مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“آن الأوان للحسم في ديون الطغاة”

الديكتاتور الفيليبيني الراحل فيرديناند ماركوس، مثال من عدة حالات لطغاة خلفوا وراءهم ديونا ثقيلة على شعوبهم. AFP

في النقاش الدائر حول ديون البلدان السائرة في طريق النمو، لا يوجد من ينتقد نظرية أو مفهوم "الدين الكريه" من الناحية الأخلاقية، لكنه لم يرتق إلى قوة القانون الذي يُـمكن تطبيقه في العالم.

منظمة غير حكومية سويسرية تعتزم اقتراح إجراء قضائي دولي لحل إشكالية “الدين الكريه” أو “غير الشرعي”، نظمت مؤخرا مؤتمرا دوليا حول الموضوع استمر يومين في برن.

في ظاهرة تكررت في العشريات الأخيرة، خلّـف طغاة وأنظمة حكم غير شرعية وراء ظهورهم ديونا ثقيلة، بعد أن نجحوا في نهب دولهم ومواطنيهم وملء جيوبهم وحساباتهم المصرفية.

وحدث في مناسبات تاريخية عديدة أن ترفض الحكومات والأنظمة الموالية تسديد هذه الديون، وهو تصرف يوصف قانونيا في إطار نظري يحمل اسم “الدين الكريه” (أو غير المشروع).

هذه النظرية كانت محل دراسة قدِّمت في عام 2002 إلى صندوق النقد الدولي، ولكنها ظلت بدون أي متابعة، كما أنها لا تكتسي أي صِـبغة مُـلزمة على مستوى القانون الدولي.

مع ذلك، تشير تقديرات توصّـلت إليها منظمة غير حكومية سويسرية تحمل اسم “العمل لساحة مالية سويسرية” (Action Place Financière Suisse)، إلى أنه يمكن تشبيه إجمالي المبالغ، التي تم إقراضها إلى بلدان سائرة في طريق النمو، بـ “ديون كريهة” تناهز قيمتها 500 مليار دولار. سويس انفو التقت في برن بأندري روتنبوهلر، المدير المشارك لهذه المنظمة وأجرت معه الحوار التالي:

سويس انفو: ما هي مبررات الاستعجال لمعالجة مسألة “الدين الكريه” في الوقت الحاضر؟

أندري روتنبوهلر: هناك واقع يتمثل في أن العديد من البلدان السائرة في طريق النمو، التي لديها ديون غير شرعية، لها في معظم الأحيان وبشكل عام، مديونية كبيرة جدا.

فمن خلال آلية الدَّين الكريه (أو غير الشرعي)، نريد أن نصل إلى هدف واضح، حيث نأمل في تمكين هذه البلدان من تقليص مديونتها بشكل ملموس.

سويس انفو: من الناحية الأخلاقية، يبدو مفهوم الدَّين الكريه (أو غير الشرعي) غير قابل للتشكيك. فما الذي يجعل من تطبيقه أمرا متعذرا جدا على المستوى الدولي؟

أندري روتنبوهلر: في القوانين الدولية، لا توجد إلى اليوم أية إجراءات للتعاطي مع ديون غير شرعية. هناك عدة أسباب أدت إلى هذا الوضع. أولا، لا يوجد توافق حول المقاييس التي تسمح بتعريف دَيْـن ما بأنه غير شرعي ودَيْـن آخر بخلاف ذلك، إذ توجد العديد من التعريفات في نفس الوقت.

إضافة إلى هذا، تخشى البلدان السائرة في طريق النمو التي تخلّـدت بذمتها العديد من الديون، أن يؤدي رفضها لدفع الفوائد أو لتسديد دَيْـن غير شرعي إلى منعها من الحصول على قروض جديدة.

سويس انفو: ما هو موقف سويسرا تجاه مسألة الدَّين الكريه هذه؟

أندري روتنبوهلر: سويسرا الرسمية (ممثلة في كتابة الدولة للشؤون الاقتصادية بالخصوص) لم تحدد موقفا من هذا الموضوع، خصوصا وأن السلطات تؤكّـد بأن سويسرا لم تمنح قروضا يمكن أن تُـعتبر دَيْــنا غير شرعي.

من جانبنا، نضع نقطة استفهام. فلنأخذ على سبيل المثال القروض الممنوحة بفضل التأمين ضد مخاطر التصدير لتمويل مشاريع مثل سُـدِّ إيليزو في تركيا أو مشاريع أخرى في الصين.

نحن نعلم أنها مضرة للبيئة وأن السلطات أرغمت مجموعات من السكان على مغادرة المواقع، لذلك، يجب التساؤل عما إذا كان هناك، شيء من عدم الشرعية.

سويس انفو: ماذا كان الهدف من هذا المؤتمر، الذي انعقد يومين، وما المنتظر منه؟

أندري روتنبوهلر: إنها المرة الأولى التي يلتقي فيها نشطاء في منظمات غير حكومية مع خبراء دوليين في مجال القانون، لمناقشة مفهوم وإشكالية الدَّين غير الشرعي.

لقد واجه النشطاء دائما مشكلة تتمثل في افتقار حملاتهم لأسس قانونية ولمعرفة جيدة بهذا المجال.

إن مشاركة هؤلاء الخبراء ستسمح لنا بتحديد السبل التي توفر حظوظا أكبر لاقتراح إجراء دولي قابل للتطبيق، فهذه الآلية ستسمح بتحديد ما إذا كان دَيْـن ما غير شرعي أم لا. أما الهدف، فسيتمثل بطبيعة الحال في التوصل إلى إلغاء هذه الديون.

يجب الإشارة إلى أن البنك العالمي أميَـل إلى معارضة هذه الفكرة، فهو يعتبر أن إلغاء هذه الديون لم يعد مطروحا على جدول الأعمال وأنه يجب التركيز على المستقبل، أي على شروط منح القروض.

هذه المقاربة ليست مقبولة من وجهة نظرنا، فليس مقبولا بالمرة إرغام البلدان على تسديد ديون غير شرعية، تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات.

سويس انفو: هل هذا الأمر غير مقبول على المستوى الأخلاقي أم على مستوى العقبات التي يضعها على طريق التنمية؟

أندري روتنبوهلر: الاثنان بطبيعة الحال. فالأموال التي يجب على البلدان المستدينة أن تدفعها مقابل الديون، لا تتوفّـر لفائدة التنمية. هكذا بكل بساطة.

سويس انفو – أجرى الحوار بيير فرانسوا بيسّـون

(ترجمه من الفرنسية وعالجه كمال الضيف)

يرتبط مفهوم الدَّين الكريه بالتزام تعهد به نظام غير شرعي أو ديكتاتوري، ولا توجد إمكانية لفرض تسديده من طرف النظام الجديد الذي جاء إلى السلطة بعده.

وضع ألكسندر ساك، أول المنظرين لمفهوم الدَّين الكريه، ثلاثة شروط يجب أن تتوفر فيه: هذا الدَّين لم يحصل على موافقة سكان البلد المعني، كما أنه لا يفيدهم بل يضرهم، أما المقرضون، فيفترض أن يكونوا على وعي بالهدف منه.

تاريخيا، تراجعت العديد من الدول عن تسديد ديون تُـعتبر غير شرعية، مثلما حدث مع المكسيك أو مع الولايات المتحدة اللذان رفضا في موفى القرن التاسع عشر، الالتزام بتسديد دَيْـن كوبا تجاه إسبانيا، القوة المستعمرة السابقة.

بعد سقوط نظام صدام حسين في العراق، طالب وزراء الدفاع والخزينة في الحكومة الأمريكية بإلغاء ديون النظام العراقي السابق، لكن المقرضين تجنبوا اللجوء إلى استعمال مفهوم الدَّين الكريه، خوفا من أن يتحول إلى سابقة في العلاقات الدولية.

بدأت هذه المنظمة غير الحكومية، التي تتخذ من بازل مقرا لها، أنشطتها في عام 1978. منذ انطلاقتها، عارضت بواسطة حملات عامة وضغوط مدروسة، تهريب رؤوس الأموال وودائع الطغاة المجمّـدة في المصارف السويسرية (دوفاليي وموبوتو وماركوس وأباشا وغيرهم).

تعتبر المنظمة أن النظام المالي السويسري يتطلب المزيد من المراقبة الديمقراطية ومن الشفافية، إضافة إلى مقاربة تتسم بالمزيد من العدل في علاقاته مع البلدان غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية بالخصوص.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية