مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

ماذا يحدث في سيناء؟.. ولماذا هذه المنطقة تحديدًا؟

صورة وزعتها الرئاسة المصرية تظهر المشير عبد الفتاح السيسي وهو بصدد تفقد مجموعة من الأسلحة التي زعمت السلطات أنه تم افتكاكها من المقاتلين الأصوليين في شبه جزيرة سيناء، وذلك خلال زيارة قام بها الرئيس المصري إلى المنطقة بعد الهجمات غير المسبوقة التي شهدتها في الأول من يوليو 2015، وراح ضحيتها "أزيد من مائة قتيل من الجانبيْن" حسبما يبدو. Keystone

أثارت سلسلة الهجمات الإرهابية التي وقعت في سيناء، فجر الأربعاء، الأول من يوليو الجاري، العديد من الأسئلة داخل مصر وخارجها؛ من قبيل: ما الذي يحدث في سيناء بالضبط؟ وكيف يمكن فهمه وتفسيره؟ ولماذا تنشط التنظيمات المسلحة بهذه الكيفية في سيناء؟ وهل هناك فعلا مخطط ما يستهدف احتلال شبه الجزيرة وتحويلها إلى ولاية تابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية" الإرهابي؟..

هذه الأسئلة الكثيرة وغيرها طرحتها swissinfo.ch في القاهرة على خبراء مصريين متخصصين في العلوم السياسية، والعسكرية والأمنية، و في الإعلام.. فكان هذا التقرير:

علاقة مباشرة؟

في البداية؛ اعتبر الكاتب والمحلل السياسي، خالد أبو بكر، أن “هناك علاقة مباشرة بين ما يحدث في سيناء، والصراع السياسي الدائر بين النظام الحاكم في مصر، وأنصار الرئيس المعزول محمد مرسي”، مضيفًا “أرجع إلى التصريح الشهير للقيادي الإخواني محمد البلتاجي، والذي قال فيه للمشير عبد الفتاح السيسي، وقت أن كان وزيرًا للدفاع، إنه في الساعة التي يعود فيها مرسي للحكم، ستتوقف العمليات التي تستهدف الجيش في سيناء”.

ونفى أبو بكر، مدير تحرير جريدة “الشروق”، لــ swissinfo.ch، أي تأثير للأحداث التي تقع في سيناء، على المشهد السياسي الداخلي، أو على حفل افتتاح قناة السويس الجديدة، والمقرر تنظيمه في 6 أغسطس المقبل، وقال: “لا تأثير لها، لأن هناك قوات مسلحة قادرة وقوية، ولأن الغالبية الكاسحة من الشعب تقف خلف جيشها، ضد هؤلاء المجرمين”، على حد قوله؛ وأوضح أن “طبيعة مسرح العمليات الذي تجري عليه الحرب مع الإرهابيين، معزول في الشق الشمالي الشرقي من سيناء، على بعد 200 كيلو متر من القناة”.

ولكن ، ألا يمكن أن تترك هذه العمليات الإرهابية، أي تأثير ولو معنوي، على حفل افتتاح القناة؟، أجاب أبو بكر: “على الإطلاق؛ فالجيش المصري أكبر بكثير من ذلك، والرئيس في كلمته التي وجهها للقوات في سيناء، خلال زيارته الميدانية، صباح السبت 4 يوليو الجاري، قال إن كل القوات الموجودة شرق القناة لا تساوي واحد في المائة من قوة الجيش المصري”؛ مطالبًا المصريين أن “يكونوا على قلب رجل واحد، ضد الإرهابيين والتكفيريين، وأن يعملوا ويكدوا لرفعة بلادهم، كلٌ في موقعه”.

الرواية الرسمية

نشرت الصفحة الرسمية للمتحدث العسكري للقوات المسلحة المصرية يوم 12 يوليو 2015 تقريرًا عن إجمالى نتائج أعمال قتال قوات قطاع تأمين شمال سيناء خلال الفترة الممتدة من 1 إلى 11 يوليو 2015، على النحو التالي:

1 – مقتل عدد (252) فردًا إرهابيًا.

2 – ضبط عدد (13) فردًا مطلوبين أمنيًا بالإضافة إلى (63) فردًا مشتبهًا بهم.

3 – تدمير عدد (18) مقرًا ومنطقة تجمع خاصة بالعناصر الإرهابية.

4 – تدمير عدد (29) عربة خاصة بالعناصر الإرهابية [(11) عربة دفع رباعى (كروز)- (10) عربة دفع رباعى (تايلاندى) إحداها مفخخة- (2) عربة فيرنا- (6) عربة ربع نقل منهم عربة محمل عليها أسلحة وذخائر وصواريخ بمنطقة (المقاطعة)] .

5 – تدمير عدد (43) دراجة بخارية بدون لوحات معدنية خاصة بالعناصر الإرهابية.

6 – تدمير عدد (32) عبوة ناسفة كانت معدة ومجهزة لإستهداف قواتنا.

7 – إكتشاف وتدمير عدد (4) مخزن منهم مخزن للمواد المتفجرة بمنطقة (حق الحصان).

8 – ضبط كمية كبيرة من الأسلحة والذخائر المتنوعة ومعدات الإتصال.

“داعش”خسر 75% من قوته بسيناء

من جانبه؛ كشف الباحث منير أديب، المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية، عن أن “أجهزة الأمن نجحت مؤخرًا في توجيه ضربة قاتلة لتنظيم ولاية سيناء، من خلال الخدع العسكرية، راح ضحيتها 240 إرهابيًا، وهو رقم كبير بالنسبة للتنظيم”؛ مشيرًا إلى أن “أغلب الذي قتلوا هذه المرة أمراء وقادة عسكريون، ومن ثم خسر تنظيم داعش قرابة 75% من قوته المنهكة أصلاً”، على حد قوله.

وقال أديب: “إن القوات المسلحة نجحت في إيهام مقاتلي داعش أنهم نجحوا في السيطرة على الشيخ زويد، في اليوم التالي للذكرى الثانية لثورة 30 يونيو، وهو ما جعلهم يتجمّعون ويحتفلون بالإنتصار المزيف، وهنا كانت الضربة التي قصمت ظهر التنظيم”؛ موضحًا أن “أجهزة الأمن تغير من استراتيجيتها العسكرية بين الحين والآخر، بما يتوافق مع إدراكها لطبيعة تفكير التنظيم، وما يُقدّم له من دعمٍ خارجي”.

وأضاف أديب، مؤلف كتابيّ: “خريطة الجهاد المسلح في مصر”، و”الجماعات الإسلامية والعنف.. العودة إلى العمل المسلح”: “ولعل ذلك هو السبب الحقيقي وراء اصطياد قيادات التنظيم الإرهابي، وضربها بهذا الصورة المبهرة”؛ مؤكدًا أن “الدولة لا تستهدف مجرد التصدي لتنظيم داعش، وإنما تريد اجتثاثه تمامًا من البيئة المصرية، والمنطقة العربية بأسرها، وهو ما يفسر توجيه القوات المسلحة ضربات للتنظيم خارج حدودها، أحيانًا، وأبرز مثال عندما شعرت بخطر هذا التنظيم الموجود في ليبيا”.

وفي تعليقه على سُبل المواجهة المحتملة؛ أوضح خبير الإرهاب الدولي، أن “مصر صاحبة المقترح الخاص بإنشاء قوة عربية مشتركة، وعند إقرار هذه القوة سيكون هناك تنسيق على أعلى مستوى، سيعجل بدحر الإرهاب واختفائه تمامًا من المنطقة”؛ مرجحًا أن تكون المواجهة “عبر مستويات عدة، في مقدمتها المواجهة العسكرية، من دون أن نغفل أهمية المواجهة الفكرية، كطريق للعلاج على المدى البعيد، مع تقديم الخطاب الديني المعتدل”، حسب رأيه.

منع المشاركة يعمق فرص التطرّف

في المقابل، يرى الكاتب والمحلل السياسي أحمد طه، أن “هناك قاعدة تقول إن القمع السلطوي للحركات الإسلامية المعتدلة، ومحاولات استئصالها، يصب في صالح الحركات المتطرّفة العنيفة، كما أن مصادرة المجال السياسي، وإغلاق أبواب المشاركة السياسية في وجه التيارات المعتدلة، يوفّر مناخاً مناسبًا لانتشار الأفكار المتطرّفة”.

وفي تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch،  قال طه، المتخصص في ملف الديمقراطية في العالم العربي: “إن مواجهة ما تشهده سيناء من تمدد للجماعات الإرهابية، يحتاج إلى تحقيق قدر من الإصطفاف الوطني، من أجل التصدي لخطر الإرهاب، وهو غير متوافر حاليًا في مصر؛ بسبب الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد، والتي تزداد تعقيداً من حين لآخر”.

بالرغم من التدابير والإجراءات التي اتخذتها السلطة من أجل مواجهة الإرهاب في سيناء إلا أن العمليات الإرهابية تزداد كماً ونوعاً أحمد طه، كاتب ومحلل سياسي

وأضاف قائلاً: “لا شكّ أن العمليات الإرهابية الأخيرة التي وقعت في سيناء، سيكون لها أثرٌ واضح في حدوث المزيد من الإحتقان السياسي، عبر فرض المزيد من القيود، والتضييق الأمني على المشهد السياسي”؛ مستدلاً بأنه “بالرغم من التدابير والإجراءات التي اتخذتها السلطة، من أجل مواجهة الإرهاب في سيناء، إلا أن العمليات الإرهابية تزداد كماً ونوعاً”.

واختتم أحمد طه بالقول بأن “الأمر يستدعي من الحكومة القيام بمراجعة شاملة للسياسات المتبعة، وبلورة استراتيجية شاملة؛ تزاوج بين الحلول الأمنية، واعتماد حلول اقتصادية في سيناء، ذات أسس تنموية، إلى جانب رفع المظالم اTجتماعية عن أهالي سيناء، بعيداً عن الحلول الأمنية الشديدة الخشونة، مثل التهجير، وسياسة العقاب الجماعي، التي من شأنها توسيع الحاضنة الشعبية، والوعاء التجنيدي، للجماعات الإرهابية”، على حد قوله.

حجم المشكلة.. وتهويل الإعلام!

من ناحيته، قال الخبير العسكري اللواء الدكتور محمد جمال الدين مظلوم، قال: “لابد بداية أن نحدد حجم المشكلة، فسيناء عبارة عن مثلث؛ عرضه من فوق (على شاطئ البحر المتوسط) 200 كيلو متر، يمتد من أول مدينة بورفؤاد (شرق بورسعيد)، وحتى مدينة رفح؛ مشيرًا إلى أن رفح والشيخ زويد، بشمال شرق سيناء، عرضهما 15-20 كيلو مترًا، وعمقهما 5-7 كيلو مترات، من إجمالي المنطقة المحصورة في هذا الركن الشمالي الشرقي من سيناء، والذي تبلغ مساحته 60 ألف كيلو متر مربع، وهذه المنطقة (من العريش إلى رفح)، بها أكثر من 80% من سكان سيناء، البالغ عددهم نصف مليون مواطن.

وعاب المدير الأسبق لمركز الدراسات الاستراتيجية بالقوات المسلحة المصرية، على بعض وسائل الإعلام المحلية أنها صدرت للعالم رسائل خاطئة، عما حدث في سيناء في الأول من يوليو الجاري، مؤداها أن “داعش” احتل سيناء، وسيطر على قسم شرطة الشيخ زويد، وأن عدد الإرهابيين الذي شاركوا في العملية تجاوز 1000 مسلح، “وهو كلام غير صحيح وغير منطقي، فضلاً عن أنه يمثل إهانة لمصر وجيشها، الذي يبذل جهدًا كبيرًا من أجل أن يشعر المواطن بالأمن والأمان، على نفسه وماله وأولاده” على حد قوله؛ مشيرًا إلى أنه “وبعد خمسة أيام فقط من الحادث؛ أصدرت القوات المسلحة بيانًا أكدت فيه أنها قتلت 240 إرهابيًا خلال المواجهات بسيناء”.

لماذا سيناء على وجه التحديد؟

وردًا على سؤال حول: لماذا ينشط الإرهابيون في سيناء؟؛ أوضح “مظلوم”، الأستاذ في أكاديمية نايف للعلوم الأمنية، أن “سيناء تمثل الحدود البرية اليمنى مع قطاع غزة (بطول 13 كيلو مترًا)، وباقي الـ200 كيلو متر، حتى طابا في الجنوب، تمثل حدودنا مع إسرائيل، ولا يخفى أن هناك بعض الإرهابيين في سيناء، لأنها كبيرة المساحة، ومن السهل التسلل إليها، سواءً من إسرائيل، أو من قطاع غزة، معتبرًا أنه “لا يخفى على العالم كله أن تهريب الأسلحة، يتم عبر الأنفاق الموجودة على الحدود مع غزة، التي تمول الإرهابيين بالأفراد والمال والسلاح”، على حد زعمه.

وأضاف أن سيناء “عبارة عن سواحل، باستثناء الـمائتي كيلو متر، التي أشرنا إليها، وبالتالي من السهل تهريب الأسلحة إليها عبر البحر، عن طريق مراكب الصيد”…

وفي السياق نفسه، أوضح اللواء محمد جمال الدين مظلوم، أن المنطقة العازلة التي قررت السلطات المصرية إقامتها مع قطاع غزة “بدأت بعمق كيلو متر واحد، ثم زادت إلى كيلومتر ونصف، وبعد اكتشاف أنفاق على الحدود مع غزة بعمق أكثر من كيلومتر ونصف، تتجه القوات المسلحة لزيادة الشريط الحدودي إلى 3 كيلو مترات”، وأضاف أنه “بإمكان مصر أن تغلق الحدود تمامًا مع غزة، لكنها لا تريد من أجل القضية الفلسطينية، التي خاض المصريون من أجلها ثلاثة حروب في: 56 و 67، و1973″، على حد قوله.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية