مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

المعادلة الصعبة بين تحقيق الإكتفاء الذاتي والحفاظ على الموارد

Selbstversorgung_Self-sufficiency_Landwirtschaft
لا تنتج سويسرا سوى نصف المنتجات الغذائية التي تحتاج إليها، اما ما تبقى فتستورده من بلدان أخرى Emanuel Ammon/AURA

حالة التوازن المطلوبة في المجال الغذائي هو أن يتوفّر ما يكفي من الإنتاج الزراعي للاستهلاك وللتصدير. لتحقيق ذلك، ثلاث مبادرات شعبية سويسرية منفصلة عن بعضها البعض تهدف إلى تشجيع الزراعة السويسرية والأمن الغذائي المستدام ينتظر أن تشغل الساحة السياسية في المستقبل القريب. 

في شهر يوليو الماضي، نظمت مجموعة من المزارعين تظاهرة في شوارع العاصمة السويسرية وكان موكبا متعدد الألوان لعرض المنتجات الزراعية. ونجحوا بهذه المناسبة في جمع حوالي 150.000 توقيع في فترة قياسية لم تتجاوز ثلاثة أشهر لدعم مبادرة تدعو إلى تعزيز الامن الغذائي.

هذه الخطوة التي أقدم عليها الإتحاد السويسري للمزارعينرابط خارجي لا تقدّم فقط الدليل على فعالية هذه المنظمة، بل ايضا تعطي الإشارة إلى أن القضايا الزراعية تحظى بشعبية وبأهمية لدى المواطنين في هذا البلد.

وفي وقت سابق من هذا العام أطلق حزب الخضررابط خارجي نفسه مبادرة رابط خارجي تدعو إلى تشديد معايير الجودة بالنسبة للأغذية المستوردة. وتهدف مبادرته التي اطلق عليها “أغذية عادلة” إلى تشجيع الإنتاج المستدام في سويسرا كما في خارجها.
وبالنسبة لمايا غراف، البرلمانية بهذا الحزب والناشطة في مجال الزراعات العضوية، من المهمّ جدا ضمان امدادات غذائية صديقة للبيئة، ومنتجة ضمن شروط عادلة.

وتقول غراف: “الغذاء ليس كأي سلعة اخرى يمكن نقلها من مكان على آخر كما يفعل مع الساعات. إنه منتج حساس يؤثّر على حياة الناس وعلى البيئة وعلى المناخ”. قبل أن تضيف: “الأمن الغذائي مهم أيضا”.

وفي الشهر المقبل، ينتظر أن يجري تحرك آخر مختلف نوعا ما ويأتي بمبادرة من منظمة “Uniterre”رابط خارجي، الجناح اليساري لحركة المزارعين.

في مبادرتهم التي سيطلقونها في شهر سبتمبر المقبل، تريد من الحكومة أن تدعم الحصول على “غذاء صحي من أنظمة زراعية متنوعة” تغطي تكاليفها الخاصة وتتناسب مع الإنتظارات الإجتماعية والبيئية للناس.

الإكتفاء الذاتي

تستورد سويسرا اكثر مما تصدّر، وظل الإنتاج المحلّي على حاله في السنوات الاخيرة كما يظهر من الرسم البياني التالي:

محتويات خارجية

وتركز مبادرة كل من منظمة Uniterre واتحاد المزارعين على زيادة الإنتاج الغذائي في سويسرا، لكنهما لا يضعان نسبا محددة.

ويبلغ معدل الإكتفاء الذاتي من المواد الغذائية في سويسرا حاليا 64% ويبلغ معدّل استدامة صافي الإكتفاء الغذائي الذاتي 56% عندما يؤخذ في الاعتبار الغذاء الحيواني.

ويعتبر هذا المعدّل منخفضا بالمقارنة مع بلدان اخرى، وفقا لتحليل أنجزته منظمة الامم المتحدة للأغذية والزراعةرابط خارجي في عام 2009.

محتويات خارجية

وتحوز الأرجنتين على أعلى معدّل للإكتفاء الذاتي الغذائي بنسبة 273%، في المقابل تمتلك النرويج ادنى معدّل في هذا المجال بنسبة أدنى من 50%.

ويدعو دانيال إردن، رئيس قسم المعطيات الإحصائية، بإتحاد المزارعين، إلى الحذر في التعامل مع هذه الارقام، وليس فقط لأنها تعود على عام 2009.

والمقارنة بين السنوات منفردة أقل دلالة وأهمية من النظر في التطوّرات على المدى الطويل، كتسجيل زيادة مضطردة أو هبوط كبير على مدى عقديْن من الزمن.

علاوة على ذلك، إجراء مسح على البروتينات والمواد المعدنية في الاطعمة يمكن أن يعطي صورة مختلفة، ولذلك يقول إردن: “لا تقاس قيمة الغذاء بالأرقام فقط، بل أيضا بالمتعة التي توفرها”.

لا للعزلة

يعترض ستيفان فانّوني من رابطة الشركات السويسريةرابط خارجي على مبادرة اتحاد المزارعين، ويرى أن السعي إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي الكامل “ضرب من الوهم”.

ويضيف أن “سويسرا ليست جزيرة معزولة على المستوى الزراعي”، بل عليها على العكس من ذلك “تعزيز علاقاتها التجارية، وتحسين إنتاجها الزراعي”.

ويحذّر فانّوني من المحاولات الساعية لتحقيق أقصى درجات الإستقلالية خصوصا من خلال اللجوء إلى استخدام الحواجز الجمركية. 

لا تقاس قيمة الغذاء بالأرقام فقط بل أيضا بالمتعة التي توفرها
دانيال إردن

في سياق مماثل، يصف أندرياس بوسهارد، الخبير الزراعي المستقل، الدعوة إلى مزيد من الإستقلالية بالنزعة “الشعبوية”. ويقول إن هناك حاجة لمزيد من الوقت لتنفيذ الإصلاحات الزراعية التي أطلقت أخيرا. (أنظر صندوق السياسة الزراعية).

الحوار

كان تدخّل برنارد ليمان، رئيس المكتب الفدرالي للزراعةرابط خارجي، راجحا في النقاش المثار حول الإستدامة والأمن الغذائي.

في شهر يوليو 2014 شدد ليمان على ضرورة إجراء حوار بين أولئك الذين يشعرون بالقلق في ما يتعلّق بقدرة المزارعين السويسريين على توفير مواد غذائية كافية في المستقبل، والداعين إلى عملية إنتاجية صديقة للبيئة.

المسؤول الفدرالي أشار إلى أن “الحكومةرابط خارجي والبرلمانرابط خارجي اتخذا موقفا واضحا وهو ليس “إما، أو”. والقطاع الزراعي مطالب بإيجاد طريقة للحفاظ على الموارد الطبيعية التي هي أساس الإنتاج وضمان الجودة”.

لكنه يضيف: “في الوقت نفسه، لابد من استخدام الموارد بحيث يمكن إنتاج ما يكفي من الغذاء بجودة عالية لإطعام عدد متزايد من السكان”.

كما انتقد ليمان خصوم السياسة الزراعية الحالية، ودعا إلى فتح حوار معهم لتوضيح النقاط الخلافية.

وإذا ما نظرنا إلى الماضي القريب، كما يقول، تركزت المناقشات السابقة على الإفراط في الإنتاج المحتمل للأغذية في البلدان الصناعية، لكن العقود الثلاث القادمة، يمكن أن تشهد تغيرات كبيرة.

ومن المحتمل أن يشهد الطلب على المواد الغذائية زيادة “قد تصل إلى 60% بحلول عام 2050″، وفقا لرئيس المكتب الفدرالي للزراعة.

السياسة الزراعية للكنفدرالية
أقرّ البرلمان السويسري في ربيع 2013 أحدث سلسلة في الإصلاحات الزراعية. ويهدف نظام موحّد للمدفوعات المباشرة لضمان الإستدامة والإمدادات الغذائية الكافية.

ثلاث مبادرات منفصلة لا تزال معلقة في مراحل مختلفة من الإجراءات المتبعة في الديمقراطية المباشرة تسعى إلى إدخال تغييرات مختلفة المستويات على السياسة الرسمية المتبعة في الميدان الزراعي.

قدّم اتحاد المزارعين السويسريين التوقيعات اللازمة في يوليو الماضي. وتدعو مبادرته إلى اتخاذ تدابير لوقف تدهور الأراضي المنتجة، وزيادة الإنتاج الغذائي المحلّي.

أطلق حزب الخضر السويسري مبادرته “الغذاء العادل” في شهر يناير الماضي، وعليه التوصّل إلى جمع التوقيعات اللازمة قبل شهر نوفمبر 2015 . وتسعى مبادرة هذا الحزب على وضع قواعد واضحة تقوم على المعايير البيئية والصحة الحيوانية وشروط العمل لا سيما بالنسبة للأغذية المستوردة.

تستعد منظمة Uniterre لإطلاق مبادرتها في شهر سبتمبر 2014. وهي تهدف إلى إعطاء الأولوية لتعزيز الإنتاج الغذائي المحلّي، وتعبئة القدرات البشرية، والحد من الإستيراد. 

الزراعة السويسرية: حقائق وأرقام
انخفض عدد المزارعين السويسريين إلى ما يزيد قليلا عن 55.200 في عام 2013 بعد أن كان 125.300 مزارع قبل ثلاثين عاما.

تراجع إجمالي اليد العاملة في المجال الزراعي وفقا للمكتب الفدرالي للإحصاء ليستقر حاليا في حدود 159.000 عامل.

حتى عام 2013، كانت الأراضي الفلاحية تغطي مساحة تقارب 1.05 مليون هكتار، أي نحو 14% من الأراضي الصالحة للزراعة في البلاد.

(نقله من الإنجليزية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية