مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

التونسيّون يتّجهون إلى بناء ديمقراطية محلية تشاركية

رئيس مكتب تصويت في العاصمة التونسية يقوم بإغلاق صندوق الإقتراع بحضور زملائه وممثلين عن القوائم المترشحة ومراقبين من المجتمع المدني إثر انتهاء التصويت في انتخابات المجلس التأسيسي التي نظمت يوم 23 أكتوبر 2011 Keystone

كانت الثورة التونسية في أحد أبعادها ثورة الجهات المحرومة ضد مركزية السلطة والقرار والتنمية والمعرفة. فالذين ثاروا بداية كانوا في سيدي بوزيد وتالة والقصرين قبل أن تنتقل شرارة الإحتجاج لاحقا إلى مناطق الوسط والشمال الغربي وتنتهي بإسقاط نظام بن علي.

وبدون مبالغة، يمكن القول أن تونس كانت تسير على قدم واحدة، وتُـدار برأس يكاد يكون منفصلا عن معظم أجزاء الجسم. ولهذا كان من الطبيعي أن تأتي اللحظة التي تطالب فيها الجهات المُهمّشة بحقها في التنمية وفي المواطنة، لذلك كان من المنطقي أن ينطلق البحث داخل المجلس التأسيسي المنتخب في 23 أكتوبر 2011 أو ضمن منظمات وهيئات المجتمع المدني الناشطة عن شتى السبل لإقرار الديمقراطية المحلية وضمان تفعيل الحوكمة الجهوية.

الطبقة السياسية تُصغي لأبناء الجهات

بالعودة إلى مُجريات الحملة الإنتخابية التي سبقت انتخاب المجلس الوطني التأسيسي، كاد أن يرفع الجميع مطلب تعزيز دور الجهات، وتمكينها من صلاحيات دستورية ومالية وإدارية.

شبهُ الإجماع هذا لم يأت ذلك فقط نتيجة الإعتراف بالمظلمة التاريخية التي تعرضت لها هذه الجهات منذ استقلال البلد عن فرنسا في عام 1956، وإنما أيضا بحكم الضغط المتواصل الذي لا زال يُمارس حتى الآن من طرف سكان هذه المناطق، الذين لم يتوقفوا عن الإحتجاج والإضراب والإعتصام والإشتباك مع أجهزة الأمن، وذلك للمطالبة بحقهم في التنمية والشغل لأبنائهم العاطلين، إلى جانب الصحة والتعليم.

هذه الظواهر التي تحولت إلى ما يُشبه الحالة المزمنة، شكلت صُداعا حقيقيا أصبح يشكو منهم المسؤولون على جميع المستويات، خاصة عندما يتخذ طابعا عنيفا يصل إلى حد قطع الطرق وتعطيل المؤسسات وحرق مراكز الأمن وتخريب الإدارات العمومية.

نحو دسترة السلطة المحلية

في ضوء هذه المعطيات، انشغل المجلس الوطني التأسيسي بمسألة دسترة السلطة المحلية بهدف الحد من مركزية الدولة والجهة الماسكة بالسلطة والثروة. وفي هذا السياق، جاء في المُسودة الأولى للجنة التأسيسية المكلفة بالسلطة المحلية التأكيد على أن التنظيم الإداري المحلي يقوم على “مبادئ اللامركزية في إطار وحدة الدولة”. واعتبر أن الجماعات المحلية “تتمتع بالشخصية القانونية وبالإستقلالية المالية والإدارية وتمارس المصالح المحلية وفقا لمبدأ التدبير الحر”. كما أنها تدار من قبل “مجالس منتخبة انتخابا حرا وسريا ومباشرا”.

وفيما يتعلق بمصادر تمويل هذه الجماعات المحلية، يشير المشروع الذي أعدته لجنة الجماعات العمومية الجهوية والمحلية في المجلس الوطني التأسيسي إلى وجود “موارد مالية ذاتية وأخرى محالة إليها من قبل الدولة”، مع الإشارة إلى أن “كل إحداث أو نقل لصلاحيات من الدولة إلى الجماعات المحلية يكون مقترنا بإحالة ما يناسبه من موارد”. وتشير المسودة أيضا إلى أن الدولة تعمل على “بلوغ التكافئ بين الموارد والأعباء المحلية”.

وإذ يكون للجماعات المحلية “حرية التصرف في مواردها”، إلا أنه عليها اعتماد “آليات الحوار والتشاور والشراكة لتأمين أوسع حظوظ مشاركة المواطنين والمجتمع المدني في إعداد برامج التنمية”، كما يحقّ لهذه الجماعات “الإنضمام للإتحادات الدولية والإقليمية وإقامة علاقات شراكة وتعاون لامركزي”، حسب نص المسودة الأولية.

ومن المنتظر حسب مراقبين ومختصين أن تُسهم النقاشات المرتقبة في المجلس التأسيسي بين مختلف الكتل والنواب في مزيد تطوير هذه المقترحات الواردة في المسودة، في اتجاه تمكين الجهات من صلاحيات أوسع.

المجتمع المدني مع الديمقراطية التشاركية

لم يكن المجلس الوطني التأسيسي المنتخب الجهة الوحيدة التي اتجهت نحو وضع آليات لدعم الديمقراطية المحلية، وإنما يلاحظ بأن عديد المكونات للمجتمع المدني قد نحت بدورها هذا المنحى، على غرار “المجلس التأسيسي المدني” الذي شكلته عشرات الجمعيات، وحاولت أن تجعل منه شبكة مستقلة تُحاكي المجلس المنتخب دون أن تعوضه أو تطعن في شرعيته.

نصت الوثيقة التي أصدرها هذا المجلس تحت عنوان “مقترحات أساسية لفصول الدستور الجـــــــديد” على تكوين ما أطلقت عليه “مؤسسّات الحوكمة الجهويّة “. وفي هذا الصدد، يتركب “المجلس الوطني للتنمية والجهات” الذي اقترحته من ممثلين عن الجهات “يُنتخبون من قبل الأعضاء المنتخبين بالمجالس الجهويّة”، ومن صلاحياته مناقشة “كل مشروع أو مقترح قانون له صلة بالتنمية الإقتصادية والإجتماعية للبلاد أو بتحقيق هذه التنمية على مستوى الجهات أو الولايات أو البلديّات أو بتوزيع الموارد والإعتمادات المالية بين الجهات” .

دعوة لصلاحيات واسعة للجهات

إلى جانب ذلك، تقترح الوثيقة أن تقوم الجماعات العموميّة الترابية على “مبدإ اللامركزيّة السياسيّة والإداريّة” وتعتبر “كيانات تتمتع بشخصيّة اعتباريّة واستقلال إداري ومالي يسيّرها جهاز تشاوري وجهاز تنفيذي وتخضع لرقابة لاحقة على شرعية أعمالها ونفقاتها”.

في السياق نفسه، تمت الدعوة إلى تقسيم البلاد التونسية إلى جهات أو دوائر كبرى بناء على “الخصائص الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والبيئيّة لكل جماعة عموميّة، وتسهر الدولة على احترام المبادئ المتعلّقة بالتكامل والتضامن الإقتصادي داخل كلّ جهة، والتوازن بين الجهات من حيث عدد السكان وقيمة الثروات مما يضمن تنمية مستدامة وعادلة”. وتسير هذه الجماعات الترابية “مجالس منتخبة انتخابا عاما حرّا ومباشرا وسريّا”. ولمزيد ضمان استقلالية هذه الهياكل المحلية المنتخبة، اعتبر المشروع أن من حق كل جماعة عمومية ترابية أن “ترفع دعوى أمام المحكمة المختصّة لحماية اختصاصاتها وحقوقها”.

كما عزز استقلاليتها المالية، عندما سمح للمجالس الجهويّة “استصدار قرارات ترتيبية تتعلّق بالجباية الجهوية والمحلية ” إلى جانب مصادر أخرى من بينها “نسبة عادلة محدّدة بكل وضوح وشفافية بموجب قانون أساسي من الموارد الجبائيّة للدولة المُجمّعة على مستوى كلّ جهة يتمّ إعادة توزيعها مباشرة على الجماعات العمومية الترابية الراجعة بالنظر لتلك الجهة”، على أن “تتصرف الجماعات العمومية الترابية في مواردها بكل استقلالية”. كما أن من صلاحياتها إبرام “عقود برامج تحدد أهداف وآجال وطرق تنفيذ البرامج المقترحة من قبلها”، وبذلك يتم تدريجيا نقل “صلاحيات الدولة إلى الجماعات العموميّة الترابية”، على أن يُرافق كلّ نقل لهذه الصلاحيات تخصيص لموارد تعادل ما كانت ترصده الدولة لممارسة نفس الصلاحيات.

تطورات “تاريخية” مُرتقبة

في القسم الخامس من مشروع الوثيقة الدستورية المقترحة من طرف المجلس التأسيسي المدني، تم الحديث أيضا عن “ديمقراطيّة القرب التشاركيّة” وذلك بإحداث “مجالس استشارية” تتكوّن على الصعيد المحلي من “ممثلين عن القطاع العام والقطاع الخاصّ ومنظّمات العمّال ومنظمات الأعراف وبقيّة مكوّنات المجتمع المدني”، مع التأكيد على أن “يُساهم المواطنون في تسيير الجماعات العمومية الترابية على أساس ديمقراطية القرب التشاركيّة وباستعمال آليّات العرائض والإستفتاء المحلي والتشاور والإجتماعات العامّة”.

بالرجوع إلى هذين الإقتراحين، أحدهما رسمي، والآخر منبثق من المجتمع المدني، يلاحظ بأن تونس ستشهد خلال المرحلة القادمة تطورات هامة في اتجاه إعادة هيكلة النظام السياسي وبنائه على مبدأ اللامركزية. وإذ سيكون من المستبعد أن تأخذ تونس بمبدأ الديمقراطية المباشرة على الطريقة السويسرية (التي قدّم بعض الخبراء السويسريين نبذة عنها لأعضاء اللجان التأسيسية المعنية في الأشهر الماضية)، لكن بات من المؤكد أن المواطنين داخل الجهات سيتمتعون لأول مرة في تاريخ البلاد بصلاحيات واسعة، تجعل منهم شركاء حقيقيين في اتخاذ القرار وصناعة السياسات، وتمكنهم من إدارة شؤونهم بطريقة ملموسة دون الخروج عن مبدإ وحدة الدولة والوطن.

القاهرة (رويترز) – شارك ألوف الإسلاميين في مصر يوم الجمعة 9 نوفمبر 2012 في مظاهرة بميدان التحرير بؤرة الانتفاضة التي أسقطت الرئيس حسني مبارك مطالبين بتطبيق الشريعة لكن أكبر حزبين إسلاميين رفضا المشاركة.

ويريد المتظاهرون أن تنص مسودة دستور جديد تكتبها جمعية تأسيسية على تطبيق الشريعة لكن الجمعية تتجه للاحتفاظ بنص في الدستور الذي علق العمل به بعد سقوط مبارك العام الماضي يقول إن مباديء الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع.

وقال طارق الزمر العضو القيادي في الجماعة الإسلامية والذي قضى نحو 29 عاما في السجن لإدانته في قضية اغتيال الرئيس أنور السادات عام 1981 “جئنا اليوم للمطالبة بأن تكون الشريعة الإسلامية مطبقة”. وأضاف “نطالب بحذف كلمة مباديء” من مسودة الدستور. وقال حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها الرئيس محمد مرسي وحزب النور السلفي إنهما لن يشاركا في المظاهرة.

ويهيمن الحزبان وأنصار لهما على الجمعية التأسيسية التي يقول عشرات الأعضاء الليبراليين والعلمانيين فيها إنهم غير راضين عن صياغة مواد المسودة ملمحين لإمكانية انسحابهم منها. ويبدو أن إعلان الإخوان وحزب النور عن عدم المشاركة في المظاهرة استهدف الحفاظ على الجمعية التأسيسية لتكمل كتابة المسودة المحدد للانتهاء منها يوم 12 ديسمبر.

وقال الزمر وهو مسؤول المكتب السياسي لحزب البناء والتنمية الذراع السياسية للجماعة الإسلامية لرويترز “هذه الأحزاب (الحرية والعدالة والنور) لها حسابات سياسية وتتغاضى داخل الجمعية التأسيسية عن تطبيق الشريعة ولن نحرجها أمام الشعب”. وأضاف “فعالياتنا ستستمر في شوارع القاهرة خلال الفترة القادمة إلا إذا رضينا بمسودة الدستور. سننظم مسيرات ووقفات احتجاجية أمام مجلس الشوري” حيث تنعقد الجمعية التأسيسية.

وشارك في المظاهرة حزب الأصالة السلفي وحزب العمل الجديد وأنصار للقيادي السلفي حازم صلاح أبو إسماعيل. وقال أبو إسماعيل في كلمة في التحرير إن إسلاميين يمكن أن يعتصموا في الميدان بعد مظاهرات يمكن أن تنظم يوم الجمعة المقبل تأكيدا على مطلب تطبيق االشريعة. وهتف متظاهرون “بالروح بالدم نفديك يا إسلام” و”عيش (خبز).. حرية.. شريعة إسلامية” معدلين شعار الانتفاضة “عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية”.

ورفع المتظاهرون ومعظمهم ملتحون رايات سوداء وحمراء وبيضاء كتب عليها “لا إله إلا الله محمد رسول الله”. وهتفوا بعد صلاة الجمعة في بداية تظاهرهم “الشعب يريد تطبيق شرع الله” و”إسلامية إسلامية رغم أنف العلمانية”. ويقول بعض المطالبين بتطبيق الشريعة إن تأييدهم لمرسي سينتهي إذا لم يلب الدستور الجديد مطلبهم.

وقال محمد الصغير خطيب الجمعة الذي ينتمي لحزب البناء والتنمية والذي كان عضوا في مجلس الشعب الذي حل هذا العام بحكم من المحكمة الدستورية العليا “الشعب سيظل يهتف: الشعب يريد إسقاط النظام ولن يقبل بنظام رأسه إسلامي ودعامته مباركية” في إشارة إلى بقاء مسؤولين من عهد مبارك في الحكومة التي شكلها مرسي. وأضاف “لن نقبل بخلط اللبن بالخمر”. وقال خطيب الجمعة في مسجد الخليل إبراهيم بحي المعادي في جنوب القاهرة قبل مسيرة توجهت إلى التحرير “من يتوقع أن الشريعة الإسلامية ستطبق من خلال الديمقراطية فهو واهم”.

وقال القيادي السلفي حافظ سلامة في كلمة ألقاها عبر واحدة من ثلاث منصات أقامها المتظاهرون “يزعجنا جدا جدا جدا جدا من محمد مرسي أنه عاهد الله كثيرا على تطبيق شرع الله لكنه نكث نكث نكث بعهده”. وأضاف “لم ولن نتهاون في ديننا. (إما) الحكم بشرع الله وكتابه أو شهادة في سبيل الله”.

وهتف متظاهرون “يا دكتور مرسي الشريعة فوق الكرسي” في إشارة إلى رأي لهم يتمثل في أن تطبيق الشريعة يجب أن يشغله أكثر من الرئاسة. ويطالب المتظاهرون أيضا بأن يتقدم النائب العام المستشار عبد المجيد محمود باستقالته. ورفض مئات القضاة في اجتماع لناديهم يوم الخميس 8 نوفمبر نصوصا في مسودة الدستور خاصة بالقضاء. كما رفضوا مسعى من يطالبون النائب العام بالإستقالة.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 9 نوفمبر 2012)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية