مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هل تستمرّ العلاقات الأمريكية السويسرية كالمُعتاد بعد عهد أوباما؟

وزير الخارجية الأمريكي (على اليسار) جون كيري، يمازح نظيره السويسري ديديي بوركهالتر في المنتدى الإقتصادي العالمي بدافوس، سويسرا، يوم 21 يناير 2016. Keystone

من سيدخل البيت الأبيض بعد انتخابات نوفمبر المقبل: هيلاري كلينتون أم دونالد ترامب؟ قد لا تهم النتيجة كثيرا طالما لم تُمسّ المصالح السويسرية. على كل، تميزت العلاقات الثنائية بين برن وواشنطن في السنوات الأخيرة بنزاعات وتجاذبات طال أمدها في المجالين المصرفي والضريبي.

“فاتكا”.. صُداع جديد للمغتربين الأمريكيين

لازال دخول قانون الإمتثال الضريبي المعروف اختصارا بـ “فاتكارابط خارجي” حيز التطبيق، وهو القانون الذي يطالب المؤسسات المالية في شتى أنحاء العالم بتبادل المعلومات حول حسابات المواطنين الأمريكيين التي تزيد قيمتها عن 50000 دولار، إلى جانت تشريعات أخرى في المجال الضريبي، يتسبب في صداع للمغتربين الأمريكيين في سويسرا.

يقول ريد أدامس، وهو مواطن أمريكي مقيم في جنيف، إن الأمريكيين يُعاملون كـ”مصدر تسمم” من قبل المصارف السويسرية (وبنوك أخرى حول العالم)، وذلك أساسا بسبب العقوبات الصارمة التي هددت بها الولايات المتحدة في حال عدم استجابة المصارف لمطالبها حول تسليم المعلومات.

وأضاف قائلا: “أعرف حالة أمريكي كان سيُوظف من قبل شركة سويسرية، لكن موفر معاشات الشركة قال: “لا لتعيين أمريكيين في الشركة”. لذلك فإن الشركات السويسرية تُحرم من خيار التعاقد مع أفراد موهوبين سبق وأن كانت لهم صلة بنظام الضرائب الأمريكي”.

من جهتها، تقول سوزي ليفين، السفيرة الأمريكية في برن: “إن المصارف السويسرية مثل “يو بي إس”، و”كريدي سويس”، و”فونتوبيل”، و”كوميرسبانك” كانت مقتنعة بقبول عملاء أمريكيين، وبعدم اتخاذ قرارات تستند إلى جنسية صاحب الحساب”. وأضافت في السياق نفسه: “إننا نعتقد أن عددا متزايدا من البنوك سيحذو نفس الحذو مع مرور الوقت”.

المصارف السويسرية – القضية

يستمرّ التّحقـيق مع حوالي اثني عشر مصرفا سويسريا بتهمة مساعدة مواطنين أمريكيين على التهرب من الضرائب. فهل يمكن أن تعكر هذه القضايا صفو العلاقات الثنائية بعد انتخاب الرئيس الجديد؟

كريستا ماركفالدر، النائبة عن الحزب الليبرالي الراديكالي ورئيسة الجمعية البرلمانية السويسرية “سويسرا-الولايات المتحدة”، لا تعتقد ذلك حيث تقول: “لقد هدأ النقاش، على الرغم من رفض البرلمان السويسري لما يُسمى بـ “ليكس الولايات المتحدة” [وهو القانون العاجل الذي اقترحته الحكومة الفدرالية عام 2013 لتسوية النزاع الضريبي مع واشنطن]”.

رولان بوشيل، النائب من حزب الشعب السويسري (يمين محافظ) ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب (الغرفة السفلى في البرلمان الفدرالي)، يعتقد أيضا أن النزاع الضريبي قد تم تجاوزه. وقال إن كلا البلدين “طويا الصفحة”، مضيفا أن العلاقات “أصبحت أفضل حالا بكثير”.

في المقابل، يظل لوتسي شتام، وهو نائب من حزب الشعب أيضا والعضو في لجنة الشؤون الخارجية، يظل مُتشككا، ويقول: “أشعر بخيبة أمل إزاء الولايات المتحدة والكيفية التي وضعت بها سويسرا وغيرها من البلدان تحت الضغط. لقد سمعت مرات عديدة في الماضي أن هذا هو الحل النهائي لـ[المنازعات المصرفية والضريبية]، ولكن المناقشات تبدأ من جديد مرارا وتكرارا. لا يمكنك الوثوق في الولايات المتحدة في هذا السياق”.

المصارف السويسرية – الخلفية

بعد فرض غرامة مالية على مصرف “يو بي إس” قدرها 780 مليون دولار في عام 2009، فرضت الولايات المتحدة عقوبات مالية على أكثر من 80 مصرفا سويسريا تجاوزت قيمتها الإجمالية 5 مليارات دولار، في إطار النزاع القائم بشأن مساعدة عملاء أمريكيين على التهرب الضريبي.

وفي يناير 2016، أنهت وزارة العدل الأمريكية أخيرا برنامجها الخاص بالبنوك السويسرية، وهو اتفاق حول صفقة دبلوماسية وُضعت عليه اللمسات الأخيرة في عام 2013 ويخص المصارف السويسرية التي لها حسابات بحوزة مواطنين تحايلوا على السلطات الضريبية الأمريكية.

التجارة بين البلدين – القضية

في الأثناء، يستمر نمو العلاقات الثنائية في مجالي الأعمال والتجارة، فقد استوعبت الولايات المتحدة العام الماضي 13,5% من المنتجات السويسرية (دون سلع الذهب والمجوهرات)، وهو ما يمثل ارتفاعا في القيمة بنسبة 6%. وعلى النقيض من ذلك، انخفضت الصادرات السويسرية إلأى باقي أنحاء العالم بـ 2,6% في عام 2015، وبـ 5% باتجاه ألمانيا، أكبر سوق منفردة للسلع السويسرية.

محتويات خارجية

ومن القضايا التجارية التي يمكن أن تلقي بظلالها على الشراكة الأطلسية للتجارة والإستثمار (TTIP)، اتفاق التجارة الحرة بين الولايات المتحدة وأوروبا الشامل الذي لايزال قيد المناقشة. وتوجد سويسرا حاليا في “وضعية مُعلّقة”، بحيث تراقب المحادثات التي لا يُمكنها المشاركة فيها مباشرة، في انتظار ما إذا كان بوسعها الإنضمام لاحقا للشراكة الأطلسية للتجارة والإستثمار. لكن المسؤولين قلقون من الأضرار المُمكنة للإتجار والإستثمار.

ومع احتدام الحملة الإنتخابية الرئاسية الأمريكية، أثارت التصريحات ذات النزعة الحمائية والشعبوية الصادرة عن مرشحين لرئاسة البيت الأبيض قلق بعض المراقبين السويسريين.

في هذات السياق، تقول ماركفالدر: “لدينا الإنطباع بأن الولايات المتحدة بلد منفتح جدا على التجارة [الحرة]، ولكن إذا ما نظرتم إلى حالات محددة، وأيضا إلى الحملة الحالية، ستلاحظون وجود حركة تناهض فتح الأسواق”.

التجارة بين البلدين – ترامب أو كلينتون؟

مارتن نافيل، الرئيس التنفيذي للغرفة التجارية السويسرية الأمريكية، مقتنع بأن الشراكة التجارية الإيجابية سوف تستمر بغض النظر عن المرشح الذي سيخلف باراك أوباما في البيت الأبيض بعد انتخابات نوفمبر 2016.

ويعتقد نافيل أن هيلاري كلينتون تتمتّع بسجل سياسي حافل كعضوة في مجلس الشيوخ ووزيرة خارجية، على حد سواء، والأرجح أن تواصل سياسات باراك أوباما الداعمة للأعمال الدولية. وأضاف في تصريحات لـ “swissinfo.ch”: “إنها تدرك تماما أن هذا يخلق مواطن العمل والثروة، بدلا من إغلاق الحدود أمام التجارة”.

وخلافا لبعض المعلقين الآخرين، لا يشعر نافيل بانزعاج من احتمال فوز دونالد ترامب بالإنتخابات الرئاسية، إذ يقول: “لقد ألقى ترامب خلال حملته الكثير من الخطب التي أثارت قلق العديدين، ولكنه لن يأخذ مطرقة كبيرة ويحطم كلّ شيء. قد يكون متهورا جدا من خلال تصريحاته، وقد لا يُحبّ البعض أسلوبه، ولكنّه واقعي إلى حدّ بعيد ما يجعله لا يفكر في تغيير العالم. وفي الأساس، يتمتع الكونغرس والمحكمة العليا بتأثير أكبر على التجارة الخارجية أكثر من أي شخص يجلس في البيت الأبيض”.

التدريب المهني – القضية

تبنت إدارة أوباما فكرة التدريب المهني والتلمذة الصناعية، وطلبت مساعدة السويسريين لمحاولة مضاعفة عدد الشبان الأمريكيين الذين يختارون هذا المسار. وفي سبتمبر 2015، وقعت الدولتان على إعلان نوايا مشترك – وهو اتفاق للعمل معا، ولتبادل المعرفة حول التعلم القائم على العمل.

في المؤتمر الدولي الثاني حول التعليم والتدريب المهني رابط خارجيالذي استضافته مدينة فينترتور (كانتون زيورخ) في شهر يونيو 2016، وجّه نائب وزير العمل الأمريكي، كريس لو، الشكر لسويسرا، واصفا الإتفاق بأنه “التزام تاريخي للعمل مع نظرائنا الذين يعلمون كل صغيرة وكبيرة عن التلمذة الصناعية”. وقد روّجت شركات سويسرية مثل “نستله” و”بوهلر”، و”تأمينات زيورخ”، بنشاط لنظام التدريب المهني في الولايات المتحدة.

التدريب المهني – المضي قدما

تعتقد السفيرة الأمريكية لدى برن، سوزي ليفين، أن سويسرا لديها أفضل نموذج تلمذة صناعية يمكن تكييفه لاعتماده في الولايات المتحدة. وهي تُقر بأنه من الصعب معرفة كيف ستسير الأمور في المستقبل في ظل إدارة جديدة، ولكنها تؤكد وجود “دعم هائل من طرف الحزبين” [الديمقراطي والجمهوري] لخطط التلمذة الصناعية في الولايات المتحدة.

المزيد

المزيد

التكوينُ المهني السويسري أصبح مُتاحا بالإنجليزية

تم نشر هذا المحتوى على من الآن فصاعدا، سيتمكن طلبة التلمذة الصناعية في سويسرا تعلّم مهنة المُستقبل بالإنجليزية، رغم أنها ليست لغة رسمية في الكنفدرالية. (SRF/جولي هانت، swissinfo.ch)

طالع المزيدالتكوينُ المهني السويسري أصبح مُتاحا بالإنجليزية

الملكية الفكرية

من المواضيع التي قد تتسبب في تعكير الأجواء بين برن وواشنطن مسألة حماية الملكية الفكرية. فعلى الرغم من أن سويسرا تقوم بتكييف قوانينها، أصرّ مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة، بدعم من مجموعات الضغط الأمريكية في مجال الموسيقى والأفلام، ومن أعضاء الكونغرس، على إضافة سويسرا هذا العام إلى “قائمة المراقبة” الموضوعة من قبل الحكومة الأمريكية. ويزعم أصحاب حقوق تأليف ونشر أمريكيون أنهم مُنعوا من إنفاذ حقوقهم ضد متعدّين على الإنترنت. وتعتقد الولايات المتحدة أن شعبية سويسرا باتت تتزايد كبلد مُضيف لمواقع إلكترونية تعرض نُسخا مقرصنة للموسيقى، والأفلام، وألعاب الفيديو.

الملكية الفكرية – هل سيكون ترامب أكثر تشددا؟

في السياق، أعرب بعض المراقبين عن قلقهم من إقدام مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة على إضافة المُدافع عن حقوق الملكية الفكرية في سويسرا إلى قائمة تخضع للمراقبة، جنبا إلى جنب مع دول مثل البرازيل، وكندا، وتركيا، في آخر نسخة من “التقرير الخاص رقم 301 عن حماية حقوق الملكية الفكرية الأمريكية حول العالم”. رابط خارجي

ووفقا لمنشور مراقبة الملكية الفكرية على شبكة الإنترنت، فإن التقرير وقائمة المراقبة أكثر من مجرد أجندة التزامات، بل “يُمكن، في حالات نادرة، أن تمتد لتشمل عقوبات تجارية”. ولكن في خطاب ألقاه حول الإقتصاد في شهر يونيو 2016، وأثار تعليقات على نطاق واسع، هدد دونالد ترامب باستخدام “كل سلطة رئاسية قانونية لمعالجة النزاعات التجارية”.

سويسرا – الولايات المتحدة

ما بين عامي 1700 و2015، هاجر حوالي 460000 مواطنا سويسرا إلى الولايات المتحدة. واليوم، يُقدّر عدد الأمريكيين من ذوي الأصول السويسرية بحوالي مليون شخص. وفي عام 2015، كان عدد المواطنين السويسريين المقيمين في الولايات المتحدة 80218، أي زهاء 10% من مجموع المغتربين السويسريين في العالم.

في القرن التاسع عشر، تطورت علاقات صداقة بين “الجمهوريتين الشقيقتين” – سويسرا والولايات المتحدة – على أساس قيم مشتركة، مثل الديمقراطية، وسيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان.

في عام 1822، فتحت سويسرا أول قنصليتين لها في الولايات المتحدة، في مدينتي واشنطن ونيويورك. وبعد مرور ستين عاما، افتتحت الكنفدرالية سفارتها في واشنطن، التي كانت أول سفارة سويسرية خارج القارة الأوروبية.

في العقود القليلة الماضية، قدمت سويسرا “مساعيها الحميدة” (الوساطة الدبلوماسية وتسهيل الجهود)، ومثلت مصالح دولة في دولة أخرى – مصالح الولايات المتحدة في كوبا (والعكس بالعكس)، وإيران في مصر، والولايات المتحدة في إيران، وروسيا في جورجيا (والعكس بالعكس).

في شهر يناير 2016، صرح جون كيري ، وزير الخارجية الأمريكي: “تُعرَف سويسرا بالتزامها العميق بحل المشاكل العالمية المعقدة. فهي دائما تقدم المساعدة”. كما قدم الشكر لسويسرا على جهودها لاستضافة المفاوضات التي جرت مع الوفد الإيراني حول اتفاق لضبط برنامج طهران النووي.

(المصدر: وزارة الخارجية السويسرية)

(ترجمته من الإنجليزية وعالجته: إصلاح بخات)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية