مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

منتقدو الجيش السويسري يستهدفون مُجددا المُحرّمات العسكرية

لا زالت الخدمة العسكرية الإلزامية للذكور في جيش الميليشيات السويسري ركنا أساسيا في النظام السياسي للكنفدرالية. Keystone

من المُقرر أن يُطالَب الناخبون السويسريون باتخاذ قرار بشأن مُقترح يدعو إلى إجراء إصلاح جذري في نظام الخدمة العسكرية السويسرية وإلغائها بالتالي، واعتبار الخدمة المدنية البديلة، خدمة طوعية. فمَـن هي المنظمة التي تدفع وراء هذا المقترح؟

في الوقت الذي تم فيه تسليم التوقيعات القانونية المطلوبة لإجراء مثل هذا الإقتراع على مستوى الكنفدرالية في الأسبوع الأول من عام 2012، تنظر swissinfo.ch  إلى محاولات مُماثلة سابقة قامت بها مجموعة “من أجل سويسرا من دون جيش”، التي تقف خلف هذا المشروع هذه المرة أيضاً.

وقد برزت هذه المجموعة السلمية، التي تأسست قبل ما يقرب من 30 عاماً، عندما أطلقت مبادرتها البسيطة والجذرية الأولى، والتي دعت فيها إلى إلغاء الجيش تماما في بلدٍ اتسم تاريخه الحديث بمبدإ الحياد المُسلَّح. ووِفقاً لمادة في الدستور الفدرالي السويسري، يتوجّـب على كل رجلٍ يملك القدرة الجسدية أن يؤدي واجب الخدمة العسكرية.

وفي عام 1996، قَدَّمَت فكرة القيام بالخدمة المدنية (التي تستغرق مرة ونصف مدة الخدمة الإلزامية) عوضا عن الخدمة العسكرية، عرضاً بديلاً مَحدوداً، على الرغم من أنَّ الشبان لا يُمنحون حقاً حرية الإختيار. وتعتَبَر الخدمة العسكرية للنساء في سويسرا طوعية.

وفي عام 1989، تصدرت أول مبادرة لمجموعة “من أجل سويسرا بدون جيش”، عناوين الصفحات الأولى للجرائد السويسرية. ومع أن نسبة 64% من الناخبين قد رفضت هذه المبادرة، إلا أنها تسببت مع ذلك بحدوث اضطراب سياسي، بالنظر إلى اقتران صورة سويسرا بَعد الحرب العالمية الثانية بالدولة التي دافعت عن استقلالها بِنَجاح، بِفَضل جيشها ووَضعها المُحايد.

وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية، أطلقت هذه المجموعة السِّـلمية خمس مبادرات شعبية أخرى، كما تحدَّت قراريْـن برلمانيين عبر آلية الإستفتاء، ولاسيما مقترحات لِفَرض حَظر على صادرات الأسلحة والتوقف عن اقتناء طائرات مقاتلة حديثة، ولكن أياً من هذه الجهود السياسية لم تسفر عن تحقيق نجاحات باهرة في صناديق الإقتراع.

كسر المحرمات

على الرغم من خسارتهم في عملية التصويت، يبدو جو لانغ، العضو القيادي في منظمة “سويسرا من دون جيش” متفائلا، إذ يقول: “لا يُمكن تصور التاريخ السويسري الحديث بدوننا”. ويناقش لانغ بأن المجموعة قد كسرت عدد من المحرمات (أو التابوهات) السياسية من خلال انتقادها للجيش وللعقلية العسكرية للمجتمع في سويسرا.

ويمكن القول أن المجموعة دفعت إلى خَفض حَجم القوات المسلحة وساعدت في خَفض الإنفاق العسكري السويسري، كما ساهمت في توجه يتَّـسم بأسلوب أكثر إنسانية في الخدمة العسكرية، بما في ذلك إدخال الخدمة المدنية.

ويدّعي لانغ أيضاً أن هذه المنظمة السلمية لم تقُم فقط بدور المنظم الرئيسي لحركة السلام السويسرية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ولكنها جمعت أيضا حوالي 500,000 توقيع من المواطنين لفائدة مبادرات عديدة على مدى السنوات الخمس الماضية – لاعبة بذلك دوراً قيادياً في نظام الديمقراطية المباشرة المعتمد في الكنفدرالية.

من ناحيته، يضيف يوناس تسورخَر، السكرتير السياسي للمنظمة، بأن الرفض في صناديق الإقتراع لا يشكل بالضرورة هزيمة سياسية، وهو يقول بأن سياسة تِـكرار المطالِـب ستُـؤتي بثمارها للمجموعة.

ويعتقد كل من مُمَثلَي المنظمة بأنّ مجموعتهم أصبحت على مدى السنوات الماضية أكثر براغماتية في نهجها ومعالجتها لمسائل معيَّـنة، كما هو الحال في قضية فرض حَظر على صادرات الأسلحة أو في مسألة تخزين أسلحة الجيش في البيوت الخاصة.

“غير سويسرية.. ومناوئة للجيش”

من جهتها، تجادل “مجموعة جياردينو” Giardino (تعني الحديقة بالإيطالية) المؤلَّـفة من الضباط الحاليين والمتقاعدين، والتي تقاتل من أجل الحفاظ على نظام الميليشيات الحالي، بأن منظمة “سويسرا من دون جيش”، كانت وعلى مدى الثلاثين سنة الماضية تعِد نفسها بِوَهمِ مُجتمعٍ منزوع السلاح.

وفي هذا السياق، يعلَّق هانز سوتر، رئيس “مجموعة جياردينو” بالقول: “إن دعواتهم لإلغاء التجنيد، تتماشى تماماً مع الأفكار الماركسية الجديدة”، وهو يُجادل بأن هذه المنظمة وما تحمله من آراء وأنشطة “غير- سويسرية” و”مناوئة للجيش”، لم تتغير على أقل تقدير على مدى العقود الثلاثة الماضية، كونها “عالقة في شبق من الماركسية الجديدة والصراع الطبقي”.

لكن سوتر يعترف في الوقت ذاته بأن مبادرات هؤلاء المُسالمين، قد ساهمت أيضاً في إجراء مناقشة عامة واسعة داخل المجتمع وفي صفوف الطبقة السياسية حول وضع الجيش ومبدإ الميليشيات والأمن في سويسرا.

أمّا منظمة “حملة من أجل سويسرا مستقلة ومحايدة” المحافظة، فتمتاز بأسلوب أكثر تصالحاً، ولكنها ثابتة في معارضتها الشديدة لمنظمة “من أجل سويسرا من دون جيش” أيضاً.

وحول هذا الموضوع يقول فيرنير غارتينمان، رئيس مجموعة الضغط المحافظة:” لقد ظلَّت رؤيتهم لعالم يسوده السلام غير واقعية، كما تتسم سياستهم بالتناقض لأنها تؤدّي إلى جيش من المحترفين وعضوية في حلف شمال الأطلسي، مما يقوض مبدأ الميليشيات والحياد، وهما المبدآن الأساسيان للنظام السياسي في سويسرا”.

صحيحة تماماً

من جهته، يعتقد جو لانغ، العضو القيادي في المجموعة السلمية وعضو حزب الخضر، بأنَّ المُبادرة الأخيرة (تحمل عنوان “نعم لإلغاء التجنيد الإلزامي”) التي سُلَّمَت مع جميع التوقيعات القانونية المطلوبة إلى المستشارية الفدرالية السويسرية يوم الخميس 8 يناير 2012، “صحيحة تماماً”، كونها تعالج قضية سياسية رئيسية. ويقول لانغ: “من غير الممكن تمويل هذه الجيوش الكبيرة لفترة أطول”.

في الأثناء، يُمارس أرباب العمل والأوساط الإقتصادية عموما ضغوطاً مُتزايدة على الموظفين والعاملين لديهم الذين يقضون وقتاً طويلاً في جيش المليشيات. كما قامت معظم الدول الأوروبية بإلغاء الخدمة العسكرية الإلزامية. كذلك أصبح شباب اليوم أقل استعدادا للإنصياع وتقبل الأوامر.

وفيما يصف لانغ المبادرة الداعية إلى إلغاء الخدمة العسكرية كثاني أهم مبادرة في التاريخ لـ “منظمة سويسرا من دون جيش”، ولكنه لا يضعها على قَـدَم المساواة مع التصويت الذي أجري يوم 26 نوفمبر 1989، عندما أيَّـد أكثر من ثلث الناخبين السويسريين فكرة إلغاء الجيش والتي تزامنت حينئذٍ مع نهاية فترة الحرب الباردة.

ويعلَّق تسورخر من ناحيته بأن مسألة عدالة المشروع وإنصافه، لم تَعُد تنطبق، حيث سبق للبرلمان السويسري أن قرر خفض عدد القوات المسلحة إلى النصف. وحسب كلماته: “حتى في يومنا هذا، لا يخدم ثلث الرجال السويسريين في الجيش، ولا يُكمل سوى واحد من الإثنين الآخرين واجبهم في الجيش. ومع الإصلاح الجديد، سيتم إعداد عدد أقل من الرجال للخدمة العسكرية. وببساطة، ليست هناك من فائدة لهم في الجيش. ولا يزال يتعين تثبيت تاريخ لإجراء اقتراع وطني حول هذه المسألة”.

ومن المرتقب أن يصبح التصويت المقبل على مسائل عسكرية تحديا مُحتملا في صناديق الإقتراع، والتي ستدور حول الخُـطط المقترحة لِشراء 22 طائرة حربية سويدية من طراز “غريبين” Grippen في خريف عام 2013. كما سيتعلق الأمر حينئذٍ أيضاً بِخفض عدد القوات المسلحة البالغة حالياً 200,000 رجل إلى النصف لتستقر في حدود 100,000 رجل فقط، ولكن ستتم المطالبة في نفس الوقت بالترفيع في الميزانية السنوية إلى 5 مليار فرنك سويسري (5,3 مليار دولار).

وفي هذا السياق، يصِّر أولي ماورَر، وزير الدفاع، والعضو في حزب الشعب السويسري (يمين شعبوي) على القول: “إنَّه تصويت، إما في صالح الجيش أو ضده”.

تأسست كمنظمة سياسية للضغط السلمي في مدينة سولوتورن (عاصمة الكانتون الذي يحمل نفس الإسم شمال غرب سويسرا) في عام 1982. وينتمي إليها اليوم نحو 20,000 عضو.

على مدى تاريخها الذي يناهز 30 عاماً، أطلقت المنظمة ما مجموعه ثمانية مبادرات واستفتاءات، كما ساهمت أيضاً في خمس مبادرات أخرى من قِبَل مجموعات يسار الوسط.

في بداية شهر يناير 2012، سلَّمت المجموعة السلمية مبادرة شعبية حملت أكثر من 107,000 توقيع لفرض إجراء تصويت شعبي على الصعيد الوطني حول مقترح يدعو إلى إلغاء الخدمة العسكرية الإلزامية.

يستند الجيش السويسري على نظام التجنيد ومبدإ الميليشيات. وفي الواقع، لا تعمل سوى مجموعة صغيرة من أفراد مختصين ومحترفين من الجيش بدوام كامل.

تستمر الخدمة العسكرية الإلزامية ما لا يقل عن 262 يوما للأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين  20 و34 عاما. وقد تم طرح الخدمة المدنية كبديل عن الخدمة العسكرية في عام 1996، وتستغرق في العادة مرة ونصف مدة الخدمة العسكرية.

رفض الناخبون مبادرتين تدعوان إلى إلغاء الجيش السويسري. كانت أولاهما في عام 1989، ولم تحصل سوى على نسبة 35.6% من الأصوات، (وهي نسبة شكلت أكثر من ثلث عدد الناخبين آنذاك، مما كان له تأثير الصدمة وقتها)، فيما كانت المبادرة الثانية في عام 2001، وجاءت نسبة الأصوات المؤيدة لها أقل ولم تزد عن 22%.

في عام 2011، رفض البرلمان الفدرالي السويسري في العام الماضي مقترحاً يدعو إلى إلغاء نظام الخدمة العسكرية الإلزامية.

وفي عام 2012 الجاري، اقترحت لجنة استشارية للحكومة الفدرالية منح الشبان حرية الإختيار بين الخدمة العسكرية والخدمة المدنية.

ألغت معظم الدول الأوروبية التجنيد الإلزامي للقيام بالخدمة العسكرية باستثناء اليونان والنرويج ومولدوفا واحتفطت البلدان الأخرى بالخدمة الإلزامية، لكنهم يوفرون إمكاانية القيام بخدمة مدنية بديلة.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية