مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

ملف الحدود المغربية – الجزائرية.. قضية مزمنة وشائكة

AFP

فتحت إجراءات جديدة دعت إليها الأمم المتحدة من أجل بناء الثقة بين المغرب وجبهة البوليساريو، ملفّـا حسّـاسا في العلاقات الجزائرية المغربية، وهو ملف الحدود البرية المشتركة المُـغلقة منذ 1994، دون أن تظهر في الأفق بوادِر حلّ قريب له.

وقد يحول هذا الملف، إذا ما قُـرِئت الإجراءات بسوء نيّـة، إلى إبقائها حِـبرا على ورق ومُـقترحا يوافق عليه الطرفان، دون أن يرى تطبيقه النور.

وسوء النية يتأتى من تصريحات الدبلوماسي البرتغالي السابق انطونيو غوتيريس، والمفوض السامي لشؤون اللاجئين حاليا، التي حملت في طيّـاتها مواقف تتناسب مع الجغرافيا، التي يطلق عليها تصريحاته في مخيمات تندوف، حيث التجمّـع الرئيسي للاّجئين الصحراويين وأمام قادة جبهة البوليساريو، حيث عبّـر عن ألمه لنسيان العالم لمأساة هؤلاء اللاجئين.

وقال المسؤول الأممي إن زيارته للمخيّـمات، “زيارة تضامُـنية” وأعلن عن رفع قيمة المساعدات الإنسانية للاّجئين الصحراويين في مخيمات تندوف إلى 12 مليون دولار سنويا، وأضاف “إن هذا المبلغ يبقى ضئيلا ًجدا”، بالنظر إلى الاحتياجات الكبيرة للاجئين الصحراويين، الذين يفُـوق عددهم 200 ألف لاجئ، منهم 165 ألفاً يستفيدون من مساعدات برنامج الغذاء العالمي.

“التواصل والاتصال أولا”

وفي الرباط، قال المفوض السامي إن رفع المساعدات رهين بإجراء إحصاء للصحراويين في المخيمات، وهو ما ترفضه الجزائر، وأكّـد أن عملية الإحصاء المعتادة التي تقوم بها المفوضية في إطار العمليات الإنسانية، لا علاقة لها بالاعتبارات السياسية، بل هي فقط آلية للمساعدة الإنسانية، إلا أن الجزائر التي طلبت زيادة المساعدات المقدّمة لمخيمات تندوف، رفضت إنجاز الإحصاء الذي اشترطته المفوضية لرفع المساعدات، موضحة أن المفوضية الأممية لم تغيِّـر أيضا تقديراتها لعدد الأشخاص المُـقيمين في مخيّـمات تندوف.

المساعدات الإنسانية لم تكُـن الهدف الرئيسي لانطونيو غوتيريس من الزيارة، بل الإجراءات التي تُـشرف عليها الأمم المتحدة، وتتعلّـق بتسهيل التّـواصل والاتِّـصال المباشر بين الصحراويين في مخيمات تندوف/غرب الجزائر وعائلاتهم في مدن الصحراء المتنازَع عليها، ومن بينها ربط خُـطوط هاتفية مُـباشرة بينهم وتكثيف تبادل الزيارات بين هذه العائلات، إن كان في زيادة عدد رحلات الطيران أو فتح طريق برّي بين تندوف ومدينة العيون، كبرى حواضر الصحراء الغربية.

وهذه المقترحات قدّمها بيتر فان فالسيوم، الممثل الشخصي السابق للأمين العام للأمم المتحدة، وتفاوضت عليها وفود مثّـلت المغرب وجبهة البوليساريو، بحضور جزائري وموريتاني خلال أربع جولات (من يونيو 2007 إلى يناير 2008)، لكنها كانت تحتلّ مرتبة ثانوية في تلك المفاوضات، التي لم تنجح في إحداث أي اختراق حقيقي لمأزق السلام الصحراوي، وخرجت من دائرة اهتمام المنظمة الدولية بعد المأزق الذي وضعها به فالسيوم، حين اعتبر أن “إقامة دولة مستقلة بالصحراء الغربية، أمر غير واقعي”، وهو ما اعتبرته جبهة البوليساريو انحيازا للمغرب والحتّ على عدم تجديد مهمّـته.

“إجراءات لبناء الثقة”

الدبلوماسي الأمريكي كريستوفر روس، الذي تولّـى مهمة المبعوث الخاص بعد فالسيوم، أدرك بعد جولته الأولى في المنطقة، أن المسائل الإنسانية قد تشكِّـل مدخَـلا لزعزعة جُـمود السلام الصحراوي، ومن ناحيتها تضع الأمم المتحدة هذه المسائل الإنسانية تحت عنوان “إجراءات لبِـناء الثقة” بعد خمس سنوات من نجاح تجربة تبادل زيارات العائلات، دون حدوث ما يحُـول دون استمرارها وتأكّـدها من حِـرص طرفيْ النزاع على عدم تسجيل أية نقطة سلبية في سجلِّـه.

الأمانة العامة للأمم المتحدة حفّـزت المفوضية السامية للاجئين، التابعة لها، على تفعيل مقترحات فالسيوم والحصول على إقرارها من طرف المغرب وجبهة البوليساريو.

وفي هذا السياق، قام أنطونيو غوتيريس، المفوض السامي لشؤون اللاجئين، خلال الأسبوع الثاني من شهر سبتمبر بجولة في الجزائر ومخيمات الصحراويين في كل من تندوف والرباط والعيون، وأعلن في خِـتامها عن اتِّـفاقه مع المغرب وجبهة البوليساريو على تبادل زيارات العائلات عبْـر البرّ بعد خمس سنوات من تنظيمها عبْـر رحلات جوية، تقوم بها طائرات تابعة للمفوضية والتي استفاد منها منذ انطلاقتها يوم 5 مارس 2004 حتى يوم السبت 19 سبتمبر 2009 (بعد تنظيم العملية رقم 28 لسنة 2009)، أكثر من 9000 شخص، منهم 4630 شخصاً من مخيمات تندوف و4394 شخصا من المُـدن الصحراوية.

خط بري مباشر بين تندوف والعيون

غوتيريس أعلن أثناء إشرافه على عملية تبادُل الزيارات العائلية عبْـر الجو والتي استفاد منها 66 شخصا ينتمون إلى 12 عائلة في مدينة السّـمارة، الحاضرة الروحية للصحراء الغربية والقريبة من مخيمات تندوف، أن فتح خطٍّ برّي مباشِـر بين تندوف والعيون، سيمكِّـن وبشكل ملموس من مضاعفة عدد الأشخاص الذين يمكن لهم زيارة عائلاتهم، لأن المسجّـلين من أجل الاستفادة من هذه العملية، هم أكثر من 42 ألفا ومن الصّـعب بالوتيرة الحالية ضمان تكثيف هذه الزيارات عن طريق الجوّ.

ويقترح ممثل المفوض السامي أن تبادل الزيارات برّا، انجاز هام، ليس فقط لأنه يساهم في مواصلة الترابط الإنساني بين العائلات الصحراوية، بل لكونه يدفع باتِّـجاه أجواء ثقة بين الأطراف المتنازعة. والطريق البرّي ليس رهين إرادة منفرِدة للمغرب وجبهة البوليساريو، بل للجزائر أيضا.. بل للجزائر أساسا.

من الناحية القانونية، فإن تندوف أرض جزائرية، وبالتالي، فإن بناء أو إقامة أية منشأة عليها، قرار جزائري، والطريق البرّي سيعبر الحدود الجزائرية المغربية، وبالتالي، قرار عبوره هو قرار جزائري – مغربي، وجبهة البوليساريو ليست طرفا أو معنية قانونيا بشقّ الطريق من تندوف إلى الحدود مع المغرب ولا في عبور الطريق نحو المغرب.

اتفاق مبدئي.. يتطلب المزيد من الوقت

ومن الناحية السياسية، فإن الحدود البرية الجزائرية – المغربية مُـغلقة بقرار جزائري منذ صيف 1994، ردّا على تحميل السلطات المغربية للمُـخابرات الجزائرية مسؤولية هجوم مسلّـح على سياح في فندق بمراكش، ولم تُـفتح طوال السنوات الـ 15 الماضية، إلا لمرور قافلتَـيْ النائب البريطاني جورج غالوي الأولى في عام 2001، تحت اسم “مريم” وحملت موادّ غذائية وطبية لأطفال العراق. والثانية، جرت في بداية السنة الجارية وحملت موادّ غذائية وطبية للفلسطينيين في قطاع غزة. أما المرة الثالثة، فكانت لمرور قوافِـل إغاثة مغربية نحو الجزائر إبّـان كارثة الفيضانات، التي ضربت الجزائر العاصمة، وما عدا ذلك، كانت الحدود مُـغلقة إلا بوجه المهرّبين على كِـلا الجانبيْـن.

المغرب الذي يسعى لفتح حدوده البرية مع الجزائر، لم يُـعلن بعدُ مقاربته أو تصوّره للممَـر أو “الكوريدور”، الذي سينتقل من خلاله اللاّجئون، وإن كان تحت إشراف الأمم المتحدة. ونقلا عن وزارة الخارجية المغربية، فإن فتح هذا الطريق، “سيتطلّـب بعض الوقت”، كما أن الجزائر والمغرب “وافقا مبدئيا على الاقتراح، والمشروع قيْـد الدراسة، لكن تطبيقه سيتطلّـب مفاوضات طويلة مع جارتنا الجزائر، وهو ما يتطلّـب المزيد من الوقت لتطبيق الاتِّـفاق المبدئِـي”.

تباين في الرؤى

وفي اللغة السياسية، فإن المغرب لا زال متحفِـظا على مُـقاربة المفوضية السامية للاجئين، التابعة للأمم المتحدة لهذا الطريق البري، إذا لم يكن ذلك باتِّـفاق مباشر أو حتى غير مباشِـر بين المغرب والجزائر، باعتباره يعني جُـزءً من الحدود البرية بينهما، ومصدر التحفّـظ المغربي أن يتمّ التعاطي مع هذه المنطقة، كوضعية مختلفة عن بقية الحدود البرية بين البلدين.

وإذا كانت الأوساط شِـبه الرسمية تَـعتبر أن تنفيذ الاتفاق، الذي تصفه بالاتفاق الجزائري – المغربي، سيكون فتحا جزئيا للحدود المُـغلقة بين البلدين ويلعب دورا إيجابيا في ترطيب العلاقات بين المغرب والجزائر، وهي بالمناسبة مقاربة تتباين مع رُؤية الأوساط الرسمية، فإن الأوساط الجزائرية تؤكِّـد أن ما قدّمته المفوضية من اقتراح والذي تم الاتفاق عليه وتنفيذه، لا علاقة له بالحدود البرية مع المغرب، لأنها تعتبر أن المنطقة التي سيعبُـر منها الطريق البرّي ليست جزءً من الحدود البرية مع المغرب “كون المنطقة لا تخضع للسيادة المغربية، بل منطقة متنازَع عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو، والسيادة عليها رهينة بحلّ ذلك النزاع”، ولذلك، تركت ترتيب فتح الطريق للأمم المتحدة.

مسألة إنسانية

الحسان بوقنطار، المحلل السياسي والأستاذ الجامعي المغربي، يقترح أنه ليس لمسألة الطريق البرّي المقترح علاقة مباشرة أو غير مباشرة مع مسألة الحدود البرية بين المغرب واالجزائر، وقال لـ swissinfo.ch: “إن كل الموضوع ليس تطوّرا كبيرا في العلاقات بين البلدين، ويجب وضعه بحدوده الإنسانية، إذ أن هناك أكثر من 42 الف إنسان ينتظرون صِـلة الرّحم مع عائلاتهم البعيدين عنهم منذ أكثر من 34 عاما”.

ويُـضيف بوقنطار أن إضفاء الجزائر للطّـابع السياسي للخطوة الانسانية هذه، أمر مُـمكن وقد يقولون إن الحدود هنا هي مع الصحراء الغربية، وليست مع المغرب، لكن ذلك سيكون مخالِـفا للرّوح والدافع الذي من أجله سعت الأمم المتحدة، وهو الروح والحافز الإنساني، وأكدت أنه لا طابع ولا انعكاسا سياسيا لهذه الخطوة.

ويشير المحلل السياسي المغربي إلى “الكوريدور” (الممر) الإنساني، الذي أقامته الأمم المتحدة لمدّ اللاجئين في البوسنة بالمواد الغذائية والطبية إبّـان حرب البوسنة بداية تسعينات القرن الماضي، وقال إن ذلك الممر حمل طابعا إنسانيا، ولم ينجح أي طرف بتسييسه.

الإهتمام باللاجئين الصحراويين في مخيمات تندوف، يبقى مثل كل الملفات في النزاعات السياسية، مهمَـا حملت من الإنسانية بُـعدا واتخذت إطارا، فإن البُـعد السياسي تبقى له الأولوية ويحاول كل طرف من أطراف النزاع أن يستفيد منه أو على الأقل يقلِّـص من أثاره السّـلبية على وضعه السياسي في الميدان أو على الساحة الدبلوماسية، خاصة إذا كان هذا النزاع منزوع الأنياب والسلاح الذي تملكها أطرافها موضوعا في المستودعات، وليس مجهّـزا للاستعمال، تاركا ميدان المواجهة للسياسة والإعلام.

محمود معروف – الرباط – swissinfo.ch

الرباط (رويترز) – قالت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، التابعة للامم المتحدة إن أطراف النزاع حول الصحراء الغربية رحبوا بفكرة انشاء طريق بري بين مدينة تندوف بجنوب غرب الجزائر ومدينة العيون كبرى مدن الصحراء من أجل تمكين العائلات الصحراوية من تبادل الزيارات، طبقا للبرنامج الذي أعدته المفوضية.

وقال أنطونيو غوتيريس، مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون للاجئين في مؤتمر صحفي عقده مساء يوم الجمعة 11 سبتمبر 2009، بعد لقائه بعدد من المسؤولين المغاربة “هناك 42 ألف شخص مسجل يريدون تبادل الزيارات. حتى الان استطاع ثمانية الاف شخص فقط الاستفادة من برنامج الزيارات بين اللاجئين في مخيمات تندوف وأهاليهم في الصحراء الغربية”. وأضاف “بواسطة الطائرة، يبقى الامر مستحيل، لهذا أقترحنا بناء طريق بري مباشر بين تندوف والعيون”. وتابع أن “اقتراح المفوضية لاقى ترحيبا كحل أمثل من جميع الاطراف”. وأضاف “سأزور شخصيا مدينة العيون للوقوف على تنفيذ هذا المشروع”.

والصحراء الغربية متنازع عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر. واقليم الصحراء الغربية غني بالاسماك والفوسفاط، ويعتقد أن به مكامن نفطية. وضم المغرب الاقليم اليه عقب انتهاء الاستعمار الاسباني عام 1975، وتأسست جبهة البوليساريو بعد ذلك بعام لتطالب بالانفصال عن المغرب وتخوض حربا ضده. واستمر النزاع المسلح بين المغرب والبوليساريو من عام 1976 إلى عام 1991، بعد ان تدخلت الامم المتحدة وفرضت وقفا لاطلاق النار.

وانطلق في مارس عام 2004، باشراف من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، برنامج لتبادل الزيارات بين العائلات الصحراوية في مخيمات اللاجئين بتندوف على التراب الجزائري وفي مناطق من الصحراء جنوب المغرب، في اطار انساني محض كما تؤكد عليه المفوضية. وقال غوتيريس “بالنسبة للاحصائيات التي نقوم بها، لها طابع انساني محض يتمثل في تقديم المساعدات الى اللاجئين”. وأضاف دون أن يفصح عن العدد “لدينا تقديرات عن عدد اللاجئين لكي نتمكن من تقديم المساعدات لهم، لكن الجزائر قالت ان المساعدات غير كافية بالنظر الى عدد اللاجئين”. وتابع “لذلك، اقترحنا القيام باحصاء، لكن الجزائر رفضت القيام بذلك”.

ويقول المغرب إن حوالي 50 ألف لاجئ صحرواي يقبعون في مخيمات تندوف، بينما تقول البوليساريو ان العدد يتجاوز هذا الرقم بكثير.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 12 سبتمبر 2009)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية