مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مأساة أليمة في لوكارنو تعيد طرح ملفات ساخنة

Keystone

أثار مقتل شاب سويسري تعرّض لاعتداء وحشي من طرف ثلاثة شبان من نفس السن مساء الجمعة 1 فبراير لدى الاحتفال بكرنافال لوكارنو، موجة من التأثر والاستياء والصدمة في المدينة وفي كامل سويسرا.

وفي الوقت الذي يحيط التحفّـظ الشديد بسير التحقيق، لم يُـعرف إلى الآن سبب حادثة القتل الخطرة، كما أن الأصول البلقانية للمجرمين الثلاثة تركت آثارا عميقة في صفوف الرأي العام.

“من الآن فصاعدا، لن نكون أبدا مثلما كنا عليه في السابق”، هذه الكلمات التي وردت على لسان كارلا سبيتزيالي، عمدة مدينة لوكارنو، جنوب سويسرا، تُـلخِّـص بأقصى قدر من التحفّـظ والتركيز شعورا عميقا يشاطره الجميع في المنطقة.

هذا الشعور يمزج بين الاستنكار وعدم التصديق والغضب والألم، وكان ملموسا عشية الأحد 3 فبراير أثناء المسيرة الصامتة، التي نظمت في المدينة بمشاركة آلاف الأشخاص.

وقالت كارلا سبيتزيالي في كلمة ألقتها قُـبالة مستشفى الرحمة في لوكارنو، مرتدية معطفا أسودَ والتأثر يكاد يطغى على صوتها “إن ما حدث يوم الجمعة خلّـف آثارا عميقة لدينا جميعا، من الآن فصاعدا، لن نكون أبدا مثلما كنا عليه في السابق. أدعوكم إلى الوقوف دقيقة صمت”.

وكان واضحا في التجمّـع الصامت والمكثّـف للحضور، الحجم الثقيل للمأساة غير المسبوقة، التي هزّت المدينة وسكانها.

وبعد أيام قليلة من العنف الوحشي الذي أودى بحياة شاب في مقتبل العمُـر (22 سنة)، لا زالت الأسئلة التي تبحث عن جواب لها، عديدة، وهي تمتزج بردود الفعل العاطفية وتعليقات الطبقة السياسية المتباينة والمتعارضة أحيانا. فالجميع يطالب بالعدالة، ولكن ليس بنفس الأسلوب، لذلك، جاءت دعوة كارلا سبيتزيالي الملحّـة للتحذير من عدم استغلال (أو استعمال) وفاة داميانو.

في الأثناء، أعلن المدعي العام والشرطة في كانتون تيتشينو، أن الاتهام الموجّـه للشبان الثلاثة قد اتّـسع ليشمل جريمة القتل المتعمّـد بالإضافة إلى تهمة الاعتداء.

مأساة غير مفهومة

لا يوجد شك (كما أنه لا مفرّ من الإقرار بذلك) في أن الأصول البلقانية للمعتدين الشبان الثلاثة (إثنان منهما متحصلان على الجنسية السويسرية)، قد أثارت ضجّـة كبيرة، يضاف إلى ذلك أن أحد هؤلاء الشبان قد تكون له بعض السوابق الصغيرة.

لكن، ما الذي دار بخلد الشبان الثلاثة (اثنان منهما لا زالا يواصلان تدريبهما المهني، فيما يعمل الثالث بائعا)؟ لا أحد يُـمكن له أن يؤكّـد ذلك بشكل قاطع.

في المقابل، تفرض السلطات القضائية أقصى قدر من التكتّـم والتحفّـظ على القضية وعلى كل المعطيات التي تتعلق بكيفية سير الأحداث.

الصحافة المحلية، التي أوردت عدة فرضيات، استنادا إلى تسريبات وشهادات، تحدّثت عن خلافات اندلعت بين مجموعتين مختلفتين داخل إحدى الخيام، التي عادة ما تقام في فترة الاحتفال بالكرنافال، كما تمّ التلميح إلى إمكانية حدوث استفزازات أو صدور بعض الكلمات التي لم تكن في محلّـها.

لا شك في أنه لا يُـوجد أي مُـبرر للمأساة التي حدثت، فقد تم اغتيال داميانو ضربا وتُـرك مرميا حتى الموت في أحد أنهج المدينة القديمة، التي كانت تعجّ بالمارة. ويبدو أن أحدا لم يشعر بأي شيء، إضافة إلى أن الشبان الثلاثة واصلوا المشاركة في الاحتفالات في بلدات أخرى، وكأن شيئا لم يكن.

في المقابل، تمكّـنت الشرطة من إلقاء القبض عليهم في غضون ساعات معدودة، على الرغم من أن المهمة لم تكن سهلة، نظرا لارتداء عدد كبير من المشاركين لأقنعة تغطي وجوههم.

لا تسامح

مثلما كان متوقعا، أحدثت مأساة لوكارنو رجّـة عنيفة في كافة أنحاء كانتون تيتشينو واجتاحت أصداء الحادث، الذي لا يكاد يُـصدَّق، جميع أرجاء سويسرا.

وعلى الفور، ارتفعت الأصوات مطالبة باتخاذ عقوبات سريعة ونموذجية، نظرا لأن ما حدث خطير جدا، ولأن تصرّفات عنيفة ووحشية من هذا القبيل لا يُـمكن التسامح معها على الإطلاق. في الوقت نفسه، صدرت دعوات تحُـث على عدم ترك المجال لانحرافات عنصرية خطيرة، ترمي إلى تغذية الكراهية (التي تجلب بدورها العنف) وعلى عدم وضع الجالية البلقانية برمّـتها في كيس واحد وتحميلها مسؤولية أفعال شخصية.

“رابطة سكان تيتشينو” وحزب الشعب السويسري (يمين متشدد) اشتركا في المطالبة بطرد المعتدين من خلال السحب الفوري للجنسية السويسرية. وفي هذا السياق، نددت الرابطة بما اعتبرته تساهلا مبالغا فيه في منح الجنسية وعدم اندماج الأشخاص القادمين من ثقافات أخرى في المجتمع.

حزب الشعب السويسري (أكبر الأحزاب الممثلة في البرلمان)، تحدّث من جهته عن “دليل آخر عن العنف المستورد”، مضيفا بأنه “لا يهم ما إذا كان مجرمو لوكارنو من السويسريين المتجنّـسين أم من السلافيين فحسب. المهم، هو أن العنف الذي مارسوه ذو أصول سلافية”، والواضح، أن حزب الشعب يغتنم الفرصة لانتقاد أولئك الذين يريدون أن “تنحطّ سويسرا عبر تعددية ثقافية مبالغ فيها وتتخلى عن الدفاع عن ثقافتها وتقاليدها”.

السيد لويجي بيدراتسيني، وزير الشؤون الداخلية في الحكومة المحلية لكانتون تيتشينو، أدلى من جهته بتصريحات شديدة النبرة، قال فيها “من الظلم التعميم والقول بأن جميع الكرواتيين أو جميع البوسنيين عنيفون أو خطرون، لكنه من الخطأ أيضا التظاهر بعدم وجود مشاكل مع بعض سكان يوغسلافيا السابقة”.

لا تطلقوا “مطاردة الساحرات”

في مقابل ذلك، صدرت عن العديد من الجهات نداءات تحُـث على عدم الإنحاء باللائمة على الجاليات البلقانية بأكملها وإلى عدم تأجيج نار “مطاردة الساحرات” (أي التهجم على الأجانب من أصول بلقانية والتحريض ضدهم)التي بدأت بعد على بعض المدونات الألكترونية في التيشينو، فالمحاكمات الفورية والعاجلة خطيرة جدا في الواقع.

ويُلاحظ فولفيو بيتسانتي، رئيس لجنة الإندماج ومكافحة العنصرية في الكانتون، أنه “من الضروري أن تأخذ العدالة مجراها من أجل أن تتوصل إلى معرفة ما حدث بكل دقة. أما القفز إلى النتائج بدون معرفة الوقائع فهو خطأ”.

إن انتظار قيام العدالة بتوضيح حقيقة ما حدث لا يمثل شكلا من أشكال احترام للألم العظيم الذي أصاب من فقد ابنا في ظروف بالغة القسوة والوحشية فحسب بل لألم وحيرة عائلات المعتدين الذين توجهت إليهم أصابع الإتهام ونظرات الإدانة. فقد قال والد أحد الشبان الذين ارتكبوا الجريمة: “ليس هناك ما يُقال. يمكننا فقط أن نقدم التعازي إلى عائلة داميانو وأن نقول إننا نشعر وكأننا من سكان التيشينو”.

في الأثناء، تتراكم باقات الزهور والرسائل القصيرة ويتواصل تدفق الشموع والقناديل المضاءة بدون انقطاع في شارع “بورغازي” الذي قتل فيه داميانو، دون أن تتمكن من تبديد الأجواء الرمادية السائدة.

سويس انفو – فرانسوا غيهرينغ – لوكارنو

(ترجمه من الإيطالية وعالجه كمال الضيف)

تحظى المسائل الأمنية باهتمام كبير في احتفالات الكرنفال الموسمية التي تجري في كانتون تيتشينو (جنوب سويسرا)، بدءا بأضخمها المعروف باسم “Rabadan” في مدينة بيللينزونا الذي أدى منذ بضعة أعوام إلى إحاطتها بسياج أمني صارم حيث لا يمكن الدخول إلى مدينة الكرنفال إلا عبر بوابات محروسة.

وفي كرنفال “Stranociada” بمدينة لوكارنو، كُلف 12 عون حراسة والعديد من رجال الشرطة بحراسة نقاط متفرقة في عدد من الشوارع والساحات في المدينة العتيقة.

سجلت أعمال عنف أخرى في أماكن متفرقة من سويسرا أثناء احتفالات الكرنفال التقليدية التي تقام سنويا في نهاية فصل الشتاء. ففي مدينة خور (كانتون غراوبوندن) تعرض شاب للضرب من طرف 5 آخرين لكن الجريمة التي جدت في لوكارنو تظل من أخطر الحوادث التي عرفتها السنوات الأخير

في الوقت الذي لا زالت مشاعر الصدمة تهز سكان كانتون تيشينو والسويسريين عموما إثر الحادثة المأساوية التي بدأت تغذي مشاعر عداء للأجانب، صدر عن عائلة القتيل داميانو تاماني درس رائع في التحضر الراقي.

ففي رسالة وجهتها إلى وسائل الإعلام، تطلب العائلة “احتراما لداميانو ولمصيبتنا العظيمة، عدم استغلال وفاته المأساوية للترويج للكراهية والعنصرية”.

وتضيف العائلة في نفس الرسالة ” نعتقد أنه يجب معاقبة قتلة ابننا بشدة وبطريقة نموذجية كأشخاص وذلك بغض النظر عن أصولهم. إننا نريد أن تكون وفاة داميانو محفزا على وضع نهاية لثقافة العنف المجاني هذه ابتداء من المدارس وانتهاء بالتظاهرات الرياضية”.

ينص الفصل 48 من قانون الجنسية السويسري (الذي أشارت إليه أحزاب اليمين المتشدد في كانتون تيتشينو) على إمكانية سحب الجنسية السويسرية والمواطنة في الكانتون والإنتماء البلدي عن شخص يحمل جنسية أخرى إذا ما كانت تصرفاه خطيرة وتلحق الضرر بمصالح سويسرا أو بسمعتها.

لا يمكن اتخاذ قرار بسحب الجنسية السويسرية إلا في حالات خطيرة جدا مثل صدور حكم على الشخص لارتكابه جرائم حرب.

بالنسبة للسكان الأجانب، يتضمن القانون الفدرالي للأجانب عسلسلة من الإجراءات تشمل: حظر الدخول إلى سويسرا وإلغاء تراخيص الإقامة وعدم تجديد التراخيص الممنوحة.

أطلق حزب الشعب السويسري “مبادرة شعبية لطرد المجرمين الأجانب”، ولا زالت في مرحلة تجميع التوقيعات من المواطنين لفرض إجرائها في وقت لاحق.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية