مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

ظاهرة الإختفاء القسري في مصر.. بين ادعاءات المعارضين ونفي الرسميين!

أربعة رجال يتحدثون في ندوة صحفية
منصة الندوة التي عقدها وفد المنظمة المصرية لحقوق الإنسان في جنيف يوم 12 سبتمبر 2018 حول مسألة الإختفاء القسري في مصر وهم من اليمين إلى اليسار كل من: عصام شيحة وصلاح سلام وحافظ أبو سعده وعلاء شلبي. swissinfo.ch

فيما تنفي الحكومة المصرية أي وجود لظاهرة الإختفاء القسري لديها، وتؤكد أن غالبية من ادعت منظمات حقوقية دولية أو محلية تصفها بـ "المعارضة" اختفاءهم، هم إما رهن الاحتجاز على ذمة التحقيق في قضايا بأمر من النيابة العامة، أو أنهم يؤدون مدة العقوبة في السجون بعد صدور أحكام نهائية وباتة من قضاة المحاكم، بتورطهم في ارتكاب جرائم إرهاب.. لا تفتأ تدعي منظمات حقوقية غير حكومية، وحملات معارضة للنظام الحاكم أن الظاهرة موجودة، وأن الإعلام المصري لا يسلط الضوء عليها.

وبين هذا وذاك؛ عقدت المنظمة المصرية لحقوق الإنسانرابط خارجي، مساء الأربعاء 12 سبتمبر الجاري، ندوةً في جنيف تحت عنوان: “الاختفاء القسري في مصر”، بحضور وفد من المنظمة وعدد من الدبلوماسيين، والصحفيين، والنشطاء الحقوقيين، وذلك على هامش أشغال الدورة الـتاسعة والثلاثين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة التي افتتحت فعالياتها يوم 10 سبتمبر الجاري في قصر الأمم وتستمر حتى الثامن والعشرين منه. 

شارك في الندوة، كلٌ من حافظ أبوسعدة، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، والدكتور صلاح سلام، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، وعلاء شلبي، أمين عام المنظمة العربية لحقوق الإنسان، ومحامي أسر ضحايا الإرهاب، عصام شيحة، الأمين العام للمنظمة المصرية، وطارق زغلول، المدير التنفيذي للمنظمة، ومحمد عثمان، منسق العلاقات الدولية بالمنظمة.

ثلاث ندوات

على هامش فعاليات الدورة التاسعة والثلاثين لمجلس حقوق الإنسان المنعقدة في المقر الأوروبي لمنظمة الأمم المتحدة في جنيف من 10 إلى 28 سبتمبر الجاري، قامت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان بتنظيم ثلاث ندوات. 

عُقدت الأولى يوم 12 سبتمبر عن “الإختفاء القسري في مصر” وانتظمت الثانية، فانتظمت يوم 14 سبتمبر تحت عنوان: “تعويض ضحايا الإرهاب في مصر ودور قطر في دعم الإرهاب”.

وأما الندوة الثالثة فقد أقامتها المنظمة يوم 18 سبتمبر تحت عنوان: “حقوق الإنسان في قطر.. مأساة قبيلة الغفران”.

أبو سعدة: الإلتزام بحقوق الإنسان

في كلمته الإفتتاحية، قال حافظ أبو سعدة الذي أدار الندوة: “تلقت المنظمة منذ عام 2015، حتى تاريخه 700 بلاغ، عن حالات اختفاء قسري، وتلقينا 500 رد من وزارة الداخلية، يوضح أن هؤلاء موجودون داخل السجون، علي ذمة قضايا”؛ متابعًا “اتضح أيضًا أن بعض الحالات لأشخاص منتمين لجماعات إرهابية، وقد ظهروا في فيديوهات، ينعيهم فيها تنظيم داعش الإرهابي، ويصفهم بأنهم شهداء، جراء القيام بعمليات إرهابية، والبعض الآخر هاجر إلى خارج البلاد، هجرة غير شرعية”.

رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، أشار إلى أن الخطوة الهامة في الموضوع، هي استجابة الحكومة للرد على الشكاوى، ليس فقط على المنظمة المصرية، أوالمجلس القومي لحقوق الإنسان، وإنما أيضًا على المجموعة الأممية المعنية بموضوع الإختفاء القسري، وهو الأمر الذي يدعونا لتشجيع الحكومة لهذا النهج، وكذلك التعاون مع المجلس القومي”، موضحًا أن “الإستجابة لتوصيات تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان ستؤدي لإنهاء كامل لقضية الإختفاء القسري”، حسب رأيه.

في الأثناء، دعا أبو سعدة المجتمع الدولي، إلى أن “يعمل بشكل وثيق، مع الدول التي تحارب الإرهاب، ومن بينها مصر، تنفيذًا لقرار مجلس الأمن، الذي يُلزم الدول بالتعاون في مجال تبادل المعلومات، وتكثيف التمويل، ومنع تسهيل مرور وإقامة قيادات الإرهاب”؛ مشيرًا إلى أن المنظمة المصرية لحقوق الإنسان “تبنت ضحايا الإرهاب، ورفعت دعوى قضائية للمطالبة بحقوقهم في التعويض، من الدول الداعمة للإرهاب، وعلى رأسها قطر، لثبوت تمويلها لتنظيمات إرهابية تنشط في مصر، أدت عملياتها لسقوط عدد كبير من القتلى والمصابين”، على حد قوله.

شيحة: ضروري سن قانون خاص

في مداخلته، قال عصام شيحة، الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان: “إن المنظمة المصرية أكدت أنه رغم عدم استخدام لفظ (جريمة الاختفاء القسري) في الدستور والقانون المصري، إلا أن الدستور الجديد، وقانوني العقوبات والإجراءات الجنائية، تضمّنوا، بطريق غير مباشر، تجريم عقوبة الإختفاء القسري، وظهر ذلك بوضوح في المواد 51 و54 و55 و59 من الدستور، والمواد 40 و42 و43 من قانون الإجراءات الجنائية، و المادة 280 من قانون العقوبات”.

وأضاف شيحة، وهو قيادي أيضا بحزب الوفد المصري أنه “مع ذلك ترى المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، ضرورة سن قانون خاص بالإختفاء القسري، يُجرّم كل فعل من أفعال الاختفاء القسري، ويُعاقب كل من يشارك، أو يساهم، أو يُحرض عليه”، مشددًا على أهمية أن “يسلط مجلس النواب سلطته الرقابية، على أجهزة الأمن، ومراقبة مدى التزامها بالدستور والقانون”.

وتابع الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان، بأن “مصر احتلت المرتبة الـحادية عشرة (11) في مؤشر الإرهاب العالمي، حسبما كشف معهد الإقتصاديات والسلام الأسترالي في تقريره لعام 2017، والذي أكد ارتفاع عدد الحوادث الإرهابية في مصر، عامي 2016 و2017، بزيادة 9 مرات عن الأعوام السابقة”.

رجل يرتدي نظارات يقف أما نصب وسط جنيف
عصام شيحة، الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان swissinfo.ch

سلام: تلقينا  266 شكوى

من جانبه، عرض الدكتور صلاح سلام، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسانرابط خارجي، في كلمته، التقرير الذي أعده المجلس عن الإختفاء القسري، وقال: “إن عدد الشكاوى التي تلقاها المجلس، كان 266 شكوى، تم كشف مصير 238 منهم، والباقي اتضح أنهم هاجروا إلى خارج البلاد، بطرق غير شرعية، وانضموا لمنظمات إرهابية” حسب زعمه، مشيرا إلى معرفة المجلس بذلك “بعد مُخاطبتنا للنيابة العامة ووزارة الداخلية”.

في كلمته، أشار سلام أيضا إلى أن “مصر اضطرت لعمل منطقة عازلة على الحدود مع قطاع غزة، حيث تبين وجود أكثر من 890 نفقًا تحت المنازل، في الـخمسمائة متر الأولى، ثم جرى توسيع المنطقة؛ حيث وصل طول الأنفاق إلى 3800 متر، وهو ما ترتّب عليه توسيع المنطقة العازلة وتعويض الأهالي”؛ مشيرًا إلى أن “الإرهاب في سيناء لم يستهدف الأقباط فقط، بل استهدف الشخصيات العامة أيضًا، وكل من يتعاون مع القوات المسلحة، كذلك كانت المساجد هدفًا للإرهابيين، حيث بلغ عدد ضحايا الإرهاب في سيناء 850 شهيدًا مدنيًا، منهم حوالي 315 شهيدًا في مسجد الروضة فقط”.

الخبير القانوني أضاف أنه “برغم كل التحديات لضرب الإقتصاد والسياحة والبنية التحتية، مثل أبراج الكهرباء وخطوط الغاز، إلا أن المؤشرات العالمية تقول إن مصر تقدمت 44 درجة حسب إحصاءات منظمة التنافسية الدولية، وأن الإقتصاد تحسن من مستقل إلى إيجابي، وفقًا لمؤشرات موديز وفيتش وستاندارد اند بورز، وأن البطالة تراجعت إلى 9.9%، وتحولت مصر إلى مركز لإنتاج وتصدير الغاز”، حسب قوله.

“شلبي”: ادعاءات كثيرة عن مختفين

أما علاء شلبي، الأمين العام للمنظمة العربية لحقوق الإنسانرابط خارجي، فتحدث في كلمته بالندوة، عن ظاهرة الاختفاء القسري في المنطقة العربية وتاريخها وأشهر حالاتها، مثل: قضية السياسي الليبي الراحل منصور الكخيخيا مطالبًا بأن “نخطر النيابة العامة، وننتظر فترة زمنية لتلقي الردود على مخاطباتنا، قبل أن نتحدث عن وجود حالات اختفاء قسري”؛ وقال: “توجد ادعاءات كثيرة عن عدد المختفين في مصر، ثم يتضح بعد البحث، انضمامهم لجماعات إرهابية”.

شلبي أضاف أن “ثورات الربيع العربي، التي جرت في المنطقة، ومن بينها ثورة 25 يناير 2011، التي جرت في مصر، بدأت سلمية، إلا أن تسليح الثورة أدى إلى سقوط ضحايا أبرياء، وانهيار دول، وصعود الإرهاب”، وطالب المجتمع الدولي بأن “يُعاقب الدول الداعمة للإرهاب، وأن يتصدى لها”.

من جهته، عرض محمد عثمان، مُنسق العلاقات الدولية بالمنظمة المصرية لحقوق الإنسان، بيانات تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان عن ظاهرة الإختفاء القسري في مصر، كما عرض التقرير الأخير لفريق العمل الأممي حول الظاهرة، إضافة إلى توصيات المنظمة المصرية لحقوق الإنسان وشدّد على “ضرورة توقيع مصر على الإتفاقية الدولية لتحريم الإختفاء القسري”.

منظمات حقوقية مصرية لها رأي آخر 

في المقابل، تقول منظمة هيومن رايتس مونيتوررابط خارجي، إنها تقدمت بشكوى عاجلة مجمعة إلى الفريق العامل المعني بالاختفاء القسري في الأمم المتحدة، وكذلك للمقرر الخاص بالاعتقال التعسفي، تضمنت 44 حالة من الاختفاء القسري، تعرض له 44 مواطنًا مصريًا”، وأعربت عن “قلقلها إزاء تنامي تلك الظاهرة في الأيام القليلة الماضية، واختفاء عشرات المواطنين في عدة محافظات مصرية، دون التعرف على مصيرهم، الأمر الذي يصنفه القانون الدولي على أنه جريمة ضد الإنسانية”.

المنظمة أضافت على موقعها على شبكة الإنترنت، أن “جرائم الاختفاء القسري التي ترتكب في مصر، جميعها مخالف للإتفاقيات الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، والتي صدقتها الجمعية العامة للأمم المتحدة برقم 61\ 177، في ديسمبر 2006، والتي تستند إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الإجتماعية والثقافية والإقتصادية، وإلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وذلك طبقًا للمواد 1،2،3، 4، 5، 6 والتي تجرم تعرض أي شخص للإختفاء القسري، وتُوجب على الدولة اتخاذ التدابير اللازمة لتحمل المسئولية الجنائية في ذلك”.

يُذكر أنه سبق للمفوضية المصرية للحقوق والحرياترابط خارجي (منظمة غير حكومية، مقرها القاهرة)، أن ادعت بتاريخ 30 أغسطس 2017 أن “378 شخصًا، بينهم 4 نساء، “اختفوا قسرا” بمصر، خلال الفترة من 1 أغسطس 2016 وحتى منتصف أغسطس 2017″؛ وقالت إن “87 شخصا لا يزالون رهن الاختفاء القسري” حتى اليوم، فيما تم التوصل إلى الباقين، وبعضهم محبوس على ذمة قضايا. كما زعم مركز الشهاب لحقوق الإنسان (رابط خارجيغير حكومي) أن “عدد حالات الإختفاء القسري في مصر منذ 2013 وحتى أغسطس 2017، بلغ نحو 5500 حالة، منها 44 مختف قسريا، تم قتلهم خارج نطاق القانون”.

وفي سياق متصل، أصدرت حملة “أوقفوا الاختفاء القسري”رابط خارجي، التي أطلقتها المفوضية المصرية للحقوق والحريات في اليوم الدولي لضحايا الإختفاء القسري لعام 2015 عدة تقارير نشرتها على الإنترنت حول جريمة الإختفاء القسري في مصر، شملت الفترات منذ 30 يونيو 2013، وحتى 1 أغسطس 2018، بإجمالي 1520 حالة، وادعت أنها رصدتها ووثقتها في 3 تقارير، تم إصدارها.

ما هو التعريف القانوني للإختفاء القسري؟

يُعرّف الاختفاء القسري (Forced disappearance/ Enforced disappearance) في القانون الدولي لحقوق الإنسان، بأنه “اختطاف شخص ما، أو سجنه سرًا، على يد دولة أو منظمة سياسية أو طرف ثالث لديه تفويض أو دعم أو إقرار من دولة أو منظمة سياسية، مع رفض الجهة المختطفة الإعتراف بمصير الشخص ومكان وجوده، وذلك بغرض وضع الضحية خارج حماية القانون”. وكثيرًا ما ينطوي الإختفاء القسري على جريمة قتل، وفي هذه الحالة يُعتقل الضحية بشكل غير قانوني، وغالبًا ما يعذب أثناء استجوابه، ثم يُقتل وتُخفى جثته.

وترقى جريمة الاختفاء القسري، إلى الجرائم ضد الإنسانية، وذلك وفقًا لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، المُعتمد في 17 يوليو 1998، والذي حدد الجرائم ضد الإنسانية بأنها “أي فعل من الأفعال متى ارتكبت في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي ضد أية مجموعة من السكان المدنيين”.

من جهتها، عرّفت المحكمة الجنائية الدولية، الاختفاء القسري بأنه: “إلقاء القبض على أي شخص/أشخاص، أو احتجازه، أو اختطافه من قبل دولة أو منظمة سياسية، أو بإذن أو دعم منها لهذا الفعل أو بسكوتها عليه، ثم رفضها الإقرار بحرمان هؤلاء الأشخاص من حريتهم أو إعطاء معلومات عن مصيرهم أو عن أماكن وجودهم بهدف حرمانهم من حماية القانون لفترة زمنية طويلة”.

وجاء في نظام روما الأساسي، للمحكمة الجنائية الدولية، لسنة 1998، أن تورط قوات الشرطة في القبض على الأفراد وتعمّدها إنكار ذلك أو حجب حقيقة ما حدث للمقبوض عليهم عند سؤال ذويهم، ممَّا يترتب عليه وضع هؤلاء خارج حماية القانون هو الأمر الذي يرقى إلى تعريف الإختفاء القسري والذي يُعدّ أحد الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي تعتبر من بين الجرائم ضد الإنسانية.

وفي الإتفاقية الأمريكية بشأن الاختفاء القسري للأشخاص، التي دخلت حيز التنفيذ في 28 مارس 1996، اعتبرت الدول الموقعة عليها أن جريمة الإختفاء القسري هي “إهانة للضمير وجريمة بغيضة ضد كرامة الإنسان الملازمة له”، كما رأت أن ممارستها “تتعارض مع مبادئ وأهداف ميثاق منظمة الدول الأمريكية”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية