مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“وجود شارة معترف بها أمر لابدّ منه لتحديد المسؤوليات وحماية الصحفيين”

صحفيو غزة المتجمعون في هذه الصورة مثل سكانها في حاجة الى حماية دولية Keystone

أشار التقرير السنوي للحملة من أجل شارة لحماية الصحفيين" لعام 2009 إلى مقتل 121 صحفيا في العالم وهو ما يمثل زيادة بنسبة 33 % عن العام السابق. هذا الإرتفاع الكبير في عدد ضحايا مهنة المتاعب أقنع بعض المترددين بالمطالبة بتحرك المجموعة الدولية لتوفير الحماية للمراسلين والإعلاميين.

قرعت الحملة من أجل شارة لحماية الصحفيين التي يوجد مقرها في جنيف جرس الإنذار بخصوص أوضاع الصحفيين العاملين في الصفوف الأمامية لتغطية الصراعات والنزاعات المسلحة والحروب والذين أصبحوا عرضة بشكل لم يسبق له مثيل لعمليات الاغتيال ليس فقط في الصراعات الدولية بل أيضا في صراعات محلية.

إذ يشيرالتقرير السنوي للعام 2009 إلى “مقتل 121 صحفيا في 25 بلدا أي بزيادة بنسبة 33% عن العام 2008”.

ويقول أمين عام الحملة من أجل شارة لحماية الصحفيين بليز لامبن في حديث لـ swissinfo.ch “هذا العدد أي 121 صحفي قتيل هو رقم قياسي لم يسبق أن تم تسجيله في عام واحد منذ أن بدأت الحملة من أجل شارة لحماية الصحفيين في إحصاء الإعتداءات على الصحفيين في العالم”.

وقد كان الرقم القياسي السابق قد سجل في عام 2007 عندما بلغ عدد القتلى الصحفيين 117 قتيلا. ولكن آنذاك كانت الحرب الأهلية العراقية على أشدها حيث سقط نصف عدد القتلى في تلك السنة في بلد الرافدين.

تدهور مستمر والأسباب متعددة

إذا كانت الحرب العراقية قد عرفت تراجعا نسبيا في استهداف الصحفيين، فإن الأوضاع بالنسبة للصحفيين في العالم لم تعرف تحسنا على الإطلاق. إذ يقول الصحفي السويسري بليز لامبن، أمين عام الحملة من أجل شارة لحماية الصحفيين: “مع الأسف الشديد أن أوضاع الصحفيين لم تعرف تحسنا وهذا لعدة أسباب: أولها حدوث أكبر مجزرة رهيبة في تاريخ الصحافة والتي وقعت في الفلبين يوم 29 نوفمبر الماضي سقط فيها 31 من زملائنا قتلى في يوم واحد إلى جانب 20 مدنيا آخرين بحيث تم إعدامهم جماعيا في عملية تصفية بين فريقين سياسيين متصارعين في منطقة تعرف صراعات مزمنة في جنوب البلاد بين المنشقين الإسلاميين والسلطة المركزية”.

وإلى جانب هذا الحادث المأساوي، استمر سقوط عدد من الصحفيين في ظل تواصل صراعات مزمنة مثلما هو الحال في باكستان او أفغانستان والصومال والشرق الأوسط وغيرها.

فئة مستهدفة بالدرجة الأولى

وعن استهداف الصحفيين في مناطق الصراعات، يقول الأمين العام للحملة من أجل شارة لحماية الصحفيين بليز لامبن “مع الأسف الشديد أن ما نلاحظه هو عدم احترام صارخ لحماية المدنيين من قبل بعض المجموعات المسلحة الراديكالية أو الإرهابية. وأن الصحفيين مثل باقي المدنيين يجدون أنفسهم وسط هذا الفخ. وقد يستهدفون خصيصا لأنهم يشكلون فئة ستثير اهتمام وسائل الإعلام أكثر من غيرها”.

ويكفي الإشارة إلى أن المنطقة العربية والإسلامية عرفت خلال الإثني عشر شهرا الماضية مقتل 9 صحفيين في الصومال، و8 في باكستان، و6 في العراق و 5 في افغانستان و4 في قطاع غزة.

وكما يقول بليز لامبن “إذا لم تعد هناك تغطية لصحفيين في هذه الصراعات في هذه المناطق سوف لن تصلنا أية شهادات عن هذه النزاعات في وسائل الإعلام وبالتالي ستتحول الى صراعات منسية، وبالأخص بالنسبة للرأي العام الغربي”.

وأمام وضعية مماثلة ما العمل؟ تساؤل يجيب عنه بليز لامبن بشيء من الحسرة ويقول: “إذا كان بعض الصحفيين قد استهدفوا لتواجدهم في المكان غير المناسب في الوقت غير المناسب أثناء حدوث اعتداء إرهابي، فإن هناك من الصحفيين من استهدفوا مباشرة للقضاء عليهم لأنهم قدموا شهادات لا تسير في اتجاه مصالح هذه المجموعات الراديكالية. وحتى القوات العسكرية النظامية في هذه البلدان وبالرغم من اتخاذ بعض الاحتياطات، لا تلبث أن ترتكب بعض الهفوات مثلما هو الحال في باكستان أو في العراق إبان التدخل العسكري الأمريكي”.

وعي في المنطقة العربية بضرورة الحماية

ليست المنطقة العربية أو الإسلامية وحدها التي عرفت استهدافا للصحفيين بحيث شهدت قارات أخرى مثل آسيا وأمريكا اللاتينية حالات مماثلة. ولكن الجديد هو أن المنطقة العربية بدأت تعي لضرورة التحرك لحماية الصحفيين بعد الحالات التي تعرض فيها مراسلون لبعض القنوات إلى استهداف مباشر في حرب العراق، أو عندما طالت الاغتيالات عددا من الصحفيين العراقيين العاملين فيما يعرف بالصحافة الحرة في أعقاب سقوط نظام صدام حسين.

في هذا السياق، يقول الأمين العام للحملة من أجل شارة لحماية الصحفيين: “بعد النزيف المأساوي الذي عرفته المهنة في العراق والذي بلغ مستوى 50 قتيل في العام الواحد وحوالي 300 قتيل منذ عام 2003، يبدو أن العراق بدأ يعرف بعض التحسن هذا العام نتيجة للتحسن الأمني العام، ولكن ايضا لأن الحكومة العراقية اتخذت بعض الإجراءات الأمنية ولأن الصحفيين تلقوا تدريبات حول الإجراءات الأمنية لتفادي الوقوع ضحية الاعتداءات مثل عدم التوجه على الفور إلى مكان وقوع الاعتداءات لتفادي الوقوع ضحية انفجار ثان بغرض إسقاط أكبر قدر من الضحايا”.

وهناك أيضا عدة حالات اختطاف لصحفيين بالمنطقة، تارة يتم الإعلان عنها وتارة أخرى تبقى غير معروفة بسبب تكتم الجهات المعنية عنها. وأمام هذا الخطر المحدق لا يبقى حسب بليز لامبن سوى الاختيار بين أمرين “إما المجازفة رغم المخاطر، أو عدم الذهاب الى تلك المناطق وهذا مع الأسف ما بدأت تتخذه العديد من وسائل الإعلام، وبالأخص وسائل الإعلام الغربية والأمريكية الكبرى التي لم تبعث بمراسلين لتغطية الأحداث في تلك المناطق ولم تعد تقوم بمهمة تقديم شهادات عما يحدث هناك”.

حملة توعية شاقة وطويلة الأمد

لتوعية الرأي العام والدول لضرورة حماية الصحفيين العاملين في مناطق النزاعات، تم إطلاق حملة من أجل إقرار شارة لحماية الصحفيين في عام 2004 من قبل عدد من الصحفيين الدوليين المعتمدين في مقر الأمم المتحدة في مدينة جنيف.

وبخصوص ما تم تحقيقه في هذه الحملة المستمرة منذ 5 أعوام ونيف، يقول أمينها العام بليز لامبن: “لقد اتضح لنا أن عمل التوعية عمل شاق وطويل المد وأن مستوى وعي الحكومات والرأي العام لضرورة حماية الصحفيين مازال ضعيفا. وما توصلنا إليه لحد الآن هو محاولة وضع هذا الموضوع ضمن اهتمامات محافل حقوق الإنسان وهذا عمل هام لو نتمكن من إقناع سفراء الدول لذلك. الجانب الثاني هو محاولة إصدار معاهدة دولية لحماية الصحفيين ولكن مع الأسف لم نفلح في العامين الماضيين في اقناع الدول بذلك… ولكن رغم ذلك سوف نواصل الجهود من أجل إدخال شارة لحماية الصحفيين في مناطق النزاعات ومن أجل التوصل إلى معاهدة دولية، ولكن رغم ارتفاع عدد الضحايا ندرك بأنه كفاح طويل الأمد”.

وفي عام 2010 تخطط الحملة من أجل شارة لحماية الصحفيين لإقناع مجلس حقوق الإنسان بضرورة إدراج نقاش حول حماية الصحفيين في مناطق الصراعات، أما على المدى البعيد فإن الهدف يتمثل في التوصل الى إنشاء فريق عمل يُعنى بمتابعة هذا الموضوع، والتوصل في نهاية المطاف ربما إلى اقتراح معاهدة دولية بهذا الخصوص.

نفاق يجب أن يتوقف

من المعلوم أنه عندما يتعلق الأمر بدور الصحفيين في جلب الانتباه الى صراعات منسية أو الى انتهاكات خطيرة ترغب الجهات السياسية وحتى الجهات الأممية في إبقائها بعيدة عن أنظار الرأي العام، هناك إجماع على تشجيع رجال الإعلام والصحفيين عموما على القيام بذلك.

ولكن عندما يتعلق الأمر بالعمل على تطوير القوانين الدولية والمعايير الدولية من أجل توفير مزيد من الحماية لهؤلاء الصحفيين في مناطق الصراعات مثلما تطالب بذلك “الحملة من أجل شارة لحماية الصحفيين” أو المنظمة التي تعمل من أجل التوصل الى معاهدة لحماية الصحفيين، يُقابل ذلك بتردد وتلكؤ بل بالرفض من قبل الدول والمنظمات بل حتى من جانب بعض المنظمات المهنية التي تعنى برعاية مصالح الصحفيين. ويتذرع البعض هنا بأن القوانين الموجودة تكفي ولا حاجة لسن قوانين أو معاهدات جديدة. بينما يرى البعض الآخر من هؤلاء المعارضين أن فرض شارة قد يعرض الصحفي أكثر للخطر عوضا عن حمايته.

عن هذه الإعتراضات يقول بليز لامبن “بعض المنظمات التي كانت تعارض تحركنا هي اليوم تطالب بحماية أكثر لأنها أدركت أن الحماية من قبل المؤسسات الوطنية قد لا تتوفر في بعض مناطق الصراعات مثلما هو الحال في الصومال وبالتالي يجب اللجوء الى حماية دولية وإلى آليات بإمكانها أن تقوم بالتحقيق وتقديم الجناة للمحاكمة بدل إبقاء هذه الجرائم التي تستهدف الصحفيين بدون عقاب”.

أما فيما يخص استخدام شارة لحماية الصحفيين على غرار شارة الصليب والهلال الأحمر التي هي محط نقاش وجدل حتى بين الصحفيين أنفسهم، فيقول بليز لامبن: “إن استخدام هذه الشارة هو استخدام طوعي، كما أن الصحفي بإمكانه التخلي عن استخدامها إذا كان يرى أنه من الأفضل بالنسبة له أن يبقى غير معروف”.

ويستشهد لامبن بأوضاع مصوري التلفزيون والمصورين عموما العاملين في الخطوط الأمامية الذين عادة ما يلتجئون الى استخدام لافتات ملفقة لا يعترف بها أحد، وغير معترف بها دوليا ولا تفرض أية تتبعات قانونية في حال تعرض الصحفي الحامل لها للخطر. ويرى أنه “في بعض الحالات يتطلب الأمر التفريق بين المقاتل والمصور أو الصحفي، ومن هذا المنطلق فإن وجود شارة معترف بها أمر لا بد منه لتحديد المسؤوليات”.

وينتهي بليز لامبن الى التأكيد على أهمية الإستمرار في القيام بالعمل الصحفي في مناطق النزاعات نظرا لأهمية الأدلة التي يقدمها الإعلام عن حجم الانتهاكات والتجاوزات المرتكبة. ويؤكد أنه “في عهد تعزيز العدالة الدولية هناك حاجة ماسة لتواجد صحفيين على عين المكان لتقديم الأدلة لهذه العدالة الدولية وللرأي العام من أجل وضع حد للإفلات من المحاسبة والعقاب عندما يتعلق الأمر بمقتل صحفيين”.

محمد شريف – جنيف – swissinfo.ch

121 قتيل في عام واحد بمعدل عشرة كل يوم
سجل سقوط الضحايا في 25 بلدا
ازداد عدد المقتولين بنسبة 33% عن حصيلة عام 2008
31 في حادث واحد وقع في الفيليبين
13 في المكسيك
9 في الصومال
8 في باكستان
7 في روسيا
6 في العراق (في تحسن تدريجي عن السنوات السابقة)
5 في كل من أفغانستان وكولمبيا
4 في كل من الهندوراس وقطاع غزة.

(المصدر: تقرير الحملة من أجل شارة لحماية الصحفيين للعام 2009)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية