مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

في مهرجان المتنبي.. الشعر والشعراء في زمن العولمة

swissinfo.ch

في مثل هذا الوقت من كل سنة، يكون الجمهور السويسري على موعد مع المتنبي، من خلال مهرجان الشعر العالمي الذي اختتم دورته الثامنة يوم الخميس 29 مايو 2008 بلوغانو، وشارك فيه أزيد من 25 شاعرا عربيا ودوليا.

وكانت جنيف، المدينة التي تعيش على إيقاع التعدد الثقافي والتنوع اللغوي، إحدى المحطات التي استضافت فعاليات هذا المهرجان. وفي مساء الأربعاء 28 مايو احتضنت مكتبة المدينة العديد من الشعراء العرب الذين جاؤوا إليها من العراق ومصر والمملكة العربية السعودية ومن الكويت والمغرب الأقصى، وكلهم ينشد قصائد شعرية تعددت اغراضها وتوحدت أهدافها، تريد التواصل والإتصال وإبلاغ صوت الثقافة العربية في مدينة تسكنها اكثر من تسعين لغة.

وعلى هامش تلك الأمسية الشعرية، كان لسويس انفو حوار مطول مع محمد إبراهيم أبو سنة، أحد فرسان الشعر العربي بجمهورية مصر العربية، وفيه تحدث عن الشعر وإبداعيته، والشاعر ووظيفته، وعن الأحلام العربية المجهضة، والتطلعات المستقبلية الواعدة، وعن الأدب العربي ودوره في زمن العولمة وحوار الحضارات، وختم محاورنا بالتاكيد على أن “التعارف هو الباب الملكي للتعايش”.

سويس انفو: لكل شاعر رؤيا لها تجليات متعددة، فهل الأعمال الشعرية التي استمعنا إليها هذا المساء تروي قصة الذات، أو قصة الوطن والثقافة التي ينتمي إليها هذا الرهط من الشعراء؟

محمد إبراهيم أبو سنة: الأصوات والقصائد التي استمعنا إليها الليلة متنوعة بعضها من مصر والكويت والمملكة العربية السعودية، والبعض الآخر من سويسرا والمغرب والعراق..، ولا شك أن وراء هذه النصوص الشعرية تقف ثقافة الشاعر وواقعه. وإذا كان لكل شاعر تجربته الذاتية، ورؤيته المختلفة، فإن للشعراء العرب تراث مشترك، ولغة واحدة. لكن، كما ترى منهم الشباب الذين يميلون إلى كتابة قصيدة النثر، وإلى الاهتمام بالتفاصيل الدقيقة للواقع، ومنهم من يفضّل المساهمة في بلورة رؤية شعرية عامة للواقع. كما أننا استمعنا إلى صيغ مختلفة من الكتابة الشعرية، بعضها يقترب من الشعر التفعيلي الموزون، وبعضها يميل إلى التحرر من الأوزان ويتحدث بلغة النثر.

سويس انفو: متى تصدق رؤية الشاعر وتنبؤاته، والمشهور عنكم أنكم تسارعون لإعلان الأخبار السيئة، وتفاجئون بالأخبار السارة؟

محمد إبراهيم أبو سنة: الشاعر منغمس بوجدانه وبوعيه في حياته سواء كانت حياته الخاصة أو حياة مجتمعه وأمته. وينطلق من رؤية وجودية واضحة لهذا الكون. ورغم أن الشاعر ليس عرّافا، فإن بمقدوره استشراف المستقبل من خلال امتصاص رحيق هذه التجارب التي يراها ويعيشها. وهو يستشرف المستقبل من خلال الوعي الذي تجمع لديه نتيجة قراءات وثقافات عميقة. وبقدر عمق ثقافة الشاعر، وتواصله وتفاعله مع الأحداث تكون رؤيته واضحة وقريبة من مسار الحقيقة. لكن هذا لا يمنع حدوث المفاجآت لأنه من الصعب على أي شخص أن يحيط بجميع الملابسات. ونحن نرى أن بعض الأحداث الطارئة التي شهدتها السنوات الأخيرة قد غيّرت بشكل جذري مجرى السياسات الدولية. فالأحداث تفاجئنا، ولكن الشعراء في واقع الأمر راسخون في رؤيتهم لهذا العالم من خلال مراهنتهم على قوى الخير، وقيم الحب والتضامن الإنساني. هذه الرؤية الثابتة لجوهر حركة الوجود المبنية على تناغم جمال اللغة، وجمال الشعر مع واقع الحياة.

سويس انفو: في قصائدكم هذه الليلة تغنيتم بالإسكندرية وبغداد، وغيرهما من المدن العربية. بعد المحن التي تضرب اليوم العواصم العربية ، هل مازالت المدينة العربية تحظى بالجمالية والشاعرية التي تحرك قلم الشاعر وتستدر قريحته؟

محمد إبراهيم أبو سنة: الفكرة الأساسية التي هي محور قصيدة الإسكندرية التي ألقيتها الليلة هي المقارنة بين المجد العسكري والفتوحات، من جهة ومجد الحضارة من جهة اخرى. وأكدت على أن الذي يبقى هو الحضارة، البناء وليس الهدم. وأن المنارات التي يقيمها ذوو الأفكار الخلاقة هي التي يخلدها التاريخ، وتؤسس للوجود البشري، ومن أولئك العظماء الإسكندر الأكبر. فالفكرة التي أردت إيصالها من قصائدي هو أن الحضارة أبقى من المجد العسكري.

سويس انفو: الكثير من الشعراء العرب المبدعين اليوم، وأنت منهم، عاصروا هزيمة 1967، واحتفلوا بأعراس التحرير التي لم يطلع فجرها بعد. وجاءت مغامراتكم الشعرية مختلفة ومتمايزة، فبماذا تتفرد التجربة الشعرية لكل مبدع؟

محمد إبراهيم أبو سنة: هذا سؤال من الصعب الإجابة عليه. لأن لكل شاعر تجربته، ولكل ملامح موهبته. وله قدرته الخاصة على التعبير عن هذه التجارب الأساسية في واقع الحال المعاصر. وعن احداث 1967، نحن الشعراء إستبشرنا خيرا بالمشروع القومي، وعبّرنا بفرح عن المستقبل الذي كنا نظن أنه سينفتح عن نهضة وعزة واستقلال. وحلمنا جميعا بنجاح المركبة الناصرية في نقل الواقع العربي من محنة الماضي إلى آفاق المستقبل، ولكن، أقدار الشعوب ومصائرها لا تتفق دائما وما يرتضي الشعراء ويتمنون.

سويس انفو: لماذا خاب ظنّكم في المشروع القومي الطموح؟

محمد إبراهيم أبو سنة: الإستبداد السياسي، وعدم القدرة على التفاعل الخلاق مع مشكلات الواقع، وفي نفس الواقع تربص القوى الدولية بالمشروعات القومية والوطنية في العالم العربي منذ تجربة محمد علي (باشا)، الطامحة لإنشاء نهضة مدنية في مصر وفي منطقة الشرق الأوسط عامة. لم يغب المشروع، لكن القوى الدولية لم تصبر على مصر، وواجهت حربين مدمرتين في أقل من 20 سنة الأولى سنة 1956، في العدوان الثلاثي، والثانية سنة 1967 على يد إسرائيل مدعومة عسكريا من الولايات المتحدة الأمريكية وسياسيا من جميع القوى الغربية. هناك قرار من الخارج باستهداف محاولات نهوضنا، ومنعنا من الإمساك بمقدراتنا وثرواتنا. فالوضع معقد، والقضايا متداخلة بعضها داخلي، وبعضها خارجي.

سويس انفو: هذا المساء ألقيتم قصائدكم في جنيف، المدينة العالمية، ما هي الرسالة التي حاولتم إبلاغها إلى هذا الجمهور السويسري الذي أنصت لقصائدكم، وصفق لها طويلا؟

محمد إبراهيم أبو سنة: انها دعوتنا للثقافة الغربية والثقافة السويسرية أن تعالوا نقترب ونتحاور ليفهم بعضنا بعضا. من جهتنا نحن المثقفين العرب قرأنا كثيرا من أعمال الأدباء والمثقفين الأوروبيين، بل وذهبنا إلى أبعد من ذلك، فقرأنا تلك الثقافة في نصوصها المؤسسة كالأساطير اليونانية، ومسرح شكسبير، ومسرح دورنمّات في سويسرا، ونعرف أيضا شعرائهم، وأردنا من خلال هذه التظاهرة، دعوتهم إلى التعارف، فالتعارف هو الباب الملكي للتعايش.

سويس انفو: ماذا كان ردهم على دعوتكم للتقارب؟

محمد إبراهيم أبو سنة: نحن نفهم زهدهم في ذلك. هم يجلسون على عرش التقدم العلمي، وهذا يجعلهم في حالة استغناء عن الآخر، اما نحن فنقترب منهم، ونرجو من خلال مهرجان المتنبي وفعاليات أخرى بناء جسور التواصل، وكما سبق أن قلت في قصيدة “رقصات نيلية”.. “عسى أن تنجلي ظلمة هذا الليل الطويل التي ظللت علاقة الشرق بالغرب”.

سويس انفو: العولمة أحكمت قبضتها على كل شيء، ما دور الشعر العربي في الحفاظ على الهوية العربية وعلى اللغة العربية؟

محمد إبراهيم أبو سنة: ليست العولمة كما يُظن شرا كلها. فهي حقبة تاريخية، يلعب فيها التقدم العلمي، والاكتساح الاقتصادي والهيمنة العسكرية أدوارا بالغة التأثير. ودورنا كمثقفين وكشعراء، مواجهة ما في هذه العولمة من بطش وقهر للضعفاء والفقراء. وعلينا في نفس الوقت، الدفاع عن حق العالم الثالث في الإستفادة من العلوم، والسماح له بالمشاركة في استثمار التقدم العلمي والاقتصادي. دورنا كمثقفين أيضا الدفاع عن القيم العليا الخالدة، والتي عرفتها الثقافة الإنسانية منذ مطلع التاريخ وحتى الآن. علينا أن نبصر بوعي ملامح هذه العولمة، من جهة هي متوحشة، ومن جهة أخرى مرحلة تحمل خيرا جما للإنسانية.

سويس انفو – عبد الحفيظ العبدلي – جنيف

ولد الشاعر أبو سنة في الجيزة سنة 1937، وتخرج من كلية الدراسات العربية سنة 1964، عمل في البرامج الثقافية بإذاعة القاهرة، واصدر عددا كبيرا من الأعمال الشعرية منذ سنة 1965. وكان عضوا بلجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة بمصر. حصل على عدد كبير من الجوائز الإبداعية، وترجمت نصوصه إلى عدد من اللغات العالمية. كذلك له دراسات نقدية وثقافية. يقيم محمد إبراهيم أبو سنة حاليا في القاهرة متفرغا للكتابة، ويعد حاليا من الأسماء اللامعة في مجال الشعر العربي.

اختتم المركز الثقافي العربي السويسري (مقره بزيورخ، وبغداد) الدورة الثامنة لمهرجان المتنبي الشعري العالمي الجمعة 30 مايو 2008، بعد أسبوع حافل بالإبداع والقراءات الشعرية بلغات متعددة شملت العربية والألمانية والفرنسية والإيطالية.

تجوّل المهرجان عبر خمس مدن سويسرية كبرى شملت زيورخ، وبرن وبازل، وجنيف ولوكارنو. وشارك في فعاليات هذه السنة التي كان محورها “الشعر والمسرح”، أزيد من 25 شاعرا عربيا وسويسريا وأوروبيا جاؤوا من أصقاع مختلفة.

والمركز مؤسسة ثقافية تقيم فعالياتها طبقا للقوانين السويسرية، ولها علاقة وثيقة بالمؤسسات الثقافية والمؤسسات الداعمة للثقافة في سويسرا من بينها وزارة الثقافة ووزارة الخارجية، والفرع السويسري لمنظمة اليونسكو. وقد تأسس هذا المركز في سويسرا سنة 1998، وافتتح له مقرا عربيا في بغداد سنة 2003.

أسس المركز أيضا دارا للنشر سنة 2004، وأصدر حتى الآن 30 كتابا عربيا ومترجما بينها 18 كتابا ضمن السلسلة الشعرية فقط، كما أن للمركز موقعا إلكترونيا ينشر باستمرار إعلانات حول التظاهرات الثقافية التي ينظّمها.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية