة من سوريا – تقدر حتى الآن بـحوالي 10% من إجمالي عدد السكان – أثنى مسؤولو الإغاثة مرارا وتكرارا على كرم الضيافة اللبنانية “الإسثنائي” تجاه السوريين، غير أن استمرار التدفّق الهائل للاجئين على هذا البلد الصغير المتعدد الطوائف بدأ يحدث شقوقا وتجاذبات بين الطرفين خاصة في المناطق الفقيرة، وهذا أمر مفهوم نسبيا.

  

وبالإمكان سماع شكاوى هنا وهناك حول ارتفاع ايجار المنازل، والإكتظاظ، والمنافسة غير العادلة، وقبول اللاجئين لأجور أدنى، واستغلال شبكة الكهرباء بشكل غير قانوني وتزايد نسبة الجرائم الصغيرة. وفي شهر أبريل الماضي، اندلعت احتجاجات محدودة في الشمال بسبب وظائف على علاقة بوجود السوريين هناك.

بدورها، تُجد الإدارات المحلية نفسها بين المطرقة والسندان. فهي من ناحية تقدّم الدعم السخي للاجئين، ولكنها لا تريد من ناحية أخرى أن يُنظر إليها على أنها تشجع قبول أعداد كبيرة من السوريين.

هذه القضية حساسة للغاية، لأن لبنان عانى من حربه الأهلية الخاصة بين 1975 و1990، وخلالها كان وجود اللاجئين الفلسطينيين مثار جدل. وفي الوقت الحاضر، تشهد البلاد توترات واشتباكات بين مؤيدي ومعارضي الرئيس السوري المحاصر بشار الأسد.

في الأثناء، يُشكل المسلمون السنة الغالبية العظمى من اللاجئين السوريين. وهناك مخاوف من اهتزاز السلم الأهلي المستقر بين الطوائف في لبنان (الشيعة والمسيحيون والسنة)، واحتمال تعرضه إلى مخاطر بسبب احتمال امتداد اللهيب السوري إلى داخل حدود البلدان المجاورة.

في هذا السياق، تقول نينيت كيلي، رئيسة مكتب المفوّضية السامية لشؤون اللاجئين في لبنان: “نحن نواجه أزمة ضخمة ذات أبعاد لم يسبق لها مثيل على الأرض اللبنانية. فلبنان يرفع صوته عاليا لمطالبة المجتمع الدولي ليس فقط بتوفير احتياجات اللاجئين، بل لضمان استقراره في المستقبل أيضا”.

وفقا لمصادر الأمم المتحدة، تسببت الحرب الأهلية في سوريا في هجرة حوالي 4.25 مليون سوري من مجموع سكان البلاد البالغ تعدادهم 23 مليون نسمة. ويحتاج قرابة 7 ملايين شخص نصفهم من الأطفال إلى المساعدات الإنسانية. لقد أجبر السوريون على ترك ديارهم بسبب أعمال العنف الجارية، وأرغم البعض منهم على النزوح مرات عديدة وهم يتجمّعون خارج مدينة حلب وفي ريف دمشق.

تواجه منظمات الإغاثة العديد من العقبات للوصول إلى الأسر المحتاجة، بما في ذلك تأخير تأشيرات الدخول لمدة تصل إلى شهرين، بالإضافة إلى فرض الابلاغ قبل ثلاثة أيام عن جميع القوافل الإغاثية، وبعض التعطيلات الإدارية الأخرى، إضافة إلى العشرات من الطرقات المغلقة وتقليص عدد المنظمات الأهلية المسموح لها بالنشاط من 110 إلى 29 فقط.

ازداد بشكل كبير عدد الأفراد الذين يغادرون سوريا منذ بداية هذا عام 2013. وقد فرّ ما يناهز عن 1.5 مليون نسمة إلى البلدان المجاورة: الأردن ( 473.587 )، ولبنان (470.457)، وتركيا ( 347.157)، والعراق (147.464)، ومصر (66.922)، (صورة الوضع في 15 مايو 2013).

وفقا لكريستالينا جيورجيفا، مفوّضة المساعدادت الإنسانية بالإتحاد الأوروبي، فإنه “ما لم تتوصّل كل الأطراف المنخرطة في هذا الصراع، وأيضا المجتمع الدولي إلى حل سياسي للأزمة، فإن المنظمات الإغاثية لن يكون بمقدورها ببساطة التعامل مع الحجم الهائل من الإحتياجات. نحن بالفعل استنفدنا كل طاقاتنا”.

وفقا للأمم المتحدة أيضا، قتل في هذا الصراع المتفاقم على نحو متزايد بين الجيش النظامي والمعارضة المسلحة والميليشيات الداعمة للنظام (الذي يغلب عليه الطابع الطائفي أكثر فأكثر) 80.000 نسمة على الأقل .

(نقله من الإنجليزية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية