مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“جرائم حرب وضد الإنسانية ارتُـكـبـت في غزة وربما جرائم إبادة” أيضا!

Keystone

توصل التقرير، الذي طلبت الجامعة العربية إعداده عن الحرب الإسرائيلية على غزة، وعينت له خبراء دوليين مرموقين، إلى نتيجة مفادها أن إسرائيل "ارتكبت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بل لربما جرائم إبادة"، لكن التقرير الذي اشتمل على عدد من التوصيات ينتظر تحرك الجامعة العربية لتفعيلها.

فقد توصلت بعثة تقصي الحقائق التي أرسلتها جامعة الدول العربية إلى قطاع غزة في أعقاب عملية “الرصاص المصبوب” التي خاضتها إسرائيل في موفى عام 2008 وبداية 2009، إلى استنتاج يفيد بأن “بعض أعضاء قوات الدفاع الإسرائيلية قد ارتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وربما أيضا إبادة جماعية”.

هذا ما ذكّر به في جنيف، أمام الصحافة صباح الأربعاء 3 يونيو 2009، رئيس بعثة تقصي الحقائق القاضي الجنوب افريقي جون دوغارد الذي كان يشغل منصب المقرر الخاص لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

مسؤولية الدولة والأفراد في إسرائيل

ويورد التقرير المكون من حوالي 250 صفحة والذي قدّم للجامعة العربية في 30 أبريل الماضي تحت عنوان “لا مكان آمن” في خلاصته أن “من ارتكبوا تلك الجرائم مسؤولون فرديا عن أعمالهم وشأنهم في ذلك شأن من أصدروا الأوامر أو حثوا على ارتكاب مثل تلك الجرائم”، ويخص التقرير بالذكر “القادة العسكريين والزعماء السياسيين”.

ومن الأمثلة التي ساقها السيد جون دوغارد أمام الصحافة، استهداف المباني المدنية والمستشفيات وسيارات الاسعاف، بل حتى حالات القتل المتعمدة. وخص بالذكر حالة عائلة عبد ربه التي قال “إن جنودا على متن دبابة حاصروا منزل عائلة عبد ربه وطلبوا من سكانها المغادرة. ولما خرج الأب وزوجته وأبناؤه، كان أحد الجنود يتناول قطعة شكلاطة والثاني كيس بطاطس مجفف بينما شرع الثالث في رشهم بالرصاص مما أدى الى مقتل بنتيه”. وهو تصرف اعتبره “غير مبرر ولا يدخل في إطار ما تردده إسرائيل من أنه “يأتي في سياق الدفاع عن النفس”. وأضاف السيد دوغارد بأن “الشهادات من هذا النوع كثيرة”.

من جهة أخرى، حمّل التقرير دولة إسرائيل المسؤولية أيضا “في ارتكاب أفعال محرمة دوليا” بسبب تصرف قواتها المسلحة. وسواء فيما يتعلق بجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية بل حتى جرائم الإبادة، اشار التقرير إلى أنه “لا يساور اللجنة أدنى شك في أن مثل هذه الأفعال يمكن أن تُعزى لإسرائيل طبقا لقواعد مسؤولية الدولة التي وضعتها لجنة القانون الدولي”.

وعن إمكانية استخدام أسلحة محرمة، أفاد السيد دوغارد أن التحريات التي تم القيام بها بمساعدة خبراء، والشهادات التي تم الإستماع لها لا تسمح بتأكيد استخدام ذخيرة “الدايم DIME” غير أنه أكد استخدام القوات الإسرائيلية لقنابل الفوسفور الأبيض مُشيرا إلى أنها “استخدمتها للتمويه الدخاني وليس كذخيرة قتال”.

جرائم حرب من قبل أفراد حماس؟

على صعيد آخر، وعلى الرغم من توضيح التقرير بأنه ليس من مهمته تقدير وضع حماس اثناء هذه الحرب، إلا أنه تطرق إلى مسؤولية الأفراد (من مختلف الفصائل الفلسطينية) الذين يطلقون صواريخ القسام وغراد، “دون تمييز على إسرائيل”، واعتبر أن لهم “مسؤولية جنائية عن تصرفاتهم وينبغي محاسبتهم عليها بمقتضى القوانين التي تحكم ارتكاب جرائم حرب”.

في المقابل، شدد التقرير على أنه “عند الحكم على مسؤولية حماس والمناضلين الفلسطينيين، لابد من الأخذ بعين الاعتبار لعدد من العوامل التي يمكن أن تخفف من استحقاقهم للّوم المعنوي، ولكن ليس لمسؤوليتهم الجنائية”.

ومن هذه العوامل ذكر التقرير “الحق في استخدام القوة عندما يتم قمع التمتع بحق تقرير المصير، شريطة احترام المقاتلين لقواعد القانون الانساني الدولي”، وأشار بالمناسبة إلى التباين الكبير في عدد الإصابات الإسرائيلية (4 قتلى و182 جريح)، بينما ارتفع العدد على الجانب الفلسطيني إلى 1400 قتيل (من بينهم 800 مدني)، وأكثر من 5000 جريح.

توصيات في الإنتظار

ونظرا لأن التقرير أُنجز بطلب من جامعة الدول العربية، فإن الجهة الوحيدة التي قدّم إليها هي الجامعة التي تتخذ من القاهرة مقرا لها، ومع أنها تولت إرساله للعديد من الأطراف، فمن المتوقع أن لا تتحرك تلك الجهات (الأممية وغيرها) تلقائيا لاعتماد ما جاء فيه من توصيات، نظرا للمواقف الصادرة عن المحافل الأممية بخصوص ملفات الشرق الأوسط حتى اليوم.

وفي انتظار معرفة ما الذي ستفعله جامعة الدول العربية بالتوصيات التي أدرجتها لجنة تقصي الحقائق في التقرير الذي أعدته، يُشار إلى أنها تطرقت إلى مسائل مهمة من بينها:

– أنه بموجب الفقرة 9 من إتفاقية الإبادة الجماعية يجوز للدول الأطراف في هذه الاتفاقية ان تتخذ إجراءات أمام محكمة العدل الدولية، لتحديد ما إذا كانت إسرائيل مسؤولة عن ارتكاب أعمال إبادة جماعية.

– دعوة مجلس الأمن الدولي لتحويل قضية الانتهاكات الإسرائيلية في غزة الى المحكمة الجنائية الدولية، حتى لو كان من المسلم به أن دولة من الدول الدائمة العضوية قد تستخدم حق الفيتو ضد قرار من هذا النوع، إذ كما قال جون دوغارد “هذا سيعمل على فضح ازدواجية المعايير المستخدمة في هذا المحفل”.

– دعم الجامعة العربية لطلب السلطة الوطنية الفلسطينية، الرامي لقبول صلاحية المحكمة الجنائية الدولية في التطرق للإنتهاكات المرتكبة على ترابها ابتداء من أكتوبر 2002.

وتضمن التقرير أيضا توصية للجامعة العربية لكي تطلب من سويسرا، بوصفها راعية معاهدات جنيف، أن “تدعو لعقد اجتماع للدول الأطراف في اتفاقية جنيف الرابعة للنظر فيما ما ورد في التقرير الحالي من وقائع”.

أخيرا أوضح السيد جون دوغارد، في رده على تساؤلات الصحفيين، بأنه “ليست هناك تحركات عملية من قبل جامعة الدول العربية لحد الآن”، وأشار إلى أن هذا التحرك قد يحدث “مع قرب انعقاد الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة في شهر سبتمبر” القادم، مُعربا عن الأسف لأن “هذا التقرير لم يلق الترويج الكافي إعلاميا”.

محمد شريف – جنيف. swissinfo.ch

ولد عام 1936 في جنوب إفريقيا ويعمل حاليا أستاذا للقانون الدولي في عدد من الجامعات الغربية.

عمِـل مديرا لمركز لاوتيرباخت للقانون الدولي في جامعة كامبريدج من عام 1995 إلى 1997.

عُـيِّـن عام 1998 صاحب كرسيٍّ في القانون الدولي العام في جامعة ليدن في هولندا.

تحصّـل على الدكتوراه الفخرية في القانون من جامعات كايب تاون وناتال وبورت إيليزابيت وبريتوريا وفيت فاترسرانت (جنوب إفريقيا).

في عام 1997، أصبح عُـضوا في لجنة القانون الدولي، التابعة للأمم المتحدة. وفي عام 2000، أصبح مقرِّرها الخاص فيما يتعلق بالحماية الدبلوماسية.

في عام 2000، عمِـل أيضا قاضيا منتدبا، للنظر في القضايا المتعلِّـقة بالأعمال المسلحة فوق أراضي الكونغو في محكمة العدل الدولية بلاهاي.

بعد اندلاع الانتفاضة الثانية في خريف عام 2000، عُـيِّـن جون دوغارد رئيسا للجنة تحقيق، شكّـلتها لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، حول أوضاع حقوق الإنسان هناك.

في عام 2001، عُـيِّـن مقرِّرا خاصا للجنة وقدّم تقارير سنوية وتوصيات إلى الأمم المتحدة، بخصوص أوضاع حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، على المستوى الدولي.

في أول جلسة خاصة عقدها مجلس حقوق الإنسان في يوليو 2006، تقرَّر إرساله على رأس مهمّـة عاجلة لتقصّـي الحقائق، لإعداد تقرير حول أوضاع حقوق الإنسان في الأراضي المتنازع عليها بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

ويوم 26 سبتمبر 2006، أورد دوغارد في تقريره أن مقاييس حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، قد تردّت إلى مستويات غير مقبولة.

في تقرير نُـشر في فبراير 2007، أعلن دوغارد أن سياسات إسرائيل تُـشبه سياسات الأبارتايد. وجاء في نفس التقرير أنه “من العسير عدمُ استخلاص أن العديد من قوانين إسرائيل وممارساتها، تنتهك معاهدة 1966، المتعلِّـقة بالقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية