مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هل يتحول نزيف الأدمغة العربية إلى رديف للتنمية في بلدانها؟

وم تكويني نظمته شركة "أدهوك" السويسرية بالبلاد التونسية 18 اكتوبر 1998.

في وقت لا تزال الأنظار مشدودة إلى مخاطر هجرة العقول من بلدان الجنوب إلى الشمال، ترتسم في الأفق مؤشرات مرحلة جديدة يُحتمل أن تصبح فيها البلدان المصدرة لأعداد هائلة من الكفاءات العلمية والتقنية مستفيدة بدورها من الظاهرة.

هذا التحوّل البطيء في الحقيقة لم يلفت أنظار معدي التقرير الذي أصدرته في الأشهر الأخيرة جامعة الدول العربية والذي كشف أن نحو 50% من الأطباء العرب، و23% من المهندسين و15% من العلماء يهاجرون سنويا إلى أوروبا وامريكا وكندا، وإلى أن 54% من الطلبة العرب الدارسين في الجامعات الغربية لا يعودون إلى بلدانهم.

وبالفعل لم يتوقف التقرير في المقابل عند الفرص التي يمكن أن تنجم عن وجود هذه الأعداد الضخمة من النخب المؤهلة في البلدان المتقدمة وإمكانية استفادة بلدانها ومجتمعاتها الأصلية منها في نقل المعرفة والتكنولوجيا والمساهمة في بناء الإقتصاديات العربية والنهوض بها.

ونظرا لما تتميّز به التجربة السويسرية في مجال البحث العلمي والشراكة من أجل التنمية مع بلدان الجنوب، يذهب البعض إلى أنها قد تكون من أوائل المرشحين لولادة هذا التحوّل ورعايته. فهذا النموذج يحرص على استثمار امكانات البحث العلمي في إيجاد حلول فعالة ومبتكرة لقضايا التنمية في بلدان الجنوب، وينطلق من قناعة راسخة بتبادل الخبرات والمنافع. فمن جهة، يستفيد الجنوب من المعارف والإمكانات المتطورة للمؤسسات العلمية في الشمال، ومن جهة أخرى، يستفيد الشمال من الإمكانات البشرية الطموحة والواعدة في الجنوب.

على أساس من هذه الروح المنفتحة في التعاون والشراكة، تتبلور تجربة الشركة السويسرية الدولية للإستشارات المعلوماتية “أدهوك أنترناشيونال” وتبني مشروعاتها بنجاح في منطقة الشرق الاوسط وشمال إفريقيا.

وللوقوف على خفايا هذه التجربة وإنجازاتها والمجالات التي تنشط فيها، كان لـ Swissinfo.ch هذا الحوار مع نبيل ورهاني، وهو عالم تونسي وأحد المؤسسين لشركة “أدهوك انترناشيونال”.

swissinfo.ch: ما هي محاور اهتمام مؤسستكم بالضبط؟

نبيل ورهاني: نحن نهتم بتحسين وتطوير المنظومات الإعلامية من ناحية السرعة والإستقرار، وكذلك تحسين الخدمات المقدمة للمستخدمين النهائيين. فقد اشتغلنا مثلا على تصاريح إدارة الجمارك في المملكة المغربية، بما يسمح للاعوان بمتابعة عملهم بسرعة وبشكل منظّم ومدروس.

مشروعاتكم في سويسرا كثيرة، وناجحة، لماذا تتجهون للعمل في بلدان مثل المغرب وتونس؟

نبيل ورهاني: هناك سببان رئيسيان لذلك. السبب الأوّل، أخلاقي، إذ أن عددا كبيرا من مؤسسي “أدهوك أنترناشيونال” هم من أصول مغاربية وعربية، ونشعر باستمرار بواجبنا تجاه بلداننا في ضرورة نقل المعرفة والعلم إليها، بما يسمح لها بالتقدم عِـلميا وتوقير فرصة للباحثين والطلبة فيها لاكتساب معارف متطوّرة.

كذلك من بين المسؤولين بهذه الشركة تونسيون، أرسلتهم بلادهم لمواصلة تعليمهم الجامعي في ألمانيا وغيرها وأنفقت عليهم الدولة مِـنَـحا رسمية، وهؤلاء يشعرون بأن عليهم دَيْـن تجاه بلدهم لابد من الوفاء به. السبب الأوّل إذن، الإسهام بفعالية ومن موقع متقدّم في النهوض ببلدان المغرب العربي.

أما السبب الثاني، فهو ذو طابع اقتصادي، ويتمثل في السعي إلى التوسع للعمل في الأسواق الناهضة أو الناشئة، مما يساعد على تحقيقق استقرار مالي واقتصادي في تلك المجتمعات، خاصة خلال الأزمة الإقتصادية الحالية. وتعتبر بلدان المغرب العربي الآن، إلى حد كبير، أسواقا مضمونة لأنها لم تتضرر كثيرا من الأزمة العالمية، ثم إن المشروعات التي نحن بصدد القيام بها هناك، تتطوّر بشكل متواصل ومستقر.

ما هي ابرز المشروعات التي تسهرون على إنجازها الآن في كل من تونس والمغرب؟

نبيل ورهاني: أغلب مشروعاتنا في تونس مع البنوك، مثل البنك القومي الفلاحي BNA، وينصب عملنا على تطوير منظومته المعلوماتية المعتمدة في مختلف الوكالات التابعة له، وأيضا على مستوى خدماته المصرفية الإلكترونية.

وقد بدأ هذا المشروع سنة 2007، عندما واجه البنك مشكلة في سرعة الخدمات المعلوماتية واستقرار نظامها، وقد حققنا من خلال تدخّلنا نجاحا كبيرا، كان سببا في تعزيز حضورنا في السوق التونسية، مما دفع بمؤسسات أخرى إلى الإقبال على خدماتنا، كالبنك العربي بتونس ATB والبنك التجاري، وكذلك الشركة التونسية للكهرباء والغاز وأيضا إدارة البريد التونسية، والتي انطلق عملنا معها منذ اسبوع تقريبا.

هذا عن تونس، وماذا عن المملكة المغربية؟

نبيل ورهاني: في المغرب، يتركز شغلنا الأكبر مع وزارة المالية التي تتبع حاليا خطة محكمة لتطوير المنظومات الإعلامية في المجالات المالية، خاصة فيما يتعلّق بإدارة الجمارك وإدارة الضرائب غير المباشرة.

وقد وضعت الوزارة منظومة معلوماتية مركزية في مسعى منها لمحاربة الفساد المالي وظاهرة التهرّب الضريبي، لكن هذه المنظومة التي دخلت حيّز العمل سنة 2007، واجهتها مشكلة تمثلت في محدودية قدرتها الإستيعابية بعد تزايد عدد المستخدمين لها. تدخّل “أدهوك أنترناشيونال” كان إذن من اجل إصلاح هذا الخلل وتوسيع قدراتها الإستيعابية.

وقد شكّل المؤتمر الدولي لإدارات الجمارك، الذي عقد هذه السنة بمراكش، فرصة لنا لعرض مشروع “بدر”، الذي يلخّص الحلول التي تقدّمنا بها لإدارة الجمارك في المغرب، وقد لاقت كلمتنا امام المؤتمر، الإستحسان والإعجاب.

كذلك نجحت شركتنا في تأسيس منظومة معلوماتية مركزية لمصلحة إدارة نفقات الدولة وأصبحت بفضل ذلك هذه النفقات خاضعة إلى نظام معلوماتي مركزي وموحّد، وهذا أيضا في إطار استراتيجية تهدف إلى الحد من الفساد المالي وضمان الشفافية في رصد ومراقبة عمل إدارات المالية في المملكة.

تشتغلون مع مؤسسات إستراتيجية كوزارات المالية والبنوك، وتسعون لوضع حلول للحد من الفساد المالي، لكن هناك في بلدان العالم الثالث قوى معيّنة مستفيدة من الوضع السائد. ألم تشعروا بان هناك من يحاول عرقلة مشروعاتكم؟

نبيل ورهاني: قد تكون هذه القوى موجودة فعلا، لكن ما لاحظته مثلا في المغرب وفي تونس في السنوات الأخيرة، هو أن هناك إرادة سياسية قوية لفرض هذه المنظومات، هذه الإرادة همّشت إلى حد كبير القوى المحافظة وحدّت من فضاء تدخّلها في التخطيط والإدارة.

لقد انبهرت شخصيا بالإرادة التي تقف وراء هذه المشروعات، والذين يشرفون عليها أشخاص أكفاء بعضهم كان يعمل في مؤسسات مالية دولية كبيرة ومشهورة في بلدان مثل كندا وامريكا وفرنسا، عادوا إلى بلدانهم خصيصا لمتابعة هذه المشروعات. أعتقد أن هناك من الإرادة ووضوح الرؤية، ليس بمقدور أي قوى جذب إلى الوراء أن تعرقل تقدمها.

تتميّز خدماتكم بطابعها العلمي المتقدّم، هل لديكم أي تعاون مع جامعات في منطقة المغرب العربي؟

نبيل ورهاني: لدينا شراكة علمية مع العديد من الجامعات في تونس. مع المدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس ENIS، وفي كل سداسية، تذهب مجموعة من الباحثين العاملين في الشركة، سواء انطلاقا من مختبرنا بتونس أو من العاملين في مقرنا الرئيسي بسويسرا، لتقديم دروس ومحاضرات في التكنولوجيا المتقدمة وفي المعلوماتية في صفاقس، كما أنه لدينا تعاون واسع مع المدرسة الوطنية للمهندسين بتونس ENIT، بالإضافة إلى ذلك، نوفّر للطلاب المتفوّقين فرصا لإستكمال دراستهم وإنجاز بحوثهم العلمية بالخارج أو توفير فرص لإجراء فترات تدريبية وتربصات لدينا في الشركة ومختبراتها، وهذه الشراكة العلمية تنظمها اتفاقيات وعقود، وتتبع إداريا لإحدى مقارّنا الثلاث الموجودة بتونس.

أما على مستوى المغرب، فنعتقد ان نجاحنا أخيرا في تأسيس فرع لشركتنا في المملكة، سوف يساعد على إرساء تعاون علمي مع الجامعات المغربية، ولدينا في هذا الإطار خطة واضحة تتمثّل في تصدير المعرفة العلمية الدقيقة والمتطوّرة لهذه البلدان، في مقابل الإستفادة من الطاقة البشرية الموجودة فيها، بعد تكوينهم والإرتقاء بكفاءاتهم، لكي يكونوا في مستوى العمل في مشاريعنا على عين المكان.

انتماء عدد كبير من العاملين في مؤسستكم إلى بلدان المغرب العربي، إلى أي حد يُعدّ عاملا مساعدا في تسهيل هذا التعاون وتعزيزه؟

نبيل ورهاني: يتوقف نجاح أي مشروع علمي أو اقتصادي في 40% منه على الأقل، على فهم البعد الإنساني. والخطوة الأولى في أي مشروع، تبدأ بفهم معاناة المستعمل للمنظومة المعلوماتية التي يطلب منا إصلاحها او تطويرها، وفي مرحلة لاحقة، لانحاز التحسينات المطلوبة، قد نضطر، نظرا لمحدودية القدرات البشرية الخاصة، إلى الإستعانة بالقدرات البشرية المحلية، هنا، تطرح أهمية أسلوب التخاطب والتعامل مع المحليين، بشكل لا يخلق سوء تفاهم أو شعور لديهم بالدونية. هذا الأمر يتطلب فهما إنسانيا وحساسية كبيرة، كأن تفهمهم بانك هناك لمساعدتهم وإنجاح عملهم، وليس للتسلّط عليهم وإملاء اشياء عليهم. إن إيجاد هذا الرابط الإنساني مع المسؤولين المحليين، يمثّل 40% إلى 50% من فرص نجاح المشروع.

بالإضافة إلى هذا البعد الإنساني، ما هي المزايا التكنولوجية التي تميّزكم على منافسيكم السويسريين والأوروبيين عموما؟

نبيل ورهاني: تعد مؤسستنا سبّاقة ورائدة على المستوى التكنولوجي، هذا في سويسرا، فضلا عن بلدان اخرى. فلدينا مختبر للإبحاث، مقرّه في تونس، يزوّدنا بدراسات متقدمة على مستوى سرعة المنظومات واستقرارها، وهو ما خوّل لنا تحقيق سبق كبير، مقارنة بمنافسينا من السويسريين والأوروبيين، وهذا ما جعل ثاني أكبر مصرف في سويسرا “كريدي سويس” يعتبرنا “المزوّد صاحب الأفضلية” على مستوى اختصاصنا. وعندما ذهبنا إلى بلدان المغرب العربي متسلحين بهذا المستوى التقني والعلمي، لم نواجه منافسة حقيقية.

وجود مقرّكم الرئيسي في سويسرا، الا يمثّل في حد ذاته مصدرا آخر لتميّزكم؟

نبيل ورهاني: من دون شك، المزايا السويسرية بما هي جودة عالية ودقة متناهية، هي سرّ نجاحنا، ونحرص على الإلتزام بها، أينما وُجدنا.

أذكر يوما أنه دعانا مدير مصلحة الجمارك في المغرب وقال لنا “أنتم بعملكم هذا والتزامكم بالمواعيد الزمنية للمشروع وبالميزانية المخصصة له وبالمواصفات المتفق عليها، قد أرسيتم معايير جديدة في انجاز المشروعات، على مستوى المملكة المغربية كلها”، هذه المزايا التي ذكرت هي الوصفة التي يجب التزامها، إذا أريد النجاح لأي مشروع.

تحدثم كثيرا عن استثماراتكم في بلدان المغرب العربي، لكن لم تشيروا إلى بلدان الخليج مثلا، رغم الفرص الإستثمارية الهامة فيها، لماذا؟

نبيل ورهاني: أبدا، نحن لم نستبعد من اهتمامنا هذه المنطقة من الشرق الاوسط، لكن جغرافيا، يتركّز اهتمامنا الآن على منطقة المغرب العربي، وتحديدا تونس والمملكة المغربية، ولدينا دعائم لوجستية هامة لتوسيع عملنا في شمال إفريقيا، لكن في دول الخليج كذلك توجد إمكانات وفرص هامة وسوق ضخمة، لاشك أن مؤسستنا سوف توليها في السنوات القادمة الأهمية التي تستحق، لكن ليس قبل 2012 و2013.

عبد الحفيظ العبدلي – swissinfo.ch

الدكتور نبيل ورهاني من مواليد عام 1972 بطبرقة في تونس
حصل على شهادة الباكالوريا “شعبة علوم” في يونيو 1995 في تونس
حصل على منحة حكومية للدراسة في ألمانيا
التحق بجامعة ميونيخ حيث درس المعلوماتيات لمدة سبع سنوات
في أواخر عام 1998، التحق بجامعة نوشاتيل بسويسرا لتحضير شهادة الدكتوراه
في عام 2003 حصل على شهادة الدكتوراه

“أدهوك أنترناشيونال”، شركة سويسرية دولية للإستشارات المعلوماتية ، مقرّها الرئيسي بمدينة بازل، الواقعة شمال سويسرا، وهي متخصصة في تطوير المنظومات المعلوماتية.

ونظرا لما تتميز به هذه المؤسسة من خبرة علمية عالية، وتجربة واسعة في العمل مع المؤسسات الحكومية والخاصة، وسعت هذه الشركة من مجال عملها ليشمل حاليا أوروبا ومنطقة الشرق الاوسط، وبنت خلال السنوات الاخيرة شراكات عمل مع العديد من البلدان.

تنشط “أدهوك انترناشيونال” اليوم في كل من فرنسا، وألمانيا، وتونس والمملكة المغربية، وتوظّف 70 مستشارا علميا 40% منهم من أصول عربية، وكلهم خبراء في مجال البرمجة والمنظومات المعلوماتية. وحتى الآن اشرفت هذه المؤسسة على إنجاز أزيد من 450 مشروع.

عدد من هذه المشروعات يوجد بتونس تم بتعاون مع بنوك وإدارات رسمية ومؤسسات تعليمية، وفي المغرب بالتعاون مع وزارة المالية “مشروع الإدارة المدمجة للنفقات” وإدارة الجمارك “مشروع بدر”.

بالإضافة إلى انتشارها في أوروبا، تمتلك هذه المؤسسة ثلاثة فروع في تونس، وأسست اخيرا فرعها الاوّل في المملكة المغربية، وتخطط قريبا للدخول إلى السوق الليبية، كما لا يستبعد دخولها إلى السوق الخليجية بداية من سنة 2012.

في ما يلي بعض الجهات المستفيدة من خدمات “أدهوك انترناشيونال”

في سويسرا:

ثاني اكبر مصر “كريي سويس”

مدينة لوزان

مجموعة Mutuel للتامينات الصحية

شركة هيلسانا للتامينات الصحية

شركة “سويس لايف” للتامينات

مؤسسة الخدمات المالية بزيورخ

غدارة البريد السويسرية

خارج سويسرا:

وزارة المالية المغربية

إدارة الجمارك بالمملكة المغربية

البنك الفلاحي بتونس

البنك التجاري بتونس

إدارة البريد بتونس

شركة الكهرباء والغاز بتونس

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية