مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

ميثاق التحالف المؤسس للكنفدرالية تحت مجهر المؤرخين

RDB

مثل كل عام، يخلد السويسريون في غرة أغسطس ميثاق التحالف الذي وقعته أولى الكانتونات المؤسسة للكنفدرالية عام 1921. لكن العيد الوطني الذي أقـِرّ قبل ما يزيد قليلا عن 100 عام يشير إلى وقائع مشكوك في صحتها إلى حد ما، مثلما يذكر بذلك المؤرخ جورج أندري في حديث مع swissinfo.ch.

وفـقا للعرف التاريخي، اجتمع ممثلو كانتونات أوري وشفيتس وأونترفالدن يوم 1 أغسطس 1291 في سهل الغروتلي لإبرام التحالف الذي أدى إلى ميلاد الكنفدرالية السويسرية. ودُوِّنت شروط هذا التحالف في “الميثاق الفدرالي”، وهو وثيقة تُحفظ بعناية فائقة في متحف المواثيق الفدرالية في مدينة شفيتش.

لكن البحوث العلمية أضحت تضفي منذ عدة سنوات قدرا من النسبيـة على رواية تلك الوقائع. ولاستعراض الوضع الراهن للمعارف المرتبطة بنشأة الكنفدرالية، حاورت swissinfo.ch المؤرخ جورج أندري، الذي أصدر قبل عامين كتاب “تاريخ سويسرا لمن لا يعرف عنها شيئا”. (L’Histoire de la Suisse pour les Nuls).

swissinfo.ch: ما الذي حدث بالفعل يوم 1 أغسطس 1291؟

جورج أندري: لا شيء رُبما، لسبب بسيط ووجيه، وهو أن ميثاق عام 1291 ليس مؤرخا بدقة. فالنص اللاتيني الأصلي يتحدث عن “إينيسيو أوغوسطو”، أي بداية شهر أغسطس وليس الفاتح منه. لكن كان ينبغي اختيار تاريخ (مُحدد للحدث)، وهكذا قررت الحكومة الفدرالية في عام 1891 أن يكون 1 أغسطس تاريخ النص.

لماذا اتخذت الحكومة الفدرالية هذا القرار في عام 1891؟

جورج أندري: كانت سويسرا من آخر البلدان التي لم يكن لديها عيد وطني، لذلك كان من الضروري إيجاد ذريعة لإقراره. وبعد أن تمت استشارة مؤرخي تلك الحقبة، نصحوا (بتخليد) هذا الميثاق الذي يُعدّ بمثابة تجديدٍ لقَسـَم ميثاق سابق لم يتم العثور عليه.

وعلى هذا الأساس احتفلت سويسرا بأسرها بذكرى هذا التحالف. ويوم 1 أغسطس 1891، دقت كافة أجراس البلاد في نفس الوقت وأُشعـِلت النيران. ومنذ ذلك الحين، يُحتفل بالعيد الوطني كل فاتح أغسطس.

إذا ما عـُدنا للحديث عن نص الميثاق، لا يشكل التاريخ المعلومة غير المضبوطة الوحيدة…

جورج أندري: في الواقع، هنالك مشاكل أخرى مرتبطة بهذه الوثيقة، فمن جهة، هي لا تحمل أي توقيع وليس فيها إشارة إلى إسم أي شخص. ومن جهة أخرى، لا تتضمن أي إسم لأي مكان. وبالتالي فإن فكرة التحالف الذي أبرم على مرعى الغروتلي يوم 1 أغسطس 1291 هي أيضا موضع تساؤل هنا.

وبما أن أسماء الأشخاص لم تكن موجودة، فإن المؤرخين قاموا بسلسلة من الأبحاث. وفي القرن الرابع عشر، تعرفوا على بعض الأسماء. واليوم، إذا ما استعرضنا تلك البحوث، فيمكن ذكر بعض الأسماء التي تمثل جميعها النخبة السياسية للكانتونات الغابيّة (أي التي تتميز بغاباتها الكثيفة) الثلاثة في نهاية القرن الثالث عشر.

بصورة تقليدية، احتفظت كتب التاريخ المدرسية بأسماء ثلاث شخصيات (يُعتقد) أنها أبرمت ميثاق عام 1921 وهي: فالتر فوشت، وأرنولد دو ميلشتال، وفيرنر شتاوفاخر. لكن هذه مجرد فرضية. في الواقع، تم الإحتفاظ بثلاثة أسماء لأن الرقم ثلاثة يمثل الثالوث وبالتالي هو رمز للسلطة.

هل يمكن مع ذلك تأييد الفكرة القائلة بأن ميثاق 1921 هو المرسوم المُؤسس لسويسرا؟

جورج أندري: يوجد اليوم توافق في الآراء بين المؤرخين لعدم اعتبار التحالف بمثابة دستور حديث. فهو في واقع الأمر خليط من النصوص التي تم تجميعها ربما في أماكن أخرى – لا نعلم أين – ثـم وُضعت كعقد من عقود القرون الوسطى وفقا لممارسات تلك الحقبة.

إن قراءة هذا النص مُدهشة نوعا ما، إذ نجد فيه القانون العام والقانون الجنائي والقانون المدني والقانون الدولي، وقمع الغش، والتعاون القضائي… لكنه يشدد كثيرا على استقلالية العدالة لأن الكانتونات الغابيّة لم تكن تريد قضاة أجانب.

واللافت أيضا بعض الافتقار للتماسك في النص، بحيث نجد أحيانا، على سبيل المثال، صيغة الجمع “هـم” وأحيانا أخرى صيغة جمع الجلالة “نحن”. من جهة أخرى، نجد أخطاء إملائية، وهذا لا يوحي بقدر عال من الجدية…

وهذا يُظهر في نظر فئة من المؤرخين بعض التسرع في صياغة النص. ويعتقد الباحثون أنه كُتب على عجل وبشكل سري، كما لو كان واضعوه يخضعون لضغوط خارجية. والشيء الآخر الذي يجب التشديد عليه هو أن الكلمة اللاتينية التي تُرجمت بـ “المُتّحدين” (كنفدراليا) هي “كونسبيراتي” (أي المتآمرون). ويعتقد بعض المؤرخين أن هذه العناصر المختلفة قد تدلّ على أن الميثاق كان في الواقع ميثاقا للتمرّد.

في الآونة الاخيرة، ذهب البعض إلى حد التشكيك في مصداقية الميثاق؟

جورج أندري: قبل عام، أوضح روجيه سالبونيي، وهو متخصص في القرون الوسطى من كانتون زيورخ، من خلال تحليل الكربون 14، أن العديد من المواثيق التي في حوزتنا – بما في ذلك ميثاق 1291 – لا تعود للحقبة التي تُنسب إليها.

ولكن حذاري، فهذا لا يعني بتاتا أن هذه النصوص زائفة، حتى أن روجيه سالبونيي بنفسه لا يؤكد ذلك. هذه التحاليل تظهر ببساطة أن المواثيق التي نمتلكها هي أحدث من النص الذي كتبه جيل سابق أو جيلين أو ثلاثة. في الواقع، تمت إعادة نسخها لأسباب متعددة، مثل تلف البرشمان (الورق النفيس) الأصلي بفعل الرطوبة أو النار أو الجرذان.

أوليفيي بوشار – swissinfo.ch

(ترجمته من الفرنسية وعالجته: إصلاح بخات)

من مواليد عام 1939 في لوزان (بكانتون فو).

بعد حصوله على شهادتي باكالوريا (لاتيني-إغريقي وفلسفة) في فرنسا، تحصل على إجازة في الأدب ثم دكتوراه في التاريخ بجامعة فريبورغ السويسرية. وكان موضوع بحثه: اللاجئون الفرنسيون في فريبورغ في عهد الثورة.

عمل بعد ذلك مساعدا أولا في جامعة برن في مجال التاريخ الإنتخابي. ومنذ نهاية السبعينات، أمضى حياته بين الإدارة الفدرالية والتعليم في جامعة فريبورغ.

يتناول عدد كبير من منشوراته العلاقات بين سويسرا وفرنسا. وقد منحته فرنسا عام 2004 وسام السعفة الأكاديمية بدرجة ضابط.

هو مؤلف أحد أجزاء الكتاب المرجعي “التاريخ الجديد لسويسرا والسويسريين” الذي صدر في الثمانينات.

في عام 2007، نشر مؤلفا للجمهور الواسع “تاريخ سويسرا لمن لا يعرف عنها شيئا” (L’histoire de suisse pour les nuls) بيعت منه بعد أكثر من 20 ألف نسخة.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية