مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مع اقتراب موعد 23 أكتوبر.. مخاوف في تونس من المفاجآت غير السارة

مواطن يتأمل بعض القوائم الإنتخابية الملصقة فوق بعض الجدران يوم 16 أكتوبر 2011 في العاصمة التونسية Keystone

لم تعد تفصل التونسيين عن أول انتخابات ديمقراطية حقيقية في تاريخهم، سوى أيام قليلة. ومع ذلك، لا يزال الغموض سيّد الموقف.

إذ بالرغم من الجهود التي بذلتها اللجنة العليا المستقلة للإنتخابات لتوفير الشروط التنظيمية، التي من شأنها أن تضمن إجراء انتخابات نزيهة وديمقراطية، إلا أن الكثير من الناخبين لم يحسموا أمرهم حتى الآن، ليس فقط على صعيد اختيار المرشحين، وإنما أيضا على مستوى المشاركة، ولا زالوا مترددين بين التوجّه يوم الأحد القادم إلى مكاتب الإقتراع أو ملازمة بيوتهم.

في الأثناء، تستعد مئات القائمات المرشحة للمجلس الوطني التأسيسي لاستنفاد آخر ما لديها من جهود ومحاولات، من أجل كسب تأييد أصوات المترددين، وهم كثر. فقد تحولت الساحة التونسية هذه الأيام إلى ورشة تدريب على نطاق واسع. فبعد موجة المُلصقات التي غطت مختلف الشوارع التونسية، والتي تعرّض الكثير منها للتمزيق المتعمد من قبل أشخاص “مجهولين”، نُظمت المئات من الإجتماعات الإنتخابية التي تفاوت إقبال الجمهور عليها.

ففي البعض منها، شارك الآلاف من الأنصار، وفي بعضها الآخر، لم يتجاوز الحضور عدد أصابع اليدين، كل حسب دائرة إشعاعه وقدراته على الإقناع والتعبئة، إذ أن “الماكينات” الإنتخابية تختلف قدراتها وأحجامها من قائمة إلى أخرى، خاصة بالنسبة للأحزاب التي أصبحت معروفة أكثر من غيرها، بحكم نضالها السابق أو بفضل المساحة الإعلامية التي تمتّـعت بها على مدى الشهور التسع الماضية.

أما الأحزاب الجديدة التي حصلت على تأشيراتها خلال الأشهر الأخيرة، فقد عجز الكثير منها عن فرض نفسه كمشروع واعد وقادر على فرض نفسه، ولو بعد حين. ويجري ذلك في وقت شهدت فيه الأسواق نقصا حادا في بعض المواد الغذائية الأساسية، مثل الحليب، وذلك بسبب إقبال التونسيين على شرائه بكميات خيالية، تحسّبا منهم لما “قد يحدث” خلال الأيام القليلة القادمة..

أحزاب ومستقلون.. وأحجام متفاوتة

في هذا السياق، لاحظ المراقبون من خلال عمليات الرصد المتعدّدة، أن حركة النهضة لا تزال تتمتع بقدرات تنظيمية وتعبوية واسعة، مقارنة بغيرها من الأحزاب. فأغلب الإجتماعات التي نظمتها قائماتها، تجاوزت نسبة الحضور الألف شخص على الأقل (تجاوز العشرة آلاف شخص في مدينة صفاقس يوم الأحد 16 أكتوبر)، وهو ما يعطي انطباعا عن حجمها الجماهيري، وإن كان ذلك غير كافٍ للتكهّـن بنسبة المقاعد التي يمكن أن تحصدها في المجلس التأسيسي القادم، إذ لا تزال التقديرات المتداولة في سوق الأسهم الانتخابية، تعطي لحركة النهضة نسبة لا تقل عن خمسة عشر بالمائة ولا تفوق الثلاثين بالمائة.

من جهة أخرى، وفي ظل تراجع الحديث عن الأحزاب المنبثقة عن حزب التجمع الدستوري المنحل، كثر الحديث عن التحسن النسبي الذي يسجله حاليا حزب التكتل (الديمقراطي من أجل العمل والحريات) خلال الفترة الأخيرة، مما جعله قريبا جدا أو منافسا للحزب الديمقراطي التقدمي، الذي وإن واجهته صعوبات في الفترات الأخيرة على إثر استقالة العديد من أعضائه، إلا أنه لا يزال يتمتع بموقع بارز في المشهد الحزبي الراهن.

فحجم الحزب الذي يقوده د. مصطفى بن جعفر (المدعوم من قبل السيد أحمد المستيري، السياسي المعروف والوزير السابق في عهد بورقيبة)، عرف في الأشهر الأخيرة التحاق عدد كبير من الأعضاء الجُـدد، مما نقله من حزب صغير خلال مرحلة ما قبل الثورة، إلى حزب يُقرأ له حساب في ظل المعادلات الجديدة، بل إن التكهنات تجعل من رئيسه أحد المرشحين لمنصب الرئاسة الوقتية، التي سيُحسم أمرها خلال الإجتماعات الأولى للمجلس التأسيسي المنتخب، وإن كانت هذه الفرضية أو غيرها لا تزال سابقة لأوانها، نظرا لما يمكن أن يحصل من تغييرات أو مفاجآت. فالسلوك الإنتخابي للتونسي، لا يزال هذه الأيام مجهولا، وبالتالي، يصعب التكهن بنوعية ردود فعله، حتى قبل وقت وجيز من وضع ورقته في الصندوق.

أما بالنسبة للمستقلين الذين فرضوا أنفسهم كظاهرة انتخابية غير مسبوقة في تاريخ الإنتخابات التونسية وربما في غيرها، فإن أهمية قائماتهم تختلف من مرشح إلى آخر، ومن دائرة إلى أخرى. فهم أحدثوا – بلا ريب – حالة صداع للأحزاب السياسية التي أصبحت تخشى من أن يؤثر ذلك على تشتيت الأصوات ومزيد إرباك الناخبين.

ولهذا، تعرض المستقلون لانتقادات مباشرة، صدرت من بعض قادة هذه الأحزاب. من ذلك على سبيل المثال،  د. منصف المرزوقي، رئيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، الذي هاجم المستقلين وانتقد دورهم ودعا الناخبين إلى التصويت فقط على ما أسماه بـ “الأحزاب الكبرى”. لكن مع ذلك، فإن البعض من هؤلاء المستقلين قد يحدثون المفاجأة في بعض الدوائر الانتخابية، وربما يشكِّـلون أحد مُكونات المشهد داخل تركيبة أول مجلس منتخب بعد رحيل بن علي.

مخاوف وهواجس.. و”جمعة غضب”

على صعيد آخر، لا يزال الكثيرون يخشون من أن يحدث خلال الأيام المتبقية، ما من شأنه أن يعكر صفو الانتخابات ويربك أجندتها، أو يجعلها عُـرضة للتهديد. فعودة أجواء التوتر إلى بعض الجهات لأسباب محلية لها علاقة بالإنتساب القبلي، الذي يُـعرف في تونس بنزعة “العروشية”، وهي أحداث يُخشى أن تؤثر على مناخ التنافس الإنتخابي وتعيد فتح جرح في جسم السلم الأهلي على الأصعدة المحلية.

من جهة أخرى، تستمر محاولات البعض للمراهنة على الفرز العقائدي والإستقطاب الأيديولوجي، من أجل إحراج الخصوم وحشرهم في الزوايا الحادة، وهو منهج خطر، ويخشى الكثيرون من تداعياته السلبية على المناخ السياسي، بل وأيضا على الوحدة الوطنية.

وفي هذا السياق، تتنزل المواجهات التي حدثت مؤخرا بمعظم المدن التونسية، وذلك على إثر بث قناة نسمة الخاصة لشريط كارتوني موجه لانتقاد الثورة الإيرانية، والذي تضمن مشاهد تجسّد الذات الإلهية. وبالرغم من أن مدير القناة قد وجد نفسه مدعوا لتقديم اعتذارات رسمية للتونسيين وأن يعترف بأن بث تلك اللقطات كان خطأ لن يتكرر، معلنا بأنه مسلم مثل الأغلبية الساحقة من التونسيين، إلا أن ذلك لم يكن كافيا لتهدئة الخواطر، حيث تمت الدعوة من جديد إلى التظاهر يوم الجمعة 14 أكتوبر، التي أطلقوا عليها “جمعة الغضب”، حيث نظمت مسيرات بعديد المدن التونسية وقامت قوات الأمن بتفريقها بالقوة في بعض الحالات. كما تم الإعتداء على منزل مدير قناة نسمة، مما كاد أن يعرّض أفراد أسرته إلى الموت.

هذه هي أجواء الحملة الإنتخابية في ختام أسبوعها الثاني، فهل تكون الأيام المتبقية أفضل حالا؟ وهل يمكن أن يستعيد التونسيون الأمل في المشاركة في انتخابات ديمقراطية نزيهة، حُـرمـوا منها لمدة تجاوزت نصف قرن، وأن يتوجهوا بكثافة إلى صناديق الاقتراع يوم 23 أكتوبر القــادم؟ هذا هو التحدي الرئيسي الذي يواجه النخبة والمجتمع في تونس قبل أيام قليلة من انتخاب أعضاء المجلس الوطني التأسيسي، الذي سيُعهد إليه بمهمة كتابة دستور جديد للبلاد يقطع نهائيا مع الماضي ويؤسس فعلا للنظام الديمقراطي.

830 قائمة حزبية و655 قائمة مستقلة و34 قائمة ائتلافية

11686 مرشحا في تونس، 56% منهم تقل أعمارهم عن 40 عاما.

7213 مكتب اقتراع في تونس و479 في المهجر

23 سنة، عمر أصغر رئيس قائمة و81 سنة أكبر رئيس قائمة.

رغم اعتماد مبدإ التناصف، فإن 93% من رؤساء القائمات هم رجال.

حتى الآن، تم اعتماد 5143 ملاحظ و1500 صحفي لمتابعة سير الإنتخابات.

عدد الخلوات المخصصة للتصويت 26730 و9600 صندوق اقتراع تبرعت بها سويسرا

كميات الورق المستخدمة لطباعة بطاقات الإقتراع: 87 ألف طن.

(المصدر: الهيئة العليا المستقلة الإنتخابات في تونس)

اعلنت الجمعية البرلمانية في مجلس اوروبا الجمعة ان عشرين من اعضائها يشكلون وفدا سيتوجه الى تونس من 20 الى 24 اكتوبر للمساهمة في مراقبة انتخاب المجلس التاسيسي هناك.

وسيشارك ايضا مراقبون من الجمعية البرلمانية لمنظمة الامن والتعاون في اوروبا والاتحاد الاوروبي في عملية المراقبة.

وسيلتقي اعضاء وفد الجمعية البرلمانية في مجلس اوروبا التي سيقودها السويسري اندرياس غروس، خصوصا وزيري الخارجية محمد المولدي الكافي والتربية الطيب البكوش ووزيرة شؤون المرأة ليليا العبيدي وممثلين عن عدة احزاب سياسية.

كما سيجري الوفد مباحثات مع عياض بن عاشور رئيس اللجنة العليا لتحقيق اهداف الثورة وكمال الجندوبي رئيس الهيئة العليا المستقلة لتنظيم الانتخابات.

وسينتشر المراقبون الاوروبيون بعد ذلك في مختلف انحاء البلاد لمراقبة سير الانتخابات يوم الأحد 23 أكتوبر.

وقد زار وفد من الجمعية البرلمانية في مجلس اوروبا لمراقبة فترة ما قبل الانتخابات تونس من 15 إلى 16 سبتمبر الماضي ونوه “بالجهود الجبارة” المبذولة لتنظيم الاقتراع.

واعلنت الجمعية حينها ان “الوفد لاحظ بارتياح ان سلطات البلاد سارعت في اقامة اطار قانوني لتنظيم انتخابات تعددية” غير انها اشارت الى شيء من التاخر في اعداد اللوائح الانتخابية واعربت عن قلقها من تنظيم الإقتراع للمواطنين المقيمين في الخارج واحتمال نشوب توتر خلال الحملة الانتخابية.

(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب بتاريخ 14 أكتوبر 2011)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية