مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مَـن الضعيف: أوباما أم أمريكا؟

الرئيس الأمريكي باراك أوباما Reuters

هل دخلت رئاسة باراك أوباما مرحلة الخطر بعد أن باتت تُـهمة الضعف سِـمة مشتركة يتقاسُـمها خصومه وأنصاره على حدّ سواء؟ ثم، لماذا يبدو الرئيس الأمريكي الشاب على هذا النّـحو المُـتضعضع بعد مرور عام على وجوده في البيت الأبيض؟

هل السبب شخصي أم أنه انعكاس لأزمة موضوعية أعمق تعيشها الولايات المتحدة نفسها؟ سنأتي إلى هذين السؤاليْـن بعد قليل. قبل ذلك، وقفة أولاً أمام الأجواء المُحيطة بأوباما هذه الأيام.

اتِّـهامات

كان داوود أوغلو، وزير الخارجية التركي، هو ثالث شخصية عالمية تتّـهم مؤخراً الرئيس الأمريكي أوباما بـ “الضعف”. قبله، كان الرئيس الفرنسي ساركوزي يخرج من اجتماع مع أوباما ليقول إنه لم يجِـد سمة واحدة تدلّ على أنه سياسي قوي. وقبل ساركوزي وداوود أوغلو، كان بريجِـنسكي يُـعرب عن خيبة أمله من أداء أوباما في سنته الأولى ويحضّه على الانتقال من موقع الخطيب المفوّه إلى موقع رجل الدولة الذي يفرض وجوده.

هل هؤلاء السياسيون الثلاثة على حقّ في اتهاماتهم؟ وألا تتضمن هذه الاتهامات بعض الظلم؟
حسناً. ربما مسألة الظلم واردة بالفعل، حين نتذكّر أمرين اثنين: الأول، أن أوباما ولـج إلى البيت الأبيض فيما كانت أمريكا تتأرجح على شفير ما كاد أن يكون أسوأ أزمة اقتصادية – مالية خلال نصف قرن، ولذا، كان مُـضطراً أن يُـكرّس جُـلّ جهوده للقضايا المحلية وأن لا يعطي السياسة الخارجية سوى بعض “الوقت المُقتطع”. والثاني، أن رئاسة أوباما ترافقت مع تطوّر خطير كان لا يني يتفاقم منذ عهد ريغان، وهو النفوذ القوي للغاية الذي باتت تمتلكه مختلف اللُّـوبيات (قوى الضغط) على السياسة الخارجية للولايات المتحدة.

في السابق، كان هذا النفوذ موجوداً بالطبع، لكنه اقتصر على قيام الكونغرس بعرقلة بعض قرارات أو توجّـهات الإدارة، لكن الآن أصبحت اللوبيات هي التي تفرض السياسة الخارجية التي تريد والنماذج عديدة: من قرار اعتبار الأرمن الذين سقطوا في اضطرابات عام 1915 ضحايا “إبادة جماعية” إلى إصدار تشريع بفرض عقوبات على إيران ومواصلة العقوبات على سوريا، وصولاً إلى اعتبار حماس وحزب الله منظّـمتين إرهابيتين.

في كل حالة من هذه الحالات، كان الكونغرس يخدم مصالح أجنبية أو حتى مُضرّة بالمصالح الإستراتيجية الأمريكية. وفي كل حالة، كانت الإدارة تقِـف عاجزة، أساساً لأن غالبية الشعب الأمريكي تفتقد إلى ألِـف بَـاء المعرفة الجغرافية والسياسية، ولا تعرف أين تقع أفغانستان وباكستان وحتى العراق (حيث يُـقاتل أبناؤها) على الخريطة.

أوباما يدفع الآن ثمن تراجُـع سلطة الإدارة وتقدّم سلطة اللوبيات، وهذا الأمر يزداد خطورة حين نتذكّر أن هذه اللوبيات لها وجود قوي للغاية داخل البيت الأبيض وفي البنتاغون ومجلس الأمن القومي.

هذان المُـعطيان، أي الأزمة الاقتصادية وقوة اللوبيات، يشجِّـعان على إصدار حُـكم تخفيفي على أوباما، خاصة وأنه (في المقابل)، نجح في السنة الأولى في تقديم صورة لأمريكا على أنها قوة عُـظمى متواضعة ومستعدّة للتأقْـلم مع متغيّـرات القرن الحادي والعشرين.

لكن، حتى لو كُـنا نحن مستعدّين للتّـسامح مع أوباما، فإن التاريخ قد لا يُـبدي هذا القدر من التسامح، وهذا لسبب خطير: ما لم يتحوّل أوباما إلى رجل دولة ويوفّر حلولاً لمشاكل فلسطين وإيران وأفغانستان، فإن أمريكا ستخسِـر بالفعل زعامتها العالمية وسيكون هو المسؤول الأول عن ذلك.

رائحة الدّم

هذا الأمر كان واضحاً كل الوضوح في أبعاد ومضاعفات الاستخفاف الشديد الذي تُـبديه حكومة نتانياهو للرئيس الأمريكي أوباما والذي تحوّل (أو يكاد) من أزمة ثُـنائية بين الطرفيْـن، إلى أزمة عالمية لواشنطن.

فالاتهامات له بالتّـخاذل وبأنه “pullover” (أي شخص يسهل التغلب، بل والدوس عليه)، أصبحت لغة مشتركة بين الجمهوريين الأمريكيين وباقي الجمهوريين والملَـكيين في العالم. وحتى أنصاره في قادة الحزب الديموقراطي باتوا يخشوْن من ربط أسمائهم به، خِـشية أن يدفعوا الأثمان الانتخابية في أمّة اشتهرت بحبِّـها للشخصيات القوية والشجاعة.

استتباعات هذا التطوّر في حال استمراره، فائقة الخطورة، إذ أنه يطلق رسائل في كل أنحاء العالم بأنه بات في وُسع أيٍّ كان أن يتحدّى الزعامة الأمريكية وينفـد بريشه من عقوباتها. وهذا يصح أكثر ما يصح على الدول الكبرى، كروسيا والصين، أو السائرة على طريق الكِبَر كالبرازيل والهند وتركيا وغيرها.

روسيا، التي كانت أول من اشتمّ رائحة الدّم في الإدارة الأمريكية الجديدة، سارعت إلى الإفادة من هذه الفرصة لتشديد قبضتها على جورجيا واستعادة نفوذها في أوكرانيا وتثبيت أقدامها في آسيا الوسطى، على رغم كل رسائل القلق التي أطلقتها نحوها إدارة أوباما.

وكذا فعلت الصين، التي رفضت تنسيق سياساتها مع واشنطن إزاء إيران والشرق الأوسط، وواصلت “غزواتها “الخاصة لمنابع النفط والموارد الطبيعية الأخرى في إفريقيا وأمريكا اللاتينية.

أما البرازيل، فقد حفّـزها ذلك على رمْـي قفّـاز الاستقلال في وجه الولايات المتحدة، فأدارت ظهرها إلى كل دعوات هيلاري كلينتون لها لقطع علائقها الاقتصادية مع إيران.

والحبل لايزال على الجرار..

هذه الوقائع الدولية، وليس مشاعر الغضب من إذلال نائب الرئيس بايدن، هي التي دفعت هذا الأخير ومن بعده كلينتون إلى إصدار أول بيانات انتقاد إلى الدولة العبرية. بيد أن مثل هذه البيانات لا تُـرجّح أن تَـفي بالغرض، وهو استعادة هيبة أوباما ومعه الهيبة الأمريكية نفسها. فبيان بادين، الذي كان الأعنف، اكتفى بـ “إدانة العمل (بناء منازل استيطانية جديدة)، الذي يُشعل التوتّـرات”، وبيان كلينتون، لم يتخطّ بأي حال مستوى إبداء الأسف والشكوى، على رغم وصفه بالقوي. لكن، حتى لو كانت هذه البيانات قوية بالفعل، فهي قد لا تستأهل الحِـبر الذي أُريق عليها، إذا لم ُتستتبع بإجراءات على الأرض من جانب أوباما.

قد يُـقال هنا أن الرئيس الأمريكي سيكون عاجزاً على القيام بهذه الإجراءات، لأن الكونغرس الأمريكي “الصهيوني”، يقف له بالمِـرصاد، كما أشرنا أعلاه، وهذا صحيح في بعض الجوانب، ولكن ليس كلها. فالكونغرس سيرفض أي قرار من الإدارة بوقف المساعدات المالية والعسكرية الضخمة لإسرائيل، لكن في وسع أوباما أن يفعل ما فعل الرئيس جورج بوش الأب في عام 1991: التهديد بأنه لن يكون في وسع تل أبيب بعد الآن اعتبار المساعدات الأمريكية لها أمراً مضموناً وبديهياً. فهذا وحده يُـمكن أن يؤدّي (بل سيؤدّي حتماً) إلى نسف كل الدّعم الداخلي الذي تتمتع به حالياً حكومة نتانياهو، وإلى إعادة تشكيل السياسات الإسرائيلية على أسُـس جديدة.

الكرة الآن في ملعب أوباما، لكن الشباك هذه المرة لم تعد إسرائيلية وحسب، بل عالمية أيضا. وما لم يثبت الرئيس أوباما أنه رئيس حقاً، فإن عشرات الأهداف الدولية ستهزّ الشباك الأمريكية نفسها.

خلل أمريكي

نعود الآن إلى السؤاليْـن الأوليْـن: هل أزمة رئاسة اوباما شخصية أم أنها تعبير عن أزمة أمريكية عامة؟

ثمة مؤشّـرات بالفعل على بدء بروز شروخ عميقة في صرح البنيان الأمريكي ناجم أساساً عن الانحدار النِّـسبي للقوة العظمى الأمريكية في العالم بسبب تآكل قوّتها الاقتصادية، وهذا ما وضعها تحت رحمة القانون الذي اكتشفه بول كينيدي (في كتابه “صعود وسقوط الدول الكبرى”)، والذي أطلق عليه إسم “لعنة التمدّد الإستراتيجي الزائد”.

كيف؟ خطاب الرئيس أوباما في موفى يناير الماضي عن “حال الأمة” الأمريكية، ألقى أضواءً باهِـرة على مسألة التآكل الاقتصادي هذه. صحيح أن بلاغة أفصح الرؤساء الأمريكيين لم تغِـب، وصحيح أيضاً أن أوباما رفض نصيحة مستشاريه بأن يركّـز على الاقتصاد والوظائف ويتخلّـى عن شعاره الشهير “نعم، نستطيع” (التغيير)، إلا أن خطابه من ألِـفِـه إلى يائِـه، كان اعترافاً فاقعاً بأنه كرئيس في أزمة كبيرة وأن حزبه الديمقراطي في أزمة أكبر وأن أمريكا ككل في أزمة أكبر وأكبر.

أهداف أوباما الرئيسية لا تزال على حالها: برنامج الرعاية الصحية وتنظيم وول ستريت وتوفير وظائف جديدة وإطلاق الطاقة الخضراء. والإضافات الوحيدة التي قُـدّمت لإرضاء الجمهوريين الحانقين، تمثّلت في تأييد بعض بنود برنامجهم المتعلّـق بدعم الطاقة النووية المدنية وإسقاط حَظر التنقيب عن النفط والغاز في بعض المَـحميات وتجميد الإنفاق الحكومي لثلاث سنوات، ما عدا في موازنات وزارة الدفاع و”السي. آي.إي” ورعاية المُسنين.

بيد أن كل هذه الإجراءات لن تكون قادرة على تحقيق ما دعت إليه مجلة “التايم”: تجديد برنامج أوباما التغييري. فلا الشعب الأمريكي سيبتلع الوعود الجديدة، وهو يرى أوباما يضع نفسه في خِـدمة حِـيتان وول ستريت، على رغم انتقاداته لجشعهم، ولا الحزب الجمهوري سيكون في وارد إلقاء السلاح، بعد أن اشتمّ رائحة دَم أوباما وديمقراطييه في ماساشوستش.

ماذا يعني كل ذلك؟

الكثير، الكثير. إنه يعني أولاً، أن الأزمة الاقتصادية – الاجتماعية الأميركية، أكبر بكثير من إدارة أوباما، وهذا قد يُفسّـر لماذا هذه الأخيرة تبدو كقشّـة في مهبّ بحر متلاطم، بدل أن تكون سفينة إنقاذ تقود أمريكا إلى برّ الأمان.

كما أنه يعني أن طائرة السياسة الخارجية الأمريكية ستكون طيلة السنوات الثلاث المتبقية من عهد أوباما، أسيرة مطبّـات هوائية داخلية كُـبرى، خاصة بعد أن تبيّن أن التقارير عن بدء تعافي الاقتصاد الأمريكي، كان مبالغاً فيها.

الخطاب عن حال الأمّـة كان تأكيداً بيِّـناً لهذه الفرضية، إذ لم تحتل السياسة الخارجية فيه سوى خمسة أو عشرة بالمائة منه، فغاب الصراع العربي – الإسرائيلي، الذي كان على رأس أولويات أوباما منذ اليوم الأول لدخوله البيت الأبيض كلياً عن الخطاب وحظيت أفغانستان وباكستان والعراق بفقرات سريعة، هذا في حين ذكّـر تركيز أوباما على حربه المتصاعِـدة ضد الإرهاب الكثيرين بسياسات الرئيس السابق بوش.

لكن، وحتى قبل خطاب أوباما، كانت ثمّـة معطيات عدّة تشي بأن ثمّـة إعصاراً اقتصادياً جديداً يحشد غيومه الدّاكنة الكثيفة في سماء الولايات المتحدة ويهدد بأن يكون أخطر من التسونامي المالي الذي ضربها عامي 2008 و2009.

العنوان الأبرز لهذا الإعصار: الإفلاس.

فولاية بعد ولاية، بمن فيها نيويورك وكاليفورنيا، التي تعتبر خامس أكبر اقتصاد في العالم، تستتنجد الآن بالحكومة الفدرالية، طالبة إلقاء طوق النجاة إليها، وولاية بعد ولاية تجِـد عائداتها من الضرائب تتبخّـر بسرعة تبخُّـر أمطار الصيف وتعجز عن الوفاء بالحدّ الادنى من الخدمات الاجتماعية والصحية لمواطنيها.

“مركز الموازنة وأولويات السياسة”، وهو مؤسسة أبحاث بارزة، يُقدِّر بأن عجوزات الموازنات في 44 ولاية سيصِـل خلال السنتين الماليتين 2010 و2011 إلى رقم فلَـكي يبلغ 350 بليون دولار. ومن دون مساعدة فدرالية عاجلة، ستكون هذه الولايات مضطَـرة إلى صرف مئات آلاف آخرين من العمال والموظفين والمعلّـمين في المدارس الرسمية.

ويوضح بوب هربرت، الكاتب في “نيويورك تايمز” أن الأزمة المالية في الولايات هي الأقسى منذ الكساد الكبير عام 1929، وكذا الأمر بالنسبة إلى انهيار عائدات الولايات من الضرائب، وأن الكارثة لن تقع قريباً، بل هي تحدُث هنا والآن.

لعبة الأرقام تُعزِّز هذا الرأي، إذ لا تزال نِـسب البطالة العامة تفُـوق العشرة في المائة، لكنها في ديترويْـت، عاصمة صناعة السيارات الأمريكية، تجاوزت حدود الثلاثين في المائة، ودفعت قطاعات واسعة من الطبقتيْـن الوسطى والفقيرة إلى مغادرة العصر الصناعي – التكنولوجي والعودة إلى عصر الزراعة، بدعم من مؤسسات دينية واجتماعية.

جنباً إلى جنب مع هذه الأزمة الاقتصادية – المالية، هناك أيضاً أزمة الخلل السياسي. فالحزب الديمقراطي، الذي سيْـطر على البيت الأبيض ومجلسيْ الكونغرس، وهو يرفع رايات الإنفاق الحكومي والعدالة الاجتماعية، يجد نفسه عاجزا كلياً عن الوفاء بالحدّ الأدنى من هذه الوعود. والحزب الجمهوري، الذي يدعو إلى خفض الضرائب عن الأغنياء كوسيلة لحفزهم على زيادة الاستثمار، لم يعُـد في مقدوره طرح هذا الشعار، فيما خزائن الولايات تكاد تفرغ إلا من جحافل الفئران. والحصيلة: شلل سياسي شبه تام!.

ماذا في وسع إدارة أوباما أن تفعل في مثل هذه الظروف؟ إنها تنوي أن تطلب من الكونغرس الموافقة على رصد 50 بليون دولار لصرفها على إعادة ترميم البُـنى التحتية، بهدف توفير فُـرص عمل جديدة، لكن، حتى هذه الخطوة ستقابَـل باستهجان كبير، إذ سيتذكّـر الكثير من الأمريكيين أن الإدارة صرفت وستصرف، ما يقرب من تريليون دولار لإنقاذ المصارف العِـملاقة من الانهِـيار، فيما هي ترمي بالفَـتات إلى الطبقات الوسطى والفقيرة، كما سيتذكّـرون أيضاً أن الحِـيتان المالية التي ابتلعت هذه الكميات الهائلة من الأموال الفدرالية، لم تفعل أي شيء البتّـة لرد الجميل في شكل قروض ميسّـرة للأسماك الصغيرة، التي تشكّل الغالبية الكاسِـحة من الشعب الأمريكي.

ثلاثة حلول

الإعصار الزاحِـف إذن، سيكون عاتِـياً بالفعل، ومما سيزيد الطِّـين بلّـة، أن ردود الفعل عليه هي الآن غاية في التبايُـن وحتى التناقُـض: من الدّعوة إلى إيجاد “حلول دينية” إلى تحميل طرَف خارجي (الصين) المسوؤلية، والمطالبة بتجريد حملة اقتصادية عليها، وصولاً إلى تشجيع أمريكا على إعلان “إفلاسها”.

ما منطق ومبرّرات كل من هذه الأطراف الثلاثة؟ نبدأ مع الحلّ “الدِّيني”. أعلى الأصوات المطالبة بمثل هذا الحل، رجل دين هو جيم والِـيس، مؤلِّـف كتاب صدر قبل فترة وجيزة بعنوان “إعادة اكتشاف القِـيم”، الذي يعتبر أن الأزمة الاقتصادية الرّاهنة هي أزمة روحية وأزمة قِـيم أيضاً، وأن أي محاولة لاستعادة عافية الاقتصاد الأمريكي يجب أن يسبقها تعافٍ أخلاقي.

كيف؟ عبر تحدّي الآلهة الزّائفة لوول ستريت وتذكير الناس بمَـن هو الله (تعالى) ومَـن هو غير الله، وبما أن البشر هُـم قهرمانات خلق الله، فيجب أن يسودوا هُـم السوق لا العكس، كما يجب أن يحل مكان الوعد الزائف للسوق بتحقيق نمُـو واستهلاك لا نهاية لهما، التّـواضع والقِـيم الإنسانية والحدود الأخلاقية. يجب أيضاً أن تكون أولى الوصايا العشر: “هذا يكفي إذا ما تشاركنا به”، لا وصية السوق: “هذا لن يكون كافياً أبداً”.

ويدعو والِـيس إلى مقاطعة المصارف الكبرى ودفع المجتمع المدني إلى بناء أسُـس اقتصاد انتاجي تعاوُني جديد. وعلى رغم أنه لا يتلفّـظ لا بتعبير الرأسمالية ولا بمُـصطلح الاشتراكية، إلا أن ما يعني ويستهدف واضح وبيّن.

الحل الثاني، أي تصدير الأزمة الأمريكية إلى الصين يقوده صقور البنتاغون وكواسر الجمهوريين المحافظين، الذين يرون أن ما يسمونه السياسة الحمائية الصينية، هي السبب الرئيسي وراء خسارة الأمريكيين للوظائف ووراء العُـجوزات الكبيرة في الميزان التجاري. أما كيف تصدير الأزمة، فالأمر سهْـل: شنّ مُـجابهات اقتصادية مع الصين، قد لا تكون هي الحرب التجارية المعهودة (بسبب التشابُـك العميق في المصالح الذي خلقته العولمة)، لكنها على الأقل تقف على حفافها.

نأتي الآن إلى الحل الثالث: حفز الولايات المتحدة على إعلان إفلاسها؟ لوهلة، قد تدعو هذه دعوة مجنونة على رغم أن من يتبناها هُـم بعض العقلاء من اقتصاديي المؤسسة الأمريكية، لكنها ليست كذلك، إذ أن أنصارها يسردون أدلّـة متلاحقة لإثبات أن الإفلاس يؤدّي في الواقع إلى قيامة اقتصادية تُـشبه تلك التي يفرزها “التّـدمير الخلاّق” في الكوْن والطبيعة والمجتمع.

وعلى سبيل المثال، إصلاحات دنغ هسياو بينغ الرأسمالية في الصين، لم تكن لتبدأ عام 1978 لولا وصول بلاده آنذاك إلى أزمة مالية بنيوية خطيرة. ونهضة الهند بدءً من عام 1991 لم تنطلِـق إلا بعد أن تدهْـوُر احتياطي العملة الصّـعبة فيها بشكل كارثي، كما تكرّر الأمر نفسه في المكسيك والبرازيل والأرجنتين وروسيا، التي لم تنهض من كبوتها إلا بعد أن وصلت إلى مرحلة الإفلاس، وبالتالي، لا يجب أن يرتاع الأمريكيون كثيراً إذا ما وصلوا هم أيضاً إلى عتَـبة الإفلاس، فربّ ضارّة نافعة، لكن، هل الإفلاس سيكون حقا نافعاً في أمريكا، خاصة وأنه قد قد يؤدّي إلى انهيار أو تزعزع زعامتها العالمية؟ لا يعتقد كثيرون ذلك، كما لا يرون أيضاً أن الحلّ هو تسخين الأوضاع مع الصين، وبالتالي، لن يبقى أمام أمريكا، على ما يبدو، سوى الحلّ الدِّيني أي التضرّع إلى السماء بدل الرّكوع أمام أصنام وول ستريت!

ويبدو أن هذا كلّ ما يفعله أوباما الآن: الصلاة، لكن هل هذه الصلاة قادِرة على إنقاذه من تُـهمة الضّـعف والتّـهاون، لا بل حتى من عمليات الهوان التي تمارسه ضدّه تل أبيب ومعها الكونغرس الأمريكي؟ لا نعتقد.

سعد محيو – بيروت – swissinfo.ch

واشنطن (رويترز) – قال الرئيس الامريكي باراك اوباما إن خطط اسرائيل لبناء المزيد من المساكن لليهود قرب القدس الشرقية لا تساعد عملية السلام في الشرق الاوسط لكنه أضاف أن المسألة لم تؤد الي أزمة مع واحد مع أوثق حلفاء الولايات المتحدة.

وقال اوباما في مقابلة اذاعتها قناة فوكس نيوز التلفزيونية يوم الاربعاء 17 مارس 2010 “اسرائيل هي أحد أوثق حلفائنا ونحن والشعب الاسرائيلي يجمعنا رباط خاص لن ينفصم”.

“لكن الاصدقاء يختلفون احيانا”.

وأثارت اسرائيل خلافا مع إدارة اوباما الاسبوع الماضي عندما أعلنت اثناء زيارة نائب الرئيس الامريكي جو بايدن أنها تعتزم بناء 1600 مسكن جديد لليهود قرب القدس الشرقية وهو ما أثار غضب الفلسطينيين.

وتعتبر اسرائيل القدس بأكملها – بما في ذلك القطاع الشرقي من المدينة الذي استولت عليه في حرب 1967 ثم ضمته اليها فيما بعد – عاصمة “أبدية” لها. ويريد الفلسطينيون أن تكون القدس الشرقية عاصمة لدولة يأملون باقامتها في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وقال اوباما في المقابلة التلفزيونية انه أوفد بايدن الى المنطقة في وقت تحاول فيه الولايات المتحدة استئناف المحادتات بين الاسرائيليين والفلسطينيين.

وأضاف قائلا: “أوفدت نائب الرئيس بايدن خصيصا الي اسرائيل لارسال رسالة دعم وتطمين بشأن اعتقادي بأن أمن اسرائيل شيء مقدس للغاية واننا يجمعنا نطاق واسع من المصالح المشتركة.”

ومضى قائلا “هناك اختلاف بشأن كيف يمكننا السير قدما في عملية السلام.”

وأعطت وزارة الداخلية الاسرائيلية موافقة على بناء 1600 مسكن جديد بعد ساعات من قول بايدن إن اوباما ملتزم بأمن اسرائيل في مواجهة ما يعتبره البلدان تهديدات من ايران.

وقال اوباما “الإجراءات التي اتخذها وزير الداخلية في اسرائيل لم تكن مفيدة لتلك العملية. رئيس الوزراء (بنيامين) نتنياهو اعترف بهذا واعتذر عن ذلك.”

وأضاف قائلا “ما نحتاجه الآن هو أن يدرك كل من الجانبين أن من مصلحته السير قدما في عملية السلام هذه”.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 17 مارس 2010)

(رويترز) – هدد الفلسطينيون باحتمال الامتناع عن إجراء محادثات سلام غير مباشرة بوساطة أمريكية ما لم تلغ إسرائيل خططا أعلنتها الأسبوع الماضي لبناء 1600 منزل جديد في مستوطنة بالقرب من القدس.

ويعود المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط جورج ميتشل إلى المنطقة هذا الأسبوع لمحاولة إنقاذ العملية. وكانت إسرائيل أعلنت في نوفمبر 2009 تجميدا محدودا لعشرة اشهر في بناء المستوطنات بهدف إقناع الفلسطينيين بالعودة إلى المحادثات.

وفيما يلي بعض الحقائق بشأن المستوطنات:

– ترفض إسرائيل ما يراه المجتمع الدولي من أن التجمعات التي تبنيها منذ ثمانينات القرن العشرين في الضفة الغربية احتلتها في 1967 تمثل انتهاكا للقانون الدولي.

– بنت إسرائيل ما يزيد على 100 مستوطنة يعيش بها 500 ألف يهودي أي تسعة بالمائة من سكانها اليهود. بعضها اتخذ شكل بلدات كبيرة بالقرب من إسرائيل والبعض الأخر عبارة عن قرى مبانيها مسقوفة بأسقف حمراء على قمم تلال بعيدة بالضفة الغربية أحيطت بأسياج ويقوم على حمايتها الجيش الإسرائيلي. ويعيش نحو 200 ألف من إجمالي 500 ألف مستوطن في القدس الشرقية ومناطق مجاورة للضفة الغربية التي ضمتها إسرائيل لبلدية القدس في خطوة لم تعترف بها القوى العالمية.

– ظل بناء المستوطنات مسألة شائكة لسنوات. وتفترض عملية السلام التي ما تلبث تنطلق حتى تتوقف أن يتم -في حالة التوصل إلى معاهدة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي- إخلاء المستوطنات الأصغر والأبعد على أن تصير البلدات الكبرى رسميا جزءا من إسرائيل في إطار صفقة لتبادل أراض.

– يبرر كثير من المستوطنين المقيمين في جيوب أقرب إلى تل أبيب والقدس لجوءهم للمستوطنات برخص تكلفة السكن بها، لكن آخرين يرون أنفسهم روادا يمارسون حقا توراتيا لليهود في يهودا والسامرة.

– بيد أنه في العام الماضي صار توسيع المستوطنات عقبة أساسية أمام إحياء مفاوضات السلام التي توقفت في ديسمبر عام 2008. وقال الفلسطينيون البالغ عددهم نحو ثلاثة ملايين نسمة في الضفة الغربية والقدس الشرقية إنه لابد من وقف كل أعمال البناء الاستيطاني قبل استئناف المحادثات مع الحكومة الإسرائيلية التي تولت السلطة في مارس 2008. وفي البداية رددت واشنطن نفس هذا المطلب “بتجميد” النشاط الاستيطاني.

– في يونيو 2009 قال الرئيس الأمريكي باراك اوباما “الولايات المتحدة لا تقر بشرعية استمرار بناء المستوطنات الإسرائيلية. هذا البناء ينتهك اتفاقات سابقة ويقوض جهود إقرار السلام. حان الوقت كي تتوقف هذه المستوطنات”.

– يحظى ائتلاف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بدعم أحزاب مؤيدة للاستيطان تريد الاحتفاظ بأكبر قدر ممكن من الضفة الغربية في أي اتفاق للسلام. وقال نتانياهو لاوباما انه لن يشرع في بناء مستوطنات جديدة لكنه يريد توسيع بعض الجيوب القائمة لاستيعاب ما يسميه “النمو الطبيعي” لهذه التجمعات السكانية، ولا يشمل التجميد الجزئي المناطق التي تم ضمها للقدس.

– تنازل الرئيس الفلسطيني محمود عباس في شهر مارس الجاري عن مطلب التجميد الكامل للاستيطان كشرط مسبق لاستئناف مفاوضات السلام ووافق على إجراء محادثات غير مباشرة بوساطة أمريكية مع الجانب الإسرائيلي. ويقول الفلسطينيون الآن إن هذه المحادثات قد تتعثر ما لم تلغ إسرائيل قرارها بتوسيع مستوطنة بالقرب من القدس.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 14 مارس 2010)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية