مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

ما السرّ وراء تدفق المُهاجرين على جنيف؟

في الوقت الحاضر، يسعى المُهاجرون من ذوي الكفاءات القادمون من بلدان الإتحاد الأوروبي للإستفادة من سوق العمل السويسرية التي تمر بأوضاع جيّدة نسبيا قبل شروع السلطات في تطبيق نظام الحصص (للعمال الأجانب) بعد أن وافق الناخبون في 9 فبراير 2014 على إعادة العمل به. Keystone

استقر حوالي 8300 مقيم جديد في جنيف خلال عام 2014 أساسا من أجل العمل، فيما يُعتبر أوضح زيادة في عدد سكانها منذ ستينات القرن الماضي. فمن هم هؤلاء الوافدون الجدد؟ وما الذي قادهم إلى هناك؟ swissinfo.ch إلتقت البعض منهم للوقوف على الأسباب واستطلاع حقيقة الأمر. 

يقول سيباستيان، وهو شاب في العشرين من العمر من فرنسا، عثر مؤخرا على عمل بدوام كامل كبائع في مجال الإلكترونيات في هذه المدينة الواقعة أقصى غرب سويسرا: “بإمكاني أن أكسب هنا ثلاثة أضعاف ما أحصل عليه في فرنسا”. 

ويضيف سيباستيان: “قمت بالعديد من المقابلات في جنيف وفي فرنسا، ولكن الوضع هنا أفضل من حيث جودة الحياة والمرتّب. قد يحتاج العمل هنا إلى وقت أطول قليلا من أي مكان آخر، لكن الأمر يستحق ذلك”. 

في السياق، أكّد تقرير أصدرته مؤخرا كتابة الدولة السويسرية للشؤون الإقتصاديةرابط خارجي أن الفرنك القوي قد تحوّل إلى عنصر جذب للعمال الأجانب الراغبين في الإستفادة من فارق العملة. 

وكشف هذا التقرير ارتفاعا ملحوظا في عدد هؤلاء العمال المُشابهين لـحالة “سيباستيان” من المناطق الحدودية للبلدان المجاورة. ويشكّل العمال الاجانب حوالي 20% من اليد العاملة في المدن الحدودية مثل جنيف وبازل، وأزيد من الثلث في كانتون التيتشينو الجنوبي، المتحدث بالإيطالية. 

في النصف الأوّل من عام 2015، فاق عدد المهاجرين الذين تحوّلوا إلى مقيمين دائمين في سويسرا 38.000 نسمة. ووفقا للأرقام التي كشف عنها تقرير لكتابة الدولة للهجرة التابعة لوزارة العدل والشرطة، استضافت الكنفدرالية التي يبلغ عدد سكانها 8.2 مليون ساكن، قرابة مليونيْ أجنبي في موفى شهر يونيو الماضي،  وينحدر غالبية هؤلاء المهاجرين من بلدان مثل إيطاليا، وألمانيا، والبرتغال، وفرنسا، وكوسوفو. وما بين شهريْ يناير ويونيو 2015، قدم قرابة 76.000 مواطن من هذه البلدان الاوروبية إلى سويسرا للعمل، وقد استفاد البعض منهم من رخص الإقامة القصيرة المدى. 

في العام المنقضي، بلغ عدد المهاجرين 73.000 شخص، وهم رقم أدنى بقليل من السنوات الست السابقة. وهؤلاء الأجانب الذين قدموا إلى سويسرا للإقامة أو للبحث عن عمل هم بالأساس من أصحاب المهارات والكفاءات، وينتمون (هم وعائلاتهم) إلى بلدان الإقتصاديات الأوروبية التي ضربتها أزمة إقتصادية مستحكمة منذ عدة سنوات. 

في السياق، سجل كانتون جنيف (مقارنة ببقية الكانتونات الست والعشرين) أكبر زيادة في عدد السكان منذ ستينيات القرن الماضي. ومن بين 8.334 مقيما جديدا، جاء 21% منهم من فرنسا، و9% من البرتغال، و8% من إيطاليا، فإسبانيا وبريطانيا. 

محتويات خارجية

حسب التوزيع الجغرافي، ينتمي أزيد من 60% من الحاصلين على تراخيص الإقامة الجديدة في كانتون جنيف من بلدان الإتحاد الأوروبيرابط خارجي أو من البلدان الأعضاء في الرابطة الأوروبية للتبادل التجاري الحر رابط خارجي(إيفتا) وقدموا إلى سويسرا من أجل العمل. وبالفعل، كان أداء الإقتصاد السويسري جيّدا نسبيا وظلت سوق الشغل مستقرّة إلى حدّ بعيد، على الرغم من أنه من المنتظر أن يؤثّر الفرنك القوي سلبا على نسبة النمو وفرص التشغيل. 

وخلال عرضه لأرقام واحصاءات شهر يونيو 2015، أكّد بيار موديه، وزير الإقتصاد في حكومة جنيف المحلية أن زيادة عدد السكان تؤكّد “جاذبية الكانتون وحيوية اقتصاده”. 

الآفاق المبشّرة لسوق العمل والأجور المرتفعة اجتذبت مؤخرا بان*، وهو مواطن بريطاني متخصص في تكنولوجيا المعلوماتية إلى جنيف. ورغم أن الوظائف في هذا المجال قد انتعشت في العاصمة البريطانية لندن، منذ 2013، كما توجد فرص جيّدة للعمل هناك، يقول بان* الذي انتقل للعيش في جنيف في شهر أبريل الماضي حيث يعمل في إدارة الموجودات: “توجد فرص هنا في جنيف لمن يبحث عن فرص أفضل، وعن شركات أحسن”. 

في الأثناء، أثّر الوضع الإقتصادي الجيّد والفرنك القوي وفرص العمل على تدفّق العمال المهاجرين. فقد أشار آخر توقّع نشره مصرف كانتون جنيفرابط خارجي إلى أن النمو الإقتصادي في هذه الجهة لن يتجاوز (0.7% من إجمالي الناتج المحلّي في عام 2015، و0.8% في عام 2016)، مقارنة ببقية مناطق البلاد (0.9% في 2015، و1.3% في 2016). إضافة إلى ذلك، تعرف جنيف معدل بطالة أعلى من المستوى الوطني (5.4% مقابل 3.4%)، لكنه يظل أدنى بكثير من معدل البطالة المسجل على المستوى الأوروبي البالغ 9.7%. 

swissinfo.ch

في 9 فبراير 2014، دفعت عوامل شتى من بينها اضطرار البعض إلى شغل وظيفتين في آن واحد، والضغوط المُسجّلة في مجال السكن والنقل والبنية التحتية عموما، الناخبين إلى التصويت لصالح اعتماد إجراءات (لم تصغ بعدُ بقانون مضبوط) تحد من عدد العمال الأجانب القادمين إلى سويسرا.

في هذا الصدد، يقول برنارد غوت، مدير مكتب شؤون السكان والهجرة بجنيف: “إنه من المفارقة ربط البعض بين الزيادة الأخيرة في عدد السكان في جنيف وإستفتاء العام الماضي”.

ويضيف غوت: “بدلا من القول أن هناك زيادة في عدد الوافدين الجدد، مثل الظاهرة التي رأيناها في عام 2003، عندما دخلت اتفاقية تنقل الأشخاص حيز التنفيذ، أعتقد أن ما يفسّر هذه الزيادة هو تراجع عدد المقيمين في الكانتون في عام 2014”. هذا التفسير يشاطره كذلك فليب وانّير، أستاذ النمو الديمغرافي بجامعة جنيف.

ويقول هذا الخبير: “من نتائج اقتراع فبراير 2014 الهادف إلى الحد من الهجرة تخلّي الأشخاص الذين يعيشون في جنيف وكانوا يعتزمون الإستقرار في فرنسا المجاورة عن تلك الفكرة خشية عدم تمكنهم من العودة إلى سويسرا عندما يدخل القانون الجديد أو أي تغييرات أخرى حيّز النفاذ”. 

كذلك من النتائج العكسية لذلك الإستفتاء، والتي يُنتظر أن يُشرع في تنفيذها ابتداء في عام 2017، تعجيل العديد من المهاجرين الأوروبيين بالقدوم إلى سويسرا مبكرا بالمقارنة مع كانوا يُخططون له سابقا.

محتويات خارجية
ورغم أن الأسباب الإقتصادية تأتي على رأس قائمة الحجج التي يسُوقها طوني* هذا الطباخ الإيطالي الشاب للقدوم إلى جنيف في العام الماضي لفتح مطعم يوفّر الماكولات المتوسطية “بأسعار مقبولة”، لكن المبررات ليست اقتصادية فحسب. 

ويوضّح ذلك فيقول: “أحبّ الأماكن التي تسير فيها الأمور بشكل صحيح. في دبي، حيث كنت من قبل، كان إقامة مشروع تجاري أمرا صعبا جدا. ويُصرف الكثير من الجهد والوقت بسبب البيروقراطية، وهناك شروط أخرى مثل العثور على شريك محلّي. أنا من أولئك الأشخاص الذين لا يحترمون كثيرا القواعد المرسومة مُسبقا. ولكنني أحببت احترام المواعيد والدقة في كل شيء التي أجدها في جنيف. إنهم يفعلون ذلك خدمة للحرفاء من دون حرص كبير على الربح. وهذا هو بالضبط ما جعلني أكره إيطاليا”. 

ولكن الأمور ليست دائما هكذا على ما يُرام. وبالنسبة لبان*، فإن “صعوبة العثور على سكن هو مبعث للإحباط. أقيم حاليا مع صديق وأنا بصدد البحث عن شقة. ولكن تأجير شقة بسرير (أستوديو) بـ 2000 فرنك إلى 3000 فرنك أمر مرّوع. إنها جميعها شقق ضيقة وتفتقد إلى النوعية الجيدة”. 

فرملة النموّ

لا زالت علامات الإستفهام تحوم حول إعادة العمل نظام الحصص المُزمع استئنافه قريبا في سويسرا بشأن العمال الأجانب. في الأثناء، تأمل السلطات المحلية في المناطق الحدودية من البلاد أن يُنصت المسؤولون الفدراليون في برن إلى حُججها وأن يعتمدوا نهجا متمايزا يُلبّي احتياجاتها الإقتصادية الخاصة.  

في هذا السياق، يقول وانّير: “كل ما في الأمر أن السياسيين غير قادرين على كبح جماح الهجرة. فعندما حاولت فرنسا وألمانيا غلق حدودها خلال أزمة النفط (في عامي 1974- 1975)، أسفرت النتيجة آنذاك عن ازدياد حركة الهجرة غير الشرعية. والسؤال المطروح: إلى أي حدّ سيكون الساسة السويسريون مستعدين لتحمّل التبعات السياسية والإجتماعية لإختيار من هذا القبيل؟”.

وفي الوقت الذي ارتفع فيه عدد السكان المحليين بشكل مُطرد خلال السنوات الأخيرة، يرى وانّير أن “النقص الواضح في مجال السكن في جنيف قد يتحوّل إلى كابح للنمو في المستقبل”.

ويضيف: “جنيف هي واحدة من بين عدد قليل من الكانتونات السويسرية حيث المساحات المسموح باستغلالها لتوفير السكن أبطأ من حركة النموّ السكاني. ويوجد مشروع أو مشروعان لتدارك ذلك. لكن هناك تلكأ في تنفيذهما. ومن المرجّح أن يتباطأ النموّ الديمغرافي في جنيف خلال العقد القادم، بينما يُتوقّع أن يزيد في المناطق المجاورة”.

*تم حجب الأسماء الحقيقية  

(نقله من الإنجليزية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية