مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هجوم القنيطرة.. عملية مزارع شبعا… ثم ماذا بعد؟

جنود إسرائيليون يُعالجون زميلا لهم أصيب بجروح في الهجوم الذي شنه مقاتلون تابعون لحزب الله بالصواريخ على دورية إسرائيلية في مزارع شبعا على الحدود الإسرائيلية اللبنانية يوم 28 يناير 2015. swissinfo.ch

قبل أن ينفّذ حزب الله العملية العسكرية في مزارع شبعا المحتلة في جنوب لبنان يوم الأربعاء 28 يناير الجاري، والتي سقط فيها قتيلان إسرائيليان وجرح سبعة جنود آخرين، كان السؤال الذي تردد كثيراً على الشفاه كما على الاذهان هو: كيف، وليس هل، سيرد حزب الله وحليفته إيران على الضربة المُوجعة التي تلقياها، حين قتلت مروحة إسرائيلية بالصواريخ يوم الأحد 25 يناير الماضي ستة من قادتهما وكوادرهما في مرتفعات الجولان السورية؟

الكثيرون في بيروت، وبينهم المحلل السياسي البارز والخبير بشؤون حزب الله علي الأمين، أعربوا عن اعتقادهم أن ضربة الجولان كانت مؤلمة للغاية لكلٍ من الحزب وطهران. فإضافة إلى وجود قادة عسكريين (أو أمنيين) ميدانيين لبنانيين وإيرانيين في صفوف الضحايا، إلا أن سقوط جهاد عماد مغنية، نجل القائد العسكري في حزب الله رابط خارجيعماد مغنية الذي اغتالته إسرائيل العام 2008، سيضع الطرفين في وضع حرج للغاية شعبياً وسايكولوجيا.

فالحزب، وعلى رغم تهديداته المتعددة لم يرد حتى الآن على عملية اغتيال مغنية الأب. وبالتالي، فإن سكوته الآن أيضاً على اغتيال مغنية الأبن الذي لايتجاوز عمره العشرينيات، والذي يقال أنه سُلٍّم في مثل هذه السن المبكرة ملف جبهة الجولان، كان سيكون له صدى مُحبطاً للغاية في صفوف مقاتليه كما بين بيئته الشيعية الحاضنة في لبنان.

ثم إن إيرانرابط خارجي نفسها اهتمت بإحاطة جهاد مغنية بكل التكريم والإهتمام الممكنين، خاصة قائد الحرس الثوري الإيراني الشهير قاسم سليماني، الذي حرص (على سبيل المثال) أن يقف جهاد إلى جانبه خلال تلقيه العزاء بوالدته (قاسم)، إلى درجة جعلت البعض يعتقدون أن جهاداً هو ابنه.

علاوة على ذلك، يشهد حزب الله اللبناني في هذه المرحلة أزمات عديدة، تؤثٍّر هي الأخرى كثيراً على نفوذه وسمعته في بيئته الحاضنة اللبنانية. فعدد كوادر الحزب الذين سقطوا في الحرب السورية التي يخوضونها إلى جانب النظام السوري، ناهز الآن الألف مقاتل (والبعض يقول 1300 مقاتل)، إضافة إلى آلاف الجرحى. هذا من دون أن يبدو أن ثمة نهاية في الأفق لهذا النزف المتواصل للحزب: لا حرباً بمعنى الحسم العسكري (كما وعد قادته مرارا) ولا سلماً في إطار تسوية سياسية ما للأزمة السورية.

وإلى الجانب العسكري ذي الأكلاف البشرية الباهظة، هناك الجانب المالي. فقد أدى الهبوط الشاهق (والمخطط له على ما يبدو بين الرياض وواشنطن لإفلاس إيران وروسيا) لأسعار النفط من 115 دولاراً قبل ثلاثة أشهر إلى ما دون الـ60 دولاراً الآن، إلى دفع إيران إلى خفض كبير نسبياً لدعمها المالي لحزب الله، على رغم أنها تعتبر هذا الحزب الإنجاز الأكبر لـ”ثورتها الإسلامية”، سواء في المجابهة مع إسرائيل أو في معركة الرهائن الشهيرة في بداية الثمانينيات مع الغرب.

وقد أجبر خفض الدعم الحزب على تقليص معدلات الرواتب لكوادره، والخدمات الإجتماعية لجمهوره، وتمويل بعض السياسيين اللبنانيين المحسوبين عليه (أشارت نيوزويك، على سبيل المثال، إلى أن سياسياً درزياً كان يتقاضى 60 ألف دولار شهرياً من الحزب، لايحصل الآن سوى على 15 ألف دولار، مع نصيحة له من الحزب بضرورة الإعتماد على نفسه قريبا).

عاصفة كاملة

كل هذه المعطيات تشي بأن حزب الله اللبناني كان يُواجه أصلاً قبل ضربة الجولان، ما يُمكن أن يكون “عاصفة كاملة” على الصعد البشرية والإقتصادية والعسكرية كافة. فما بالك الآن وقد وضعته عملية اغتيال نجل قائده العسكري، الذي بات تنسج حوله الأساطير، في موقع حرج للغاية؟

ولذا، كانت عملية شبعا متوقعة، كي يثبت حزب الله أن حربه في سوريا لم تفقده المبادرة كلياً في مجال ميزان القوى مع إسرائيل. وفي الوقت نفسه، جاءت عملية شبعا المحدودة مطابقة تماماً لتوقعات المحللين التي رجّحت أن ينفذ هذا الأخير عملية لا تدفع إسرائيل إلى شن حرب شاملة عليه، لأنه غارق حتى أذنيه الآن في المستنقع السوري ولايستطيع بالطبع، وهو الحزب الصغير، أن يخوض حرباً مع دولة إقليمية كبرى على جبهتين.

وهذا ما حدث بالفعل. فالعملية حدثت في منطقة أكد القرار الدولي 1701 الذي أنهى حرب 2006 أنها متنازع عليها وخاضعة للتفاوض (لبنان يعتبر مزارع شبعا جزءاً من أراضيه، وإسرائيل تقول إنها سوريّة تابعة للجولان السوري المحتل)، وبالتالي فهي خارج نطاق الخط الأزرق الدولي الذي حدده القرار 1701. هذا إضافة إلى أن الحزب أبلغ قوات الطواريء الدولية قبل العملية أن هجومه سيكون محدوداً وأنه لاينوي التصعيد إذا لم تصعّد إسرائيل.

من جهتها، بدت إسرائيل كأنها تمارس ضبط النفس،(لكن ظاهريا) حين قصرت ردها على إطلاق 50 قذيفة مدفعية على الأراضي اللبنانية. بيد أن العديد من المراقبين يعتقدون أن هذه الخطوة كانت مدروسة بدقة كي تقنع الولايات المتحدة بأنها ليست الطرف الذي يفاقم المخاطر في الشرق الأوسط بل إيران. وهذا كان واضحاً حين أصدرت تل أبيب بيانين متناقضين: الأول يقول إنها لن ترد أكثر من ذلك على عملية حزب الله، والثاني حين أبلغت الولايات المتحدة ضمناً (عبر رسالة إلى مجلس الأمن) بأنها “تحتفظ بحق الدفاع عن النفس”، ثم حين اتهم نتنياهو إيران بالوقوف وراء التصعيد الراهن في لبنان وسوريا.

الموقف الإسرائيلي هذا تطابق مع تحليلات المراقبين غداة عملية الجولان، حين أعربوا عن شكهم بأن الهدف الحقيقي لتل أبيب من وراء هجوم القنيطرة، لا يتمثل في منع حدوث هجمات سورية – لبنانية مشتركة ضدها في الجولان، كما أعلنت، بل جرّ إيران وحزب الله إلى حرب إقليمية تسفر عن نسف أي فرصة لإبرام إتفاق تاريخي بين إيران والولايات المتحدة حيال الملفين النووي والإقليمي.

ومما عزز هذه الفرضية، الأنباء التي تواترت مؤخراً عن أن واشنطن وطهران أحرزتا تقدماً كبيراً من وراء الكواليس في المفاوضات، وأنهما قد تتوصلا إلى اتفاق ليس في شهر يوليو المقبل (كما تقرر حين مُددت المفاوضات سبعة أشهر)، بل في وقت قريب قد لا يتجاوز شهر مارس المقبل.

المبادرة إسرائيلية

إذا ما كانت هذه المعطيات صحيحة، والأرجح أنها كذلك، فهذا يعني أن الدولة العبريةرابط خارجي، وليس إيران ولا حزب الله، ومعها ربما بعض الدول العربية الإقليمية، هي التي ستعمل ليل نهار من الآن وحتى يونيو المقبل (موعد انتهاء المفاوضات النووية الإيرانية- الغربية) على زرع الأفخاخ والعقبات أمام مثل هذا الإتفاق. والسبب بسيط وواضح: أي اتفاق من هذا النوع، سيؤدي بالفعل إلى إعلان الوفاة الرسمية للنظام الشرق الأوسطي الراهن الذي تهيمن عليه الآن كأمر واقع إسرائيل والسعودية، وبدء ولادة نظام إقليمي جديد تتوازن فيه القوى الإسرائيلية والإيرانية والتركية (وإلى حد ما العربية) بإشراف الولايات المتحدة.

هذا التطور المحتمل تعتبره الدولة العبرية بمثابة رصاصة الرحمة ليس فقط على مشروعها الصهيوني الكبير الهادف إلى الحفاظ على هيمنتها المباشرة (في الهلال الخصيب) وغير المباشرة (في الشرق الأوسط الكبير)، بل أيضاً على اعتماد الولايات المتحدة التاريخي عليها كوكيل إقليمي رئيس لها في الشرق الأوسط.

أشهر حُبلى بالمفاجآت..

لقد بدأنا حديثنا بالتساؤل عن أسباب الكيفية التي قرر فيها حزب الله الرد على ضربة الجولان الموجعة. وهذا بالطبع كان سؤالاً مهماً ودقيقا. لكن يتبيَّن الأن أن ثمة سؤالاً مهما آخر: كيف قد تواصل إسرائيل محاولة جرّ إيران وحزب الله والمنطقة إلى أتون انفجار كبير يخلط كل الأوراق، ويعيد رسم الخرائط وموازين القوى لصالحها، ويُجبر أوباما على ابتلاع طموحاته بأن يكون لإيران في اوائل القرن الحادي والعشرين ما كانه نيكسون- كسينجر للصين في منتصف القرن العشرين.

هدف إعاقة الصفقة هذا تتقاطع حوله مصالح العديد من القوى الأخرى، (علاوة على إسرائيل) مثل بعض أجنحة الحرس الثوري الإيراني، والمملكة السعودية، والمُجمّع الصناعي- العسكري الأمريكي الذي يمثّله الحزب الجمهوري، وحتى روسيا التي تخشى أن تؤدي الصفقة الإيرانية- الأمريكية إلى ابتعاد إيران عن فلكها.

كل هذه المعطيات تشي بأن الشهور الأربعة المقبلة التي تفصلنا عن الموعد المقرر لانتهاء المفاوضات النووية، ستكون حُبلى بالكثير الكثير من المفاجآت في الشرق الأوسط، بما في ذلك احتمالات الحرب انطلاقاً من جبهة الجولان- شبعا، التي تحوّلت بعد عملية حزب الله إلى “جبهة واحدة”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية