مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مخاوف من “الجاسوسية الاقتصادية”!

لا ينتبه العديد من المسؤولين والخبراء إلى أنهم وقعوا في فخ الجاسوسية الاقتصادية إلا في وقت متأخر swissinfo.ch

تحذر الحكومة السويسرية من انتشار ظاهرة التجسس على المؤسسات الصناعية والتجارية الكبرى، وذلك لصالح جهات أجنبية، حيث تؤثر بشكل سلبي على التقدم التقني والنجاح الاقتصادي للبلاد.

وتشير أصابع الاتهام الفدرالية إلى جهات ودول بعينها، تتهمها أيضا بمحاولة سرقة التقنيات وأسرار البحث العلمي.

نوه يورغ بولير نائب رئيس جهاز الأمن الوقائي والتحليل في الشرطة الفدرالية في حديث له مع وكالة الأنباء السويسرية في 25 أغسطس الجاري، إلى أن هناك عشرات من حالات التجسس على الشركات السويسرية الكبرى، تهدف إلى نقل أسرارها إلى الخارج، إلا أنه قال إن الحالات الخطيرة منها لا تتجاوز العشرة.

وقد بدأت السلطات الفدرالية منذ قرابة العام في توزيع معلومات وبيانات هامة على المؤسسات والشركات الكبرى في سويسرا، بهدف لفت الانتباه إلى تلك الظاهرة، وكيفية التعرف على من يقومون بمثل تلك الأنشطة الجاسوسية وأسلوب التعامل معهم.

إلا أن بولير أضاف أن أغلب الشركات ربما تستشعر هذه المشكلة، ولكنها لا تقوم بإبلاغ السلطات الفدرالية، فهي إما تتخوف من انتشار الخبر وانعكاس ذلك على سمعة الشركة في سوق الأوراق المالية، أو تخشى من التعرض لفتح جميع ملفاتها وأوراقها السرية، وبالتالي قد تتعرض بياناتها للتداول من يد إلى أخرى.

ومن بين الوسائل التي تستخدمها جهات الاستخبارات الأجنبية للتجسس على المؤسسات السويسرية الكبرى، إنشاء أو تشكيل شركات وهمية كغطاء للاتصال مع الأطراف الاقتصادية والتقنية والعلمية والطبية المشهورة والكبرى، أو من خلال التبادل العلمي سواء من خلال الباحثين أو لجان الخبراء، وذلك حسب خبراء جهاز الأمن الوقائي والتحليل التابع للشرطة الفدرالية.

الطرق الكلاسيكية لا تزال قائمة

وكانت الشرطة الفدرالية قد أشارت في تقريرها السنوي عن الأمن القومي السويسري خلال عام 2003 والصادر في شهر مايو الماضي، إلى أن المخابرات الروسية أكثر الجهات الأجنبية اهتماما بأنشطة المؤسسات الاقتصادية السويسرية ومراكز البحث العلمي الهامة، وتبذل مساع حثيثة للوقوف على أدق التفاصيل سواء في الاقتصاد أو التطورات التقنية الحديثة.

في المقابل يرى الخبير السويسري جاك بو، مؤلف “موسوعة أجهزة المخابرات والاستخبارات”، بأن الروس وأبناء دول شرق أوروبا لديهم كفاءات علمية جيدة ويتمتعون بروح عالية في الابتكار والتطوير، ولذا فإنه من المنطقي أنهم يسعون الآن لاستدراك ما فاتهم في مجالات البحث العلمي والنظم الإدارية بعد سنوات الانتقال من الشمولية إلى الديموقراطية، وقبلها حقبة النظام الشيوعي.

ويشير الكاتب المتخصص في تحركات شبكات المخابرات والجاسوسية، إلى أن نشاط الجهات الأجنبية أثناء حقبة الحرب الباردة كان يتركز على الأسرار والأخبار العسكرية، أما بعد انهيار حائط برلين، فقد تغير الأمر وتحول الاهتمام إلى النشاط الاقتصادي والعلمي والتقني. ومن هذا المنطلق لا يستبعد الخبير السويسري أن تكون الكونفدرالية محط أنظار جهات أجنبية مختلفة في السنوات المقبلة، لما تشتهر به من تطور تقني ومعاهد بحثية متميزة.

في الوقت نفسه ينوه الخبراء إلى أن بعض الجهات الأجنبية لا تزال تستخدم الأساليب “الكلاسيكية” في الجاسوسية، مثل الرشوة أو فحص محتويات سلال القمامة، مع تزايد طريقة اقتناء الأجهزة الحديثة والمتطورة، لتفكيكها والتعرف على محتوياتها بشكل كامل، وبالتالي لتسهيل نقل تقنية تصنيعها إلى بلد آخر، كي تشكل منافسا للمنتج الأصلي.

إهتمام بـ”سرقة” التقنية السويسرية

وبالعودة إلى تقرير الأمن القومي السويسري الصادر عن الشرطة الفدرالية في مايو الماضي، نجد أنه أشار إلى اهتمام أطراف أجنبية بالصناعات الوطنية المتميزة، في تركيز على مجالات مثل أجهزة القياس الدقيقة، وآخر تقنيات العلوم الطبية الحيوية، والمواد الكيماوية الوسيطة، أي تلك التي يتم استخدامها في مراحل تصنيعية مختلفة ولها أكثر من تطبيق في مجالات متعددة.

ويرى الخبراء (الأمنيون والاقتصاديون على حد سواء) أن أسلوب سرقة المبتكرات الحديثة، يشكل تهديدا لمكانة سويسرا التصنيعية والتقنية، حيث يتم نقلها إلى مناطق مثل جنوب شرقي آسيا، مما يؤثر بشكل مباشر على الشركات السويسرية، ولا تستطيع مواجهته إلا بإمكانيات قانونية معقدة وباهظة التكاليف.

كما أن أغلب الجهات التصنيعية لا يمكنها تركيب جميع محتويات أجهزتها بشكل غامض، يجعل من الصعب التعرف عليها تقنيا، لارتباط تلك الخطوة بتكاليف مالية كبيرة.

وتثير هذه المشكلة اهتمام المسؤولين السويسريين، لأنها تتجاوز حقوق الملكية الفكرية لأصحاب هذه الاكتشافات أو التصاميم، والتي يعتبرها المشرعون القانونيون تَعد على ممتلكات الغير.

صعوبة مواجهة التجسس عبر الإنترنت

ويعاقب القانون السويسري كل من يقوم بتسريب معلومات سرية في المجالات التصنيعية أو المصرفية، أو بيانات تفصيلية عن أبحاث علمية قبل نشرها من قِبَل أصحابها، بالسجن مع احتمال ربطها أيضا بغرامة مالية، حسب فداحة الجرم وخطورته، وذلك طبقا للمادة 273 من قانون العقوبات.

إلا أن الخبراء الأمنيين العاملين في المؤسسات الكبرى يقابلون صعوبات بالغة في كشف جميع محاولات التجسس على أنشطتهم في بدايتها، ولا يتنبهون لها إلا بعد تدفق حجم كبير من المعلومات إلى الطرف الآخر، الذي يتخفى تحت ستار إقامة مشروع أو الرغبة في الشراء، أما الإيقاع بالمتورطين فيكون أكثر صعوبة، عدا في حالات توفر الدليل القاطع.

ويزداد الأمر صعوبة في الظروف الراهنة، التي يتم فيها تقليص أعداد العمالة بشكل كبير، والتي تشمل أيضا الكوادر الإدارية والفنية العليا والمتخصصة، وهنا لا يمكن التأكد تماما بأن أولئك المُسَرحين عن العمل لن يقعوا تحت أية ضغوط مادية أو معنوية من شركات أو جهات أجنبية منافسة، لإعطاء جميع المعلومات الهامة التي يعرفونها بحكم مناصبهم، وذلك إما كنوع من الانتقام نتيجة التخلي عن خدماتهم، أو تحت تأثير الحاجة إلى المال.

ومع الاستعمال الواسع النطاق لشبكة الإنترنت في التعاملات والاتصالات وحفظ البيانات، واحتمالات اختراقها التي لا يكف القراصنة عن القيام بها ليل نهار، تكتسب الجاسوسية على الشركات والمؤسسات بعدا كبيرا، على الرغم من حرصها على اختلاف أنشطتها على استعمال وسائل الحماية وتجديدها بشكل متواصل.

وهذا الأسلوب في التجسس، والمعروف منذ بداية التعامل بشبكة الإنترنت بشكل موسع، يُكبد الشركات أموالا باهظة في شراء أجهزة أو برامج الصيانة والوقاية، وتلجأ بعض المؤسسات الكبرى إلى أخصائيها لعمل تلك البرامج، حتى تبقى أسرارها بما فيها أساليبها الأمنية تحت سقف واحد.

ولا شك في أنه كلما زادت الشهرة العلمية والتقنية وتقدمت القدرات التصنيعية، في ظل المنافسة الشديدة على كل ما هو جديد، والحرص دائما على البقاء في المقدمة، فإن الحفاظ على النجاح الاقتصادي يظل دائما مقترنا بالقدرة على الحفاظ على أسراره والتكتم عليها قدر المستطاع، ليكون الجهد المبذول مضاعفا، أي الوصول إلى النجاح ثم الحفاظ عليه.

تامر أبوالعينين – سويس انفو

تأسس جهاز الأمن الوقائي والتحليل في مايو 2000 بقرار من وزيرة العدل والشرطة آنذاك روت ميتسلر.
يساهم هذا الجهاز في إعداد التقرير السنوي عن الأمن السويسري القومي، وتزويد الشرطة الفدرالية بالتحاليل والتوصيات الوقائية.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية