مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الصّراع حول سوريا يستبطن مُواجهة حول مستقبل الشرق الأوسط

منظر جوي للفندق الذي يُنتظر أن تلتئم فيه الجلسة الإفتتاحية لمؤتمر جنيف - 2 يوم الأربعاء 22 يناير 2014 في منتجع مونترو المطل على بحيرة ليمان غرب سويسرا. Keystone

قبل أقل من يومين من موعد التئام مؤتمر جنيف - 2 حول سوريا، في حال انعقاده، لا يزال السؤال معلَّقاً في الهواء حول المضمون الحقيقي لهذا المؤتمر: هل هو حقّاً لحلّ الأزمة السورية، أم هو في الواقع منبَر "مُفيد" لتسوية الصِّراعات بين الدول الكبرى حول طبيعة النظام العالمي الجديد وملامحه؟

مبرِّرات هذا السؤال واضحة: فالنظام السوري فقَـدَ منذ أشهُر المبادرة الإستراتيجية، حين سلّم كل أوراقه لروسيا وإيران، مع حلفائها الشيعة في لبنان والعراق. والمعارضة المسلّحة فقدَت نفسها هي الأخرى، حين انغمست في حرب أهلية داخلية وباتت مُعتمدة كلِياً في التمويل والتسليح على القِوى الخارجية، وهذا، جنباً إلى جنب مع التبعثُـر الأسطوري للمعارضة السياسية السورية في الخارج، أخرج الحرب في سوريا من سياقها الداخلي ووضعها برُمَّتها تقريباً في أحضان القوى الدولية والإقليمية. ومنذ ذلك الحين، بات قرار الحرب والسلام في بلاد الأمَويِّين يمُر عبر واشنطن وموسكو، ويتراقص على أبواب الرياض وطهران وأنقرة، وصولاً حتى إلى أقاصي الشرق الآسيوي في بلاد الهان (الصين).

جيمي كارتر، الرئيس الـتاسع والثلاثون للولايات المتحدة، عبّر عن حقيقة التدويل والأقلمة (مشتقة من إقليم) الكاملة للأزمة السورية بالقول، أن “الحرب السورية باتت حرباً لا تُربح. ولأن القِوى السورية ترفُض بعضها البعض، فإن مفاوضات مؤتمر جنيف – 2 قد تفشل. ولذا، لا مناص من منح الأولوية للحلول الخارجية، وبالتالي، مِن قيام الدول الكبرى بفرض الحلول على السوريين”.

وهذا ما رآه أيضاً خافيير سولانا، مسؤول الشؤون الأمنية والخارجية السابق في افتحاد الأوروبي، الذي قال “إن نفض الغُبار عن قرارات جنيف – 1  بعد سَنة من توقيعها، خُطوة إيجابية، لكنها عرضة إلى مخاطر جمّة قد تطيح الكيان السوري نفسه وتفجِّر الوضع الإقليمي برمّته. ولكي يتجنّب الغرب هذا المصير الذي يهدِّد مصالحه، يتعيّن عليه تصعيد مناوراته الدبلوماسية وجعل إنهاء الصراع على رأس أولوياته، بدل أن تكون الطموحات السياسية لدوله هي هذه الأولويات، كما هو الأمر الآن (…)”.

جبهتان وصفقات

كلام واضح؟ بالتأكيد. لكنه يبدو أيضاً كلاماً رغائبياً إلى حدٍّ كبير أو هو على الأقل ينتظر مآل الصفقات على جبهتين متلازمتين: جبهة العلاقات الأمريكية – الروسية، وجبهة الحوارات الأمريكية – الإيرانية.

على الجبهة الأولى، برزت متغيِّرات واضحة خلال الشهرين الماضيين. فقد تمكّنت واشنطن وموسكو فجأةً من إبرام صفقة لم تخطر على بال، حين توافقتا على تفكيك التّرسانة الكيمائية السورية “في أسرع وقت ممكن”، وبالتالي، على وقف الضربة الجوية – الصاروخية الأمريكية المقرّرة ضد النظام السوري، وهذا فتح الأبواب على مصراعيها أمام العاصمتيْن كي توصِلان ما انقطع بينهما من مساومات حول الأزمة السورية عام 2012. وهكذا وُلدت صيغة مؤتمر جنيف – 2، ومن ثم ألمح كل من الوزيران لافروف وكيري أن أيّ طرف سوري يُعارض حضور هذا المؤتمر “سيتعرّض إلى عقوبات روسية وأمريكية صارمة”.

الوفاق الروسي الأمريكي حِيال سوريا شمل أيضاً استعداد واشنطن لمنح موسكو الدّور الأبرز في حلّ الأزمة السورية، هذا علاوةً على الوِفاق الأهم المُتعلِّق بحربهما ضدّ منظمات التطرّف الإسلامي، التي اجتاحت المشرق العربي.

صفقة لا وفاق..

في الأثناء، اتضح أن فتح الأبواب لم يعنِ تبخّر التبايُن في وجهات النظر حول طبيعة الحلول في سوريا. وهنا دخلت على الخطّ مُعطيات الجبهة الثانية، أي الحوارات الأمريكية – الإيرانية. فقد كانت طهران، ومعها موسكو، تضغطان بقوّة لتحويل الإتفاق النووي الإيراني – الغربي إلى مدخَل لاتِّفاقات إقليمية حول مسألة النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط. موسكو تحمّست لهذه الفِكرة، ليس لأنها تعتبِر إيران حليفاً يُعتدّ به (الشكوك حول النوايا بين البلدين تاريخية كما هي آنية وأيديولوجية)، بل لأنها تعرف أن نفوذها على النظام السوري لا يكتمل من دون ضوء أخضر إيراني.

بيْد أنه لم يكن وارداً بالنسبة إلى واشنطن قبول مشاركة إيران في جنيف – 2 لسببيْن مُقنعيْن: الأول، أن إيران كانت ستسعى، في حال حضورها المؤتمر، إلى نسف مقرّرات جنيف – 1، لأنها تعتبِر بقاء الأسد في السلطة (حتى إشعار آخر)، ورقة ثمينة لا يجب التفريط بها بسهولة.

والثاني، أن واشنطن ليست مستعدّة لا الآن ولا بعد عقديْن لاستبدال تحالُفاتها السعودية والخليجية والتركية والإسرائيلية، بحِلف إقليمي مُنفرد مع إيران. كل ما تريده إدارة أوباما في هذه المرحلة، هو سحب أمريكا من جلجلة حروب “مبدأ كارتر”، التي جعلها قوّة إقليمية تدخلية في كل شؤون الشرق الأوسط، ووضعها في سفينة قيادة حربية قبالة الشواطئ المتوسِّطية، لتُدير من هناك كالمايسترو لُعبة موازين القِوى من بعيد.

راي تقية، الباحثُ الأمريكي، الإيراني الأصل، أوضح هذه النقطة بالتحديد، حين شدّد على أن أمريكا “في حاجة إلى صفقة نووية مع إيران، لكن ليس إلى وِفاق (إقليمي) معها، وحذّر من أن إيران، كما الإتحاد السوفييتي قبلها، قد تحاول فهْم اتفاقات الحدّ من التسلّح، على أنها تأشيرة دخول إلى عملية توسيع النفوذ الإقليمي، خاصة في سوريا إضافة إلى العراق”.

من هنا جاء رفض كيري لمشاركة إيران في جنيف – 2 قبل أن تُعلن هذه الأخيرة أولاً موافقتها على قرارات جنيف – 1 حول عملية انتِقال السلطة، بما في ذلك تحديد مصير رئاسة الأسد، وهذا ما يجعل الصّراع حول سوريا، سواء عبر مفاوضات جنيف – 2 أو خارجها، صِراعاً في الواقع على مستقبل الشرق الأوسط برمّته، وِفقاً لموازين القوى الدولية والإقليمية الجديدة فيه.

المزيد

المزيد

نُشطاءُ من سويسرا يتحدّون المخاطر لنجدة ضحايا الحرب والجوع

تم نشر هذا المحتوى على يتردَّد أوسكار أسد الله مختار بيرغامين – مؤسس جمعية “الشام للرِّعاية” السويسرية (Ash-Sham Care) بزيورخ في شهر فبراير 2013 – باستمرار على حلب ومُدن سورية أخرى، انطلاقا من تركيا. عندما اتصلت به swissinfo.ch مؤخّرا عبر الهاتف، كان هذا السويسري الألماني المُعتنق للإسلام في طريقه من مدينة عنتاب التركية على بُـعد بضعة كيلومترات عن الحدود الشمالية لبلاد الشام،…

طالع المزيدنُشطاءُ من سويسرا يتحدّون المخاطر لنجدة ضحايا الحرب والجوع

بيدق في لعبة شطرنج

ماذا تعني كل هذه المعطيات؟ إنها تعني ببساطة، أن جنيف – 2، في حال انعقاده كما أشرنا، سيكون في الواقع مجرّد “استراحة مُحارِب”. فترة هُدنة بين حربيْن أو على الأقل منبراً تطرح فيه القِوى الدولية والإقليمية المعنِية، شروطها وشروطها المضادّة ومطالبها الخاصة بالنفوذ في الإقليم الشرق أوسطي.

أما سوريا نفسها، فستبقى بيدقاً في لُعبة شطرنج دولية كُبرى جديدة، يُفتَـرض أن يولَد من رحمها نظام دولي جديد، بدأت معالِمه تتّضح شيئاً فشيئاً في استراتيجية الإستدارة الأمريكية شرقاً نحو آسيا (Pivot)، وفي التحالف (المؤقت) الصيني – الروسي لتقليم أظافر الزعامة الأمريكية في العالم عبْر كلٍّ من سياستيْ “القضم التدريجي” الروسية الشهيرة و”الصّبر التاريخي” الصيني الأشهر، وفي بروز مجموعتيْ العشرين و”البريكس” كبديل عن مجموعة السبعة الكبار الغربية (مع روسيا لاحقا) التي حكمت العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

وحين يبرز هذا النظام العالمي الجديد، الذي يجد الآن في جنيف – 2 إحدى تمخّضات ولادته، قد ينجلي المشهد عن خريطة شرق أوسط جديدة يحلّ فيها لافروف وكيري (أو مَن يخلفهما) مكان سايكس وبيكو، ويُعاد رسم خرائط الدول من جديد، انطلاقاً من سوريا أولاً ثم العراق.. أو العكس.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية