مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الخليجيّون باتوا أقلية في بلدانهم

لحظة بزوغ الشمس وسط المباني الشاهقة على شاطئ جميرا بيتش في دبي. Keystone

تأتي بلدان الخليج في صدارة قائمة المجتمعات الأسرع نموا سكانيا في العالم، ومن المتوقع أن يزيد عدد سكانها من نحو 39 مليون ساكن حاليا إلى 53 مليون بحلول عام 2020، أي بزيادة تصل إلى الثلث، بينما يستمر ركود الزيادة السكانية في بلدان أخرى (مثل لبنان وتونس..) إن لم يتراجع (كاليابان وروسيا).

وتترتب على هذا النمو السريع تحديات تنموية واجتماعية يُهدد العجز عن مواجهتها بتغيير بنية تلك المجتمعات الخليجية وتشويه نموها الطبيعي، بل وتهديد وحدتها الداخلية. ويمكن اختزال أبرزها في عنصرين رئيسيين هما أن الشباب الذين تقل سنهم عن الخامسة والعشرين سيشكلون غالبية السكان في بلدان مجلس التعاون لدول الخليج العربية (الكويت والسعودية وقطر والإمارات والبحرين وعُمان) في أفق 2020، وأن الوافدين باتوا يشكلون ثقلا هاما في الميزان السكاني، وهو ضغط اجتماعي ثقافي سيزداد مفعوله مع سعي الجاليات الوافدة إلى التوطين والمحافظة على الوظائف التي تشغلها.

في مقابل ذلك، يعتبر محللون خليجيون أن النمو السريع للسكان (انظر الجدول المصاحب على اليمين) وميل الكفة لصالح الشباب يشكلان فرصة هامة يمكن الإستفادة منها لتعزيز دور مواطني مجلس التعاون الخليجي في تنمية بلدانهم بفضل تأمين مزيد من فرص التعليم والإستفادة من ارتفاع عدد الفتيات والسيدات الراغبات في الإنضمام إلى سوق العمل.

اختلالات بنيوية

وبحسب تقرير بحثي وضعته وحدة الإستقصاء في مجلة “ذي إيكونوميست” البريطانية يحمل عنوان “منطقة الخليج وشعبها”، فإن هذه المنطقة “تشهد تغييرات جذرية في بنية قوى العمل، مع ازدياد أعداد الشابات المتعلمات اللواتي يرغبن في العمل. إلا أن الإعتماد على العمالة الوافدة سيستمر على المدى الطويل على الأرجح”. ويعود هذا الإعتماد على العمالة الوافدة إلى السمات البنيوية التي طبعت المجتمعات الخليجية والتي تحيل الأعمال التنفيذية، وخاصة تلك التي لا تحتاج إلى مهارة كبيرة، إلى العمال الآسيويين. وهي ظاهرة ما انفكت تتوسع بحكم الطفرة العقارية الملحوظة طيلة السنوات الأخيرة ونمط الحياة الباذخ السائد في تلك البلدان.

وبحسب وزير العمل عادل فقيه، يُقدر عدد العاملين الأجانب في السعودية بثمانية ملايين عامل من مجموع السكان الذين يربو عددهم على 27 مليون نسمة. ويعمل 86 في المائة من الأجانب في وظائف متدنية يُعرض عنها السعوديون، وهذا ما جعل المثقفين والنخب عموما في هذه البلدان يرون في تزايد تدفق الوافدين تحديا كبيرا يواجه مجتمعاتهم. وعلى سبيل المثال، نبه الدكتور علي الغفلي الخبير السكاني والأستاذ في كلية العلوم الإجتماعية والانسانية بالإمارات إلى أن عدد السكان الإماراتيين “لا يتجاوز 20 في المائة من العدد الإجمالي للسكان” وفق الإحصاءات المتداولة، بينما تقل النسبة عن تلك العتبة بالنسبة لتقديرات أخرى لم يُحدّد مضمونها.

وفي تصريح إلى swissinfo.ch، اعتبر الغفلي أنه مهما تباينت التأويلات للإحصاءات المتوافرة فالخطر يتمثل في أن “تعداد سكان الإمارات يتجاوز عدد سكانها الأصليين بخمسة أضعاف وربما أكثر من ذلك، وهي وضعية تُبعدنا في المحصلة الأخيرة عن الأسس المعهودة التي تقوم عليها الدولة الوطنية”. ومضى الغفلي، وهو من أكثر الباحثين الذين كتبوا عن اختلال البنية السكانية في بلدان الخليج، شارحا أن مجتمع الإمارات “بات يحمل في طياته العديد من المجتمعات الفرعية، الشقيقة والصديقة وخلافهما، ولم يعد يمثل تجسيدا حقيقيا لثقافة المواطنين وشخصيتهم وشؤونهم وشجونهم”، ومن هنا نشأ ما سماه الغفلي “الخوف على الثوابت الثقافية والإجتماعية التي تميزهم (أي المواطنون الأصليون) عن القطاعات السكانية الأخرى التي تقيم على أرض الدولة (البلاد)، والتي تضفي عليهم تلك الصبغة الاماراتية الفريدة التي تمنحهم الخصوصية مقارنة بشعوب الدول الأخرى”.

السعودية      26.246.000

الكويت        3.030.000

الامارات     4.707.000

عُمان         2.905.000

قطر          1.508.000

البحرين      803.000

الجملة:      39.199000    

ترجيح كفة الوافدين

وفي واقع الأمر، هناك معطيات موضوعية تبرر تلك المخاوف. فبحسب جاين كينينمونت كاتبة تقرير “ذي إيكونوميست” المشار إليه أعلاه، ستبقى الهجرة الصافية إيجابية جدا بالنسبة لدول الخليج، أي أن كفة العمال الوافدين ستظل أعلى من المغادرين، رغم الجهود المبذولة للإعتماد أكثر فأكثر على العمالة الوطنية، وهي العملية التي يُطلق عليها في السعودية “السعودة” وفي قطر “التقطير” وفي الكويت “التكويت” وهلم جرا.

وتكريسا لهذا الخيار أحدث القطريون على سبيل المثال حوافز أطلقوا عليها عنوان “جوائز التميز في التقطير”، وهي جوائز تمنحها المؤسسات سنويا ليس فقط للموظفين القطريين الذين اثبتوا كفاءة والتزاما بالتطور المهني، وإنما أيضا للمسؤولين الذين يدعمون الكوادر المحلية. وبهذه الطريقة تنامى عدد القطريين في المؤسسات الاقتصادية والإدارية والخدمية بعدما كان ضئيلا. وفي هذا المضمار، ضرب وائل صوان المدير التنفيذي ورئيس مجلس إدارة مجموعة “شل” في قطر مثلا على جدوى هذه السياسة فأشار إلى أن “شل” لم تكن تضم قبل أقل من عشر سنوات سوى عدد ضئيل من القطريين، أما اليوم فيعمل في الشركة 260 قطريا من جميع المستويات. وفي تصريح لـ swissinfo.ch، أفاد صوان بأن الشركة ترسل الكوادر القطرية إلى مشاريعها عبر العالم كي يكتسبوا خبرة ويسدوا الثغرات في تكوينهم المهني. وخلال عام 2011، منحت الحكومة القطرية زيادة استثنائية في رواتب المواطنين وصلت إلى 60 في المائة، لكنها لم تشمل الوافدين، مما استدعى بعض التصحيحات.

السعودية عرفت مسارا مختلفا إذ قررت وزارة العمل فيها مؤخرا زيادة بـ30  في المائة في رواتب العمال الأجانب ومنحتهم الإمتيازات والحوافز نفسها التي أعطتها للعامل السعودي، بعدما وقعت على اتفاق “المساواة وعدم التمييز” مع منظمة العمل الدولية، إلا أن اللافت هو أن الغرفة التجارية في العاصمة الرياض اعترضت على هذه الخطوة انطلاقا من اعتقاد رجال الأعمال أن مثل تلك الزيادات في رواتب الأجانب “ستشكل مناخا جاذبا للعمالة الوافدة وترسخ مبدأ الإستيطان الوظيفي في السعودية، وهو ما يتعارض مع سياسة السعودة، إضافة لإثقال كاهل أصحاب المشاريع”.

الدكتور علي الغفلي، خبير سكاني وأستاذ في كلية العلوم الإجتماعية والإنسانية بالإمارات

مُعالجة الخلل السكاني تقتضي العمل على تحويل المواطنين إلى أكبر كتلة سكانية في المدى المتوسط

النساء يتفوقن

في غضون ذلك، يتناقض الإعتماد على العمالة الوافدة مع تزايد عدد الشباب والنساء المقبلين على سوق العمل. ففي عام 2020، يُنتظر أن يشكل الفتيان الذين تقل سنهم عن 15 سنة في دول مجلس التعاون الخليجي 24 في المائة من السكان أي رُبع السكان. كما أن عدد السيدات الراغبات في العمل يتزايد بشكل ملحوظ بعد استثمار الحكومات المحلية في تعليم المرأة وتغير العادات الإجتماعية، إلى درجة أن عدد الطالبات بات يفوق عدد الطلاب في عديد الجامعات الخليجية. 

التقرير الذي أعدته وحدة الإستقصاء في “ذي إيكونوميست” أشار أيضا إلى أن التغيرات السكانية والإجتماعية الهائلة في منطقة الخليج “أدت إلى تحول كبير في الدول الست، وهي مرشحة للإستمرار خلال العقد المقبل، مما سيثير السؤال العام المتعلق بسياسات العمالة والهجرة ودور المرأة وكفاية البنية التحتية والخدمات العامة”. وفي الوقت ذاته تواجه هذه الدول بحسب التقرير أسئلة حول كيفية إدارة الهجرة بالشكل الأمثل، فيما تواجه ضغوطا تنافسية من مجموعات ترغب في حماية الوظائف لصالح المواطنين وغيرهم ممن يريدون المزيد من الحقوق للوافدين، وستصبح “معاملة العاملين الأجانب جانباً ذا أهمية متزايدة من العلاقات الخارجية مع دول المصدر”.

الدكتور الغفلي يُحمّل قسما مهما من مسؤولية الخلل السكاني والإجتماعي إلى مبالغة العائلات الخليجية في البحث عن الرفاهة وأسباب الراحة من خلال الإعتماد المُفرط على خادمات أجنبيات في تدبير شؤون المنزل والإتكال على الوافدين في المواقع الفنية، وسريان هذه “العدوى” إلى غير المواطنين، أي الأجانب الوافدين المقيمين في بلدان الخليج.  

أخيرا، يضيف الغفلي أن “الأدهى من ذلك أن مجموع المواطنين الإماراتيين مُضافا لهم الوافدين العرب لا يكفي لموازنة الغالبية الآسيوية في هذا البلد”. ورأى أن “معالجة الخلل السكاني تقتضي العمل على تحويل المواطنين إلى أكبر كتلة سكانية في المدى المتوسط بما يساعد على تأسيس عقيدة وطنية مفادها عدم التسامح مع احتمال وجود أية جنسية أجنبية يفوق حجمها عدد مواطني الدولة أيا كانت المبررات التنموية”.

السعودية: 2،24% (إحصاءات الأمم المتحدة) و 1،95% (حسب كتاب “حقائق العالم”)

الإمارات: 2،85 (إحصاءات الأمم المتحدة) و 3،42 (حسب كتاب “حقائق العالم”)

قطر: 2،11% (إحصاءات الأمم المتحدة) و 1،09% (حسب كتاب “حقائق العالم”)

الكويت : 2،44% (إحصاءات الأمم المتحدة) و 3،59% (حسب كتاب “حقائق العالم”)

عُمان: 1،97% (إحصاءات الأمم المتحدة) و 3،19% (حسب كتاب “حقائق العالم”)

البحرين: 1،79% (إحصاءات الأمم المتحدة) و 1،34% (حسب كتاب “حقائق العالم”)

المتوسط العالمي لنسبة النمو السكاني: 1،8%

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية