مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تراجع حقوق الإنسان في مصر يُقابل بالصمت والتجاهل

منذ الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي في 3 يوليو 2013 وحل حزب الحرية والعدالة واعتبار الإخوان المسلمين "جماعة إرهابية" في وقت لاحق، شهد ملف "حقوق الإنسان" في مصر تدهورا مُلفتا، فيما تراجع دور النشطاء والمدافعين عن الحريات بمن فيها المنظمات الحقوقية. Keystone

اتفق خبراء قانونيون وسياسيون وإعلاميون وناشطون حقوقيون، على أن العام الماضي شهد تراجعا ملحوظا في ملف "حقوق الإنسان" في مصر؛ وأن وقائع الاحتجاز والإعتقال والتعذيب والقتل، تصاعدت بشدّة، فضلاً عن تراجع دور النشطاء والمدافعين عن الحريات، خاصة المنظمات الحقوقية، الأمر الذي جعلها في مرمى سِهام النقد من جانب المنظمات الحقوقية الدولية.

وتعجب الخبراء، من حالة “الإنبطاح الكامل” و”الصمت المريع” من جانب “المؤسسة القضائية، على كلّ المجازر التي حدثت وتحدث في مصر، منذ الثالث من يوليو 2013، يوم الإنقلاب على الرئيس المنتخب محمد مرسي”، مطالبين بفتح ملف العمل الحقوقي في مصر، لفرز الجادّين من أصحاب “البيزنس الحقوقي” و”البوتيكات” التي تتاجر بحقوق الإنسان، وتُجمّل الوجه القبيح للإستبداد.

الإنقلاب كشف الجميع

وفي رده على سؤال يتعلق بتقييمه للإدانات الدولية لصمت المنظمات الحقوقية المصرية على انتهاك الحقوق والحريات في البلاد منذ عزل الرئيس محمد مرسي، أكد الناشط الحقوقي هيثم أبو خليل أن “الأمر تجاوز الإدانات والتقارير، فلم تعُد تهم. نحن نريد لجنة تقصّي حقائق دولية لأهالي مصر المنكوبين”، مشيرا إلى أن “هناك ضغوطا سياسية تمارس على الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان والمفوضية السامية” لحقوق الإنسان.

 نريد لجنة تقصّي حقائق دولية لأهالي مصر المنكوبين هيثم أبو خليل

وعن تقييمه لأداء المؤسسة القضائية في مصر، بعد مرور أزيد من عام على عزل مرسي؛ اعتبر أبو خليل، مدير مركز “ضحايا حقوق الإنسان” في القاهرة، في تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch أن “المؤسسة القضائية شريك أساسي في الإنقلاب العسكري الذي وقع في الثالث من يوليو 2013 على الرئيس المنتخب محمد مرسي”، وأضاف أن “العسكر يقتل بالرصاص والقُضاة يقتلون بالقانون بالإعدامات.. العسكر يقمعون الحريات بالإعتقالات والقُضاة بقرارات الحبس والتجديدات والأحكام الجائرة”، على حد قوله.

في السياق، أشار الناشط الحقوقي إلى أن “القضاة هُم من مرروا استفتاء مزورا وانتخابات مزورة، فضلاً عن الإنبطاح الكامل والصمت المُريع على كل المجازر التي حدثت وتحدث في مصر منذ يوم الإنقلاب وحتى اليوم”. وعزا اختفاء المدافعين عن الحريات والحقوق، خاصة من الجمعيات والمؤسسات الحقوقية عن المشهد السياسي اليوم، إلى “الخوف من سطوة البيادة”، معتبرا أن “الإنقلاب فضح وكشف الجميع”.

غلبة “السياسي” على “الحقوقي”

على صعيد آخر، أوضح الكاتب والمحلل السياسي أحمد طه، أن “العام الماضي شهد تراجعا شديدا في ملف “حقوق الإنسان” بمصر، حيث تصاعدت بشدّة وقائع الإحتجاز والإعتقال والتعذيب والقتل بأيدي قوات الأمن، وهو الأمر الذي جعلها في مرمى سهام النقد من جانب المنظمات الحقوقية الدولية، إلا أن الغالبية العظمى من المنظمات الحقوقية في مصر، لاذت بالصمت المُطبَق تجاه ما يجري من انتهاكات حقوقية صارخة”، مستغربا إصدار إحداها “بياناً عجيباً عقِب المذبحة الشنعاء التي نتجت عن فضّ اعتصام “رابعة”، قالت فيه إن عملية الفضّ تمت وفقاً للمعايير “الدولية”؟!!

وفي تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch، عزا المحلل السياسي هذا الصمت إلى عدّة أسباب، في مقدمتها غلبة “السياسي” على “الحقوقي”، وتقديم الإنحيازات “الأيديولوجية” على القضايا “المبدئية”، مشيرا إلى أن “تلك المنظمات تؤيد التحالف العسكري – الأمني وسياساته، نكاية في فصيل سياسي بعينه (الإخوانرابط خارجي)، وقد يكون الصمت ناتجاً عن رغبتها في الحصول على مكاسب اقتصادية ومالية جرّاء صمتها أو رهبتها من البطش والقمع”.

وأضاف طه، “أما الأنكى، فهو حضور العامل الأيديولوجي القائم على الكيْل بمِكياليْن، إذ يقول لسان حال تلك المنظمات إن هذه الإنتهاكات لن تتجاوز أنصار فصيل سياسي ولن تمتد إلى الفصائل الأخرى، وكأن أنصار ذلك الفصيل مواطنون من الدرجة الثانية من حيث الكرامة والحقوق.. وربما هم أشخاص بلا كرامة أو حقوق من الأصل!”.

المتاجرون بحقوق الإنسان

وتابع أحمد طه قائلاً: “أما الأمر الذي يدعو إلى الدهشة والأسف معاً، فهو أن بعض الذين كانوا “أسُوداً” في الدفاع عن الحريات في عهد الرئيس السابق محمد مرسي، صاروا الآن “حِملاناً” فلم نسمع لهُم صوتاً، وهو ما يدلّ على أن مواقفهم السابقة، لم تكن لأسباب “مبدئية”، وإنما كانت لأسباب “شخصية” أو “أيديولوجية”، من قبيل الكيْد السياسي ومعارضة الشغب والنكاية”، على حد قوله.

أخيرا، خلُص الكاتب والمحلل السياسي إلى أن “مواقف المنظمات الحقوقية تجاه ما يجري من انتهاكات شديدة، تدعو إلى فتح ملف العمل الحقوقي في مصر، لفرْز الحقوقيين الجادّين من الآخرين الذين يدورون بين أصحاب “البيزنس الحقوقي” و”البوتيكات (المحلات)” التي تتاجر بحقوق الإنسان و”الخلايا الدولية النائمة”، التي ظاهِرها الدفاع عن حقوق الإنسان وباطِنها خدمة القمع والبطش وتجميل الوجه القبيح للإستبداد”.

مَن يعارض النظام.. “خائن وعميل”

من جانبه، يرى الكاتب الصحفي عماد الصابر، أن “معظم الجمعيات والمنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان، تم إخصائها بالإتهام وبالتمويل الأجنبي أولاً، ومن ثمّ بات تأييدها للرئيس الجديد هو المَخرَج الوحيد من أزمتها. وعندما فاز الرئيس السيسي، زادت الأمور وكأنها تعود دورتها الأولى في العهود البائدة، وبالتالي، بات مَن أيّد في حرج بالغ من أن يعود للمعارضة من جديد، وهو ما يُظهرهم بمظهر الموافق على ما يحدث، خاصة أن مَن يعارض اليوم، فهو إما متهم بانتمائه للإخوان أو بمساندة الإرهاب!”.

مَن يُعارض اليوم في مصر فهو إما متهم بانتمائه للإخوان أو بمساندة الإرهاب عماد الصابر

وفي تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch، قال الصابر، نائب رئيس تحرير جريدة الكرامة: “النشطاء السياسيون ينطبِق عليهم ما ينطبِق على الجمعيات الحقوقية. فمعظمهم في السجون أو مهدّدون بالسجن إذا ما عبّروا عن رفضهم لِما يحدث، خاصة أن النظام الحاكم استطاع بفعل الإعلام أن يُجيّش رأيا عامّا، يعتبر أن مَن يعارض النظام خائن وعميل، فيما أصبح مصطلح (المواطنين الشرفاء) يُطلق على مَن يواجه أي فعالية حقوقية، عبْر سبِّهم وشتمهم واتِّهامهم بالعمالة ومطالبة الرئيس بالقبض عليهم.. حتى صِرنا تحت حُكم نظام أراه فاشيا بموافقة شعبية”، على حد تعبيره.

“ناشت حكوكي”..

عماد الصابر تابع قائلا: “لقد صارت عبارة “ناشت حكوكي” أسلوبا للسخرية ممّن يطالب بحرية التعبير عن الرأي، أو أي شيء آخر فيه معارضة للنظام الحاكم، وبالتالي، لم تعد هناك قناة أو برنامج يستضيف هؤلاء.. من هنا جاء اختفاؤهم مخطّطا ليُصوِّرهم ضمن مشهد الموافقين على ما يحدث، فيما هُم يصرخون داخل الندوات والمؤتمرات ويصدرون البيانات، لكن أحد لا يعبَأ بهم…”.

ويختتم قائلاً: “وعن قانون التظاهر، يكفي أن تعلم أن عدد مَن قبض عليهم الأسبوع الماضي (في أوائل شهر يوليو 2014) أمام قصر الاتحادية، فاق كل التوقعات، ومعاملة الأمن (شرطة وجيش) للمتظاهرين، لا تتم مع مَن يُضبط متلبسا بالتجسس، وأصبحنا نعيش عصرا فاشيا بامتياز، تُحيطه موافقة شعبية، ولو كانت مصنوعة ولو لم ينزل الشعب لمقاومة القانون، فهناك من ينزل بالأمر لمُواجهة مَن يعارضه، سواء شرطة في ملابس مدنية أو من الذين يلعبون مع مَن يدفع أكثر”.

“العصا الغليظة للإنقلاب”

على صعيد آخر، يرى الخبير القانوني الدكتور السيد مصطفى أبو الخير أن “الأحكام الشديدة والمتكرِّرة وشِبه اليومية التي تصدر بحقّ الشباب المعارض من القضاء المصري، أحكام سياسية وليست قانونية أو قضائية، فهي تفتقر لأبسط قواعد وأبجديات المحاكمات العادلة، وتفتقر لأي ضمانة من ضمانات العدالة، إنما غرضها التنكيل بالمعارضة ومحاولة إجبارها على قبول الإنقلاب”، معتبرا أن “القضاء في مصر مِن أخطر وأهَم آليات الثورة المضادة والعصا الغليظة للإنقلاب، لتأديب وترويض المعارضة”.

في تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch، قال أبو الخير، المحامي بالنقض والدستورية العليا “لقد أخطأ قادة الانقلاب ومعهم القضاة في استخدام الأحكام لترهيب الثوار، وخاصة الشباب، بعد أن رأوا الموت في أكثر من مذبحة؛ في الحرس الجمهوري، رابعة، النهضة، رمسيس، والقنص اليومي للشباب في الشوارع”، مشيرا إلى أنه “كان على قادة الإنقلاب أن يفهموا أن هذا الشباب الذي لم يخش الموت لا يُرهبه ولا يُخيفه ما هو دونه”.

عن رأيه في الإعتقالات التي طالت البنات والطالبات والنساء، وما يتردد من مزاعم عن تعذيبهن واغتصابهن في السجون، قال: “هذه الإعتقالات تتم بدون تُهمة، ومد الحبس الإحتياطي بلا نهاية غير دستوري، لأنه يجعل من الحبس الإحتياطي عقوبة، بينما هو تدبير احترازي، خاصة وأن هناك اتفاقيات دولية صادقت عليها مصر، منها اتفاقية مناهضة التعذيبرابط خارجي، كما أن الإغتصاب جريمة ضد الإنسانية، ولكنهم يستخدمون هذه الأساليب لترهيب المعارضة ورافضي الإنقلاب”، على حد قوله.

محكمة مصرية تقضي بإعدام 12 في قضية مقتل ضابط شرطة كبير

القاهرة (رويترز) – قالت مصادر قضائية إن محكمة مصرية قضت يوم الاربعاء 6 أغسطس 2014 بإعدام 12 متهما في قضية تتعلق بمقتل ضابط شرطة كبير خلال أحداث العنف التي تلت عزل الرئيس المصري السابق محمد مرسي المنتمي لجماعة الاخوان المسلمين.
وتعود القضية إلى شهر سبتمبر 2013 حين قتل ضابط شرطة برتبة لواء أثناء اقتحام قوات الأمن لبلدة كرداسة التابعة لمحافظة الجيزة لضبط عناصر خارجة على القانون بعد الاعتداء على مركز للشرطة هناك في أغسطس آب.
وأضافت المصادر أن محكمة جنايات الجيزة المنعقدة بمعهد أمناء الشرطة في طرة بالقاهرة برئاسة المستشار معتز خفاجي قررت أيضا معاقبة 10 متهمين بالسجن المؤبد وبراءة متهم واحد. وهذا الحكم قابل للطعن أمام محكمة النقض.
واقتحمت قوات شرطة يدعمها الجيش بلدة كرداسة التي كان يهيمن عليها اسلاميون لإعادة بسط السيطرة عليها. وخلال تبادل لإطلاق النار مع مسلحين قتل اللواء نبيل فراج مساعد مدير أمن الجيزة.
وقالت المصادر القضائية إن المتهمين كانوا يواجهون اتهامات من بينها “قتل اللواء فراج عمدا مع سبق الإصرار وتشكيل جماعة إرهابية والاعتداء على رجال شرطة وحيازة أسلحة.”
وأضافت أن سبعة من المحكوم عليهم بالإعدام كانوا يحاكمون حضوريا بينما كان يحاكم الخمسة الباقون غيابيا.
واستهدف اقتحام كرداسة التي تبعد 14 كيلومترا عن القاهرة إلقاء القبض على متهمين بقتل 11 من رجال الشرطة بالبلدة في أغسطس 2013 بعد فض اعتصامين بالقاهرة والجيزة لمؤيدي مرسي الذي عزل في يوليو 2013 بعد احتجاجات شعبية حاشدة على حكمه.
وأطلق مسلحون قذائف صاروخية على قسم شرطة كرداسة واقتحموه وقتلوا الضباط والأفراد الذين كانوا فيه يوم فض الإعتصامين في 14 أغسطس 2013.
وعقب عزل مرسي قتل مئات من أعضاء ومؤيدي جماعة الاخوان في احتجاجات واعتقل آلاف آخرون وأحيلوا للمحاكمة.‭‭‭ ‬‬‬كما قتل المئات من أفراد الجيش والشرطة في هجمات نفذها متشددون.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 6 أغسطس 2014)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية